![]() |
تأجير الورثة للعين الشائعة لبعضهم أو لغيرهم |
بعد ثبوت وفاة المورث تصير جميع أمواله تركة شائعة بين جميع ورثته كلٍ بحسب فريضته الشرعية، وفي غالب الأحيان تكون غالب أموال التركة تحت يد بعض الورثة الذين يستغلوها وينتفعوا بها قبل قسمتها، وغالباً ما تكون إجراءات القسمة في اليمن طويلة جدا بسبب إختلاف اجراءات القسمة من قسام إلى اخر أو من قاضي الى اخر ، كما تطول اجراءات القسمة في اليمن بسبب عناد بعض الورثة أو تعمد بعضهم إطالة إجراءات القسمة لحرمان بقية الورثة من الحصول على انصبتهم أو الإنتفاع بأموال التركة الشائعة.
وفي الواقع العملي من الصعب جداً تحديد وقت معين لإجراء القسمة الرضائية او الجبرية ، لأن إجراءات القسمة تختلف من تركة إلى أخرى بحسب حجم أموال التركة وبحسب تعدد النزاعات بين الورثة انفسهم أو بين الورثة وبين غيرهم بشان بشان بعض أموال التركة الثمينة.
إضافة إلى أنه من المتعذر شرعا وقانونا إجبار الورثة البالغين العاقلين على قسمة التركة خلال مدة معينة او مطلقا، ولذلك فإننا نوصي: بضرورة تنظيم كيفية واجراءات إنتفاع الورثة أو استغلالهم لأموال التركة الشائعة قبل قسمتها.
وقبل إجراء قسمة أموال التركة فأنه يجوز للورثة تأجير الأعيان الشائعة لبعضهم أو لغيرهم سيما أن الشريعة الإسلامية والقانون المدني قد اجازا للمالك على الشيوع التصرف في حصته الشائعة، ومن باب أولى فأنه يجوز للوارث تأجير حصته الشائعة إذا كان المستأجر يعلم ان العين شائعة وتكون العين الشائعة قابلة لإنتفاع المستأجر بها على الشيوع ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 27-12-2009م في الطعن رقم (37778)، فقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: (فالدائرة تجد: أن نعي الشركة الطاعنة في غير محله ، لأن النزاع امام المحكمة التجارية هي دعوى إيجار محل تجاري من قبل الورثة للشركة التابعة لمورثهم التي تحت أيدي بعض الورثة ، وقد التزمت الشركة بسداد ما عليها من إيجارات لتلك العين، ولذلك فهي ملزمة بدفع الإيجارات التي التزمت بها)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: التركة الشائعة وفقاً لأحكام الشريعة والقانون
من المقرر في الشريعة الإسلامية وفي قانون الأحوال الشخصية اليمني المستمد منها من المقرر أن أموال الشخص (المورث) تنتقل الى ورثته على الشيوع بمجرد ثبوت وفاته ، فتنتقل تركته إلى ورثته الشرعيين وفقاً لأحكام الشريعة والقانون، وعندئذٍ تكون تركة المورث أو أموال التركة كلها شائعة بين الورثة بحسب نصيب كل وارث فيها، ومعنى الشيوع في أموال التركة أن نصيب كل وارث ينتشر ويشيع في كل أموال التركة بل وفي كل جزء من اجزاء كل مال من أموال التركة.
الوجه الثاني: إستمرار حالة الشيوع بين الورثة لمدد طويلة
لأسباب كثيرة من أهمها: إتفاق الورثة على بقاء حالة الشيوع أو حدوث النزاع بين الورثة وعناد بعضهم تستمر حالة الشيوع لمدد طويلة بعد وفاة المورث، وفي الواقع العملي من الصعب جداً تحديد وقت معين لإجراء القسمة سواءً القسمة الرضائية أو الجبرية، لأن إجراءات القسمة تختلف من تركة إلى أخرى بحسب حجم أموال التركة وانواع أموال التركة واماكن وجودها ، وبحسب تعدد النزاعات بين الورثة انفسهم أو بين الورثة وبين غيرهم بشان بعض أموال التركة الثمينة ،وكذا تطول اجراءات القسمة الرضائية والجبرية بحسب إختلاف وتفاوت إجراءات القسمة من قسام إلى آخر ومن قاضي إلى آخر.
الوجه الثالث: ضرورة قيام الدولة بوضع تنظيم واضح وشفاف لكيفية إنتفاع الورثة من أموال التركة الشائعة قبل قسمتها
من المعروف أن قسمة التركة لا تتم في غالب الأحيان إلا بعد وقت طويل من وفاة المورث لكثير من الأسباب التي اشرنا الى بعضها في الوجه السابق، ولذلك تستمر حالة الشيوع لسنوات كثيرة بل لعقود من الزمن، وخلال فترة الشيوع الطويلة ينتفع بعض الورثة دون غيرهم بأموال التركة أو أن الإنتفاع بأموال التركة الشائعة لا يتم بحسب الأنصبة الشرعية للورثة في أموال التركة وبصورة عادلة، ومن المتعذر شرعا وقانونا إجبار الورثة البالغين العاقلين على قسمة التركة خلال مدة معينة حسبما سياتي بيانه.
ولذلك فإننا نوصي: بضرورة تدخل الدولة لتنظيم كيفية واجراءات إنتفاع الورثة أو إستغلالهم لأموال التركة الشائعة قبل قسمتها، على أنه يجب أن يتم هذا التنظيم على أساس إستحقاق كل وراث للإنتفاع أو الاجرة او الغلة بحسب نصيب كل وارث في المال ، وأنه يجب على من يكون تحت يده من أموال التركة الشائعة أكثر من نصيبه أن يؤدي الى الورثة الاخرين اجرة أو غلة الزيادة التي تحت يده.
الوجه الرابع: حكم تأخير قسمة التركة الشائعة
إذا كان الورثة جميعهم بالغون عاقلون فلا حرج عليهم في الإتفاق على الإستمرار في الشيوع وعدم قسمة أموال التركة كلها أو بعضها، وإن اتفق بعضهم على الإستمرار في الشيوع ورفض بعضهم ذلك فيجب إعطاء الرافض نصيبه الشرعي، وإذا كان بين الورثة قاصر فينبغي أن يقوم البالغون العاقلون بعرض الأمر على القاضي كي يتولى رعاية حق القاصر سواءً أثناء الشيوع أو عند القسمة. (الوجيز في أحكام الأسرة، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة خالد بن الوليد صنعاء، طبعة 202١م ص220).
الوجه الخامس: هل يجوز للدولة إجبار الورثة على قسمة تركة مورثهم
يجوز للقضاء أن يجبر الورثة على قسمة تركة مورثهم إذا طلب أحد الورثة القسمة الجبرية للتركة في حالة رفض الورثة الأخرون إجراء القسمة الرضائية، بيد أنه لا يجوز للقضاء أو أية جهة في الدولة إجبار الورثة على قسمة تركة مورثهم إذا لم يطلب أحد الورثة ذلك ولم يكن بين الورثة قاصر أو مفقود أو غائب.
وقد كانت في اليمن دعوات حسنة النية تنادي بضرورة تدخل الدولة لإجبار الورثة على قسمة التركة خلال فترة معينة من بعد وفاة المورث إلا أن هذه الدعوات لم تنل الإستحسان من المقنن اليمني ، لأن البديل القانوني موجود في القانون المدني الذي أجاز لأي وارث أن يطلب من القاضي المختص إجراء القسمة الجبرية لتركة مورثه مهما كان نصيبه حتى لو كان جميع الورثة الآخرون متفقون على عدم القسمة ، فضلاً عن أن قسمة التركة من مسائل الأحوال الشخصية التي ينبغي التحوط والحذر عند تعامل الدولة معها، سيما أن بعض الدول العلمانية تصرح قوانينها بإجبار الورثة على قسمة التركات لتعلق ضريبة قسمة التركة أو تصفيتها بكافة التركات ،أما في يمن الإيمان والحكمة فلا وجود لضريبة التركات. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل القسمة الجزء الثاني، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء، طبعة 2025م، ص280).
الوجه السابع: مدى جواز قيام الورثة بتأجير المال أو العين الشائعة لغير الورثة
من المتفق عليه أنه يجوز للورثة البالغين العاقلين أن يقوموا بتأجير العين أو المال المملوك لهم على الشيوع عن طريق قيامهم جميعاً بالتأجير وتوقيعهم جميعا على عقد الإيجار أو عن طريق وكيل يقوم مقامهم.
وكذا يجوز للوارث بمفرده ان بتاجير نصيبه الشائع في العين الشائعة ، فقد اجاز القانون المدني اليمني تأجير المال الشائع سواءً للوارث أو لغير الوارث، وفي هذا المعنى نصت المادة (687) مدني على أنه (يصح تأجير المشاع إلى الشريك مطلقاً وإلى الغير فيما يمكن قسمته والإنتفاع به ولو بالمهايأة ، والشريك أولى به بأجرة المثل ، وإذا كان المستأجر يجهل الشيوع عند العقد فله الخيار).
فإذا كان المال الشائع قابلاً للقسمة عند إنتفاع المستأجر كأن يقوم الوارث بتأجير نصيبه في عمارة مورثه الشائعة المكونة من عدة شقق وكان نصيب الوارث في العمارة الشائعة شقة أو اثنتين فإن ذلك يجوز ، لأن المستأجر في هذه الحالة يستطيع الإنتفاع بموجب عقد الإيجار بنصيب الوارث مع انه مازال شائعا في العمارة كلها ، وكذلك إذا قام الوارث بتأجير نصيبه الشائع في دكاكين مورثه قبل قسمتها وكان نصيب الوارث الشائع من تلك الدكاكين في حدود دكان أو أكثر فإن عقد الإيجار يصح ، لأن المستأجر سوف يتمكن من الإنتفاع بدكان من تلك الدكاكين بموجب عقد الإيجار، وكذلك إذا كانت العين المؤجرة الشائعة أو المال الشائع المؤجر قابل للمهايأة إذ يستطيع المستأجر أن ينتفع به عن طريق المهايأة ، إذ يستطيع المستاجر أن ينتفع بجزء معين من العين أو المال الشائع أو يتناوب الإنتفاع بها مع غيره، فيتحقق من عقد الإيجار مقصوده.
الوجه السابع: جواز قيام الوارث بتأجير نصيبه الشائع إلى الوارث الآخر الذي تحت يده المال الشائع
ذكرنا أن حالة شيوع التركة تستمر لمدد طويلة، وتكون خلال هذه المدة الطويلة أموال التركة تحت يد بعض الورثة دون بعضهم، ففي هذه الحالة ينتفع الوارث الذي تحت يده المال بنصيبه وأنصبة غيره من الورثة الآخرين، ولمعالجة هذا الأمر يجوز للورثة الآخرين تأجير أنصبتهم الشائعة في ذلك المال إلى الوارث الذي تحت يده المال ، حسبما أشار الحكم محل تعليقنا.
فيجوز للوارث الواحد ان يقوم بتاجير نصيبه الشائع في العين أو المال وفي هذا المعنى نصت المادة (687) مدني على أنه (يصح تأجير المشاع إلى الشريك مطلقاً وإلى الغير فيما يمكن قسمته والإنتفاع به ولو بالمهايأة ، والشريك أولى به بأجرة المثل ، وإذا كان المستأجر يجهل الشيوع عند العقد فله الخيار).
فقد صرح هذا النص بجواز تاجير الوارث لنصيبه الشائع لوارث اخر، واعطى النص السابق الاولوية للوارث في حق إستئجار العين الشائعة.
بل انه حتى ولو لم يكن هناك عقد إيجار بين الوارث المنتفع أو المستغل للمال الشائع وبين بقية الورثة، فيحق للورثة في هذه الحالة المطالبة بأنصبتهم من إجرة أو غلة العين أو المال الشائع الذي يستغله أو ينتفع به أحدهم. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل القسمة الجزء الاول ، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء، طبعة 2025م، ص١٦٣)، والله أعلم.