خشية الضرر التي تبرر فرض الحراسة القضائية

خشية الضرر التي تبرر فرض الحراسة القضائية

خشية الضرر التي تبرر فرض الحراسة القضائية

ذكر قانون المرافعات اليمني الحراسة القضائية ضمن المسائل المستعجلة ، وذلك في المادة (٢٤٠) ، وبعد ذلك نظمها القانون ذاته ضمن الوسائل التحفظية ، وذلك في المواد (من ٣٩٢ حتى ٣٩٩) ، والغرض من ذلك هو التدليل على ان الحراسة القضائية إجراء تحفظي وقتي إذا لم يتم إتخاذه في وقت طلبه فسوف يلحق بطالب فرض الحراسة ضرر ماحق يتعذر تداركه إذا تم الإنتظار حتى الفصل في موضوع الحق أو النزاع الموضوعي ، وصفوة القول أن خشية الضرر هي عماد طلب فرض الحراسة القضائية وعماد صدور هذا الأمر، ومؤدى ذلك انه يجب على القاضي التحقق والتثبت بما لايدع مجالا للشك من وجود خشية حقيقة واكيدة من الضرر وقت إصدار قرار فرض الحراسة نظرا للآثار المدمرة التي تترتب على فرض الحراسة ، والتي قد تفوق الضرر الذي كان الباعث على فرض الحراسة القضائية ، ولذلك ايضا يجب على القاضي الموازنة الدقيقة بين الضرر المطلوب حمايته بأمر الحراسة وبين الإضرار المتوقع حدوثها بسبب صدور أمرالحراسة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 22-2-2010م في الطعن رقم (36984)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (فقد وجدت الدائرة: أن الطاعن قد نعى على الحكم المطعون فيه أنه لم يناقش دفاعه الجوهري بشأن عدم توفر خشية الضرر التي تبرر فرض الحراسة القضائية على أموال الشراكة القائمة فيما بينه وبين أخيه، بإعتبار دعوى الحراسة دعوى مستعجلة حسبما ورد في قانون المرافعات، ولها عدة شروط منها وجود منازعة جديدة والخشية الحقيقية من الضرر ،وذكر الطاعن أن طلب الحراسة غير صحيح لتخلف الشرطين المذكورين حسبما ورد في عريضة الطعن، والدائرة تجد: أن هذا النعي في محله، لأن الأخوين طرفي النزاع لا يختلفان بشأن وجود الشراكة بينهما في المحلات التجارية ومنها المحلات التي تحت يد الطاعن داخل اليمن والمحلات الأخرى التي تحت يد المطعون ضده خارج اليمن، والنزاع في هذه القضية منظور امام المحكمة التجارية لإجراء المحاسبة والتصفية لأموال الشراكة، ومن المعلوم أن الحراسة حسبما ورد في المادة (392) مرافعات إجراء تحفظي وقتي ، ومن شروطها وجود حالة الخطر والخشية من إحتمال وقوع الضرر بالحق المتنازع فيه، إلا أن الشعبة لم تبحث هذه المسألة.، فقد تركتها من غير تسبيب سائغ يتضمن بيان سبب فرض الحراسة على أموال الشركة مع أن كل طرف تحت يده أموال من أموال الشركة ، ومع ان المحكمة تنظر النزاع الموضوعي بشان الشراكة وإجراءات التصفية، فلعل فرض الحراسة في هذا النزاع غير مجدٍ، لأنها سوف تخلف أعباء في تكلفة الحراسة وذلك في غير صالح رأس مال الشراكة، ولأن فرض الحراسة مقتصر على جزء من الأموال وهي الأموال الموجودة داخل الوطن تحت يد الطاعن، وذلك لا يخدم الغاية التي تم رفع الدعوى من أجلها، والأولى في هذه الحالة هو لزوم الإكتفاء بجرد محتويات المحلات التجارية التي تحت يد الطاعن وتحديد المركز المالي لها وتبقى تحت يد الطاعن وعلى مسئوليته)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: الحراسة القضائية ضمن مسائل القضاء المستعجل

القضاء المستعجل: عبارة عن قرار مؤقت يتضمن تدبير وقتي أو تحفظي يصدر في طلبات الخصوم في المسائل المستعجلة التي يخشى عليها من فوات الوقت ،حسبما هو مقرر في المادة (138) مرافعات التي أشار إليها الحكم محل تعليقنا.

وقد ذكرت المادة (240) مرافعات أمثلة على المسائل المستعجلة التي يصدر بشأنها القرار أو الحكم المستعجل، إذ نصت المادة (240) على أن : (يعتبر من المسائل المستعجلة في الحالة التي يخشى عليها من فوات الوقت ما يأتي: -5- طلب فرض الحراسة القضائية).

وشمول القضاء المستعجل على طلب الحراسة القضائية يدل على أنه يجب أن تتوفر في طلب فرض الحراسة القضائية الشروط الواجب توفرها في الطلبات المستعجلة ومن أهمها: الطابع المستعجل الذي يخشى من فوات الوقت حصول الضرر الذي يتعذر تداركه، وهذا الشرط هو مجال تعليقنا.

الوجه الثاني: الحراسة القضائية والوسائل التحفظية

 سبق القول في الوجه الاول ان طلب فرض الحراسة من المسائل المستعجلة التي ينبغي نظرها بإجراءات القضاء المستعجل وأن قرار فرض الحراسة القضائية عبارة عن إجراء وقتي وتحفظي للحيلولة دون وقوع الضرر الذي يخشي من وقوعه إذا لم يتم فرض الحراسة، ولذلك فقد نظم قانون المرافعات اليمني الحراسة القضائية ضمن الوسائل التحفظية ، فقد صرح القانون أن الحراسة القضائية مجرد إجراء تحفظي وقتي، وفي هذا المعنى نصت المادة (392) التي أشار إليها الحكم محل تعليقنا نصت على أن (الحراسة القضائية إجراء تحفظي يأمر به القاضي المختص في الأحوال المنصوص عليها في هذا القانون) ، ومعنى ذلك أنه لا يتم اللجوء إلى الحراسة القضائية على الأموال إلا إذا كانت هناك خشية حقيقة اكيدة من وقوع ضرر جسيم إذا لم يتم فرض الحراسة عاجلاً.

أما المادة (393) مرافعات فقد حددت أن القاضي المختص بفرض الحراسة القضائية هو قاضي الأمور المستعجلة للتأكيد على أن فرض الحراسة من المسائل المستعجلة التي ينبغي النظر إليها والتعامل معها على هذا الأساس ، وأنه ينبغي أن يتحقق فيها الطابع المستعجل وان طلب فرض الحراسة جدي يبين بوضوح الضرر الذي يخشى منه إذا لم يتم فرض الحراسة عاجلا، وفي هذا المعنى نصت المادة (393) مرافعات على أن (يختص بفرض الحراسة القضائية قاضي الأمور المستعجلة إذا رفعت بدعوى أصلية أو المحكمة الابتدائية إذا طلبت تبعاً لدعوى منظورة أمامها أو قاضي التنفيذ على الأموال المحجوزة ويجوز طلب الأمر بالحراسة القضائية من المحكمة الإستئنافية استثناءً تبعاً لموضوع النزاع المرفوع الاستئناف عنه أمامها).

في حين تضمنت المادة (394) مرافعات الحالات التي يتم فيها فرض الحراسة القضائية، فقد نصت هذه المادة على أن (تكون الحراسة القضائية فيما يأتي: -1- على الأموال المحجوزة للتنفيذ -2- على أي عقار أو منقول أو حق قام في شأنه نزاع أو كان غير ثابت أثناء نظر الدعوى -3- على تركة المتوفي قبل قسمتها حتى إستيفاء الديون منها -4- على أموال المدين الذي ثبت بحكم اعساره أو إفلاسه) وصيغة هذا النص توحي بعدم التوسع في فرض الحراسة القضائية في غير تلك الحالات ، فضلاً عن أن الحالات التي يجوز فيها فرض الحراسة المذكورة في النص السابق تتسم بطابع الإستعجال الذي يخشى عليها من فوات الوقت إن لم يتم فرض الحراسة.

الوجه الثالث: الطابع المستعجل للحراسة القضائية

بما أن طلب فرض الحراسة القضائية من المسائل المستعجلة حسبما سبق بيانه، لذلك فأنها تكتسب الطابع المستعجل وتسري عليها أحكام القضاء المستعجل الذي يعني تمكين الخصوم من الحصول على حماية وقتية عن طريق صدور قرارات مؤقتة وسريعة تحمي حقوقهم مؤقتا وتمنع وقوع الضرر بصفة مستعجلة دون ان تمس أصل الحق، حيث يصدر قرار فرض الحراسة بسرعة لتلافي خطر التأخير والبطء الذي تتسم به إجراءات التقاضي في الدعاوى الموضوعية، فالغرض من فرض الحراسة هو إتخاذ إجراءات سريعة لحماية الحقوق المهددة بالخطر العاجل إذا تم نظرها بإجراءات القضاء الموضوعي الطويلة التي تؤدي إلى الاضرار بمصالح الخصوم ضرراً لا يمكن تلافيه، فالحماية التي يوفرها قرار فرض الحراسة حماية مؤقتة للحق حتى حين الفصل في الدعوى الموضوعية، فيتم الحصول على الحماية الموضوعية الدائمة أو النهائية .

الوجه الرابع: المقصود بالاستعجال في أمر الحراسة القضائية

يقصد بالإستعجال: الخطر المحدق بالحقوق والمصالح المطلوب حمايتها والمحافظة عليها عن طريق فرض الحراسة، ويتحقق الإستعجال كلما وجدت حالة يترتب على عدم حمايتها بصورة مستعجلة يترتب عليها حصول ضرر ماحق بالخصم يتعذر تداركه أو إصلاحه، وهذا الضرر يكون في الغالب محتمل الوقوع اذا لم يأمر القاضي بالحراسة، وهو ما يعبر عنه بأنه الخشية من فوات الوقت الذي قد يصيب طالب فرض الحراسة بضرر أو خطر يؤدي إلى ضياع الحق ذاته أو الإنتقاص من قيمته.

 وإحتمالية وقوع الضرر أو الخطر لاتعني ان وقوع الضرر محل شك وانما يجب ان تدل قرائن وظروف الحال على ان هناك خشية حقيقية واكيدة من وقوع الضرر أو الخطر إذا لم يتم الأمر بالحراسة.

فالإستعجال في طلب فرض الحراسة هو الخطر الحقيقي المحدق بالحق المراد حمايته والمحافظة عليه عن طريق فرض الحراسة القضائية ، فهذا الخطر لا يحتمل الإنتظار حتى الفصل في الدعوى الموضوعية أو النزاع الموضوعي.

الوجه الخامس: وقت وجود الإستعجال في أمر الحراسة القضائية

العبرة في توفر طابع الإستعجال في طلب الحراسة هو: وقت الفصل في طلب فرض الحراسة، فإذا لم يكن شرط الإستعجال متوفراً وقت تقديم الطلب ثم توفر هذا الشرط أثناء نظر الطلب والفصل فيه فقد تحقق المطلوب.

وعلى هذا الأساس إذا زال شرط الإستعجال أثناء نظر طلب الحراسة فإن ذلك يؤدي إلى زوال إختصاص قاضي الأمور المستعجلة ويجعل الطلب غير مستعجلاً.

وعلى هذا الاساس يجب على القاضي أن يبحث حالة الإستعجال في طلب فرض الحراسة بداية وبدقة لتعلق ذلك بإختصاصه كقاضي مستعجل.

الوجه السادس: تراخي الخصم في طلب فرض الحراسة

سبق القول: أن من أهم شروط طلب فرض الحراسة الإستعجال، ولذلك فإن تراخي الخصم عن طلب الحراسة يدل على إنتفاء طابع الإستعجال، ولكن هذا هو رأي فريق من شراح قانون المرافعات، في حين ذهب فريق آخر إلى أن تراخي طالب فرض الحراسة لا يسقط حق الخصم في تقديم طلب الحراسة طالما ان حالة الإستعجال لازالت قائمة وقت تقديم الطلب. (الحراسة القضائية في ضوء الفقه والقضاء، المستشار الدكتور محمد عزمي البكري، دار محمود القاهرة 2021م ص75).

الوجه السابع: شروط قبول طلب الحراسة وموقع شرط الإستعجال ضمنها

سبق القول: أن طلب فرض الحراسة من ضمن المسائل المستعجلة المقررة في المادة (240) مرافعات السابق ذكرها، ولذلك فإن الإستعجال شرط عام لقبول الطلبات المستعجلة كما أنه أيضا شرط خاص لقبول طلب فرض الحراسة، بيد أنه ترتبط بهذا الشرط شروط أخرى خاصة بطلب فرض الحراسة ، ومن هذه الشروط وجود نزاع جدي بشأن المال المطلوب فرض الحراسة عليه ويشترط أيضاً أن لا يمس قرار فرض الحراسة بأصل الحق المتنازع عليه ، ويشترط كذلك أن يكون هناك خطر يتهدد المال المطلوب فرض الحراسة عليه ، وكذا يشترط أن يكون المال المطلوب فرض الحراسة عليه قابلا للإدارة بنظر الغير. (الحراسة القضائية، مراد محمود حيدر، دار النهضة العربية القاهرة 2010م، ص65).

الوجه الثامن: ضرورة الموازنة الدقيقة بين الأضرار المتوقعة التي تبرر فرض الحراسة وبين الاضرار المتوقع وقوعها بسبب أمر الحراسة

ذكرنا في تعليقات سابقة الأضرار الناجمة عن قرارات فرض الحراسة القضائية وتوقيع الحجز التحفظي والتي تفوق الضرر الذي استهدف أمر فرض الحراسة منعه .

ولذلك يجب على القاضي قبل إصدار أمر الحراسة القضائية أن يجري موازنة دقيقة بين الضرر المطلوب منع حدوثه بأمر الحراسة وبين الاضرار المتوقعة من الأمر بفرض الحراسة .

فهناك اضرار جسيمة تقع بسبب فرض الحراسة على المال منها نقص قيمة المال المفروض عليه الحراسة لعزوف الناس عن شرائه أو إستئجاره لمدد طويلة حتى بعد انتهاء النزاع .

وكذا يتسبب أمر فرض الحراسة القضائية بتاجيج الخلاف وتوسيع نطاقه بين الخصوم وتشعبه، فمثلا كان الخلاف في القضية التي تناولها الحكم بين الأخوين الشقيقين كان بشان بعض أموال الشراكة ،في حين تسبب أمر الحراسة بتوسيع رقعة النزاع بين الاخوين الشريكين وإطالته حتى وصل الى المحكمة العليا وقد استغرق ذلك وقتا وجهدا ومالا بالنسبة للخصوم والقضاء معا سيما ان رحلة امر الحراسة الى المحكمة العليا قد استغرقت سنوات طويلة، في حين ظل النزاع الموضوعي بين الاخوين الشريكين يراوح مكانه امام المحكمة الابتدائية لسنوات طويلة!!!!.

كما يترتب على فرض الحراسة القضائية إلغاء الوكالات التجارية الصادرة من الغير للشركة أو المؤسسة التي يتم فرض الحراسة عليها ، لان عقود الوكالات التجارية تنص على ان عقد الوكالة التجارية ينفسخ إذا تم فرض الحراسة على الوكيل التجاري.

إضافة الى انه يترتب على فرض الحراسة القضائية على الشركة أو المؤسسة أو المحل التجاري إنهيار الشركة او المؤسسة أو المحل ، لعزوف الناس عن التعامل مع النشاط المفروض عليه الحراسة سواء بالبيع اوالشراء، ولذلك فالقاضي مسئول أمام الله تعالى في الموازنة الدقيقة بين الضررين الضرر المراد منعه بأمر الحراسة والأضرار المتوقعة بسبب فرض الحراسة ، (التعليق على احكام المحكمة العليا في المسائل التجارية الجزء الثالث، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء، طبعة ٢٠٢٣م صنعاء، ص٢٨٤) ، والله اعلم.