![]() |
مسؤولية الشريك المضارب عن الديون |
شركة المضاربة: هي عقد شراكة بين شخص يسمى صاحب المال وشخص اخر يسمى العامل أو المضارب ، وبموجب هذا العقد يقوم صاحب المال بدفع مبلغ من المال أو عينا من الاعيان القابلة للاستثمار أو التشغيل وذلك الى العامل أو المضارب للمضاربة في ذلك المبلغ أو المال وتشغيله والاتجار به من قبل المضارب ، على أن يتم تقاسم الأرباح فيما بين صاحب المال والمضارب بحسب النسبة التي تم الإتفاق عليها مسبقًا، في عقد المضاربة ، ويتحمل صاحب المال وحده خسارة المال المستثمر إذا ثبت أنه لم يقع من المضارب اي تعدي أو تقصير أو تفريط ولم يخالف المضارب الشروط الشرعية التي اشترطها صاحب المال في عقد المضاربة .
فشركة المضاربة شراكة في الربح بمال من جانب صاحب المال وعمل من جانب العامل ،وتقسيم الربح فيما بينهما بحسب الإتفاق بين الطرفين ، أما الخسارة فيتحملها صاحب المال وحده ولا يخسر المضارب سوى مقابل عمله بإعتبار أن المضارب وكيل لا يخسر شيئا ما عدا عمله.
و تسمى المضاربة: القراض، والقراض مأخوذ من القرض, وتسمى المضاربة بالقراض لأن صاحب المال قطع للعامل المضارب قطعة من ماله فيها كي يستحق قطعة من الربح.
فإذا كان صاحب المال قد اشترط على العامل ان يكون بيع البضاعة نقدا وان لا يقوم ببيع البضاعة دينا أي نسيئة أو إلى اجل ، فخالف المضارب الشريك هذا الشرط ، فقام الشريك المضارب (العامل) ببيع البضاعة ديناً إلى عملاء المحل أو المؤسسة فأن الشريك المضارب يكون مسئولاً عن تحصيل تلك الديون فيضمن ذلك، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 30-3-2010م في الطعن رقم (37442)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (اما ما ورد في السبب الرابع من أسباب الطعن فقد ذكر فيه الطاعن أن الحكم الاستئنافي باطل للجهالة فيما قضى به بلزوم متابعة الطاعن للديون، فهذا النعي مردود عليه بما عللت الشعبة في حكمها بأن تلك الديون قد تمت بمعرفة الطاعن أثناء إدارته للمحل من غير ان ياذن له صاحب راس المال ، ولذلك فأنه المسئول عن تحصيلها، فذلك موافق بأن يتم تحصيلها بواسطته)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: يد المضارب على مال صاحب المال يد أمانة لا يضمنه إلا بالتفريط أو التعدي أو التقصير
الأصل عند الفقهاء أن يد المضارب على مال صاحب راس المال يد أمانة، ويد الأمانة في الفقه الإسلامي لا تضمن إلا بالتفريط أو التعدي أو التقصير، وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي أن: (المضارب أمين ولا يضمن ما يقع من خسارة أو تلف إلا بالتعدي أو التقصير، ومن ذلك: مخالفة الشروط الشرعية أو قيود الإستثمار المحددة التي تم الدخول على أساسها، وتستوى في هذا الحكم المضاربة الفردية والمشتركة) قرار رقم (122).
وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في مؤتمره الرابع بجده 1408هـ بشأن سندات المضاربة : "لا يجوز أن تشتمل نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على نص بضمان عامل المضاربة رأس المال أو ضمان ربح مقطوع أو منسوب إلى رأس المال، فإن وقع النص على ذلك صراحة أو ضِمناً بطل شرط الضمان" (مجلة مجمع الفقه الإسلامي 4/3/2159). وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي ما يلي: "الخسارة في مال المضاربة على رب المال في ماله، ولا يُسأل عنها المضارب إلا إذا تعدى على المال أو قصر في حفظه". وورد في فتاوى المستشار الشرعي لمجموعة البركة الجزء 2 الفتوى رقم (107) ما يلي: "رأس المال في شركة المضاربة أمانة في يد المضارب فلا يضمن ما يحصل فيه من خسارة إلا في حالات التعدي أو التقصير أو مخالفة الشروط". وورد في مجلة الأحكام العدلية: "المادة 1413- المضارب أمين ورأس المال في يده في حكم الوديعة، ومن جهة تصرفه في رأس المال وكيل لرب المال، وإذا ربح يكون شريكاً فيه". وقد نصت المادة (٧٧٧) من مجلة الاحكام العدلية بشان الوديعة أن : الوديعة أمانة بيد المستودع ، وبناء عليه إذا هلكت أو فقدت بدون فعل المستودع وتعديه وتقصيره في الحفظ لا يلزم الضمان.
التعدي هو تجاوز الحدود المسموح بها أو الإضرار بممتلكات الآخرين أو ارتكاب فعل غير قانوني، بينما التقصير هو الإخفاق في أداء الواجبات أو عدم بذل العناية الواجبة مما يؤدي إلى ضرر. (النظرية العامة للمصرفية الاسلامية ، أ.د.عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء ، طبعة ٢٠١٩ م صنعاء ، ص٢٧١).
وقد قرر الفقهاء أن المضارب يضمن في حالات التعدي أو التقصير أو التفريط أو مخالفة شرط صاحب المال، قال ابن قدامة : "إذا تعدَّى المضارب وفعل ما ليس له فعله أو اشترى شيئاً نُهي عن شرائه فهو ضامن للمال في قول أكثر أهل العلم، فقد روي ذلك عن أبي هريرة وحكيم بن حزام وأبي قلابة ونافع وإياس والشعبي والنخعي والحكم وحماد ومالك والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي... ولنا أنه متصرف في مال غيره بغير إذنه فلزمه الضمان كالغاصب" (المغني 5/39).
ومن المعلوم أن الأصل المقرر عند الفقهاء أن على المضارب أن يتولى العمل بنفسه، لأن صاحب المال ما أعطى ماله للمضارب إلا لحصول الثقة به وبخبرته في العمل، فلا يجوز له أن يعطي مال المضاربة لغيره إلا أن يأذن له صاحب المال، فإن أذن له في ذلك جاز ،وهذا هو مذهب جمهور الفقهاء.
قال المرداوي: "ليس للمضارب دفع مال المضاربة لآخر من غير إذن رب المال على الصحيح" (الإنصاف 2/438). وجاء في الموسوعة الفقهية: "ولو ضارب العامل شخصاً آخر بغير إذن المالك فسدت المضاربة مطلقاً، سواء أقصد المشاركة في عملٍ وربحٍ أم ربحٍ فقط أم قصد الانسلاخ، لانتفاء إذن المالك فيها وائتمانه على المال غيره، فإن تصرف العامل الثاني بغير إذن المالك فتصرف غاصب فيضمن ما تصرف فيه، لأن الإذن صدر ممن ليس بمالك ولا وكيل... وإذا تعدى المضارب وفعل ما ليس له فعله فهو ضامن للمال لأنه متصرف في مال غيره بغير إذنه، فلزمه الضمان كالغاصب، ومتى اشترى ما لم يؤذن فيه فربح فيه فالربح لرب المال" (الموسوعة الفقهية الكويتية 38/60-61).
وكذلك فإن على المضارب أن يلتزم بالشروط التي يفرضها صاحب المال في متن عقد المضاربة المبرم بين الطرفين، ويدل على ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]. ومما يدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه واله وصحبه وسلم: "المسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً" (رواه الترمذي وقال:حسن صحيح).
وقد كان الصحابة يشترطون في المضاربة ما يرونه مناسباً لحفظ أموالهم، فعن حكيم بن حزام صاحب رسول الله صلى الله عليه واله وصحبه وسلم: "أنه كان يشترط على الرجل إذا أعطاه مالاً مقارضة يضرب له به أن : لا تجعل مالي في كبدٍ رطبةٍ ولا تحمله في بحر ولا تنزل به بطن مسيل، فإن فعلت شيئاً من ذلك فقد ضمنت مالي" (رواه البيهقي والدارقطني وصححه الألباني في إرواء الغليل 5/295) ، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما انه قال: "كان العباس بن عبد المطلب إذا دفع مالاً مضاربةً اشترط على صاحبه أن لا يسلك به بحراً ولا ينزل به وادياً ولا يشتري به ذات كبدٍ رطبةٍ، فإن فعل فهو ضامن فرفع شرطه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجازه" (رواه البيهقي والدارقطني والطبراني وفي سنده ضعف).
قال الإمام الماوردي: "... فأما تعدي العامل في مال القراض من غير الوجه الذي ذكرنا فعلى ضربين: أحدهما: أن يكون تعديه فيه لم يؤمر به مثل إذنه بالتجارة في الأقوات فيتجر في الحيوان، فهذا تعدٍ يضمن به المال، ويبطل معه القراض، فيكون على ما مضى في مقارضة غيره بالمال. والضرب الثاني: أن يكون تعديه لتغريره بالمال، مثل أن يسافر به ولم يؤمر بالسفر أو يركب به بحراً ولم يؤمر بركوب البحر، فإن كان قد فعل ذلك مع بقاء عين المال بيده ضمنه، وبطل القراض بتعديه، لأنه صار مع تعديه في عين المال غاصباً" (الحاوي الكبير 7/340-341). وقد نصت مجلة الأحكام العدلية على التزام المضارب بشروط رب المال وأن المضارب إذا خالفها فهو ضامن، فقد جاء في [المادة 1420- يلزم المضارب في المضاربة المقيدة مراعاة قيد وشرط رب المال مهما كان. وجاء في المادة 1421- إذا خرج المضارب عن مأذونيته وخالف الشرط يكون غاصباً ، وفي هذه الحالة يعود الربح والخسارة في بيع وشراء المضارب عليه، وإذا تلف مال المضاربة يكون ضامناً. وورد في المادة 1422- إذا خالف المضارب حال نهي رب المال إياه بقوله: لا تذهب بمال المضاربة إلى المحل الفلاني أو لا تبع بالنسيئة، فذهب بمال المضاربة إلى ذلك المحل فتلف المال أو باع بالنسيئة فهلك الثمن فيكون المضارب ضامناً. (الفقه المقارن مع مسائل فقهية معاصرة، أ.د.عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء ، طبعة ٢٠١٦م صنعاء ، ص١٥٨)
والمفهوم السابق لضمان المضارب لرأس المال في حالات التعدي أو التقصير أو التفريط أو مخالفة شرط رب المال، ينطبق على المصارف الإسلامية، فالأصل أن المصرف الإسلامي لا يضمن إلا في الحالات المذكورة، فإذا حصل شيء من التعدي أو التقصير أو التفريط أو مخالفة شرط رب المال، والمسئول عما يحدث في البنوك والمؤسسات المالية ذات الشخصية الاعتبارية هو مجلس الإدارة؛ لأنه الوكيل عن المساهمين في إدارة الشركة، والحالات التي يُسأل عنها مجلس الإدارة هي الحالات التي يُسأل عنها مضارب الشخص الطبيعي، فيكون مجلس الإدارة أيضاً مسئولاً أمام أرباب المال عن كل ما يحدث في مال المضاربة من خسارة بتعدٍ أو تفريط، أما إذا لم يكن هناك تعدٍ ولا تفريط، فإن الشركة أو البنك لا يتحمل شيئاً من الخسارة، وعلى المساهمين محاسبة مجلس الإدارة على التعدي أو التقصير. (ضمان المضارب عند التقصير والتعدي ، فتوى للشيخ حسام الدين عفانة).
الوجه الثاني: مخالفة العامل المضارب للنظم والتعليمات والأعراف التجارية تقصير يجعله ضامنا للديون المترتبة على عقد المضاربة التي لم يقم بتحصيلها
من المعلوم أن العامل (المضارب) يضمن الخسارة أو الديون التي لم يقم بتحصيلها إذا كان ذلك بسبب تقصير العامل.
ومن المعلوم أيضاً أن معنى تقصير العامل في تحصيل الديون هو عدم قيام العامل ببذل العناية والحرص والتحري عند بيع السلع نسيئة إلى أجل وعدم أخذ الضمانات الكافية، أو عدم قيام العامل ببذل العناية اللازمة والحرص في متابعة تحصيل الديون أو مخالفة الشروط الواردة في عقد المضاربة .
ويندرج ضمن مفهوم تقصير العامل المضارب فيما يتعلق بالديون مخالفة العامل عند البيع للنظم والتعليمات والأعراف التجارية التي تنظم بيع وشراء السلع والخدمات وعدم مسك وإستعمال السجلات التجارية اللازمة قانونا بموجب احكام القانون التجاري ، فاذا خالف العامل المضارب تلك النظم والتعليمات فانه يكون مسئولاً عن تحصيل الديون التي لم يقم بتحصيلها.
الوجه الثالث: تقصير العامل المضارب إذا خالف شروط عقد المضاربة المبرم فيما بينه وبين صاحب راس المال وترتب على المخالفة ديون على شركة المضاربة
التقصير هو إهمال المضارب في واجباته، مثل عدم الحذر أو عدم بذل العناية اللازمة. والتعدي والتقصير يرجعان غالباً إلى التصرف بالإضرار بالمضاربة، أو بصاحب المال، أو مخالفة مقتضى عقد المضاربة، أو الشروط المقترنة بالعقد، أو عدم التقيد بمصلحة صاحب المال، والذي يقدر ذلك هم أهل الخبرة؛ قال الإمام النووي: "تقيد تصرف العامل بالمصلحة كتصرف الوكيل" [روضة الطالبين 5/ 127].
فعقد المضاربة هو شريعة اطرافه فيجب عليهم تنفيذه والإلتزامات بكافة شروطه ،فاذا كانت الديون التي لم يتم تحصيلها قد ترتبت عن عدم إلتزام العامل بشروط عقد المضاربة فان العامل يكون مسئولا عن تحصيل تلك الديون.
فإذا اشترط صاحب رأس مال في عقد المضاربة شروطاً مشروعة مثل أن يشترط على المضارب بيع السلع نقداً فقام المضارب ببيع السلع نسيئة او الى اجل خلافاً لشروط صاحب المال فإن المضارب يضمن تحصيل الديون التي نتجت عن مخالفة المضارب لشروط صاحب رأس المال.
الوجه الرابع: الديون الناجمة عن تعدي العامل المضارب
التعدي هو تجاوز المضارب حدود ما هو مأذون له فيه، أو إحداث ضرر عمدي بالمال، أما التقصير فهو إهمال المضارب في واجباته، مثل عدم الحذر أو عدم بذل العناية اللازمة.
ومن امثلة تعدي العامل في المضاربة اذا قام العامل المضارب بسرقة راس المال او بعضه أو تبديده أو إخفائه فان المبالغ الناجمة عن ذلك تكون دينا بذمة العامل ، كذلك اذا قام العامل بالهبة والصدقة من راس المال اوالتبرع وغيرها من التصرفات التبرعية من غير إذن صاحب المال فان الأموال الناجمة عن تلك التصرفات تكون دينا بذمة العامل ، كذلك إذا قام العامل ببيع السلع أو تقديم السلع أو الخدمات بأقل من مثيلاتها فان الفارق يكون دينا بذمة العامل ، (الفقه المقارن مع مسائل فقهية معاصرة ، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء ، طبعة ٢٠١٦م صنعاء ، ص١٦٠) ، والله اعلم.