عدم توقيع أحد المحكمين على الحكم
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين – الأستاذ بكلية الشريعة والقانون، جامعة صنعاء
صرحت المادة (48) من قانون التحكيم اليمني بأنه يجب على هيئة التحكيم إذا كانت مشكلة من عدد من المحكمين صرحت أنه يجب عليهم جميعاً التوقيع على حكم التحكيم ، ويحق لمن يريد عدم التوقيع على الحكم أن يذكر أسباب إمتناعه عن التوقيع على الحكم، فإذا صدر حكم التحكيم من غير أن يقوم بالتوقيع عليه أحد أعضاء هيئة التحكيم ، ولم يتم ذكر أسباب عدم توقيع المحكم على الحكم فإن الحكم يكون باطلاً، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 20-12-2009م في الطعن رقم (37649)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (لما كان الثابت من مطالعة أوراق القضية أن حكم التحكيم محل دعوى البطلان قد تصدر فيها القول أن حكم التحكيم صادر عن المحكمين الثلاثة وهم....... ، في حين أن الناظر في التوقيعات المذيل بها حكم التحكيم يجدها لمحكمين اثنين فقط هما....... وغياب توقيع المحكم الثالث دون بيان الأسباب التي حالت دون توقيعه على الحكم، ولما كان التوقيع على الأحكام أمراً جوهرياً يستدل به على مشاركة هيئة الحكم من سماع المرافعة والمداولة وموافقتهم على النتيجة التي انتهى إليها الحكم وكان البطلان الناشئ عن عدم توقيع أحد أعضاء هيئة الحكم على الحكم هو بطلان متعلق بالنظام العام، لذلك يتعين التصدي له تلقائياً ولو لأول مرة من قبل هذه الدائرة وتقرير بطلانه)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: دلالة توقيع المحكم على حكم التحكيم:
وفقاً للفقرة (جـ) من المادة (103) إثبات فإن التوقيع يكون إما بالخط أو بالختم أو بصمة الأصبع، وينبغي أن يتم التوقيع على كل صفحة من صفحات الحكم.
وحكم التحكيم: هو المحصلة النهائية لإجراءات نظر المحكمين للخصومة التحكيمية بدءاً من إتفاق الخصوم على تعيين المحكمين وتحديد موضوع التحكيم أو الخلاف الذي سينظره المحكمون ومرورا باجراءات التحكيم وحتى توقيع المحكمين على حكم التحكيم، ولذلك فقد اشترطت المادة (48) من قانون التحكيم اليمني اشترطت ان تشتمل مدونة حكم التحكيم على ملخص لإتفاق التحكيم وإجراءات التحكيم ودعاوى الخصوم وردودهم وجلسات هيئة التحكيم لنظر الخصومة وأسباب الحكم ومنطوقه.
وعلى هذا الأساس فإن توقيع المحكم على حكم التحكيم يدل على أن المحكم قد شارك في كافة إجراءات التحكيم من بدايتها حتى صدور الحكم ، ويدل أيضا على موافقة المحكم وقبوله بكل ما اشتمل عليه حكم التحكيم . (التعليق على احكام المحكمة العليا في مسائل التوقيع والاسم ، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء ٢٠٢٥م، ص٦٧).
الوجه الثاني: وجوب توقيع أعضاء لجنة أو هيئة التحكيم جميعاً على حكم التحكيم:
الأصل أنه يجب على جميع المحكمين التوقيع على حكم التحكيم عملاً بالمادة (48) من قانون التحكيم التي نصت على أن (تصدر لجنة التحكيم حكمها كتابة ويوقعه المحكمون جميعهم ما عدا في حالات صدور الحكم بالأغلبية فأنه يجوز للمحكم الذي لم يوافق على الحكم عدم التوقيع مع ذكر الأسباب).
والظاهر من خلال مطالعة النص القانوني السابق أن التوقيع على حكم التحكيم وجوبي على جميع المحكمين في حالة إتفاقهم على الحكم، ويكون التوقيع جوازي بالنسبة للمحكم الذي يكون في مركز الاقلية إذا لم يوافق على الحكم الذي قام بالتوقيع عليه غالبية هيئة التحكيم، ومعنى ذلك أنه يجب على المحكم الموافق على الحكم التوقيع على الحكم ، ويجوز للمحكم غير الموافق على الحكم أن يقوم بالتوقيع على الحكم وفي الوقت ذاته يجوز له ان يمتنع عن التوقيع على الحكم ، بيد انه يجب عليه اذا قرر الإمتناع عن التوقيع أن يذكر أسباب إمتناعه.
الوجه الثالث: تساوي اصوات المحكمين أثناء المداولة وتعذر تحقق الأغلبية:
إذا اسفرت المداولة بين المحكمين الى تساوي اصوات المحكمين فتتم إعادة المداولة ومناقشة المسائل الخلافية بين المحكمين حتى تتوفر الأغلبية من خلال إعادة المداولة والمناقشة، فاذا اصر كل فريق من المحكمين على رايه ولم تفلح إعادة المداولة الى تحقيق أغلبية فيتم فتح اباب المرافعة وتعيين محكم مرحج. (حكم التحكيم واثاره القانونية في التشريع الجزائري، د. نجمة معمر قوادري، جامعة مولاي الطاهر الجزائر ٢٠٣١م، ص٨٧).
الوجه الرابع: إمتناع المحكم عن التوقيع على الحكم مقرون بذكر أسباب الإمتناع:
اجازت المادة (48) تحكيم لأقلية المحكمين الذين لم يوافقوا على حكم التحكيم أو المحكم إذا كان في مركز الأقلية اجازت له المادة السابقة الإمتناع عن التوقيع على الحكم الذي قامت أغلبية المحكمين بالتوقيع عليه، لكن الإمتناع عن التوقيع في هذه الحالة مقرون بذكر المحكم أو المحكمين الأقلية لسبب الإمتناع عن التوقيع، حتى لا يكون سبب عدم توقيعهم على الحكم مجهولاً، لأنه من الواجب قيام المحكمين جميعاً بالتوقيع على حكم التحكيم، فإذا امتنع المحكم عن التوقيع عن الحكم ولم يذكر أسباب إمتناعه فأنه يترتب على ذلك الإلتباس بين الحالتين ، فلا يمكن الوقوف على سبب عدم التوقيع على الحكم - هل يرجع ذلك إلى عدم موافقة المحكم على الحكم وانه امتنع عن التوقيع لهذا السبب؟ أم أن عدم توقيع المحكم يرجع إلى تجاهل أو إغفال المحكم أو نسيانه التوقيع مع أنه كان موافقا على الحكم؟.
مع التاكد على ان المقصود بذكر أسباب الإمتناع عن التوقيع هو قيام المحكم الممتنع بكتابة أسباب إمتناعه عن التوقيع.
الوجه الخامس: في حالة إمتناع المحكم عن التوقيع على الحكم فأنه يجب عليه ذكر أسباب إمتناعه: وتوصيتنا للمحكمين الأقلية:
في هذا الشان نصت المادة (48) تحكيم على أن (تصدر لجنة التحكيم حكمها كتابة ويوقعه المحكمون جميعهم ما عدا في حالات صدور الحكم بالأغلبية فأنه يجوز للمحكم الذي لم يوافق على الحكم عدم التوقيع مع ذكر الأسباب).
فقد صرحت هذه المادة بأن توقيع المحكم غير الموافق على الحكم جوازي وإنه مخير في ذلك بين التوقيع والإمتناع عن التوقيع، غير إنه إذا اختار الإمتناع عن التوقيع فأنه يجب عليه في هذه الحالة أن يذكر أسباب إمتناعه عن التوقيع على الحكم حسبما قضى الحكم محل تعليقنا.
ومعنى ذكر أسباب الإمتناع : أن يقوم المحكم الممتنع بذكر أو كتابة أسباب الإمتناع فقط بدون شرح ، لأن النص السابق جاء بصيغة (مع ذكر الأسباب) فجملة (ذكر الأسباب ) تعني مجرد ذكر الاسباب فقط من غير شرح!!!!؟.
قلت هذا : لأني طالعت مرات عدة احكاما قام المحكم أو المحكمون الاقلية الممتنعون عن التوقيع على الحكم قاموا بإصدار احكام آخرى غير الحكم الذي امتنعوا عن التوقيع عليه!!!؟ ، وهذه الاحكام مخالفة للنص القانوني السابق ، وفي حالات أخرى يقوم المحكم أوالمحكمون الاقلية الممتنعون عن التوقيع يقوموا بشرح اسباب إمتناعهم عن التوقيع في عدة صفحات على هيئة اسباب حكم حتى تناهض اسباب الحكم الذي امتنعوا عن التوقيع عليه، فتقع بسبب ذلك فتن عظيمة بين الخصوم اشد من الخصومة التي كانت بينهم!!!!؟ اخي المحكم : هداك الله ، عندما تكون في مركز الأقلية وتمتنع عن التوقيع الحكم تذكر النص القانوني السابق الذي الزمك بأن تذكر فقط أسباب إمتناعك عن التوقيع على الحكم الذي قامت بالتوقيع عليه الاغلبية أي أنه يجب عليك أن تذكر فقط اسباب إمتناعك أنت عن التوقيع وليس اسباب حكم جديد، اخي المحكم : اتق الله وتذكر حساب الله وعقابه حتى لاتتسبب في إيقاظ الفتنة بين الخصوم وإطالة النزاع باصدار أحكام متناقضة أو اسباب مناهضة: اتقن الله اتق الله.
وقد يقوم المحكم الممتنع عن التوقيع بذكر أسباب إمتناعه في مذكرة مستقلة عن حكم التحكيم ، وعندئذٍ يجب أن يتم إرفاق المذكرة المتضمنة أسباب عدم توقيع المحكم مع حكم التحكيم عند إيداعه لدى محكمة الاستئناف المختصة حتى تقرأ المذكرة مع الحكم ، فيعلم المطالع أسباب عدم الإمتناع. وهناك من يقوم بكتابة اسباب امتناعه عن التوقيع في ذيل حكم التحكيم تحت المكان المخصص لتوقيعه بدلا من كتابة أسباب الامتناع في ورقة مستقلة عن حكم التحكيم وهذه الطريقة عند الله سبحانه وتعالى، ومع ذلك فطريقتي ذكر اسباب الامتناع المشار اليهما جائزتا، لأن النص القانوني السابق لم يشترط طريقة معينة لذكر أسباب الامتناع. (التعليق على احكام المحكمة العليا في مسائل التحكيم الجزء الثالث، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء ٢٠٢٥م، ص٢٢١).
الوجه السادس: جزاء عدم ذكر سبب إمتناع المحكم عن التوقيع على الحكم:
قضى الحكم محل تعليقنا بأن عدم ذكر اسباب الإمتناع عن التوقيع يؤدي إلى بطلان حكم التحكيم، لأن ذلك يفضي إلى جهالة سبب عدم التوقيع على الحكم، وما إذا كان عدم التوقيع يرجع إلى امتناع المحكم وعدم موافقته على الحكم أم انه كان موافقا على الحكم غير انه لم يوقع على الحكم بسبب إهماله أو نسيانه، ولتلافي هذه الوضعية فانه يجب على محكمة الاستنئناف ان تستدعي المحكم لسؤاله عن سبب عدم توقيعه على حكم التحكيم، سيما ان محكمة الاستئناف وفقا لقانون التحكيم تكون محكمة قانون تتولى بسط الرقابة القضائية القانونية على احكام التحكيم للتأكد من التزامها باحكام الشرع والقانون .
الوجه السابع: إمتناع المحكم عن توقيع الحكم وإمتناعه في الوقت ذاته عن ذكر أسباب إمتناعه:
في حالات كثيرة يقع الخلاف بين المحكمين أنفسهم، فترفض الأقلية أو المحكم الأقلية يرفضوا التوقيع على حكم التحكيم وفي الوقت ذاته يرفضوا أيضا كتابة أسباب إمتناعهم عن التوقيع على الحكم، ففي هذه الحالة ينبغي أن يقوم أغلبية المحكمين الذين قاموا بالتوقيع على حكم التحكيم أن يقوموا بإيداع الحكم لدى محكمة الاستئناف المختصة وإخطارها بإمتناع الأقلية عن التوقيع على الحكم وكذا إمتناعهم عن كتابة اسباب إمتناعهم عن التوقيع ، وفي هذه الحالة تقوم محكمة الإستئناف بإستدعاء المحكم الممتنع لسؤاله عن سبب إمتناعه وتكليفه بكتابة أسباب إمتناعه ويتم إرفاق المذكرة المتضمنة أسباب إمتناع المحكم عن التوقيع يتم إرفاقها بحكم التحكيم، فإذا رفض المحكم أيضاً كتابة أسباب إمتناعه أمام محكمة الإستئناف فإن محكمة الإستئناف تسأله شفاهة عن سبب إمتناعه وتقوم محكمة الإستئناف بتدوين سبب إمتناعه وارفاق ذلك بالحكم، (التعليق على احكام المحكمة العليا في مسائل التحكيم الجزء الثالث، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء ٢٠٢٥م، ص٢٢٤)، والله أعلم.