الحقوق التي تظهر بعد المخالصة بين الشركاء
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين – الأستاذ بكلية الشريعة والقانون، جامعة صنعاء
المقصود بالشراكة في هذا التعليق الشركات غير النظامية التي تنشا بين الأفراد من غير أن تتخذ الاشكال القانونية المقررة في قانون الشركات أي أن المقصود بالشراكة في هذا التعليق هي الشركات العرفية او الموسسات التجارية الفردية التي يكون فيها شركاء.
ففي الغالب تنتهي الشراكة بين الشركاء بوثيقة مخالصة تتضمن نتائج تصفية الشراكة وإنتهاء علاقة الشراكة بين الشركاء وتحديد حقوق وإلتزامات كل طرف بموجب المخالصة، وبعد تحرير المخالصة والتوقيع عليها من الشركاء قد تظهر مبالغ أو حقوق أو إلتزامات سابقة على الشراكة قبل المخالصة لم يتم إحتسابها ضمن المخالصة، وعندئذٍ يثور النقاش بشأن مصير تلك الحقوق والإلتزامات التي لم تشملها المخالصة، وقد أشار إلى هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 30-1-2010م في الطعن رقم (36568)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (والدائرة: تجد أن وجه الدعوى هو قيام المطعون ضده بإستلام مبالغ ديون لدى الغير مستحقة للمحل في حين أن التصفية قد أكدت أن تلك المديونيات حقوقاً لصالح المحل (محل الشراكة) وقد تم إحتساب تلك المبالغ للطاعن ، فمسألة تاريخ الإستلام لا تغير في الأمر شيئاً وإنما العبرة التي تغير في الأمر هي التأكد من إدراج تلك المبالغ ضمن حسابات الشركة التي أعدت بموجبها التصفية والمخالصة)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: ماهية المخالصة بين الشركاء
المخالصة هي وثيقة قانونية يتم تحريرها والتوقيع عليها من قبل الشركاء لتسوية الحسابات والحقوق والإلتزامات التي كانت قائمة خلال مدة الشراكة بين الشركاء، ويتم تحرير المخالصة والتوقيع عليها من قبل الشركاء بعد مطالعتهم ومراجعتهم لحسابات الشراكة خلال فترة الشراكة، وتعد المخالصة بمثابة إقرار نهائي من الشركاء الموقعين على الوثيقة بصحة وسلامة الحسابات التي تم إعداد المخالصة بموجبها والاقرار بعدم وجود حقوق أو إلتزامات أخرى غير ماورد في تلك الحسابات، ويتم تحرير المخالصة لتجنب النزاعات المستقبلية بشأن الحقوق والإلتزامات المترتبة على الشراكة قبل تصفيتها.
وتهدف المخالصة إلى تحديد وتسوية جميع المبالغ المالية المستحقة والمدفوعة وتحديد حقوق كل شريك ومسئولياته بشأن الحقوق والإلتزامات المترتبة على الشراكة أثناء قيامها، وتهدف المخالصة أيضاً إلى تسهيل تحصيل الحقوق والوفاء بالإلتزامات وتسهيل إنتقال الحقوق والإلتزامات.
وقد تتضمن المخالصة إقرار من كل شريك بأن شريكه أو شركاءه الآخرين قد أوفوا بإلتزاماتهم وقد استوفوا حقوقهم قبل التوقيع على المخالصة، وتبعاً لذلك تكون المخالصة في هذه الحالة إبراء ذمة الشريك من أية مطالبات في المستقبل.
وتعتبر المخالصة بمثابة إنهاء لعلاقة الشراكة بين الشركاء وتاكيد لعدم وجود أية إلتزامات أو حقوق متبقية بين الشركاء بعد التوقيع على المخالصة أو تحديد حقوق ومسئولية كل شريك بالنسبة للحقوق لدى الغير أو الإلتزامات القائمة على الشراكة للغير وكيفية دفع المستحقات للغير أو تحصيلها من الغير وذلك بعد التوقيع على المخالصة. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الشركات، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء، 2025م، ١٣٢).
الوجه الثاني: المستندات والبيانات التي يتم الإعتماد عليها في تحرير وثيقة المخالصة بين الشركاء
يتم تحرير وثيقة المخالصة بين الشركاء بعد مراجعة الشركاء لكافة حسابات الشركة التي تبين حقوق الشراكة لدى الغير ولدى الشركاء والإلتزامات القائمة على الشراكة قبل الغير، إذ يتم في الغالب التصريح في وثيقة المخالصة أن توقيع الشركاء على وثيقة المخالصة قد تم بعد مراجعة الشركاء لحسابات الشركة والتأكد من صحتها وكفايتها في بيان المركز المالي للشراكة قبل توقيعهم على وثيقة المخالصة ، بل أنه في بعض الحالات يتم إعتبار بعض حسابات الشراكة جزءاً لا يتجزأ من وثيقة المخالصة، ويقوم الشركاء عند التوقيع على وثيقة المخالصة بالتوقيع أيضاً على الحسابات أو المستندات التي تم الإعتماد عليها في تحرير وثيقة المخالصة.
وإذا كانت الشركة تتبع نظاماً محاسبياً سليماً وتمسك الدفاتر التجارية النظامية المنتظمة، فعندئذٍ تكون إجراءات المخالصة سهلة ويسيرة وقاطعة.
أما إذا لم تكن حسابات الشراكة على هذا النحو فأن الشركاء يقوموا قبل إجراء المخالصة وتحريرها بإختيار محاسب لبيان المركز المالي الدقيق للشراكة ، وبعد إعداد التقرير المتضمن المركز المالي للشراكة يقوم الشركاء بالمصادقة على تقرير المحاسب المتضمن المركز المالي للشراكة وفي ضوء ذلك يتم تحرير وثيقة المخالصة.
وفي بعض الحالات يتولى الشركاء أنفسهم إعداد المركز المالي للشراكة ، وتتم المصادقة عليه من قبلهم والتصريح في المصادقة بأنهم قد قبلوا بأن يتم الإعتماد على المركز المالي المصادق عليه في إجراء المخالصة وتحرير وثيقة المخالصة. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الشركات، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء، 2025م، ص13٠).
الوجه الثالث: بيانات المخالصة بين الشركاء وملحقاتها
تتضمن وثيقة المخالصة البيانات الشخصية للشركاء وصفاتهم وإثبات أهليتهم الشرعية والقانونية لإجراء المخالصة وتاريخ إجراء وتحرير المخالصة وإثبات إطلاع الشركاء على حسابات ومستندات الشراكة التي تبين مركزها المالي في تاريخ التصفية والمخالصة وموافقتهم عليها وقبولهم بأن تتم المخالصة على أساس المركز المالي، وفي بعض الأحيان يتم تضمين وثيقة المخالصة خلاصة المركز المالي للشراكة ، وتتضمن وثيقة المخالصة أيضا أنه قد تم سداد الحقوق والوفاء بالإلتزامات القائمة على الشراكة ، وان الشركاء قد استوفوا حقوقهم المتبقية بعد الوفاء بالحقوق والإلتزامات التي كانت قائمة على الشراكة كل شريك بحسب حصته في الشراكة ، وان الشراكة قد انتهت بين الشركاء بمجرد التوقيع على وثيقة المخالصة ، وانه لم يعد للشركاء لدى الشراكة أي حق أو طلب أو دعوى وأنه لم يعد لأي منهم لدى الشريك الآخر أي حق أو طلب أو دعوى بشان الشراكة التي كانت قائمة فيما بينهم، ويتم تذييل وثيقة المخالصة بأسماء وتوقيعات الشركاء.
وغالبا ما تكون هناك ملحقات لوثيقة المخالصة يتم التوقيع عليها مع وثيقة المخالصة مثل القائمة النهائية التي تبين المركز المالي للشركة التي تم الاعتماد عليها في تحرير وثيقة المخالصة.(التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الشركات، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء، 2025م، ص137).
الوجه الرابع : حجية وثيقة المخالصة بين الشركاء
تكون لوثيقة المخالصة بين الشركاء حجية المحرر العرفي الذي يكون موقعاً من أطرافه حسبما هو مقرر في قانون الإثبات، والأولى أن يتم الإشهاد على توقيع الشركاء على المخالصة، ومع أهمية التوقيع على وثبقة المخالصة إلا أن وثيقة المخالصة تظل محرراً عرفياً له حجية المحرر العرفي، فلا تكون محرراً رسمياً إلا إذا تم توثيقها لدى الجهة المختصة قانوناً (قلم التوثيق).
الوجه الخامس: أنواع المخالصات بين الشركاء:
في الواقع العملي في اليمن توجد عدة أنواع للمخالصات بين الشركاء من أشهرها: المخالصة النهائية وهي تلك التي لايتم التوقيع عليها إلا بعد سداد كافة الحقوق والإلتزامات القائمة على الشركة وإستيفاء الشركاء لكافة حقوقهم ، فعندئذٍ تكون هذه المخالصة نهائية وقاطعة، وهي أفضل أنواع المخالصات، وهناك أيضاً المخالصة التي تتضمن توزيع حقوق وإلتزامات الشراكة بين الشركاء بحسب حصة كل شريك ،حيث يتولى كل شريك بعد التوقيع على وثيقة المخالصة إستيفاء الديون والحقوق التي صارت من نصيبه بموجب المخالصة وكذا سداد الديون وتسويتها مع دائني الشركة التي صارت بموجب المخالصة من الإلتزامات الشخصية التي يجب عليه الوفاء بها.
الوجه السادس: الطبيعة القانونية لوثيقة المخالصة بين الشركاء
بالنظر إلى البيانات التي تتضمنها وثيقة المخالصة بين الشركاء حسبما سبق بيانه فأنها عبارة عن إقرار من الشركاء بإنهاء الشراكة بينهم ، وأنهم قد قاموا بإستيفاء حقوق الشركة لدى الغير وقاموا بسداد الحقوق والإلتزامات القائمة على الشراكة على الغير وأنه لم يعد لأي منهم لدى الشريك الآخر أو الشركة أي حق أو دعوى أو طلب، وبناءً على ذلك فإن وثيقة تحرير المخالصة لا تكون حجة إلا على الشركاء فقط دون غيرهم.
الوجه السابع: الحقوق والإلتزامات التي تظهر بعد التوقيع على وثيقة المخالصة بين الشركاء
سبق القول: أن حجية وثيقة المخالصة لا تكون قاصرة على الشركاء الموقعين عليها ، فلا تكون وثيقة المخالصة حجة إلا في مواجهة الشركاء الموقعين عليها، وتبعاً لذلك فإن توقيع الشركاء على وثيقة المخالصة لا يمس حقوق الغير لدى الشراكة التي قد تظهر بعد التوقيع على وثيقة المخالصة، إذ يجب على الشركاء الوفاء بها كلٍ بحسب حصته في الشراكة، وكذلك الحال إذا ظهر للغير حقوق لدى الشركة بعد التوقيع على المخالصة فإن الشركاء يستحقوا ذلك كلٍ بحسب حصته في الشركة.
أما إذا ظهر للشراكة وثبت بصفة قطعية حق لدى أحد الشركاء أو ظهر دين أو إلتزام على الشركة لدى أحد الشركاء بعد التوقيع على المخالصة، فإذا لم يندرج هذا الحق أو الدين ضمن البيانات والمستندات التي تم الإعتماد عليها في المخالصة فإن التوقيع على المخالصة لا يمس هذا الحق أو الدين ، لأن التراضي في المخالصة قد تم على أساس الحقوق والديون التي كانت ظاهرة أمام الشركاء عند المخالصة والتي تم التراضي والإتفاق بشأنها في المخالصة. .(التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الشركات، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء، 2025م، ص133). والله أعلم.