تأخير الفصل في القضية الصالحة للحكم

تأخير الفصل في القضية الصالحة للحكم

يجب على القاضي مطالعة أوراق القضية قبل كل جلسة محاكمة للتأكد من صلاحية القضية للحكم فيها والوقوف على الاجراءات السابقة فيها وماينبغي إتخاذه فيها في الجلسة المقبلة، فإذا وجد القاضي من خلال الدراسة والمطالعة ان القضية صالحة للحكم فيها فأنه يجب عليه المبادرة إلى حجزها للحكم فيها دون إنتظار طلب الخصوم لحجزها للحكم ، حتى لا يقع القاضي تحت طائلة المخالفة المقررة في المادة (111) من قانون السلطة القضائية، حسبما أشار الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 18-1-2010م في الطعن رقم (38392)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (كما أن قانون السلطة القضائية يجعل من تأخير البت في الدعاوى إخلالاً من القاضي بواجباته الوظيفية حسبما هو مقرر في المادة (111) من قانون السلطة القضائية، وقد لاحظت الدائرة صحة ما جاء في الحكم الابتدائي ، لأن الطاعن لم يحضر أمام المحكمة إلا بعد جهد جهيد ثم تراخى في تقديم دعواه الفرعية إلى حين حجز القضية الأصلية للحكم، وقد وجهته المحكمة بأن يقدمها كدعوى مبتدأة، واخيراً لاحظت الدائرة أن الطاعن بقى في جدل عن دعواه الفرعية التي يظهر أنه لم يتقدم بها إلا على النحو السابق بيانه)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الاول: تأخير البت في القضية مخالفة لواجبات القاضي وفقاً لقانون السلطة القضائية

أشار الحكم محل تعليقنا إلى ذلك، لأن المادة (111) من قانون السلطة القضائية قد حددت المخالفات التي تعد إخلالاً من القاضي بواجباته ومنها: عدم البت في القضايا المنظورة امام القاضي ، وفي هذا الشأن نصت المادة (111) من قانون السلطة القضائية على أنه (ويعد بصفة خاصة إخلالاً بواجبات الوظيفة ما يلي: -جـ- تأخير البت في الدعاوى).

 وتأخير البت في القضايا بموجب هذا النص المقصود به التأخير الذي يكون بسبب القاضي نفسه مثل كثرة التأجيل الإداري أو كثرة حجز القضية للإطلاع او لمزيد من الإطلاع أو حجز القضية للحكم فيها مرات عدة دون ان يتم الفصل فيها أو إمتناع القاضي عن حجز القضية للحكم فيها رغم مطالبة الخصوم بحجز القضية لأكثر من مرة وثبوت صلاحبتها للحكم فيها، أو إمتناع القاضي عن حجز القضية للحكم مع أنها صالحة للفصل فيها، اوعدم إلتزام الفاضي بالميعاد الذي حدده للنطق بالحكم في القضايا المحجوزة أو تخلف القاضي لمرات عدة عن حضور جلسات المحاكمة أو جلسات المداولة سيما اذا كان القاضي ضمن هيئة حكم، ومن صور التاخير التي ترجع إلى القاضي التاخير في تحصيل الحكم وإصداره.

أما إذا كان تأخير الفصل في القضية يرجع إلى الخصوم انفسهم وكان القاضي قد قام بواجبه القانوني في مراقبة سلوك الخصوم وقام بتطبيق وسائل المرقابة كالتنبية والغرامة وغيرها ،فإن القاضي في هذه الاحوال لا يكون مسئولاً عن تأخير الفصل في القضية. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل القضاء والقضاة، أ.د.عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء، 2023م، ص143).

الوجه الثاني: تأخير الفصل في القضايا الذي يرجع إلى الخصوم وواجب القاضي في مراقبة الخصوم

لاريب أن هذا السبب هو السبب الرئيسي في تأخير الفصل في القضايا في اليمن، إذ يتعمد بعض الخصوم سيما عندما يكون في مركز المدعى عليه يتعمد تأخير الفصل في القضية عن طريق وسائل كثيرة منها: عدم الحضور إلا بعد الإعلان الثاني ثم التغيب عن الحضور مرة ثانية وثالثة، حيث يحضر لكي لا يتم إحضاره قهراً أو التنصيب عنه ثم يتغيب وهكذا، وكذا يقع التاخير بسبب إساءة الخصوم في إستعمال الدفوع والطلبات العارضة بهدف تعطيل إجراءات الفصل في الدعوى الأصلية مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، بالإضافة إلى تعمد الخصوم تأخير تقديم الأدلة وعدم الإلتزام بالمواعيد القانونية أو المواعيد التي يحددها القاضي ،ومن مظاهر التاخير التي ترجع الى الخصوم تقديم الدعاوى والطلبات والدفوع التي تعتريها الجهالة التي يستغرق تصحيحها وقتاً طويلاً، ومن صور التأخير التي ترجع إلى الخصوم الإطالة في المذكرات التي يتم تقديمها أمام القاضي، ومن مظاهر التاخير التي ترجع الى الخصوم تخلف المدعي عن حضور جلسة المحاكمة حتى إستبعادها ثم إعادة تحريكها لمرات عدة.

بيد أنه يجب على القاضي أن لا يقف موقف المتفرج إذا لاحظ أي مظهر من مظاهر تعمد الخصوم تأخير الفصل في القضية ، فعلى القاضي حتى لا يكون مسئولاً عن تاخير الفصل في القضية يجب عليه أن يباشر صلاحياته القانونية في مراقبة الخصوم وفقاً للمادة (20) من قانون المرافعات ، فيجب على القاضي أن يستعمل أساليب وأدوات مراقبة الخصوم لحملهم على الإلتزام بالمواعيد وعدم التسبب في تأخير الفصل في القضايا، لأن مراقبة سلوك الخصوم أثناء سير إجراءات المحاكمة واجب قانوني على القاضي ومبدأ من أهم المبادئ الحاكمة للقضاء والتقاضي حسما هو مقرر في المادة (٢٠) مرافعات. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل إطالة إجراءات التقاضي، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء 2025م، ص473)، والله اعلم.