مسؤولية الجهة الحكومية المتعاقدة مع المقاول
من عيوب الإدارة في اليمن كثرة الجهات الادارية المختصة في المسألة الواحدة، إذ تتضارب الإختصاصات بين الجهات المختلفة المختصة في مسألة واحدة أو أمر واحد وتتراكن فيما بينها حتى تضيع حقوق الأفراد بين هذه الجهات، بل أنه يترتب على ذلك ضياع الحقوق والمصالح العامة.
وهذا الأمر ينطبق على عقد المقاولة الذي يقوم المقاول بإبرامه مع الجهة الحكومية التي ينفذ المقاول العمل أو المشروع لحسابها ، فبعد توقيع هذا العقد يقع الوفاء بحقوق المقاول على عاتق جهات كثيرة مختلفة مثل: (الجهة المتعاقدة المستفيدة من المشروع/وزارة الاشغال العامة/ اللجنة العليا للمناقصات/ اللجنة العليا للرقابة على المناقصات/ وزارة المالية/ البنك المركزي/ الهيئة العامة لمكافحة الفساد/ الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة/ ...إلخ)، بيد أن الجهة الحكومية التي قامت بالتوقيع على عقد المقاولة هي المسئولة عن الوفاء بحقوق المقاول بإعتبارها صاحب العمل الذي نفذه أو ينفذه المقاول ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 29-6-2010م في الطعن رقم (38228)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (وحيث أنه قد مضت عدة سنوات والمطعون ضدهما يتابعا قيمة المستخلصات المستحقة لهما، وحيث أن ما جادلت به الطاعنة من أنها قد تابعت الجهات المختصة وقد حصل المطعون ضدهما على بعض المبالغ المالية فقول خالٍ من أي دليل ، فالجهة المختصة هي الجهة المتعاقدة)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: صاحب العمل في عقد المقاولة
من المهم للغاية في عقد المقاولة تحديد صاحب العمل الذي تتم المقاولة (العمل) لحسابه، وقد أشار الحكم محل تعليقنا إلى أن صاحب العمل في عقد المقاولة الحكومي هي الجهة التي تعاقدت مع المقاول لتنفيذ الأعمال المحددة في عقد المقاولة بحسب الشروط والمواصفات المحددة في عقد المقاولة، وتحديد صاحب العمل في عقد المقاولة له أهميته لتحديد المتعاقد مع المقاول الذي يكون المسئول أو الملتزم بالوفاء بالإلتزامات العقدية المترتبة عليه بموجب عقد المقاولة.
الوجه الثاني: نطاق عقد المقاولة
يتحدد نطاق عقد المقاولة على الأطراف المتعاقدة التي قامت بالتوقيع عليه، عملاً بمبدأ نسبية آثار العقود التي تعني أن العقد لا يكون ملزماً أو حجة إلا على أطرافه، ومعنى ذلك أن مسئولية الوفاء بالإلتزامات المحددة في عقد المقاولة تقع على عاتق أطراف العقد الموقعين عليه.
الوجه الثالث: الشروط في عقد المقاولة الحكومية
ينظم عقد المقاولة الحكومي قانون المزايدات والمناقصات الحكومية ولائحته ويحدد هذا القانون واللائحة الإجراءات السابقة لتوقيع عقد المقاولة وهناك نماذج ووثائق نمطية لعقد المقاولة الحكومي يحددها قانون المزايدات والمناقصات الحكومية ولائحته التنفيذية، ولذلك يتضمن عقد المقاولة الحكومي شروطاً تتعلق بجهات حكومية أخرى غير الجهة الحكومية المتعاقدة مثل طريقة سداد مستحقات المقاولة عن طريق المستخلصات وقيام جهات حكومية أخرى بالإشراف الفني على تنفيذ أعمال المقاولة كرقابة مصاحبة للتنفيذ...إلخ.
وقيام المقاول بالتوقيع على عقد المقاولة المتضمن هذه الشروط يعد قبولاً بتلك الشروط، ومؤدى ذلك أن المقاول ملزم بموجب العقد بإحترام وتنفيذ تلك الشروط والعمل بمقتضاها.
الوجه الرابع: عقد المقاولة وقانون المناقصات والمزايدات ولائحته والوثائق النمطية للمقاولة الحكومية
سبق القول: أن عقد المقاولة حجة على أطرافه وملزم لاطرافه ، وكذا سبق أن ذكرنا أن عقد المقاولة الحكومي ينظمه قانون المناقصات ولائحته التنفيذية والوثائق النمطية المقررة، وبناءً على ذلك فيجب أن لا يخالف عقد المقاولة النصوص القانونية واللائحية المنظمة للمقاولات الحكومية بإعتبار ذلك إلتزام قانوني لا يجوز الإتفاق أو التعاقد على خلافه، فالقانون واللائحة ملزم للجهة المتعاقدة والمقاول لها بإعتبار الإلتزام القانوني أعلى مرتبة من الإلتزام العقدي.
الوجه الخامس: إلتزام الجهة المتعاقدة مع المقاول بمتابعة الجهات الحكومية ذات العلاقة للوفاء بحقوق المقاول المقررة في عقد المقاولة
بإعتبار الجهة الحكومية المتعاقدة مع المقاول طرفا في عقد المقاولة ، وبإعتبار الجهة المتعاقدة هي المستفيدة من أعمال المقاولة التي نفذها أو ينفذها المقاول لحسابها، لذلك يجب على الجهة المتعاقدة أن تقوم بمتابعة الجهات الحكومية الأخرى للوفاء بحقوق المقاول المترتبة على عقد المقاولة مثل صرف المستخلصات، فالجهة الحكومية المتعاقدة هي المسئولة عن الوفاء بحقوق المقاول بإعتبارها الجهة المتعاقدة مع المقاول، وهذه المسئولية من أهم آثار التوقيع على عقد المقاولة، (التعليق على احكام المحكمة العليا في المسائل الادارية الجزء الثاني، أ . د . عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء ٢٠٢٣م ، ص ١٦٩)، والله أعلم.