![]() |
حلول أقساط المرابحة المصرفية عند التوقف عن السداد |
المرابحة المصرفية عقد يتم إبرامه فيما بين المصرف الإسلامي وزبونه، يتم بموجبه شراء المصرف الإسلامي للسلعة أولاً بناءً على طلب العميل ثم يقوم المصرف ببيعها للعميل بسعر أعلى من السعر الذي اشتراها به بما يحقق للمصرف هامش ربح متفق عليه مسبقاً.
وقد يقوم زبون المصرف بسداد القيمة دفعة واحدة غير أنه في الغالب يتم الإتفاق على سداد الثمن على اقساط ، فالأقساط في عقد المرابحة المصرفية جزء من آلية سداد العميل للثمن إلى البنك، ويتم تحديد عدد الأقساط بحسب قيمة السلعة محل عقد المرابحة، ويتم تحديد مقدار كل قسط وتاريخ سداده وعدد الأقساط في عقد المرابحة الذي يتم إبرامه فيما بين المصرف وزبونه، فإذا لم يقم زبون المصرف بسداد الأقساط في الأوقات المحددة في عقد المرابحة ، فان الزبون في هذه الحالة قد خالف إلتزامه العقدي وهذا خطأ يوجب عليه تعويض البنك عن الأضرار التي لحقت بالبنك بسبب عدم سداد الزبون لاقساط المرابحة في اوقاتها السابق الإتفاق عليها، إضافة إلى ان الاقساط المتبقية تكون حالة الاداء عند توقف الزبون او إمتناعه عن سداد القسط في الموعد المتفق عليه ، حسبما اشار الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 10-11-2010م في الطعن رقم (41350)، المسبوق بالحكم الاستئنافي الذي ورد ضمن أسبابه: (أما بالنسبة لنعى المستأنف المتعلق بالإتفاق المبرم بين الطرفين بخصوص كيفية سداد المديونية ، فمردود عليه بأن إتفاقيات المرابحة المشار إليها قد بينت كيفية سداد المديونية المترتبة على المرابحة وعلى اقساط تتراوح ما بين (35 إلى 36) قسطا شهرياً، وعلى أن يكون آخر قسط بتاريخ.....، وقد انتهت فترات التقسيط ولم يقم المستأنف بسداد الأقساط في مواعيدها المحددة، واصبحت باقي المديونية مستحقة الأداء بعد حلول موعد سداد الأقساط ، وعدم مبادرة المستأنف بالسداد، الأمر الذي تكون معه مناعي المستأنف بهذا الخصوص غير ذات جدوى)، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي رفضت الدائرة التجارية الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: (أما ما ورد في السبب الثاني من أسباب الطعن فقد نعى فيه الطاعن الحكم المطعون فيه فيما يتعلق بإلزام الطاعن بدفع مبلغ.... إلى المطعون ضده، إذ قال الطاعن: أن ذلك مخالف للثابت في الأوراق إلى آخر ما جاء في طعنه، والدائرة: تجد أن هذا النعي مردود لأنه جدال في تقدير الدليل الذي تختص به محكمة الموضوع ولا معقب عليها من هذه المحكمة متى كان إستخلاصها للدليل سائغاً)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: ماهية عقد المرابحة المصرفية
المرابحة المصرفية: عقد يتم إبرامه بين المصرف الإسلامي وعميله أو زبونه يتم بموجب ذلك العقد شراء المصرف الإسلامي للسلعة أولاً بناءً على طلب العميل ثم يقوم المصرف بعد ذلك ببيعها للعميل بسعر أعلى من السعر الذي اشتراها المصرف به بما يحقق للمصرف هامش ربح متفق عليه مسبقاً.
وتستعمل المصارف الإسلامية عقد المرابحة المصرفية بهدف تمويل الأنشطة التجارية كبديل للقروض الربوية التي تقدمها البنوك التقليدية. (النظرية العامة للمصرفية الإسلامية، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة، صنعاء 2019م، ص372).
الوجه الثاني: الأقساط في عقد المرابحة المصرفية
الأقساط في عقد المرابحة المصرفية: هي جزء من آلية سداد العميل لثمن السلعة إلى البنك، ويتم تحديد عدد الأقساط بحسب قيمة السلعة محل عقد المرابحة، ويتم تحديد مقدار كل قسط وتاريخ سداده وعدد الأقساط في عقد المرابحة الذي يتم إبرامه فيما بين المصرف وزبونه.
ويجب لصحة عقد المرابحة المصرفية أن يمتلك المصرف السلعة المراد شراؤها للعميل، وبعد دخولها في ملك المصرف يقوم المصرف ببيعها لزبونه بزيادة على أن يسدد الزبون ثمنها على أقساط. (الفقه المقارن مع مسائل فقهية معاصرة، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء 2018، ص153).
الوجه الثالث: شروط المرابحة في البنوك أو المصارف الإسلامية
يشترط في بيع المرابحة ما يشترط في كل البيوع، مع إضافة شروط أخرى تتناسب مع طبيعة هذا العقد وهي:
أولا: وضوح دلالة الإيجاب والقبول في صيغة المرابحة وتطابقهما واتصالهما.
ثانيا: أن يكون العقد الأول صحيحا، فإن كان فاسدا، لم يجز بيع المرابحة؛ لأن المرابحة بيع بالثمن الأول مع زيادة ربح، والبيع الفاسد - وإن كان يفيد الملك عند الحنفية في الجملة - لكن يثبت الملك فيه بقيمة المبيع أو بمثله، لا بالثمن المذكور في العقد لفساد التسمية، وهذا لا يتفق مع مقتضى عقد المرابحة القائم على معرفة الثمن الأول ذاته، لا القيمة أو المثل.
ثالثاً: أن يكون الثمن الأول معلوما للمشتري الثاني؛ لأن العلم بالثمن شرط في صحة البيوع، فإذا لم يعلم الثمن الأول فسد العقد.
رابعاً: أن يكون رأس المال من ذوات الأمثال.
خامساً: ألا يكون الثمن في العقد الأول مقابلا بجنسه من أموال الربا، وأموال الربا عند المالكية: كل مقتات مدخر، وعند الشافعية: كل مطعوم، وعند الحنفية والحنابلة: كل مكيل وموزون، واتفق الجميع على جريان الربا في الذهب والفضة، وما يحل محلهما من الأوراق النقدية على الصحيح. وهذا شرط متفق عليه، فإن كان الثمن على هذا النحو، كأن اشترى المكيل أو الموزون - عند الحنفية - بجنسه، مثلا بمثل، لم يجز له أن يبيعه مرابحة؛ لأن المرابحة بيع بالثمن الأول وزيادة، والزيادة في أموال الربا تكون ربا لا ربحا، فإن اختلف الجنس فلا بأس بالمرابحة، كأن اشترى دينارا بعشرة دراهم، فباعه بربح درهم أو ثوب بعينه، جاز؛ لأن المرابحة بيع بالثمن الأول وزيادة، ولو باع دينارا بأحد عشر درهما، أو بعشرة دراهم وثوب، كان جائزا بشرط التقابض، فهذا مثله.
سادساً: أن يكون الربح معلوما: فعلم أطراف عقد المرابحة بالربح ضروري؛ لأنه بعض الثمن، والعلم بالثمن شرط في صحة البيوع، فإن كان الثمن مجهولا حال العقد، لم تجز المرابحة. ولا فرق في تحديد الربح بين أن يكون مقدارا مقطوعا، أو بنسبة عشرية في المائة، ويضم الربح إلى رأس المال ويصير جزءا منه، سواء أكان حالا نقديا، أو مقسطا على أقساط معينة في الشهر أو السنة مثلا . (الفقه المقارن مع مسائل فقهية معاصرة، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء 2018، ص153).
الوجه الرابع: الفرق بين التقسيط في عقد التقسيط وبين التقسيط في عقد المرابحة
عقد التقسيط يكون محله سلعة موجودة بالفعل عند تمام البيع والشراء، إذ يتم الإتفاق بين البائع والمشتري على تحديد إجمالي ثمن تلك السلعة ثم يتم تحديد عدد الأقساط التي ينبغي على المشتري سدادها الى البائع ومقدار كل قسط وتاريخ سداده.
اما التقسيط في عقد المرابحة فإن السلعة لا تكون بحوزة البنك عند الإتفاق المبدئي (الوعد بالشراء) فيما بين البنك وزبونه ، إذ يقوم البنك بعد الوعد بالشراء بالحصول على السلعة، فالبنك ليس من اغراضه إنتاج السلع أو الإتجار بالسلع وانما يقوم البنك بشراء السلع من الغير ثم إعادة بيعها بموجب عقد المرابحة.
الوجه الخامس: عدم جواز فرض غرامة تأخير عند تأخر المشتري في سداد الأقساط
أتفق الفقهاء المعاصرون والمجمع الفقهي الاسلامي على عدم جواز الاتفاق المسبق على فرض غرامات تأخير أو شرط جزائي على المشتري إذا تأخر في دفع الأقساط في أوقاتها، لأن هذه الغرامات زيادة في الدين الذي بذمة المشتري بموجب عقد التقسيط ، وفي ذلك شبهة الربا ، وذهب قلة من الفقهاء إلى جواز ذلك شريطة أن يتم إنفاق المبالغ المتحصلة من الغرامات في أوجه البر والإحسان.
بيد انه ليس هناك مانع شرعي أو قانوني يحول دون مطالبة البنك للمشتري بالتقسيط الذي تاخرعن دفع الاقساط في الوقت المحدد لها إذا لحق بالبنك ضرر فعلي ، ويتم تحديد التعويض في هذه بقدر الضرر المحقق الذي لحق بالبنك أو الكسب المحقق الذي فات على البنك. . (الفقه المقارن مع مسائل فقهية معاصرة، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء 2018، ص155).
الوجه السادس: مدى جواز الإتفاق المسبق على أنه إذا لم يدفع المشتري القسط في الميعاد المتفق عليه تكون الأقساط المتبقية عاجلة الدفع
ذهب غالبية الفقه المعاصر إلى جواز الإتفاق المسبق على أنه إذا لم يقم المشتري بسداد القسط في الميعاد المحدد لذلك فإن الأقساط التالية لذلك القسط تكون حالة الأداء يجب على المشتري الوفاء بها، لأن هذا الشرط جائز في الشريعة فيه مصلحة للبائع، إضافة إلى ان هذا الشرط لايتنافى مع العقد بل انه وسيلة للوفاء بالعقد ،فضلا عن أن تعثر أو إمتناع المشتري بالتقسيط عن سداد القسط في وقته المتفق عليه يدل على أنه سوف يمتنع عن سداد الأقساط التالية أو قد تعثر عن دفعها، كما أن المشتري في هذه الحالة هو المتسبب في إمتناعه عن الوفاء في حلول الأقساط التالية، في حين يذهب قلة من الفقهاء المعاصرين إلى عدم جواز ذلك ، لأن البيع بالتقسيط يكون بثمن أعلى من الثمن عند الشراء نقداً. (النظرية العامة للمصرفية الإسلامية، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة، صنعاء 2019م، ص37٤)، والله أعلم.