المحكمة المختصة بنظر تفسير حكم التحكيم

المحكمة المختصة بنظر تفسير حكم التحكيم

المحكمة المختصة بنظر تفسير حكم التحكيم

أجاز قانون المرافعات اليمني إستئناف قرار تفسير الحكم القضائي حسبما هو مقرر في المادة (256) ، اما قانون التحكيم اليمني فلم يجز الإدعاء ببطلان قرار تفسير المحكم لحكمه إستقلالا ، فقد اجازت المادة (52) تحكيم لأي من أطراف حكم التحكيم مطالبة المحكم أو هيئة التحكيم بتفسير بعض العبارات الواردة في حكم التحكيم، وعند تفسير المحكم لحكمه قد يتجاوز في تفسيره ،فيخالف قواعد التفسير ويخالف الحكم الذي يفسره فيمس بالحق المحكوم به في حكم التحكيم فينقص أو يزيد في الحق المحكوم به ، وقد صرحت المادة (٥٢) من قانون التحكيم اليمني بان تفسير المحكم لحكمه يعد جزءا من حكم التحكيم ، ومؤدى ذلك انه يتم الإدعاء ببطلان قرار المحكم المتضمن تفسيره تبعا لدعوى بطلان حكم التحكيم ، بيد انه في بعض الحالات يقوم المحكم بتفسير حكمه اثناء قيام المحكمة الإبتدائية بتنفيذ حكم التحكيم بناء على إنابة محكمة الإستئناف ، فاذا دفع المنفذ ضده بمخالفة قرار تفسير المحكم لحكمه ففي هذه الحالة تكون محكمة الإستئناف هي المختصة بنظر الادعاء ببطلان قرار تفسير المحكم لحكمه ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 13-6-2010م في الطعن رقم (41119)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (فقد وجدت الدائرة: أن نعي الطاعن في محله، إذ كان على الشعبة التجارية إستيفاء الإجراءات اللازمة للتأكد من صحة الدفع من عدمه والفصل فيه وفقاً للقانون، لأنها المختصة في ذلك وليس المحكمة الابتدائية، وفي حالة عدم ثبوت ولاية المحكمين في النزاع بشأن البقالة والأرضية التي باسم الطاعن فعلى الشعبة التوقف عند إنابتها السابقة للمحكمة التجارية الابتدائية لتنفيذ حكم المحكمين وتفسيره فيما يخص المبلغ المحكوم به)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: المحكمة المختصة بنظر قرار تفسير حكم التحكيم

وردت في نهاية المادة (52) من قانون التحكيم اليمني عبارة: (ويعتبر التفسير جزءاً من حكم التحكيم) ، ومعنى ذلك أن قرار المحكم أو هيئة التحكيم بتفسير حكم التحكيم يكون جزءاً لايتجزا من حكم التحكيم، ومقتضى ذلك أنه يتم الإدعاء ببطلان قرار تفسير حكم التحكيم تبعاً لحكم التحكيم وذلك ضمن دعوى بطلان حكم التحكيم التي يتم رفعها أمام محكمة الإستئناف ، فلايجوز ان يتم الإدعاء ببطلان قرار تفسير المحكم لحكمه إستقلالا، وعلى هذا الأساس فإن المحكمة المختصة بنظر قرار تفسير حكم التحكيم والفصل فيه هي محكمة الإستئناف.

 وإن كان من الجائز لمحكمة الاستئناف أن تنيب المحكمة الابتدائية بتنفيذ حكم التحكيم، بيد أنه لا يجوز لمحكمة الإستئناف إنابة المحكمة الابتدائية بالنظر في الدفع بمخالفة قرار تفسير التحكيم لحكم التحكيم حسبما ألمح الحكم محل تعليقنا.

الوجه الثاني: ماهية تفسير حكم المحكم

هو بيان المعنى المراد بالعبارات أو الكلمات التي يشوبها الغموض الواردة في منطوق حكم التحكيم، بإعتبار ان منطوق الحكم هو الحكم ذاته ، وهو نتيجة الحكم وهو الجزء الذي يتم تنفيذه إختياراً او جبراً، غير أنه إذا ورد ضمن منطوق الحكم فقرة تقضي بأن أسباب الحكم تعد جزءاً لا يتجزأ من المنطوق فأنه ينبغي تفسير العبارات أو الكلمات الغامضة الواردة في أسباب الحكم المتصلة بمنطوقه، والمقصود بالغموض في بعض كلمات أو عبارات منطوق الحكم أن تكون الكلمة أو العبارة غير مفهومة عند قراءتها أو أنها تحتمل أكثر من معنى أو انه يحدث الخلاف بين الأشخاص في فهمها عند مطالعتها ، ويترتب على ذلك عرقلة اجراءات تنفيذ الحكم أو تعطيلها.

 اما إذا كانت كلمات وعبارات منطوق الحكم واضحة فلا يجوز طلب تفسير الحكم لأن الطلب في هذه الحالة يكون بمثابة طلب تعديل للحكم ، كما يكون التفسير في هذه الحالة قضاء جديد منعدم ، لانه صدر بعد النتهاء ولاية المحكم. (نظرية الأحكام، أستاذنا المرحوم الأستاذ الدكتور أحمد أبو الوفاء، منشأة المعارف الاسكندرية ١٩٩٤م ، ص705).

الوجه الثالث: تفسير حكم التحكيم وشروطه وفقاً للمادة (52) من قانون التحكيم اليمني

 اجاز قانون التحكيم اليمني طلب تفسير حكم التحكيم حتى يمكن فهم المراد من الكلمات الغامضة عند تنفيذ الحكم، حتى لايقع الخلاف بين اطراف حكم التحكيم عند تنفيذ الحكم فينجم عن ذلك تعطيل أو عرقلة اجراءات تنفيذ الحكم، ويتم توجيه طلب تفسير حكم التحكيم إلى هيئة التحكيم التي اصدرته لأنها الأدرى بالمراد في الكلمات الغامضة الواردة في منطوق الحكم.

وبخلاف قانون المرافعات فقد نظم قانون التحكيم اليمني تصحيح حكم التحكيم وتفسيره في مادة واحدة، وفي هذا الشأن نصت المادة (52) تحكيم على أنه (يجوز لأي من الطرفين أن يطلب من لجنة التحكيم خلال الثلاثين يوما التالية لتسليم حكم التحكيم تصحيح ما يكون قد وقع في الحكم من أخطاء كتابية أو حسابية أو أي أخطاء مماثلة ، كما يجوز لأي من الطرفين أن يطلب من اللجنة تفسير أي عبارات أو جمل أو اجراء من الحكم وبشرط اخطار الطرف الآخر بالطلب وإذا رأت اللجنة أن التصحيح أو التفسير المطلوب له ما يبرره فعليها اصدار التصحيح أو التفسير كتابة خلال الثلاثين يوما التالية لتسليم الطلب ويعتبر التفسير جزءا من حكم التحكيم). وقد تضمن النص السابق شروط تفسير حكم التحكيم ، ويمكن تلخيصها على النحو الآتي:

الشرط الأول: أن يتقدم أحد أطراف حكم التحكيم بطلب تفسير حكم التحكيم: فلا يجوز لهيئة التحكيم أو المحكم أن يتصدى من تلقاء نفسه لتفسير الحكم حتى لو كان هناك غموض في كلمات أو عبارات منطوق الحكم، لأن هيئة التحكيم تستنفد ولايتها بالنطق بالحكم ، فلا يحق لها بعد ذلك أن تقوم بأي تعديل أو تصحيح أو تفسير إلا بناءً على طلب من أطراف الحكم.

الشرط الثاني: أن يتم تقديم طلب تفسير الحكم خلال الثلاثين يوماً لإستلام الطالب لنسخة الحكم: وقد نص قانون التحكيم اليمني على هذا الشرط مع أن قانون المرافعات لم يشترط ميعاداً معيناً لتقديم طلب تفسير حكم المحكمة، فقد اقتضت الطبيعة الخاصة للتحكيم تحديد هذا الميعاد، لأن ولاية المحكم بنظر الخصومة ولاية إستثنائية ومؤقتة، فليس لديه مقر دائم أو سجلات أو ارشيف او موظفين يتولون إستقبال طلبات التفسير في أي وقت وتقديمها إلى المحكم للبت فيها.

الشرط الثالث: أن يشتمل طلب التفسير على تحديد العبارة أو الكلمة الغامضة المطلوب تفسيرها، فلا يقبل طلب التفسير إذا لم يكن كذلك لجهالته ، ولان محل التفسير يقتصر على الكلمة أو العبارة الغامضة دون غيرها، فطلب التفسير الذي لايتضمن تحديد الكلمة أو العبارة الغامضة المطلوب تفسيرها يعني أنه طلب عام بتفسير حكم التحكيم كاملا وذلك لايجوز.

الشرط الرابع: أن يتم إخطار الطرف الآخر في حكم التحكيم بطلب التفسير: فلا يتم البت في طلب التفسير بغياب الخصم الآخر، وقد اشترط قانون المرافعات ذلك في المادة (256)، لأن غموض الكلمة أو العبارة قد يحتاج إلى إيضاح من الخصوم الحاضرين مثل اسماء أشخاص أو مساحات أو اسماء حدود اماكن النزاع، إضافة إلى أنه قد يكون التفسير محل نزاع بين أطراف الحكم مثلما حدث في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا.

الشرط الخامس: ان يتم تدوين تفسير الحكم كتابة: ووفقاً للمادة (256) مرافعات فإن تفسير الحكم يجب أن يتم بقرار تصدره هيئة التحكيم وتقوم بالتوقيع عليه ويتم التأشير بموجبه على صورة الحكم المسلمة للخصوم.

الشرط السادس: يجب أن تصدر هيئة التحكيم قرارها بتفسير حكم التحكيم خلال الثلاثين يوماً التالية لتاريخ إستلام هيئة التحكيم لطلب التفسير، ولم يرد ذكر هذا الشرط في المادة (256) مرافعات، وقد ورد هذا الشرط صراحة في المادة (52) تحكيم يمني ، حتى يكون قرار التفسير جزءا من حكم التحكيم إذا تم الادعاء ببطلانه لاحقا ، فضلا عن ان ولاية المحكم مؤقتة.

الشرط السابع: ان يكون تفسير حكم التحكيم جزءا من حكم التحكيم غير منفصل عنه.( التعليق على احكام المحكمة العليا في مسائل التحكيم الجزء الثالث، ا.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء ٢٠٢٥م، ص٣١٤).

الوجه الرابع: مدى جواز الإدعاء ببطلان قرار تفسير حكم التحكيم استقلالاً

قرار تفسير المحكمة للحكم القضائي يخضع للاستئناف وفقاً للمادة (256) مرافعات التي نصت على أنه (للمحكمة بناءً على طلب الخصوم أن تفسر ما غُمِض في حكمها بقرار تصدرهُ بعد سماع أقوال الخصوم ويُثَبت القرار على نسخة الحكم الأصلية ويوقعه الكاتب وهيئة المحكمة ويؤشر به على الصورة المسلمة للخصوم ويكون قرار التفسير قابلاً للاستئناف إذا كان الحكم قابلاً له أصلاً).

اما قانون التحكيم فقد نصت المادة (52) السابق ذكرها على أن قرار هيئة التحكيم بتفسير حكم التحكيم يكون جزءاً من حكم التحكيم ذاته، ومؤدى ذلك أن قرار هيئة التحكيم بتفسير الحكم يخضع لإجراءات دعوى بطلان حكم التحكيم، وأنه ينبغي الإدعاء ببطلانه مع حكم التحكيم في دعوى واحدة، فلايجوز الادعاء ببطلانه بصورة مستقلة ، وعلى هذا الأساس فقد قضى الحكم محل تعليقنا ببطلان الحكم الاستئنافي الذي فصل في قرار التفسير وتجاهل دفع الطاعن بعدم جواز ذلك بعد انقضاء مدة طويلة على صدور حكم التحكيم و إستلام الخصوم لنسخ منه، ولان قانون التحكيم قد حدد طريقا وحيدا للتعامل مع حكم التحكيم بعد صدوره وهي دعوى البطلان وليس طريق الإستئناف، والله أعلم.