![]() |
العبرة في وصف التدخل بطلبات المتدخل |
من المؤكد أنه لا يجوز التدخل الإختصامي أمام محكمة الإستئناف ، لأن ذلك يفوت على الخصوم درجة من درجات التقاضي، بيد أنه من الجائز التدخل الإنضمامي إلى أي من طرفي للخصومة أمام محكمة الإستئناف.
ولمعرفة الوصف القانوني للتدخل في مرحلة الإستئناف هل هو: إنضمامي أو إختصامي ينبغي دراسة طلبات المتدخل الواردة في نهاية عريضة طلب التدخل للتأكد من وصف أو نوع هذا التدخل، لأن العبرة في وصف التدخل بما ورد في طلبات المتدخل وليس بوصف المتدخل ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 30-5-2010م في الطعن رقم (40600)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (فقد أتضح للدائرة من فحوى طلب التدخل أنه يرمي إلى مساعدة المستأنف في إستئنافه وفي الدفاع عن حقوقه في الإيجار وبقائه مستأجراً للعقار ومعارضته لدعوى الإخلاء التي رفعها المدعون، ولما كانت العبرة في وصف التدخل هي بالطلبات الواردة فيه، وبما أنه كان من البين من طلبات المتدخلين أمام محكمة الاستئناف أنها لا تغاير طلبات المستأنف بل ترمي إلى مساعدته في دفاعه، ولذلك فإن تدخل المتدخلين إنضمامي إلى جانب المستأنف، وقد اجازت المادة (201) مرافعات طلب التدخل الإنضمامي إلى جانب أحد الخصوم في الاستئناف، وهو ما ينطبق على التدخل المقدم من المتدخل في مرحلة الإستئناف)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: طلبات المتدخل وموقعها في عريضة طلب التدخل
بحسب المنهج المتبع في اليمن لدى الخصوم في إعداد المذكرات القضائية بصفة عامة (دعوى/ دفع/ رد/ تعقيب/...إلخ) أن طلبات مقدم المرافعة الكتابية تكون في نهاية العريضة التي تتكون من أربعة أقسام، القسم الأول: الديباجة التي تتضمن اسم للمحكمة المقدمة لها المذكرة وعنوان المذكرة واسماء الخصوم وتاريخ تقديم المذكرة، والقسم الثاني من العريضة يتضمن : وقائع الطلب، والقسم الثالث يتضمن: أسانيد الطلب، والقسم الرابع والأخير: هو طلبات الخصم الذي قدم المذكرة، وفي حالات كثيرة يتعذر على المطالع للمذكرة فهم نوع المذكرة ومراد الخصم الذي قدمها إلا عند مطالعة طلبات الخصم المذكورة في نهاية المذكرة، حتى أن امين سر المحكمة في اليمن يكتفي بذكر طلبات الخصم ، فيكتب امين السر في محضر الجلسة: أن الخصم قدم مذكرة مكونة من مائة صفحة خلاصتها انه يطلب كذا ، ولذلك فإن تحديد نوع التدخل المقدم من المتدخل يتوقف على دراسة وفهم طلبات المتدخل المزبورة في عريضة طلب التدخل.
سيما أن المتدخل قد يسمي طلب تدخله بتسمية غير صحيحة خاصة انه من الشائع في اليمن أن يطلق الخصوم على مذكراتهم مسميات تتناسب مع مصالحهم ووجهات نظرهم ، فقد يسمي الخصم مذكرته دفعاً في حين أنها في حقيقتها ردا والعكس صحيح كما قد يسمي الخصم طلب التدخل (تدخل إختصامي) في حين أن اسمه بحسب القانون وبحسب ما ورد في المذكرة هو (تدخل إنضمامي) مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا. (مهارات الصياغة القانونية -مهارات صياغة المذكرات القضائية- ، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء، طبعة ٢٠٢٠م ،ص ٦٨).
الوجه الثاني: التكييف القانوني للمذكرات المقدمة من الخصوم من سلطة المحكمة التي تنظر النزاع
من المعتاد أن الخصوم يطلقوا على المذكرات المقدمة منهم أمام القضاء مسميات مختلفة بحسب مصالحهم ووجهات نظرهم في القضية، بيد أن المحكمة غير متقيدة بالأوصاف والمسميات التي يطلقها الخصوم على مذكراتهم، فالتكييف القانوني لما ورد في مذكرات الخصوم وتسميتها التسمية المطابقة للنصوص القانونية عمل قضائي تقوم به المحكمة التي تنظر النزاع، ومن هذا المنطلق فإن المحكمة هي صاحبة السلطة والإختصاص في دراسة طلب التدخل وتحديد نوعه إختصامي أم إنضمامي. (التدخل في الخصومة ، طلال العيسى وسهى صباحين ،مجلة دراسات علوم الشريعة والقانون ، المجلد ٤٤العدد٣، ٢٠١٧).
الوجه الثالث: قاعدة (العبرة بالفحوى وليس بالمسمى) وقاعدة (العبرة بما ورد في طلب التدخل وليس في الوصف الذي يطلقه الخصم على طلبه)
من القواعد القضائية التي استقر عليها القضاء في غالبية الدول أن العبرة بمضمون المذكرة المقدمة من الخصم أو فحواها وليس بالمسمى الذي يطلقه الخصم على مذكرته، وتطبيقاً لذلك فإن العبرة في تحديد نوع طلب التدخل هو بما ورد في طلبات المتدخل الواردة في عريضة طلب تدخله التي تدل على مقصود المتدخل من تدخله، وذلك بدوره يحدد نوع التدخل، وعما إذا كان التدخل إختصامياً أو إنضمامياً، وبناءً على ذلك فإن قاعدة: العبرة بالفحوى وليس بالمسمى تعاضد قاعدة (العبرة بما ورد في طلب المتدخل وليس في وصفه).
فمعنى قاعدة: العبرة بما ورد في طلب المتدخل وليس في وصفه ، معنى ذلك: أنه ينبغي النظر إلى مضمون طلب المتدخل وليس إلى الوصف الذي أطلقه المتدخل على تدخله، فمن خلال الوقوف على طلبات المتدخل المذكورة في عريضة تدخله يتم التحقق من مراد المتدخل من طلب تدخله وتحديد نوع التدخل ، وما إذا كان إختصامياً أم إنضمامياً. (التعليق على احكام المحكمة العليا في مسائل الإثبات الجزء الثالث، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء، طبعة ٢٠٢٤م صنعاء، ص١٦٥).
الوجه الرابع: التدخل الجائز أمام محكمة الإستئناف
نصت المادة (201) مرافعات على أنه (لا يجوز التدخل أمام الإستئناف إلا لمن يطلب الإنضمام إلى أحد الخصوم)، وصريح هذا النص أنه يجوز تقديم طلب التدخل الإنضمامي أمام محكمة الإستئناف أو في مرحلة الإستئناف ، لأنه لا يترتب على هذا التدخل تفويت درجة من درجات التقاضي، ومعنى التدخل الإنضمامي أن المتدخل يرمي إلى مساندة الخصم الذي انضم إليه كي يحكم القضاء للخصم الذي أنضم إليه أو كي لا يحكم القضاء على الخصم الذي أنضم إليه المتدخل، ويكون التدخل إنضمامياً إذا كانت الطلبات الواردة في مذكرة طلب التدخل هي الطلبات ذاتها التي سبق أن ابداها الخصم الذي أنضم إليه المتدخل.
اما التدخل الإختصامي فهو عبارة عن: دعوى مستقلة يبديها المتدخل مدعياً بأن الحق محل النزاع بين الخصوم المتنازعين هو حقه وليس من حق الخصوم المترافعين أمام المحكمة، وقد دل مفهوم نص المادة (201) مرافعات على أنه لا يجوز تقديم طلب التدخل الإختصامي أمام مرحلة الإستئناف ، لأنه يترتب على ذلك تفويت درجة من درجات التقاضي على الخصوم أطراف التدخل، في حين أنه من الجائز تقديم طلب التدخل بنوعيه الإنضمامي والإختصامي ، وذلك أمام محكمة أول درجة. (التعليق على احكام المحكمة العليا في مسائل الطعون الجزء الثاني، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء، طبعة ٢٠٢٣ م صنعاء، ص٢٥٣). والله اعلم.