الفرق بين التوفيق والتحكيم والصلح

الفرق بين التوفيق والتحكيم والصلح

الفرق بين التوفيق والتحكيم والصلح

التوفيق: هو قيام شخص ذي خبرة وإختصاص بتقديم المهارات والبيانات والإرشادات اللازمة للخصوم للتقريب بين وجهات نظرهم بهدف الوصول بهم إلى صلح مرضٍ أو تحكيم، وبناءً على ذلك لا يصدر من الشخص الذي يقوم بالتوفيق بين الخصوم أي حكم فليس لديه وثيقة أو إتفاق تحكيم يمنحه ولاية إصدار الحكم، كما ان الشخص الذي يقوم بالتوفيق لايكون طرفا في عقد الصلح، ومع ذلك فان مساعي من يقوم بالتوفيق قد تنتهي بالخصوم الى الصلح أو التحكيم.

اما التحكيم: فهو عبارة عن إتفاق الخصوم على تعيين وإختيار شخص أو أشخاص للفصل في النزاع القائم بينهم المحدد في إتفاق التحكيم المكتوب، وينتهي عمل المحكم أو هيئة التحكيم بحكمٍ منه للنزاع بين الخصوم المحتكمين.

في حين أن الصلح: عبارة عن عقد رضائي بين الخصوم يحسم النزاع القائم بينهما أو يتوقيا به نزاعاً محتملاً، فالصلح عقد ينهي النزاع بين الخصوم ويتم التوقيع عليه من قبل الخصوم.

وعلى أساس ما تقدم فإن مفهوم كل مصطلح من المصطلحات السابق ذكرها يختلف عن غيره، وتبعاً لذلك تختلف طبيعة وإجراءات وآثار كل مصطلح من تلك المصطلحات، بيد ان بين هذه المصطلحات علاقة وثيقة ، ولذلك فان من مهام مراكز التحكيم في دول العالم المختلفة مهمة (التوفيق بين الخصوم) ، فاغلب مراكز التحكيم في العالم يكون اسمها (مركز كذا للتوفيق والتحكيم) ، وقد أشار إلى هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 21-6-2010م في الطعن رقم (40789)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (فقد تبين للدائرة أن الطاعن متمسك بأن الوثيقة التي سبق له الإدعاء ببطلانها أمام محكمة الاستئناف هي حكم تحكيم وليس صلحاً، وقد وجدت الدائرة: أن نعي الطاعن في غير محله ، ذلك أن المادة الثانية تحكيم عرّفت الصلح بأنه: حل النزاع بين طرفين بتراضيهما فيما لا يخالف الشرع، كما ورد في القانون المدني المادة (668) التي عرّفت الصلح بأنه: عقد يرفع النزاع ويقطع الخصومة يحسم به الطرفان نزاعاً قائماً أو يتوقيان به نزاعاً محتملاً ، وذلك بأن يتنازل كلٍ منهما عن جزء من إدعائه، ويتبين من ذلك أن التراضي هو الأساس للقول بقيام الصلح بين الخصوم، ومن ثم لا يستلزم القانون أن يكون الصلح دون تدخل الغير بل أن المتعارف عليه والغالب في التعاملات أن يتم التوصل إلى الصلح بمساعٍ يبذلها شخص من غير أطراف الخصومة يتولى التقريب بين وجهات النظر)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: ماهية التوفيق بين الخصوم ، وفضيلة التوفيق بين الخصوم في القران الكريم

التوفيق بين الخصوم حرفة ظهرت في العصر الحديث واصبحت رديفة لحرفة التحكيم ، فصارت مراكز التحكيم في العصر الحديث تسمى : (مركز كذا للتوفيق والتحكيم) .

اما القرآن الكريم فقد أهتم منذ عصر التنزيل اهتم بالتوفيق بين الخصوم اهتماما كبيرا بل أن القرآن الكريم قد جعل التوفيق بين الخصوم والإصلاح بينهم واجبا كفائيا على المسلمين كافة، والآيات االشاهدة على ذلك كثيرة منها: قوله تعالى (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس) فقد جعلت الاية الكريمة التوفيق والإصلاح بين الناس المختصمين من فضائل الأعمال ومن القرب العظيمة ، وفي هذا السياق ياتي قوله تعالى {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال: (1)] فالخطاب في الآية الكريمة عامٍ كما قرر المفسرون، والمخاطب في الآية الكريمة هم الخصوم الذين أمرهم الله بإصلاح ما بينهم من خصام وشقاق، كما أن الخطاب في الآية موجه لعامة المسلمين فقد امر الله تعالى المسلمين عامة بالسعي والتوفيق لإصلاح الخصومات والنزاعات الناشبة بين المسلمين، ومعنى ذلك أنه يجب على المسلمين عامة أن يسعوا للتوفيق والإصلاح بين الخصوم المتنازعين، فإذا قام بهذا الواجب بعض المسلمين سقط التكليف عن البقية ،وهذا هو معنى الواجب الكفائي كما هو معروف.

بيد أن التوفيق والإصلاح بين الخصوم قد صار في العصر الحاضر حرفة لها رجالها الخبراء المتخصصون في المجالات المختلفة الذين تتوفر لديهم الخبرات والمهارات والبيانات والمعلومات والمشورة والارشادات في محل الخلاف المطلوب السعي للإصلاح فيه، بل أنه يجب ان تتوفر لدى من يقوم بأعمال التوفيق المعرفة اللازمة في العادات والأعراف، وغالباً ما تكون مهنة التوفيق بين الخصوم رديفة لمهنة التحكيم بين الخصوم، ولذلك صارت مراكز التحكيم تحمل اسم (مركز التوفيق والتحكيم)، ويقوم الموفق بين الخصوم بعدة محاولات ومساعي للإصلاح بين الخصوم عن طريق تقريب وجهات نظر الخصوم عن طريق تقديم الإرشادات والبيانات والمعلومات المختلفة التي من شأنها تبصير الخصوم بما يجب عليهم إتباعه للتصالح أو التحكيم.

الوجه الثاني: ماهية الصلح بين الخصوم

عرّف القانون المدني الصلح في المادة (668) مدني بأن: (الصلح عقد يرفع النزاع ويقطع الخصومة يحسم به الطرفان نزاعاً قائماً أو يتوقيان به نزاعاً محتملاً ، وذلك بتنازل كلٍ منهما عن جزء من إدعائه) ، كما نصت المادة (677) مدني على أن (يحسم الصلح المنازعات التي تناولها ويترتب عليه إنقضاء الحقوق والإدعاءات التي تنازل عنها أي من الطرفين نهائياً).

ومن خلال إستقراء النصين السابقين يظهر أن الصلح عقد له أركانه وشروطه المقررة في الشريعة والقانون، فأركان عقد ثلاثة: الصيغة: وهي الإيجاب والقبول، والركن الثاني العاقدان: وهما المتصالحان، والركن الثالث: المحل وهو الشي محل الخلاف الذي تم التصالح عليه وبدل أو عوض الصلح، ويشترط في كل ركن من هذه الأركان عدة شروط، فيشترط في العاقدان أن يكونا بالغين عاقلين رشيدين غير محجورين من التصرف وأن يكونا راضيين لا يشوب إرادتهما عيب من عيوب الإرادة، ويشترط في صيغة العقد أن يكون الإيجاب والقبول متطابقين ويشترط في محل الصلح أن يكون معلوماً علماً نافياً للجهالة. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الصلح، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء ٢٠٢٥، ص116).

الوجه الثالث: ماهية التحكيم

عرّف قانون التحكيم اليمني عرّف التحكيم في المادة (2) بأنه: (إختيار الطرفين برضائهما شخصاً آخر أو أكثر للحكم بينهما دون المحكمة المختصة فيما يقوم بينهما من خلافات ونزاعات).

ومن خلال إستقراء ما ورد في النص السابق يظهر أن التحكيم ينتهي بحكم من قبل المحكم يحسم النزاع، وأن التحكيم يتم بموجب إتفاق أي عقد بين الخصوم يتم فيه إختيار المحكم أو المحكمين ، ويتم فيه تحديد النزاع المطلوب من المحكمين الفصل فيه.

الوجه الرابع: العلاقة بين التوفيق والصلح والتحكيم

يمكن تلخيص مظاهر العلاقة بين هذه المصطلحات كما يأتي:

أولاً: التوفيق بين الخصوم وسيلة لتقريب وجهات نظر الخصوم للوصول إلى صلح بينهما أو للإتفاق على التحكيم، فمن النادر أن يتوصل الخصوم إلى صلح أو إتفاق تحكيم من غير أن تسبق ذلك مساعي للتوفيق بينهما من قبل أهل الصلاح، بيد أن التوفيق ذاته لا يترتب عليه إنهاء النزاع بعقد صلح أو تحكيم وإنما هو مرحلة سابقة للصلح أو التحكيم حسبما سبق بيانه.

ثانياً: الصلح عقد ، والتحكيم حكم، وشتان ما بين العقد والحكم، فالمحكم يحكم بالحق كما ظهر له أثناء إجراءات الخصومة التحكيمية من غير أن يسقط من الحق شيئاً، في حين أن الصلح عماده التنازل والإسقاط عن الحق أو بعضه، ولذلك يتضمن الصلح تنازل وإسقاط الخصوم عن بعض حقوقهم لبعضهم بعضا.

ولأن التحكيم حكم فأنه يتم الإدعاء ببطلانه أمام محكمة الإستئناف، في حين ان عقد الصلح عقد وليس حكما، ولذلك يقوم المصالح برفع دعوى ابطال عقد الصلح أمام المحكمة الابتدائية وليس أمام الاستئنافية، (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل التحكيم، الجزء الثاني. أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء ٢٠٢٣، ص١٤٤)، والله أعلم.

تعليقات