غرامة التأخير في عقد المقاولة

غرامة التأخير في عقد المقاولة

غرامة التأخير في عقد المقاولة

من المسائل التي تثير الجدل الشرعي والقانوني في الوقت الحاضر مسألة غرامة التأخير التي يتم الإتفاق عليها في العقود كعقد المقاولة ، اذ يختلط مفهوم غرامة التاخير بالشرط الجزائي وكذا بالاتفاق المسبق على تحديد مبلغ التعويض عن التاخير.

وبغض النظر عن التداخل بين غرامة التاخير والمفاهيم المشار إليها فانه من المؤكد ان الغرض من شرط غرامة التاخير في العقود هو حمل الطرف المتعاقد على تنفيذ إلتزامه العقدي وتعويض الطرف المضرور من التأخير في تنفيذ الإلتزامات المنصوص عليها في العقد بمافي ذلك عقد المقاولة، وقد أشار إلى هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 28-2-2010م في الطعن رقم (36466)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (وقد سبق للطاعنة المطالبة في إستئنافها الجزئي بغرامة تأخير تسليم مستحقاتها المالية بموجب عقد المقاولة ،وهذا هو ما تطلبه الطاعنة في عريضة طعنها بالنقض، وحيث أن الحكم الاستئنافي قد رفض إستئناف الشركة المقاولة الجزئي دون تسبيب كافٍ ودون مناقشة لما تطلبه الشركة المقاولة في تلك الجزئية بشان غرامة التأخير مما يعيب الحكم الإستئنافي بالقصور في التسبيب بالمخالفة للمادة (231) مرافعات، مما يتعين معه نقض الحكم في هذه الجزئية وإعادة ملف القضية للنظر في طلب إستحقاق المؤسسة المقاولة لغرامة تأخير صرف المبالغ التي كانت تستحق إستلامها بوقته مقابل ما نفذته من أعمال)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: غرامة التأخير في قانون المناقصات والمزايدات الحكومية اليمني

اجازت المادة (32) من قانون المناقصات والمزايدات الحكومية اجازت فرض غرامات تأخير على المقاول إذا لم يقم بتنفيذ إلتزاماته العقدية في المواعيد المتفق عليها في عقد المقاولة، فقد نصت هذه المادة على أنه (إذا تأخر أو امتنع المقاول أو المورد أو المتعهد أو الإستشاري عن تنفيذ الأعمال أو توريد الأصناف أو أداء الخدمات المتعاقد عليها في المواعيد المحددة في العقد فيجب على الجهة إتخاذ الإجراءات التالية على التوالي: -أ- إخطاره كتابياً ببدء إحتساب غرامة التأخير وتطبيق الشروط الجزائية المنصوص عليها في العقد من تاريخ إنتهاء المهلة المحددة بالإخطار –ب- تطبيق غرامة التأخير والشروط الجزائية المنصوص عليها في العقد –ج- إنهاء العقد وتقييم الأعمال المتبقية وتكليف غيره بإتمام الأعمال التي لم يقم بتنفيذها بنفس المواصفات وعلى حسابه ومصادرة ضمان الأداء ، على أن يتم التكليف بإحدى الطرق المنصوص عليها في هذا القانون، وبناءً على قرار من لجنة المناقصات المختصة).

ومن جانب آخر اجاز قانون المناقصات والمزايدات فرض غرامات تاخيرعلى التاخير في دفع النقود أي تاخير الجهة المتعاقدة مع المقاول في دفع مستحقات المقاول النقدية في الاوقات المحددة في عقد المقاولة ، وفي هذا الشان نصت المادة (33) من قانون المناقصات والمزايدات الحكومية على أنه (في حالة مخالفة الجهة لإلتزاماتها المنصوص عليها في العقد يحق للمقاول اليمني أو المورد أو المتعهد أو الإستشاري المطالبة بتعويض يعادل الغرامات التي تطبق عليه في حال أن يكون هو المتسبب في التأخير أو المطالبة بتمديد فترة التنفيذ بما يساوي فترة التأخير التي تسببت فيها الجهة ويتبع بشأن ما سبق الإجراءات المنصوص عليها في الفقرتين (أ ، ب) من المادة (34) وتوضح اللائحة الإجراءات المتعلقة بذلك).

 وقد نظم القانون المدني عقد المقاولة المدنية غير أنه لم يتعرض لغرامة التأخير، ومع فانه فان عقود المقاولة غير الحكومية تتضمن شروط بشان غرامة التاخير من جهة تاخير صاحب المقاولة في سداد المستحقات النقدية للمقاول أو من جهة تاخير المقاول في تنفيذ أعمال المقاولة.

بيد ان القانون المدني اليمني قد اجاز الإتفاق المسبق بين المتعاقدين على تقدير التعويض عند حدوث الضرر في المستقبل ، وفي هذا المعنى نصت المادة (٣٤٨) على انه (يجوز الإتفاق مقدما على مقدار النعويض ، وفي جميع الأحوال يجوز للقاضي ان ينقص مقدار التعويض أو لايحكم بتعويض إذا كان صاحب الحق قد اشترك بخطئه في إحداث الضرر أو زاد فيه ).

الوجه الثاني: موقف الفقه الإسلامي من غرامات التأخير

من المعلوم أن هذا المسالة من المسائل الفقهية المستجدة في العصر الحاضر، ولذلك لم يتعرض لها الفقهاء المتقدمون، أما الفقه الإسلامي المعاصر فقد قرر مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية عشرة المنعقدة بالرياض في الفترة من 25 جمادي الأخرة إلى 1 رجب 1421هـ الموافق 23 – 28 سبتمبر 2000م قرر بعد إطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع (الشرط الجزائي) وبعد إستماعه إلى المناقشات التي دارت حول الموضوع بمشاركة أعضاء المجمع وخبرائه وعدد من الفقهاء قرر ما يلي:

- أنه لا حرج في وضع شرط جزائي أو غرامة تأخير على المورد أو المقاول عند التأخير في توريد البضاعة أو تنفيذ العمل المتفق عليه، فيجوز أن يشترط الشرط الجزائي في جميع العقود المالية ما عدا العقود التي يكون الإلتزام الأصلي فيها ديناً فإن هذا من الربا الصريح.

وبناءً على هذا تجوز غرامة التأخير في عقود المقاولات بالنسبة للمقاول وعقد التوريد بالنسبة للمورد وعقد الإستصناع بالنسبة للصانع إذا لم ينفذ ما التزم به أو تأخر في تنفيذه.

أما غرامة التأخير في سداد النقود أو الديون في الأوقات المتفق عليها فقد اجمعت المجامع الفقهية المعاصرة على عدم جواز ذلك ، لأنه نوع من الربا فلا يجوز إشتراط غرامة التأخير في الديون ، لأن ذلك يعد زيادة على الدين وهو ما يدخل في الربا المحرم، غير أن هناك رأي فقهي معاصر يذهب إلى جواز فرض غرامة تأخير على المدين الموسر المماطل شريطة أن يتم صرف مبالغ هذه الغرامة في مصالح خيرية أو للفقراء. (النظرية المصرفية الإسلامية، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء، طبعة 2019م صنعاء، ص406).

الوجه الثالث: غرامة التاخير في سداد الديون من وجهة نظربعض الباحثين 

 سبق القول بانه يجوز في الفقه الإسلامي الإتفاق مسبقا على غرامة تاخير اذا لم ينفذ المقاول العمل الذي لتزم به ، أما النوع الثاني من غرامات التأخير وهو الذي يتعلق بحالة إذا كان محل الالتزام مبلغاً من النقود، وكان معلوم المقدار وقت الطلب وتأخر المدين عن الوفاء به في الموعد المحدد, فيذهب بعض الباحثين الى : إنه يلتزم بأن يدفع للدائن على سبيل التعويض عن التأخير فوائد تحدد عادة العديد من الأنظمة القانونية حدها الأعلى بحيث لا يجوز للمتعاقدين الاتفاق على تجاوزها. ويسمى هذا النوع من الغرامات في المصطلح القانوني (الفوائد التأخيرية). واختلف الفقه الإسلامي المعاصر حول شرعية هذا النوع من غرامات التأخير (الفوائد التأخيرية). ونوجز أبرز الآراء الفقهية في هذا الشأن على النحو التالي:

أولاً: يذهب بعض الفقهاء إلى عدم جواز هذا النوع من الغرامات باعتبارها تمثل زيادة في الدين بغير مقابل، فهي من الربا المتفق على تحريمه أخذا بقوله تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا).

ولقد نظر مجلس المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الـ 11 المنعقدة في مكة المكرمة في الفترة من يوم الأحد 13 رجب 1409هـ الموافق 19 شباط (فبراير) 1989 إلى يوم الأحد 20 رجب 1409هـ الموافق 26 شباط (فبراير) 1989 في موضوع السؤال التالي: (إذا تأخر المدين عن سداد الدين في المدة المحددة، فهل له – أي بنك – الحق بأن يفرض على المدين غرامة مالية جزائية بنسبة معينة، بسبب التأخير عن السداد في الموعد المحدد بينهما؟).

وبعد البحث والدراسة، قرر مجلس المجمع الفقهي بالإجماع ما يلي:

(أن الدائن إذا شرط على المدين أو فرض عليه أن يدفع له مبلغاً من المال غرامة مالية جزائية محددة أو بنسبة معينة إذا تأخر عن السداد في الموعد المحدد بينهما، فهو شرط باطل، ولا يجب الوفاء به، بل ولا يحل، سواء كان الشارط هو المصرف أو غيره، لأن هذا بعينه هو ربا الجاهلية الذي نزل القرآن بتحريمه).

ولقد أخذ القضاء السعودي بهذا الاتجاه الفقهي، ونضرب على ذلك مثلاً بحكم الدائرة التجارية التاسعة بديوان المظالم في جدة رقم 81/د/ت/ج/9 لعام 1410هـ في القضية رقم 84/2/ق لعام 1409، حيث رفضت الدائرة الموقرة طلب المدعي إلزام المدعى عليه بدفع مبلغ غرامة التأخير المتفق عليها لعدم وفاء المدعى عليه بثمن الرخام الذي ورده المدعي للمدعى عليه في المواعيد المحددة. وقد أسست الدائرة الموقرة رفضها لهذا الطلب على أن شرط الغرامة المذكورة يعتبر صورة من الصور الربوية.

ثانياً: تذهب ثلة من الفقهاء ومنهم الدكتور مصطفى أحمد الزرقاء، يرحمه الله، إلى جواز هذا النوع من غرامات التأخير بالشروط التالية:

1- إذا كان المدين المماطل موسراً.

2- ألا يكون للمدين معذرة شرعية في تأخير الوفاء بالدين.

3- أن يقدر القضاء مقدار التعويض الذي يستحقه الدائن مقابل تأخر المدين في الوفاء، حيث لا يجوز الاتفاق مسبقاً بين الدائن والمدين على تحديد ضرر الدائن من تأخير الوفاء.

4- أن تحدد المحكمة مقدار الضرر والتعويض عنه بما فات الدائن من ربح معتاد في طرق التجارة العامة بأدنى حدوده العادية, أو أنه قبض دينه في موعده واستثمره بالطرق المشروعة الحلال ولا عبرة لسعر الفوائد المصرفية. وتعتمد المحكمة في هذا التقرير رأي أهل الخبرة في هذا الشأن.

ويستند أصحاب هذا الاتجاه الفقهي إلى أسانيد شرعية عديدة, منها قوله تعالى (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل). وأن المال يشمل المنافع فقهاً، ولا يقتصر مفهومه على الأعيان في نظر جمهور الفقهاء. وأن تأخير أداء الحق المستحق عن موعده الواجب بلا عذر شرعي هو أكل لمنفعة الحق أو المال بلا إذن صاحبه مدة التأخير, ويوجب مسؤولية الآكل. وقوله – صلى الله عليه وسلم – (مطل الغني ظلم) وقوله – عليه الصلاة والسلام – (ليّ الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته) وقوله عليه الصلاة والسلام (لا ضرر ولا ضرار).

وقد أيد هذا الاتجاه الفقهي الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع، عضو هيئة كبار العلماء في السعودية– في بحثه (مطل الغني ظلم يحل عرضه وعقوبته) المنشور في مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، العدد (12) الصادر سنة 1421هـ، حيث يقول (ولا شك أن المماطل في حكم الغاصب بمماطلة أداء الحق الواجب عليه إلا أن تقدير الزيادة عليه يجب أن يراعى في تعيينها العدل فلا يجوز دفع ظلم بظلم ولا ضرر بضرر أفحش منه).ويوضح الشيخ عبد الله بن منيع الفرق بين الفائدة الربوية وغرامة التأخير في هذه الحالة قائلاً (إن الزيادة الربوية اتفاق بين الدائن والمدين لقاء تأجيل السداد فهي زيادة في مقابلة الإنظار لزمن مستقبل وعلى سبيل التراضي، فالمدين لا يسمى في هذه الحال مماطلاً ولا معتدياً ولا ظالماً بسبب تأخيره في سداد حق دائنه، بينما الزيادة على حق الدائن في مقابلة الليّ والمطل بغير حق ضمان لمنفعة محققة أو محتملة فات حصولها بسبب المماطلة بغير حق وعقوبة على المدين المماطل لكونه بمطله وليه بغير حق ظالماً ومتعدياً ومفوتاً منفعة دائنه المحققة أو المتوقعة باحتباس حقه عنده بدون حق، فهي زيادة لم تكن موضع اتفاق على اعتبار التأخير في مقابلتها، وإنما هي في مقابلة تفويت منفعة على سبيل الظلم والعدوان بالمماطلة، وهي كذلك عقوبة اقتضاها اللي والمماطلة).

كما أخذت ندوة البركة الفقهية للاقتصاد الإسلامي (الندوة الثالثة) بمبدأ جواز إلزام المدين المماطل في الأداء، وهو قادر على الوفاء، بتعويض الدائن عن ضرره الناشئ عن تأخر المدين في الوفاء بدون عذر مشروع، حيث جاء نص فتواها على النحو التالي:

1- يجوز شرعاً إلزام المدين المماطل في الأداء وهو قادر على الوفاء بتعويض الدائن عن ضرره الناشئ عن تأخر المدين في الوفاء دون عذر مشروع، لأن مثل هذا المدين ظالم، قال فيه الرسول – صلى الله عليه وسلم – (مطل الغني ظلم) فيكون حاله كحالة الغصب التي قرر الفقهاء فيها تضمين الغاصب منافع الأعيان المغصوبة علاوة على رد الأصل، هذا رأي الأغلبية.

وهناك من يرى أن يكون الإلزام بهذا المال على سبيل الغرامة الجزائية استناداً لمبدأ المصالح المرسلة، على أن تصرف الحصيلة في وجوه البر المشروعة.

2- يقدر هذا التعويض بمقدار ما فات على الدائن من ربح معتاد كان يمكن أن ينتجه مبلغ دينه لو استثمر بالطرق المشروعة خلال مدة التأخير.

وتقدر المحكمة التعويض بمعرفة أهل الخبرة تبعاً لطرق الاستثمار المقبولة في الشريعة الإسلامية، وفي حالة وجود مؤسسة مالية غير ربوية في بلد الدائن (كالبنوك الإسلامية مثلاً) يسترشد بمتوسط ما قد حققته فعلاً تلك المؤسسات من ربح عن مثل هذا المبلغ للمستثمرين فيها خلال مدة التأخير.

3- لا يجوز الاتفاق بين الدائن والمدين مسبقاً على تقرير هذا التعويض كي لا يتخذ ذلك ذريعة بينهما إلى المراباة بسعر الفائدة.

كما أصدرت ندوة البركة السادسة فتوى أخرى تنص على أنه (يجوز اشتراط غرامة تأخير كرادع للمماطلين القادرين على السداد على أن تنفق حصيلة هذه الغرامات على وجوه الخير، وفي حالة تحقق ضرائب مباشرة على الدخل المتأتي من هذه الغرامات يحق للبنك أن يحمِّلها بها).

ويذهب بعض الباحثين الى أن تفشي المماطلة في أداء الحقوق وتنوع أساليبها أصبحت ظاهرة خطيرة زعزعت مبادئ حسن النية والثقة والصدق والوفاء في المعاملات المالية بين الناس, وأدت إلى إرهاق الدائنين من أمرهم مشقة وعسراً وضرراً، كما أن بطء سير إجراءات التقاضي وتنفيذ الأحكام القضائية زاد من عناء ومشقة استحصال الحقوق، الأمر الذي يجعل هولاء الباحثين يذهبوا إلى الاتجاه الفقهي الذي يجيز إلزام المدين الموسر المماطل في الأداء، بتعويض الدائن عن ضرره الناشئ عن تأخر المدين في الوفاء، لأن ذلك الاتجاه يقوم على أسانيد شرعية معتبرة ومسوغات وجيهة. لأنه – كما قال الدكتور مصطفى الزرقاء – (إذا تساوي معطي الحق ومانعه، أو معجله ومؤخره كان هذا مشجعاً لكل مدين أن يؤخر الحقوق ويماطل فيها بقدر ما يستطيع ليستفيد من هذا الظلم أكبر قدر ممكن دون أن يخشى طائلة أو محذوراً، ما دام لن يؤدي في النهاية إلا أصل الحق. وهذا خلاف مقاصد الشريعة وسياستها الحكيمة قطعاً). أما كيف يقدر الضرر الذي يلحق بالدائن ومقدار التعويض المقابل له فأرى أن هذه المسألة إما أن يقدرها ولي الأمر في نصوص نظامية آمرة أو يترك أمر تقديرها للمحكمة المختصة. وأحبذ أن يحسم تقديرها في نصوص نظامية قطعاً لدابر الاختلاف في هذا الشأن. (خالد احمد عثمان، منصة الاقتصادية).

الوجه الرابع:غرامة تاخيرالقيام بالعمل في بعض القوانين العربية

في الوجه السابق استعرضنا غرامة التاخير في سداد الديون أما في هذا الوجه فسوف نعرض موقف بعض القوانين وموقف الفقه العربي في بعض العربية بشان غرامة التاخير في تنفيذ العمل كتاخر المقاول في تنفيذ اعمال المقاولة .، وكذا ما يتعلق بتأخر الملتزم في تنفيذ وتسليم العمل الذي التزم بإنجازه وأدائه في موعده المحدد, ومن أمثلة ذلك ما ينص عليه في عقد المقاولة من إلزام المقاول بدفع مبلغ معين من النقود عن كل يوم أو عن كل أسبوع أو عن أي فترة من الزمن يتأخر فيها عن إتمام وتسليم العمل الذي تعهد به, وكذلك ما ينص عليه في عقد التوريد من إلزام المورد بدفع مبلغ معين من النقود عن كل فترة زمنية معينة يتأخر فيها عن توريد الأشياء التي تعهد بتوريدها.

يطلق عادة على هذا النوع من الغرامات في الفقه القانوني مصطلح الشرط الجزائي, وتكاد تجمع القوانين المقارنة على جواز هذا الشرط, ونسوق على ذلك مثلا المادة 223 من القانون المدني المصري التي أجازت للمتعاقدين أن يحددا مقدما قيمة التعويض بالنص عليها في العقد أو في اتفاق لاحق. وأوضح الدكتور عبد الرزاق السنهوري - يرحمه الله - في الجزء الثاني من كتابه القيم ''الوسيط في شرح القانون المدني'' وجود اختلاف بين القوانين المقارنة حول وجوب توافر عنصر الضرر لاستحقاق الشرط الجزائي, فطبقا لأحكام القانون المدني المصري لا يستحق الشرط الجزائي إذا لم يكن هناك ضرر أصاب الدائن, على أن عبء إثبات عدم وقوع الضرر يقع على المدين أي (الملتزم) لأن وجود الشرط الجزائي يجعل الضرر واقعا في تقدير المتعاقدين, ولذلك يفترض وقوع الضرر, ولا يكلف الدائن إثباته, وعلى المدين إذا ادعى أن الدائن لم يلحقه أي ضرر, أن يثبت ذلك. أما في القانون المدني الفرنسي فقد نصت المادة 1153 منه على أنه (إذا ذكر في الاتفاق أن الطرف الذي يقصر في تنفيذه يدفع مبلغا معينا من النقود على سبيل التعويض, فلا يجوز أن يعطى لتعويض الطرف الآخر مبلغ أكثر أو أقل). كما ذهب القضاء الفرنسي إلى أن الشرط الجزائي يستحق حتى لو لم يثبت الدائن أن هناك ضررا أصابه, فإن اتفاق الطرفين على شرط جزائي, وتقديرهما مقدما التعويض المستحق, معناه أنهما مسلمان بأن إخلال المدين بالتزامه يحدث ضررا اتفقا على المقدار اللازم لتعويضه. واستقر الفقه الإسلامي المعاصر على جواز العمل بهذا النوع من غرامات التأخير (الشرط الجزائي) ذلك أن تأخر المتعاقد أو امتناعه عن تنفيذ التزامه في موعده المتفق عليه يلحق ضررا بالطرف الآخر في وقته وماله, فلو أن متعهدا بتقديم مواد خام معينة إلى صاحب مصنع تأخر عن تسليمها إليه في الموعد المضروب لتعطل المصنع وعماله, ولو أن بائع بضاعة لتاجر تأخر في تسليمها حتى هبط سعرها لتضرر التاجر بخسارة قد تكون فادحة.

وقد أصدر مجلس هيئة كبار العلماء في السعودية بالإجماع قرارا برقم 25 وتاريخ 21/8/1394هـ يقضي بأن الشرط الجزائي الذي يجري اشتراطه في العقود شرط صحيح معتبر يجب الأخذ به ما لم يكن هناك عذر في الإخلال بالالتزام الموجب له يعتبر شرعا, فيكون العذر مسقطا لوجوبه حتى يزول. وإذا كان الشرط الجزائي كثيرا عرفا يراد به التهديد المالي ويكون بعيدا عن مقتضى القواعد الشرعية فيجب الرجوع في ذلك إلى العدل والإنصاف على حسبما فات من منفعة ولحق من ضرر ويرجع تقدير ذلك عند الاختلاف إلى الحاكم الشرعي عن طريق أهل الخبرة والنظر عملا بقوله تعالى ''وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل'' وقوله سبحانه ''ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى'' وقوله - صلى الله عليه وسلم - ''لا ضرر ولا ضرار''.

وعلى غرار أنظمة المناقصات والمشتريات الحكومية السابقة أوجب نظام المنافسات والمشتريات الحكومية السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/58 وتاريخ 4/9/1427هـ فرض غرامات التأخير على المتعهد أو المقاول الذي يتأخر في تنفيذ الأعمال والخدمات وتسليمها في الموعد المتفق عليه حيث نصت المادة 48 من النظام المذكور على أنه ''إذا تأخر المتعاقد في تنفيذ العقد عن الموعد المحدد تفرض عليه غرامة تأخير لا تتجاوز 6 في المائة من قيمة عقود التوريد, ولا تتجاوز 10 في المائة من قيمة العقود الأخرى''. كما نصت المادة 49 على أنه ''إذا قصر المتعاقد في عقود الصيانة والتشغيل والعقود ذات التنفيذ المستمر في تنفيذ التزاماته تفرض عليه غرامة لا تتجاوز 10 في المائة من قيمة العقد مع حسم قيمة الأعمال التي لم تنفذ''.

وإضافة إلى فرض الغرامات المذكورة أعلاه قررت المادة 50 أن يتحمل المتعاقد تكاليف الإشراف على تنفيذ المشروع خلال مدة خضوعه لغرامة التأخير. وحددت المادة 51 حالات الإعفاء من الغرامة, حيث قررت أن ''يتم تمديد العقد والإعفاء من الغرامة باتفاق الجهة الحكومية المتعاقدة مع وزارة المالية إذا كان التأخير ناتجا عن ظروف طارئة أو لسبب خارج عن إرادة المتعاقد, بشرط أن تتناسب مدة التأخير مع هذه الأسباب''.

وقد وضعت اللائحة التنفيذية لنظام المنافسات والمشتريات الحكومية السعودي الأحكام والقواعد التفصيلية لكيفية فرض غرامات التأخير والإعفاء منها, يضيق المجال هنا عن شرحها.

 ولقد استقر في فقه القانون الإداري المقارن أن غرامة التأخير تستحق حتى لو لم ينتج عن التأخير أي أضرار, ولا يجوز للمتعاقد مع الجهة الإدارية ''الحكومية'' المطالبة بإنقاص قيمة الغرامة المنصوص عليها في العقد بحجة أنها تزيد على قيمة الضرر الناتج عن تأخيره.

ويجوز للجهة الحكومية أن تجمع بين غرامات التأخير وغيرها من الجزاءات الأخرى المنصوص عليها في النظام أو العقد مثل مصادرة الضمان البنكي أو فسخ العقد أو التنفيذ على حساب المتعاقد والرجوع عليه بالتعويض عما لحقها من ضرر بسبب ذلك أو حسم قيمة البنود والخدمات غير المنفذة أو التي نفذت خلافا لما تم الاتفاق عليه (خالد احمد عثمان، منصة الاقتصادية) ، والله علم.