دعوى بطلان حكم التحكيم الصادر خارج اليمن

دعوى بطلان حكم التحكيم الصادر خارج اليمن

دعوى بطلان حكم التحكيم الصادر خارج اليمن

من المقولات الخالدة لأحد مشايخ وحكماء قبيلة خولان اليمنية الأبية أنه قال: (كتب الله على اليمنيين إحياء الشريعة داخل اليمن وخارجها) طبعاً الشيخ الحكيم يقصد بالشريعة باللهجة اليمنية (النزاع والتخاصم)، ذكرت هذا الكلام في التعليق ، لأن أول قضية تدربت عليها قبل اكثر من اربعين سنة كانت بين يمني مغترب وبين ابن أخيه اللذين كانا يعملا في التجارة في (بانغي) عاصمة جمهورية أفريقيا الوسطى وكانا من كبار التجار ورجال الأعمال في تلك الدولة ، وقد صدرا المذكوران نزاعهما إلى اليمن في عصر الرئيس الحمدي رحمه الله واستمر خلافهما لمدة طويلة حتى افلسا ، وقد وقفت خلال فترة عملي الطويلة في المجال القانوني على نزاعات وخلافات بين المغتربين اليمنيين في دول الإغتراب ربما أنها أكثر من الخلافات التي تقع بين اليمنيين داخل اليمن، وكثرة الخلافات بين اليمنيين داخل اليمن وخارجها لا تدل على حب اليمنيين للشجار والخصام والخلاف ، لأن اليمنيين ارق قلوبا والين افئدة ، فهم أكثر شعوب الأرض تديناً وطيبة ، لكن سبب الخلاف بينهم خارج اليمن وداخله يرجع إلى قلة الوعي الشرعي والقانوني ووجود مستفيدين من إثارة الخلافات والتحريش بينهم وإطالة امد النزاع والتخاصم بينهم لإستنزاف مدخراتهم، كما انه من المعروف ان بعض المغتربين اليمنيين يضطر للتعاقد بأسماء غير اسمائهم الحقيقية أو البيع والشراء بأسماء آخرين فيقع الخلاف والتخاصم بينهم.

 ومن المعلوم أن المغتربين اليمنيين يفضلوا اللجوء الى القضاء في اليمن لقلة الرسوم القضائية وقلة اتعاب المحاماة قياسا بدول الإغتراب ، وفي هذا السبيل قد يقوم كثير من المغتربين في دول العالم بتحكيم يمنيين في تلك الدول للفصل في الخلافات التي تقع بينهم في دولة الإغتراب بدلا من اللجوء إلى القضاء في تلك الدولة ،وعند صدور حكم التحكيم في دولة الإغتراب يقوم الخصم المغترب اليمني بتقديم دعوى بطلان حكم المحكم امام محكمة الإستئناف في اليمن وليس في دولة الإغتراب ، مثلما أشار الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 31-10-2010م في الطعن رقم (40512)، وتتلخص وقائع القضية التي تناولها الحكم المشار إليه: أن مواطنين يمنيين يعملا في إحدى الدول الغربية كانت بينهما شراكة في محل تجاري بتلك الدولة ، وقد اثمرت شراكتهما في شراء عدة عقارات وإنشاء محال تجارية أخرى في تلك الدولة ، وبسبب ظروف إقامة الشريكين في تلك الدولة فقد كان يتم شراء بعض العقارات باسم أحدهما أو باسم مواطن يمني آخر في تلك الدولة يحمل جنسيتها، ونتيجة لعدم تنظيم العلاقة بين الشريكين فقد حدث الخلاف بينهما، فقاما بتحكيم خمسة أشخاص من اليمنيين العاملين بتلك الدولة ، وأثناء سير إجراءات التحكيم سعى المحكمون للتوفيق والإصلاح بين الخصمين ، إذ توصل الشريكان الخصمان إلى صلح ، وبموجب ذلك قام المحكمون بإصدار حكم التحكيم بإنهاء التحكيم بالصلح ، حسبما هو مقرر في قانون التحكيم اليمني، فلم يقبل أحد الخصمين الشريكين بحكم التحكيم فقام برفع دعوى بطلان حكم التحكيم الصادر في الدولة الأجنبية قام برفع دعوى بطلان الحكم أمام محكمة إستئناف أمانة العاصمة التي رفضت دعوى بطلان حكم التحكيم، لأن قانون التحكيم اليمني يصرح بأن حكم التحكيم يكون نهائياً إذا كان قد انتهى بالصلح، فقام طالب البطلان بالطعن بالنقض في الحكم الإستئنافي، فقبلت الدائرة التجارية الطعن بالنقض على أساس أن الحكم الإستئنافي لم يناقش أسباب دعوى بطلان حكم التحكيم، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا في هذا الشأن: (فقد وجدت الدائرة: أن نعي الطاعن في السبب الأول في محله ، لأن الدعوى المنظورة أمام الشعبة كانت دعوى بطلان حكم التحكيم المؤرخ.... ، وهي دعوى في مضمونها إجرائية تعطي القضاء ولاية النظر في صحة إجراءات التحكيم من عدمه دون الدخول في الموضوع طبقاً لحكم المادة (53) تحكيم، لذلك فقد كان من الواجب على الحكم المطعون فيه مناقشة أسباب دعوى البطلان والرد عليها للتأكد من نوع التحكيم)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: نطاق سريان قانون التحكيم اليمني ودعوى بطلان حكم التحكيم الخارجي

نصت المادة (3) تحكيم على أن (تسري أحكام هذا القانون على أي تحكيم يجرى في الجمهورية اليمنية ، كما تسري على أي تحكيم يجرى خارجها إذا اختار طرفاه ذلك).

 وبحسب هذا النص فإن قانون التحكيم يسري على أحكام التحكيم التي تصدر خارج اليمن إذا أختار أو قبل أطراف التحكيم سريان القانون عليهم ، ويندرج ضمن مفهوم اختيار الخصم لسريان قانون التحكيم اليمني يندرج ضمن هذا المفهوم قيام أحد الخصوم برفع دعوى بطلان حكم التحكيم الذي صدر خارج الجمهورية اليمنية رفع دعوى البطلان أمام المحكمة اليمنية المختصة، وكانت دعوى البطلان مرفوعة بحسب حالات البطلان المقررة في المادة (٥٣) من قانون التحكيم اليمني ، وتم رفع دعوى البطلان وفقا للإجراءات المقررة في قانون التحكيم اليمني ، وطالما أن المدعى عليه بالبطلان قد قبل أيضا ذلك فلم يدفع بعدم ولاية القضاء اليمني الذي يقوم بتطبيق قانون التحكيم اليمني.

ولم يحدد النص القانوني السابق كيفية وإجراءات إختيار طرفا التحكيم لسريان قانون التحكيم اليمني عليهم، وتبعاً لذلك فإن إختيار أطراف التحكيم قد يكون صريحاً وقد يكون ضمنياً، ومن القبول الإختيار الضمني لسريان قانون التحكيم اليمني : قيام أحد أطراف التحكيم الخارجي إستنادا إلى قانون التحكيم اليمني قيامه برفع دعوى بطلان حكم التحكيم الذي صدر خارج اليمن وقيام المدعى عليه بالبطلان بالرد على دعوى البطلان من غير أن يدفع بعدم إختصاص القضاء اليمني بنظر دعوى البطلان مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا. (التعليق على احكام المحكمة العليا في مسائل التحكيم الجزء الثاني، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء، طبعة ٢٠٢٤م صنعاء، ص٢٣٧).

الوجه الثاني: مدى إختصاص القضاء اليمني بنظر النزاعات بين اليمنيين التي تقع خارج اليمن

نصت المادة (78) من قانون المرافعات اليمني على أن (تختص المحاكم اليمنية بالدعاوى المرفوعة على اليمني ولو لم يكن له موطن أو محل إقامة في اليمن فيما عدا الدعاوى المتعلقة بعقار واقع في الخارج).

 فهذا النص صريح في أن المحاكم اليمنية بما فيها محاكم الإستئناف تختص بنظر الدعاوى المرفوعة على اليمني في الخارج بما في ذلك دعوى بطلان حكم التحكيم الذي صدر خارج اليمن ضد يمني خارج اليمن، إذا كان المدعى عليه بدعوى بطلان حكم التحكيم يمني مقيم خارج اليمن ، ولا يستثنى من ذلك إلا إذا كان محل النزاع عقاراً موجوداً خارج اليمن، علماً بأن المدعى عليه بالبطلان في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا لم يدفع بعدم إختصاص القضاء اليمني مع أن حكم التحكيم الخارجي قد قضى بتقسيم عقارات خارج اليمن بين الخصوم المحتكمين اليمنيين.

الوجه الثالث: محكمة الإستئناف المختصة بنظر دعوى بطلان حكم التحكيم الصادر خارج اليمن من قبل محكمين يمنيين وبين خصوم يمنيين

كان حكم التحكيم الذي تناوله الحكم محل تعليقنا كان قد صدر خارج اليمن من قبل هيئة تحكيم مكونة من خمسة محكمين يمنيين، وكان الخصمان يمنيين، والمحكمون والخصمان يقيموا خارج اليمن وليس لهم موطن في اليمن، ولذلك فإن الإختصاص المكاني ينعقد لمحكمة إستئناف أمانة العاصمة صنعاء ، وفقاً للمادة (100) مرافعات التي نصت على أنه (إذا لم يكن للمدعى عليه موطن ولا محل إقامة في الجمهورية ولم يتيسر تعيين المحكمة المختصة بموجب القواعد المتقدمة يكون الإختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعي أو محل إقامته فإن لم يكن له موطن ولا محل إقامة في الجمهورية كان الإختصاص لمحاكم العاصمة صنعاء).

ولما كان النزاع تجارياً متعلقة بشراكة تجارية خارج اليمن فقد تم رفع دعوى بطلان حكم التحكيم امام الشعبة التجارية بمحكمة إستئناف أمانة العاصمة وفقاً لقواعد الإختصاص النوعي. (التعليق على احكام المحكمة العليا في مسائل التحكيم الجزء الثالث، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء، طبعة ٢٠٢٥ صنعاء، ص٢٤٩)، والله أعلم.