![]() |
حجية التوقيع على فاتورة البيع الآجل |
توقيع المشتري على فاتورة البيع الآجل دليل قاطع على موافقته وقبوله بما ورد في الفاتورة من بيانات ، كما أن ذلك يدل على تمام البيع بالآجل وبحسب القيمة والعملة المحددة في الفاتورة، وكذلك يدل التوقيع على فاتورة البيع الآجل أن المشتري قد استلم البضاعة المذكورة في الفاتورة وأنه مدين للبائع بقيمتها المحددة في الفاتورة وأنه ملتزم بسداد القيمة في التاريخ المحدد في الفاتورة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 11-10-2010م في الطعن رقم (40881)، المسبوق بالحكم الاستئنافي الذي ورد ضمن أسبابه: (فقد وجدت الدائرة: أن نعي المستأنف غير سديد، لأن المحكمة الإبتدائية قد عرضت عليه فاتورة البيع الآجل المؤرخة.... رقم..... فأفاد أنه بالنسبة لهذا المستند فأن التوقيع أدناه هو توقيعه ولكن ذلك ما هو إلا عبارة عن إستلام منه للبضاعة فقط، وبعودة الشعبة إلى ذلك المستند فقد وجدت: أنه عبارة عن فاتورة بيع بالآجل كتب فيها أن المطلوب من....... قيمة البضاعة أدنى هذا ، وحددت الفاتورة القيمة الإجمالية بمبلغ..... يورو أوربي لاغير ، وقد تضمنت الفاتورة البيانات اللازمة عن نوع البضاعة وتفاصيلها، ولذلك فإن ثبوت صحة توقيع المستأنف على الفاتورة يجعل ما توصلت إليه المحكمة الابتدائية بأن البيع قد تم باليورو وليس بالدولار هو إستنتاج في محله)، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي، أقرت الدائرة التجارية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: (اما ما يتعلق بالفاتورة محل الخلاف فاتورة البيع فيكفي توقيع الطاعن عليها وإقراره بتوقيعه ونسبته إلى الطاعن، ومن ثم فلا وجه للنعي على الحكم الابتدائي بالبطلان لإستناده إلى ذلك المستند فيما قضى به من إلزام الطاعن بدفع المبلغ المذكور في الفاتورة باليورو وليس بالدولار ، مما يتعين معه القول برفض الطعن لعدم قيام سببه)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم ، حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: بيانات فاتورة البيع وتكييفها
تتضمن فاتورة البيع اسم المحل التجاري للبائع وعنوانه ونشاطه واسم المشتري ونوع البيع (نقداً/ آجلاً)، كما تتضمن تاريخ البيع وأوصاف البضاعة المبيعة من حيث عددها وكمياتها وغير ذلك من الأوصاف بالإَضافة إلى توقيع البائع فقط إذا كانت الفاتورة نقداً وتوقيع البائع والمشتري معا إذا كانت فاتورة البيع الى أجل، وبحسب هذا المفهوم فان البيانات الواردة في الفاتورة هي البيانات ذاتها الواجب توفرها في عقد البيع.
الوجه الثاني: فاتورة البيع إلى اجل وسيلة إثبات عقد البيع الآجل
ذكرنا في الوجه الأول: أن فاتورة البيع مستند أو محرر مكتوب يتضمن البيانات اللازمة عن المبيع والثمن وتوقيع البائع والمشتري إذا كانت فاتورة البيع الى اجل، وان هذه البيانات هي البيانات ذاتها الواجب توفرها في عقد البيع.
ومعنى ذلك أن فاتورة البيع هي الوسيلة التي تعارف الناس على إستعمالها لإثبات عقد البيع في كثير من السلع والخدمات في الوقت الحاضر، لأنه يتعذر في الوقت الحاضر إعداد وصياغة عقود بيع بحسب النماذج المتبعة في عمليات البيع التجاري للسلع والخدمات تحل محل الفواتير لكثرة عقود البيع اليومية التي تتم في المحلات التجارية المنتشرة في كل مكان والتي تتم عن طريق الفواتير وليس عقود البيع.
والفواتير الصادرة عن المحلات التجارية تعد محررات عرفية وفقا لأحكام قانون الإثبات اليمني طالما ان البائع قد قام بالتوقيع عليها أو قام بختمها بختم المحل أو تحريرها في النموذج الخاص بالمحل الذي يحمل اسم المحل وعلامته وبياناته. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في المسائل التجارية الجزء الثاني، أ.د.عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء 2023م، ص137).
الوجه الثالث: حجية التوقيع على فاتورة البيع: وتوصيتنا للمقنن اليمني
سبق القول: أن فاتورة البيع نقداً يقوم البائع فقط بالتوقيع عليها، ولذلك فإنها تكون حجة البائع لأنها صادرة باسم محله التجاري، وسبق أن ذكرنا أن فاتورة البيع الآجل يجب أن يتم التوقيع عليها من قبل البائع والمشتري معاً ،وسبق ان ذكرنا أيضا ان الفواتير الصادرة عن المحلات التجارية تعد محررات عرفية وفقا لأحكام قانون الإثبات اليمني طالما انه قد البائع قد قام التوقيع عليها أو قام بختمها بختم المحل أو تحريرها في النموذج الخاص بالمحل الذي يحمل اسم المحل وعلامته وبياناته ، ولذلك تكون للفواتير حجية المحررات العرفية، وفي هذا الشأن نصت المادة (104) من قانون الإثبات اليمني على أنه (يعتبر المحرر العرفي الموقع من الخصم حجة عليه وعلى وارثه أو خلفه مالم ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة فإذا لم يقيم المدعي البرهان على الخط حلف المدعى عليه البت والقطع أما الوارث أو خلفه فأنه يحلف على نفي العلم).
فهذا النص صريح في أن المحررات أو المستندات التي يقوم الشخص بالتوقيع عليها تكون حجة عليه مالم ينكر توقيعه، وتطبيقاً لذلك فإن فاتورة البيع الآجل الموقعة من قبل البائع والمشتري تكون حجة عليهما مالم ينكرا توقيعهما أو ينكر احدهما توقيعه.
وفي تعليق سابق ذكرنا ان ماورد في المادة (١٠٤) إثبات من أخطر عيوب قانون الإثبات اليمني، ومن أهم أسباب تراكم القضايا في المحاكم وتعثرها ، لان ماورد في المادة المشار اليها شجع المغالطين والنصابين والمفسدين في الأرض على نقض العقود والعهود والمواثيق والتصرفات ، وذلك بمنحهم الفرصة الذهبية للإفلات من إلتزاماتهم عن طريق السماح لهم بإنكار توقيعاتهم على العقود والتصرفات ليس هذا فحسب بل الزمت المادة (١٠٤) المدعي الذي يحتج بالمحرر بإثبات توقيع خصمه على المستند!!؟ خلافا للقاعدة الشرعية والقانونية التي تنص على ان: الأصل في العقود والتصرفات الصحة أي أن الأصل أن التوقيع على المحرر أو العقد صحيح وأنه يجب لى من يدعي خلاف الأصل إثبات عدم صحة التوقيع.
فما ورد في المادة (104) إثبات يزعزع إستقرار العقود والتصرفات ويشجع الفاسدين والمغالطين على إنكار توقيعاتهم ومن ثم نقض العقود والتصرفات ، ولهذا السبب ذلك تزداد المنازعات والخلافات بين الناس ، فتتدفق القضايا على المحاكم وتتراكم وتتعثر، وقد اوصينا في تعليق سابق: بوجوب تعديل ما ورد في المادة (104) إثبات حتى تستقر العقود والتصرفات وحتى تقل الخلافات والنزاعات التي اثقلت كاهل المجتمع اليمني. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الإثبات الجزء الثالث ، أ.د.عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء 202٥م، ص٢٧٠).
الوجه الرابع: إقرار المشتري بتوقيعه على الفاتورة إقرار بصحة كافة البيانات الواردة فيها
قضى الحكم محل تعليقنا بأن إقرار المشتري بصحة توقيعه على فاتورة البيع الآجل يعني إقرار المشتري بكافة البيانات الواردة في الفاتورة، لان قيام المشتري بالتوقيع على الفاتورة يعني قبوله ورضاه وموافقته على جميع البيانات المذكورة في الفاتورة ، ومؤدى ذلك أن المشتري الذي أقر بصحة توقيعه ملتزم بالوفاء بالثمن المذكور في الفاتورة بحسب وصفه الوارد في الفاتورة وبحسب الأجل المحدد للوفاء، كما ان توقيع المشتري على الفاتورة دليل قاطع على إستلام المشتري للبضاعة الموصوفة في الفاتورة. (وسائل الإثبات في المواد التجارية، رسالة ماجستير مقدمة من الباحث أيوب بن النية إلى كلية الحقوق بجامعة قسنطينة -قسنطينة - الجزائر 2014م، ص36).
الوجه الخامس: يجوز للبائع إستصدار أمر أداء بقيمة فاتورة البيع الآجل
نصت المادة (263) من قانون المرافعات اليمني على أنه: يجب على الدائن اللجوء إلى القضاء لإستصدار أوامر الأداء (الدفع) إذا كان الدين ثابتاً بالكتابة وحال الأداء ومعين المقدار، وقد جاء هذا النص بصيغة الوجوب حتى لا يتم اللجوء إلى رفع دعاوى أمام المحاكم في سندات محل إتفاق بين الخصوم فتتراكم القضايا في المحاكم وتتعرض مع أن الدين ليس محل خلاف أصلا.
وتطبيقاً لذلك وبموجب فاتورة البيع الاجل فللبائع أن يلجأ إلى القاضي لإستصدار أمر أداء على المشتري لدفع قيمة السلعة طالما أن المشتري قد أقر بتوقيعه وأن القيمة ثابتة في الفاتورة كتابة وأن قيمة البضاعة معينة المقدار وحالة الأداء وخالية من النزاع. (أوامر الأداء في ضوء الفقه والقضاء، د. شريف أحمد الطباخ، المركز القومي للإصدار القانونية القاهرة، 2001م، ص106)، والله اعلم.