معنى إستحالة تنفيذ عقد المقاولة لحفر بئر الماء

معنى إستحالة تنفيذ عقد المقاولة لحفر بئر الماء

معنى إستحالة تنفيذ عقد المقاولة لحفر بئر الماء

تقع إشكاليات عدة عند تنفيذ عقود المقاولة لحفر آبار الماء في اليمن سيما في حالات الحفر العشوائي للآبار ، الذي يتم من غير دراسة وترخيص من الجهة المختصة وهي الهيئة العامة للموارد المائية، إذ يتم إبرام عقد المقاولة بين مالك البئر ومالك الحفار على حفر البئر على أساس سعر المتر الواحد من الحفر حتى خروج الماء، فلا يعلم المقاول أو صاحب البئر عند البدء بحفر المسافة اللازمة للوصول إلى الماء وما اذا كان هناك ماء ام لا، ولذلك تقع الإشكاليات عندما لا تفلح عملية الحفر عن خروج الماء.

 وفي بعض الحالات يدفع المقاول مالك الحفار بإستحالة تنفيذ عقد المقاولة لعدم وجود الماء ، على أساس أحكام إستحالة تنفيذ عقد المقاولة المقررة في القانون المدني، بيد أن تطبيق أحكام إستحالة تنفيذ عقد المقاولة في حفر آبار المياه يستدعي إفادة من الجهة المختصة (الهيئة العامة للموارد المائية) بوجود أو عدم وجود ماء في البئر والمسافة التي يوجد فيها الماء ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 13-6-2010م في الطعن رقم (40511)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (اما إحتجاج الطاعنين بأحكام المادة (893) مدني بشأن إستحالة تنفيذ المقاولة فإن هذا المطعن في غير محله ومخالف للواقع، لأنه لا وجود لحالة إستحالة في تنفيذ الإلتزام ، ولم يرد من مورث الطاعنين أمام محكمتي الموضوع ما يفيد في دفاعه بوجود حالة إستحالة في التنفيذ، فما جاء في رده ومرافعاته هو قوله: أن البئر فاشلة أي لا وجود للماء فيها ، كما لم يشر المهندسان في تقريرهما الصادر بتاريخ.... إلى وجود حالة إستحالة بل أكدا في تقريرهما وجود الماء في البئر غير انهما لم يستطيعا تحديد كمية المياه إلا بعد القيام بالمزيد من الحفر ، كما قدرا عمق حفر البئر الحالي بانه سبعون متراً، وهذا القدر من العمق في الغالب ليس المعتاد لظهور المياه الجوفية في منطقة الحفر، ولذلك لا يسعف الطاعنين إستدلالهم بالمادة المذكورة)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: إستحالة الإستمرار في تنفيذ عقد المقاولة في القانون المدني اليمني

نصت المادة (893) مدني على أن (ينفسخ عقد المقاولة بإستحالة تنفيذ العمل المعقود عليه).

فإستحالة تنفيذ عقد المقاولة تعني: عدم إمكانية تنفيذ المقاول لإلتزاماته العقدية المقررة بموجب عقد المقاولة بسبب ظروف خارجة عن إرادته ، وهي تلك الظروف التي لا يتحمل مسئوليتها، فإستحالة التنفيذ تعني أن المقاول أصبح غير قادر على تنفيذ العقد بسبب حدوث ظروف غير متوقعة تجعل من المستحيل على المقاول تنفيذ إلتزاماته.

وأسباب إستحالة تنفيذ المقاول لإلتزاماته متعددة مثل: الظروف القاهرة الطبيعية كالزلازل والبراكين أو الفيضانات أو الحرائق...إلخ، وقد تكون إستحالة التنفيذ بسبب إجراءات قانونية تتخذها الدولة مثل: مصادرة أو تأميم أموال ومعدات المقاول أو صدور تشريعات أو صدور أوامر تمنع تنفيذ المشروع محل المقاولة أو إمتناع الجهة المختصة عن إصدار الترخيص اللازم لإنشاء المشروع، وقد ترجع إستحالة تنفيذ عقد المقاولة إلى ظروف خارجية لا يد للمقاول فيها مثل: حدوث حرب أو نزاع مسلح أو حدوث إضطرابات ومظاهرات عارمة أو إضراب العمال لمدة طويلة يشمل منطقة المشروع محل عقد المقاولة. (فقه المعاملات المالية وتطبيقاتها المعاصرة، أ.د.عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء، طبعة 2022م، ص237).

الوجه الثاني: آثار إستحالة تنفيذ عقد المقاولة

نصت المادة (893) مدني على أن (ينفسخ عقد المقاولة بإستحالة تنفيذ العمل المعقود عليه) ، فقد تضمن النص القانوني السابق مصطلح (ينفسخ عقد المقاولة) ، ومن المعلوم في اللغة والفقه الإسلامي والقانون أن ( الإنفساخ ) يقع بحكم الشرع والقانون من غير حاجة إلى أي إجراء من أطراف العقد، في حين أن الفسخ يقع بإرادة المتعاقدين أو بحكم القاضي، ولكن من المعروف والمألوف أن المقنن اليمني لا يعتني بالمصطلحات القانونية عند صياغته للقوانين المختلفة، ومع أن إلمقنن اليمني لم يكن موفقا في إستعماله لمصطلح (ينفسخ) في هذا الموضع ، إلا انه يجب ان يكون المفهوم من النص ان المقنن يقصد بكلمة (ينفسخ) الواردة في النص القانوني السابق هو: الفسخ الرضائي والقضائي، ومعنى ذلك أنه يجوز للمقاول إذا تحقق أي سبب من أسباب إستحالة تنفيذه لعقد المقاولة أن يطلب من صاحب العمل فسخ العقد وتسوية المسائل العالقة بين الطرفين ، وهذا هو الفسخ الرضائي ، لأنه لا يجوز أن يستقل أحد المتعاقدين بعقد المقاولة بفسخ العقد من غير موافقة الطرف الاخر ، فإذا رفض صاحب العمل فسخ عقد المقاولة جاز للمقاول في هذه الحالة اللجوء إلى القضاء للمطالبة بفسخ عقد المقاولة، وهذا هو الفسخ القضائي الذي يقع بحكم القاضي. (شرح أحكام عقد المقاولة، د. محمد لبيب شنب، دار النهضة العربية القاهرة 1962م ص124).

الوجه الثالث: إستحالة تنفيذ المقاول (صاحب الحفار) حفر بئر الماء

كان الطاعن المقاول صاحب الحفار في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا كان قد تمسك بقوة بالمادة (893) مدني التي نصت على أنه: (ينفسخ عقد المقاولة بإستحالة تنفيذ العمل المعقود عليه)، على أساس أن البئر التي كان يحفرها لا وجود للماء فيها ، ولذلك فإن إستمرار المقاول في الحفر للوصول إلى الماء الذي لا وجود له شيء مستحيل، وان المهندسين المكلفين من محكمة الموضوع قد توصلا إلى أن كمية الماء التي وصل إليها الحفر قليلة أي أن الماء الذي تم العثور عليه لا يصلح لأن يكون البئر منتجاً للماء، وبناءً على ذلك فإن الوصول إلى الماء عمل مستحيل حسب وجهة نظر المقاول الطاعن.

في حين أن الحكم محل تعليقنا قد رد على ما ذكره الطاعن بأن ما ذكره الطاعن ليس من قبيل إستحالة تنفيذ عقد المقاولة المقررة في المادة (893) مدني السابق ذكرها، لأن الحفر كان قد وصل إلى مسافة 70 متراً فقط ، وهي مسافة لا يستدل منها على وجود الماء من عدمه ، حسبما هو معروف في المنطقة التي تم حفر البئر فيها، إضافة إلى أن المهندسين المكلفين لفحص الحفر والتأكد من وجود الماء كانا من هيئة مياه الريف وليس من الهيئة العامة للموارد المائية، كما أنه تم تكليف المهندسين المشار إليهما من قبل محكمة الموضوع على أساس شخصي أي بشخصيهما ، وكان الواجب الإستعانة بالجهة المختصة قانوناً كشخصية إعتبارية لإفادة محكمة الموضوع في هذه المسألة الفنية الدقيقة.

 وبحسب ما ورد في هذا التعليق فإن إستحالة تنفيذ المقاول لحفر بئر الماء تعني وجود ظروف طبيعية قهرية أو إجراءات إدارية صادرة من الجهة المختصة حالت دون قيام المقاول بحفر البئر أو حالت دون إستمرار المقاول في الحفر إذا كان قد شرع في الحفر وتنفيذ عقد المقاولة.

 والظروف التي تحول دون تنفيذ المقاول لحفر البئر أو الإستمرار فيه قد تكون ظروفا قاهرة وغير متوقعة لا يد للمقاول في حدوثها مثل: الحروب والكوارث الطبيعية والإجراءات الإدارية من الجهات المختصة: مثل صدور أوامر من الجهة المختصة بوقف حفر البئر أو سحب ترخيص الحفر أو الإمتناع عن إصدار ترخيص حفر البئر أو مصادرة الحفار أو الحجز التحفظي عليه أو فرض الحراسة القضائية عليه.

وإذا تحققت أسباب إستحالة تنفيذ المقاول لأعمال حفر البئر على النحو السابق فإنه يجب على المقاول أن يسلك الطريق القانوني لفسخ عقد المقاولة وهو الإتفاق مع صاحب العمل وهو صاحب البئر لفسخ العقد وتسوية المسائل المترتبة على الفسخ، وفي حالة رفض صاحب البئر للفسخ الإتفاقي أو الرضائي فأنه ينبغي على المقاول اللجوء إلى القضاء للمطالبة بفسخ العقد بنظر القضاء، فلا يجوز للمقاول أن يستقل بفسخ عقد المقاولة ويمتنع من تلقاء نفسه عن حفر البئر مثلما فعل المقاول في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا. (انظر التعليق على أحكام المحكمة العليا في المسائل المدنية الجزء الثاني، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء، طبعة ٢٠٢٣م صنعاء،ص ٢٨٤) . والله أعلم.