الإحالة في الرد على الأسباب

الإحالة في الرد على الأسباب

الإحالة في الرد على الأسباب

من ضمن أسباب إطالة مذكرات المرافعات المكتوبة ومدونات احكام القضاء واحكام المحكمين وغيرها من المذكرات والعرائض هو التكرار والتداخل بين الأسباب والوقائع واوجه الدفاع في مذكرات الخصوم ممايستدعي عند الرد على تلك الأسباب والوقائع واوجه الدفاع أو مناقشتها يستدعي التكرار والتداخل في الرد أو المناقشة للأسباب أو الوقائع واوجه الدفاع المكررة أو المتداخلة في أكثر من موضع من المذكرة.

إذ يتعمد كثير من الخصوم تكرار عرض الوقائع والأسباب والأسانيد واوجه الدفاع في مذكراتهم المطولة، وعندئذ يقوم الخصم الآخر بالرد على تلك الوقائع والأسانيد والأسباب المكررة أو المتداخلة مع بعضها ،فتطول المذكرات القضائية، كذلك الحال بالنسبة للقاضي لأنه ملزم وفقاً للمادة (٢٣١) مرافعات بمناقشة أدلة الخصوم وطلباتهم وأوجه دفاعهم الجوهرية واسباب طعونهم وبيان ما لها وما عليها من قوة أو ضعف والترجيح بينها ثم بيان وجهة الحكم في القضية.

 ولذلك فأنه إذا تداخل سبب من أسباب الطعن مع غيره أو ورد هذا السبب مكررا في عريضة الطعن فتجوز الإحالة عند الرد أو المناقشة إلى الردود السابقة على الأسباب المكررة أو المتداخلة، حسبما ورد في الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ ١٣/١/٢٠١٠م في الطعن رقم (٣٣٤٦٥) الذي ورد في نهاية اسبابه : (أما ما ذكره الطاعن في السبب الأول فإنه مردود عليه بأنه من الواجب على الشعبة أن تفصل في الخيارين المقدمين من الطاعن في ضوء أحكام بنود الإتفاقية المبرمة بين الطاعن والمطعون ضده، فتلك الإتفاقية تقوم مقام القانون في تنظيم العلاقة بين اطرافها عملاً بمبدأ سلطان الإرادة وتحقيقاً لإستقرار المعاملات بإعتبار أن تلك الإتفاقية عبرت تعبيرا صادقاً وصريحاً عن إرادة الطرفين مما يوجب العمل بما ورد فيها، وفيما سبق الرد الضمني على ما أثاره الطاعن في السبب الثاني من عريضة طعنه ) ،وسيكون تعليقنا على هذا الحكم ،حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: التكرار بين المدح والذم:

نعم التكرار مخل بالبلاغة، فالبلاغة تعني بلوغ المعنى المراد باقصر عبارة ، ولذلك سميت البلاغة بهذا الإسم ، لكن قد يقتضي المقام التكرار پالنسبة للمسائل المهمة ، لأن التكرار في لغة العرب يفيد التوكيد على الأمر أو المسألة المهمة والإصرار عليها ،كما أن التكرار يدل على أهمية الشيء المكرر والتوكيد عليه، ولذلك يردد الله سبحانه وتعالى في آيات وسور القران الكريم يذكر الله تعالى الاحكام والتكاليف الشرعية ويرددها في ايات عدة، ويسمي القرآن الكريم ذلك (بالتصريف) أي الترديد أي ترديد أو إعادة القول في اكثر من اية في صيغ مختلفة، وفي هذا المعنى قال تعالى (ولقد صرفنا في هذا القران ليذكروا وما يزيدهم إلا نفورا). (تفسير آيات واحاديث الأحكام، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء، طبعة ٢٠١٨ صنعاء، ص٤٨).

ولذلك فإن التكرار يكون ممدوحاً إذا قصد به الكاتب أو القائل التوكيد والإصرار على طلب أو التمسك بسبب أو وجه دفاع مهم ، أو أراد من التكرار أن يقرع سمع القاضي، وعلى كل حال فالتكرار فن لا يجيده إلا قليل من الكتبة، أما الإسراف في التكرار الذي يأتي بصيغة وعبارة واحدة أكثر من مرتين في مواضع متقاربة فإنه من قبيل (اللغاجة) في اللهجة اليمنية.

الوجه الثاني: الأسباب والوقائع واوجه الدفاع المتداخلة والرد عليها:

من الأمور الإعتيادية أن تتداخل الوقائع والاسباب والأسانيد واوجه الدفاع ،لأنها في الغالب تتناول موضوعاً واحداً أو مسألة واحدة أو قضية واحدة، فالأسباب والأسانيد والوقائع واوجه الدفاع هي عبارة عن اوجه متعددة لمسألة واحدة أو موضوع واحد أو قضية واحدة.

بيد أن تداخل الأسباب والوقائع أو اوجه الدفاع لا يعني تكرارها ، فمعنى التداخل أن السبب مستقل عن غيره ،ولكنه مرتبط بغيره أو متصل به ولذلك قد يسهب القاضي في رده على السبب الأول المتداخل أو الواقعة المتداخلة مع الوقائع المذكورة لاحقا في العريضة ، فعندئذ يشمل رده على السبب الاول يشمل الرد على الاسباب اللاحقة المتصلة بالسبب الأول أو وجه الدفاع الأول المذكورة لاحقا في العريضة، فيعفي ذلك القاضي أو الخصم من الرد والمناقشة للسبب أو وجه الدفاع اللاحق لإتصاله بالسبب أو وجه الدفاع الذي سبق الرد عليه. (موسوعة من حصاد المحاماة ، الأستاذ رجائي عطية ، المكتب المصري الحديث القاهرة ٢٠١٢، الجزء ١٦ص١٥٩).

الوجه الثالث: الإحالة في الرد على السبب المكرر أو المتداخل مع غيره:

 إذا كان السبب مكرراً اومتداخلاً مع غيره من الأسباب ،فعند الرد عليه تكفي الإحالة في الرد عليه إلى الرد على السبب السابق ، خشية الإطالة والتكرار، غير أنه ينبغي عند الإحالة بيان موضع الإحالة، كالإشارة إلى رقم أو أسم السبب الذي سبق الرد عليه كأن يقول: فقد سبق الرد على هذا السبب عند ردنا على السبب الأول مثل ما ورد في الحكم محل تعليقنا.

الوجه الرابع: الإحالة إلى الرد السابق تحقق الغاية القانونية:

اشترط قانون المرافعات على القاضي أن يناقش أوجه دفاع ودفوع الخصوم وأسباب طعونهم، ولذلك فان إحالة القاضي إلى مناقشته أو رده السابق يحقق الواجب القانوني ولا يعيب حكمه بعيب القصور في التسبيب.

 أما بالنسبة للخصوم فإن عدم رد الخصم على اسانيد واوجه دفاع خصمه يعد سكوتاً في معرض البيان وهو مقام القضاء وهو مقام التحاجج وعرض الخصوم لأدلتهم والرد عليها ، فإذا لم يرد الخصم على اسانيد خصمه أو أوجه دفاعه ، فإن ذلك يعد سكوتاً والسكوت في معرض البيان يكون موافقة على ما ذكره خصمه ،ولذلك ينبغي على الخصم أن يرد على اسانيد وأدلة وأوجه دفاع خصمه، وفي هذا السياق فإن قيام الخصم بالإحالة إلى ردوده السابقة على خصمه يخرجه من دائرة السكوت في معرض البيان إقرار، والله اعلم.