عدم عرض المستندات على الخصم

عدم عرض المستندات على الخصم

عدم عرض المستندات على الخصم

إذا قام الخصم بتقديم مستندات أمام المحكمة مستدلا بها على خصمه ، فعندئذ يجب على المحكمة ان تسلم نسخة من جميع هذه المستندات الى الخصم الآخر، ويجب على المحكمة أن تثبت ذلك في محضر الجلسة، فإذا لم يتم عرض بعض المستندات على الخصم لدراستها ومناقشتها وإبداء اوجه دفاعه بشانها فأن ذلك يخل بحق الدفاع، وجزاء ذلك بطلان الحكم ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 2/2/2010م في الطعن رقم (35977)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه (فمن خلال الدراسة فقد تبين للدائرة أن بعض المستندات لم يتم عرضها على الطاعن لمعرفة موقفه منها ومناقشتها وإستيفاء ما يلزم بشأنها ولم تبدي الشعبة رأيها فيها وفق أسباب كافية ، مما يمثل إخلالاً بحق الدفاع وقصوراً في التسبيب يستلزم نقض حكم الشعبة التجارية لتلك الأسباب)، و سيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: كيفية عرض المستندات على الخصوم:

معنى عرض المستندات على الخصوم، هو تسليم الخصم نسخة من كل المستندات التي يقدمها خصمه ،فمن المعروف أن الخصوم أثناء تقديم مذكراتهم أو مرافعاتهم أمام المحكمة يستدلوا بأدلة عدة منها المستندات اوالمحررات، وعندئذ يجب على الخصم الذي يستدل بالمحررات اوالمستندات أن يقدمها أثناء انعقاد الجلسة ويرفق بها حافظة تبين عدد المستندات أو المحررات المرفقة وأنواعها وتواريخها ووجه الإستدلال بها، ووفقا لقانون المرافعات فانه يجب أيضا على الخصم عند تقديم اية مستندات أمام المحكمة ان تكون المستندات المقدمة منه بعدد الخصوم الذين يختصمهم ، ويجب أيضا ان يتم تقديم المستندات أثناء جلسة المحاكمة ، واثناء الجلسة يجب عليه أن يسلم الى خصمه نسخة من كل المذكرات والمستندات التي قدمها ، حتى يتمكن الخصم الأخر من مباشرة أوجه دفاعه في مواجهة تلك المستندات وبيان موقفه منها ، حسبما قضى الحكم محل تعليقنا ، إذ يقوم الخصم الآخر الذي تم الإحتجاج بالمستندات عليه يقوم بدراستها في متسع من الوقت ويرد على إستدلال خصمه بتلك المستندات ، فيبين أوجه إعتراضه عليها ويقدم الأدلة التي تنفي إستدلال خصمه بها.

ومن خلال مناقشة الخصوم للمستندات المقدمة إلى المحكمة تستطيع المحكمة أن تستبين الحقيقة ووجه الحكم فيها، وبناءً على ذلك فأن مناقشة الخصوم للمستندات والأدلة الأخرى أثناء جلسات المحاكمة لا يحقق فقط مبدأ الدفاع للخصوم بل أنه وسيلة من أهم وسائل إحاطة المحكمة بالأدلة المقدمة من الخصوم وأوجه دفاعهم بشأنها، ولاشك أن ذلك من أهم ضمانات المحاكمة العادلة. (ضمانات المحاكمة العادلة في المواثيق الدولية والقوانين الداخلية، د. طارق عمير مبارك النسي، المركز القومي للإصدارات القانونية القاهرة 2018م، ص 147).

الوجه الثاني: إثبات عرض المستندات على الخصوم:

ذكرنا في الوجه الأول أن معنى عرض المستندات على الخصوم هو تسليم الخصم نسخة من كل المستندات التي يقدمها خصمه ، وأنه من الواجب أن يلزم القاضي الخصم بتسليم خصمه نسخة من كل المستندات المقدمة منه في جلسة المحاكمة حتى يتمكن القاضي من إثبات تسليم الخصم الاخر نسخة من المستندات المقدمة من خصمه ، لما لذلك من أهمية في تحقيق مبدأ المواجهة في التقاضي ، الذي لا يعني فقط تقديم المستندات في جلسة المحاكمة بحضور الخصم الآخر وأنما يقتضي تسليم الخصم الآخر نسخة من تلك المستندات حتى يتمكن من دراستها في متسع من الوقت وبيان اوجه دفاعه بشأنها (مبدأ المواجهة، د. أحمد خليل، دار الكتب القانونية القاهرة 1995م، ص83).

ولذلك فإنه من الواجب على القاضي عند قيام الخصم بتقديم مستندات أن يأمر أمين سر الجلسة أن يثبت تقديم الخصم لها في محضر الجلسة وفي الوقت ذاته يتم اثبات تسليم نسخة منها إلى الخصم الآخر، ويتم كتابة ذلك في محضر جلسة المحاكمة، فلا يكفي أن يأمر القاضي الخصم بتسليم خصمه الآخر نسخة من المستندات بعد الجلسة، فلايكفي أن يوجه القاضي الخصم الذي قدم المستندات بتسليم خصمه نسخة من تلك المستندات، وانما ينبغي أن يتم ضمن ان يوجه القاضي الخصم بتسليم خصمه نسخة من المستندات في الجلسة أمام هيئة المحكمة حتى يتم إثبات تسليم الخصم النسخة في محضر الجلسة.

وإثبات تسليم الخصوم نسخ من مستندات خصومهم ضمانة من ضمانات المحاكمة العادلة ووسيلة من وسائل الإسراع في إجراءات التقاضي، لأن الخصوم يتذرعوا بعدم الحصول على نسخ من المستندات سواء في طعونهم أو شكاويهم، بالإضافة لما لذلك من فائدة من الحد من اخفاء بعض المستندات أو التلاعب بها، وهي ظاهرة ليست نادرة في القضاء اليمني ، فضلاً عن أن قانون المرافعات قد اوجب إثبات أقوال الخصوم والمذكرات والمستندات المقدمة منهم في محضر جلسة المحاكمة.

الوجه الثالث: مناقشة القاضي لمستندات الخصوم عند تسبيبه للحكم:

اشار الحكم محل تعليقنا بأن الحكم الإستئنافي لم يناقش بعض مستندات الطاعن، ولذلك قضى الحكم محل تعليقنا بنقض الحكم الإستئنافي، فلا تكفي مناقشة الخصوم للمستندات المقدمة منهم أثناء جلسات المحاكمة ، لأن ذلك عبارة عن بيان لمواقف الخصوم ووجهات نظرهم واوجه دفاعهم بشأن تلك المستندات، ولا ريب أن وجهات نظر الخصوم في تلك المستندات مختلفة، ولذلك فأن مناقشة القاضي لمستندات الخصوم هي الفاصلة في الإختلاف في مواقف الخصوم وأراءهم بشان تلك المستندات.

ومعنى مناقشة القاضي ضمن أسباب الحكم لمستندات الخصوم هو بيان أوجه القوة والضعف في المستندات في ضوء القانون والواقع ، اذ تتم مناقشة مستندات كل خصم على حدة ضمن الأدلة الأخرى المقدمة منه ، كما تتم مناقشة كل مستند على حدة ، ثم ترجيح القاضي بين تلك المستندات في ضوء نتائج المقارنة من حيث اوجه القوة والضعف، ومن المعلوم أن مناقشة القاضي لمستندات الخصوم تكون في سياق عرض القاضي لإسباب حكمه.

الوجه الرابع: المستندات غير المؤثرة في الحكم:

يدور نقاش قانوني بين رجال القانون في العالم لم يحسم بعد بشأن هذه المسألة، فهناك اتجاه يذهب إلى أن القاضي ليس ملزما بمناقشة المستندات والأدلة أو أوجه الدفاع غير المؤثرة التي لا يقوم عليها الحكم، لأن مناقشتها لن يتغير من وجهة الحكم في القضية ، فالمستندات غير المؤثرة وجودها كعدمها ،لأن الحكم يقوم بغيرها، لذلك لا يلزم مناقشتها.

 والاتجاه الثاني يذهب إلى أنه يجب على القاضي مناقشة جميع مستندات الخصوم المؤثرة وغير المؤثرة، لأن القول بأن بعض هذه المستندات مؤثر وبعضها غير مؤثر تحكم من القاضي في مستندات الخصوم وإمتناع عن وضعها في ميزان القانون وبيان مالها وما عليها من قوة وضعف وبيان سبب عدم الاخذ بها كونها غير مؤثرة، كما أن التمييز بين الادلة الى مؤثرة وغير مؤثرة إفصاح من القاضي عن قناعته قبل الحكم ، فضلاً عن أن ذلك ذريعة من أخطر الذرائع التي يتوسل بها قضاة السوء لإهمال أدلة ومستندات الخصوم، والظاهر أن الفقه والقضاء اليمني يذهب إلى الإتجاه الثاني، والحكم محل تعليقنا دليل على أن الفقه والقضاء اليمني يأخذ بالاتجاه الثاني، ويحمد للفقه والقضاء اليمني أن اتجه الى هذه الوجهة، فهي المناسبة للحال والواقع في اليمن. (نظرية الحكم، أستاذنا المرحوم الأستاذ الدكتور احمد أبو الوفاء، منشأة المعارف الاسكندرية، ص 1236).

الوجه الخامس: جزاء عدم عرض المستندات على الخصم:

قضى الحكم محل تعليقنا بأن جزاء عدم عرض المستندات على الخصم هو بطلان الحكم، وقد ذكرنا أن الحكم محل تعليقنا قد اعتبر عدم عرض المستندات على الخصم وإغفال الحكم المطعون فيه مناقشة تلك المستندات إخلال خطير بحق الدفاع، والله اعلم.