![]() |
الحكم بقبول الدفع لا يغني عن الحكم في الدعوى |
لا يكفي أن يحكم القاضي في منطوق الحكم بقبول الدفع بعدم سماع الدعوى المقدم من المدعى عليه ، وأنما يجب على القاضي أن ينص أيضا في منطوق الحكم على عدم سماع الدعوى المدفوعة المقدمة من المدعي.
لأن الإكتفاء بالحكم بقبول الدفع وعدم سماع الدعوى يعني الفصل فقط في عريضة الدفع المقدمة من المدعى عليه وترك عريضة الدعوى المرفوعة من المدعي من غير فصل فيها، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 2015/10/13م في الطعن رقم (57026) المسبوق بالحكم الاستئنافي الذي ورد ضمن أسبابه وكان الأحرى بمحكمة أول درجة أن تحكم في منطوق حكمها بعدم سماع الدعوى أو رفضها، ومع ذلك فأن اسباب الحكم الابتدائي قد ناقشت الدعوى ، ومن خلال ذلك توصلت الى عدم سماعها غير أنها لم تنص في منطوق الحكم على عدم سماع الدعوى أو رفضها ، ولذلك فان الشعبة المدنية ليس أمامها إلا الحكم بإقرار الحكم الابتدائي لصحة أسبابه مع تصحيحمنطوقه بالحكم بعدم سماع الدعوى لسبق ما يكذبها محضاً).
وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي أقرت الدائرة المدنية الحكم الاستئنافي وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا فقد تبين للدائرة أن نعي الطاعن في غير محله كون البين للمحكمة العليا بعد رجوعها إلى ما قضت به الشعبة في منطوق حكمها بعدم قبول الدعوى المرفوعة من المدعى وعدم سماعها لسبق ما يكذبها محضاً وغير ذلك مما قضي به منطوق حكم الشعبة للأسباب التي استندت إليها الشعبة في حيثيات حكمها، وقد تبين للدائرة أن ما قضت به الشعبة في حكمها هو عين الصواب للأسباب التي استند إليها الحكم الاستئنافي ، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: وجوب الحكم في المنطوق بكل طلبات الخصوم
منطوق الحكم هو الحكم حقيقة الذي يتم تنفيذه ، وإن كان من الجائز تضمين أسباب الحكم القضاء في الطلبات إلا أن المحل الصحيح والمناسب للقضاء هو منطوق الحكم الذي يجب أن يتضمن في كل فقرة من فقراته الحكم في كل طلب من طلبات الخصوم التي قرعت سمع المحكمة ، عملاً بالمادة (221) من قانون المرافعات اليمني التي نصت على أنه يجب على المحكمة أن تحكم في كل طلب أو دفع قدم إليها وفقاً للقانون ولا يجوز لها أن تحكم بما لم يطلبه الخصوم أو لمن لم يكن طرفاً في الخصومة أو عليه).
ومن أهم أسباب إطالة إجراءات التقاضي في اليمن إغفال الحكم في طلبات الخصوم أو تضمين أسباب الحكم الفصل في تلك الطلبات دون النص عليها في منطوق الحكم في فقرات مستقلة تفصل في كل طلب على حدة، إذ يضطر الخصوم الذين لم يفصل الحكم في طلباتهم إلى رفع دعاوى جديدة للفصل في طلباتهم التي تم إغفالها أو عدم النص عليها في منطوق الحكم فتطول إجراءات التقاضي وتتراكم القضايا أمام المحاكم.
كما أن عدم النص في منطوق الحكم على الفصل في طلبات الخصوم والإكتفاء بالإشارة اليها ضمن أسباب الحكم ، والنص في المنطوق على إعتبار أسباب الحكم جزءاً من المنطوق ، هذا الأمر من اهم أسباب تعثر تنفيذ الأحكام وإطالة إجراءات التنفيذ وإطالة إجراءات التقاضي وتراكم القضايا في الحكم، ولذلك فقد أصدرت المحكمة العليا قبل سبع سنوات تعميماً بعدم جواز النص في منطوق الحكم على عبارة (إعتبار أسباب الحكم جزءاً من المنطوق).
بيد انه من الواجب أن تكون طلبات الخصوم واضحة تقرع سمع المحكمة بأن تكون مقدمة من قبل الخصم أمام المحكمة وان يكون الخصم قد تمسك بها واصر عليها حتى قررت المحكمة قفل باب المرافعات.
الوجه الثاني: النص في منطوق الحكم على قبول دفع المدعى عليه شكلاً وموضوعاً لا يغني عن الحكم في المنطوق في دعوى المدعي بعدم سماعها:
كانت هذه المسألة محل النقاش في الحكم محل تعليقنا، فقد اكتفى الحكم الابتدائي في الفقرة الأولى من منطوقه بقبول الدفع المقدم من المدعى عليه شكلاً وموضوعاً ، وقد تضمن هذا الدفع طلب المدعى عليه الدافع من المحكمة عدم سماع دعوى المدعي لتقدم ما يكذبها محضاً ، غير أن الحكم الابتدائي لم ينص في منطوقه على الحكم بعدم سماع الدعوى المدفوعة المقدمة من المدعي.
إذ اكتفى الحكم الابتدائي بالنص في منطوقه على قبول الدفع المقدم من المدعى عليه شكلاً وموضوعاً لصحة الدفع حسبما ورد في أسباب الحكم الابتدائي، بيد ان الشعبة الإستئنافية عابت على الحكم الابتدائي إكتفائه في منطوق الحكم بالقضاء بقبول الدفع شكلاً وموضوعاً، لأنه كان من الواجب على المحكمة الإبتدائية أن تفصل في الدعوى المرفوعة اليها من قبل المدعي بعدم سماعها وأن يتم النص على ذلك في فقرة من فقرات منطوق الحكم الابتدائي طالما أن محكمة أول درجة قد توصلت ضمن أسباب حكمها الى أن هناك ما يكذب الدعوى محضا، وقد اقر حكم المحكمة العليا الحكم الإستئنافي فيما قضى به.
ولا ريب أن هذا القضاء سديد ، لأن الدعوى المرفوعة من المدعى مستقلة عن مذكرة الدفع المرفوعة من الدافع المدعى عليه، ولذلك فأن النص في منطوق الحكم على قبول الدفع شكلاً وموضوعاً قضاء . صحيح، ولكنه قاصر على مذكرة الدفع غير أنه كان من الواجب أن يفصل الحكم الابتدائي في عريضة دعوى المدعي المتضمنة طلبه وأن يتم تدوين هذا القضاء في فقرة مستقلة من فقرات منطوق الحكم ، فضلاً عن أن الإكتفاء في منطوق الحكم على قبول الدفع شكلاً وموضوعاً يقتضي إحالة وقائع دعوى المدعي وأسانيدها إلى مذكرة خصمه وهي مذكرة الدفع ، وهذا لا يجوز.
الوجه الثالث: تصحيح محكمة الإستئناف لمنطوق الحكم الابتدائي إجراء قانوني صحيح
في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا كان الطاعن يجادل في أن الحكم الاستئنافي باطل ، لأنه قد فصل في مسألة لم يفصل فيها الحكم الابتدائي خلافاً للمادة (288) مرافعات التي اشترطت أن تتقيد محكمة الإستئناف في قضائها بحدود ما فصل فيه الحكم الإبتدائي.
غير أن الحكم محل تعليقنا أقر الحكم الاستئنافي ، لأنه قد صرح في اسبابه بأن الحكم الابتدائي قد ناقش وقائع دعوى الطاعن واسانيدها ضمن أسباب الحكم الابتدائي ، ومن خلال ذلك توصل الحكم الابتدائي الى عدم سماع الدعوى لتقدم ما يكذبها محضا أي ان الحكم الابتدائي قد فصل في دعوى المدعي ضمن أسبابه غير أن الحكم الابتدائي لم ينص في منطوقه على عدم سماع الدعوى، ولذلك قضى الحكم الإستئنافي بتصحيح منطوق الحكم الابتدائي والحكم في المنطوق بعدم سماع دعوى المدعي لتقدم ما يكذبها محضا ، والله اعلم.