![]() |
حكم إضافة جزاءات إلى ما ورد في قانون العمل |
حددت المادة (93) من قانون العمل اليمني الجزاءات التي يجوز لصاحب العمل توقيعها على العامل المخالف ، فقد نصت هذه المادة على أنه (يجوز لصاحب العمل في حالة مخالفة العامل لواجباته المحددة في هذا القانون أو في عقد العمل أن يوقع بحقه إحدى العقوبات التالية: -1- لفت النظر الكتابي -2- الإنذار الكتابي -3- الخصم من الأجر بما لا يزيد على 20% من الأجر الأساسي -4- الفصل من العمل مع إحتفاظ العامل بحقه في كافة المستحقات المنصوص عليها في هذا القانون وفي تشريعات العمل الأخرى).
ويثور جدل قانوني بشأن الجزاءات المذكورة في النص القانوني السابق هل هي مذكورة في النص على سبيل الحصر ام المثال، وبمعنى أخر هل يجوز لصاحب العمل أن يذكر في لائحة المخالفات والجزاءات جزاءات أخرى بالإضافة إلى الجزاءات الواردة في النص القانوني السابق سيما أن غالبية الشركات والمؤسسات والمحلات التجارية في اليمن تضيف جزاءات أخرى مثل الجزاءات المقررة في المادة (١١) من لائحة المخالفات والجزاءات المالية والإدارية لموظفي الدولة ( تأخير الترقية/ تأخير العلاوة/ تأخير الزيادة/ الحرمان من العلاوة/ الحرمان من الترقية/ التنزيل من الدرجة/ النقل الى وظيفة أخرى/ تخفيض الراتب/ استرداد الخسائر التي لحقت بصاحب العمل جراء مخالفة العامل/.....الخ)، وقد أجازت لائحة المخالفات والجزاءات المالية والإدارية لموظفي الدولة للجهات المختلفة ان تضيف الى هذه الجزاءات أو تستبعد بعضها بحسب طبيعة المخالفات في الجهات المختلفة.
وبناء على ذلك فأن تعدد الجزاءات وتنوعها في لائحة المخالفات والجزاءات يمكن صاحب العمل من توقيع الجزاءات المناسبة للمخالفات المختلفة التي تصدر من العامل.
ومع ذلك فأن هناك خلاف بين المستشارين القانونيين في الشركات بشأن هذه المسألة ، فهناك من يذهب إلى أن تحديد الجزاءات عمل سيادي يختص بتقريره المقنن وحده وليس صاحب العمل، لأن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات الذي يعني : أنه يجب أن تكون الجريمة والعقوبة مقررة بموجب نص قانوني ، وان مبدأ الشرعية يسري على المخالفات العمالية ، وتطبيقا لذلك يجب أن تكون المخالفات والجزاءات العمالية مقررة بموجب نص قانوني عملاً بمبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا ينص.
في حين يذهب اتجاه أخر من المستشارين القانونيين الى أن يجوز لصاحب العمل أن يضع في دليل أو لائحة المخالفات والجزاءات جزاءات أخرى غير تلك الواردة في المادة (93) عمل، لأن المخالفات والجزاءات العمالية من الشئون التنظيمية والإدارية التي يختص بتحديدها صاحب العمل لتنظيم أعماله ونشاطه لضمان تنفيذ النظم التي يضعها صاحب العمل لتصريف عمله ونشاطه وتنظيمه ، فالجزاءات التي يضعها صاحب العمل تكفل تنفيذ وإحترام النظم التي يضعها صاحب العمل ، وتبعا لذلك فأن هذه الجزاءات تختلف عن العقوبات الجزائية التي يجب أن تكون مقررة بموجب نص قانوني، واستدل اصحاب هذا الإتجاه بأن الدولة ذاتها قد قررت الجزاءات عن المخالفات بموجب لائحة وليس قانون ،حسبما ظاهر في المادة (١١) من لائحة المخالفات والجزاءات المالية والإدارية لموظفي الدولة.
والظاهر أن الإتجاه الأخير هو الإتجاه السائد والغالب في اليمن، مع التاكيد على أن الجزاءات في اغلب لوائح المخالفات والجزاءات في شركات القطاع الخاص في اليمن لاتكاد تخرج عن الجزاءات المقررة في المادة (١١) من لائحة المخالفات والجزاءات المالية والإدارية لموظفي الدولة المشار إليها فيما سبق.(مهارات الصياغة القانونية- مهارات التحقيق الإداري، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء، طبعة 2022م صنعاء، ص173).
ولأهمية هذا الموضوع فسوف نتناوله في هذه المقالة بحسب التبويب الآتي:
الوجه الأول: العقوبات المقررة في قانون العمل وحصر الجواز:
في مقالة سابقة ذكرنا أنه من الأفضل في المسائلة التأديبية أو الإدارية إستعمال مصطلح (الجزاء الإداري) وليس العقوبة، ولكن قانون العمل اليمني استعمل مصطلح ( دالعقوبة)، وما يعنينا هنا هو تحليل نص المادة (93) من قانون العمل التي تضمنت العقوبات التي يجوز لصاحب العمل أن يقوم بتوقيعها على العامل المخالف، فقد نصت المادة (93) على أنه (يجوز لصاحب العمل في حالة مخالفة العامل لواجباته المحددة في هذا القانون أو في عقد العمل أن يوقع بحقه إحدى العقوبات التالية: -1- لفت النظر الكتابي -2- الإنذار الكتابي -3- الخصم من الأجر بما لا يزيد على 20% من الأجر الأساسي -4- الفصل من العمل مع إحتفاظ العامل بحقه في كافة المستحقات المنصوص عليها في هذا القانون وفي تشريعات العمل الأخرى).
ومن خلال إستقراء هذا النص يظهر أنه قد بدأ بصيغة الجواز حسبما هو ظاهر في الجملة الاولى من النص (يجوز لصاحب العمل)، فالجواز في هذا النص مقرر لصاحب العمل، إذ يجوز له أن يوقع العقوبة على العامل أو لا يوقعها عليه، ومن جانب أخر فأن النص ذاته قد حدد نطاق الجواز وهو توقيع إحدى العقوبات الأربع المذكورة في النص، ومؤدى ذلك أنه لا ينبغي على صاحب العمل أن يضيف الى تلك العقوبات أو الجزاءات جزاءات أو عقوبات أخرى، وهذا أهم دليل من ادلة المستشارين القانونيين الذاهبين إلى عدم جواز إضافة جزاءات أخرى غير ماورد في قانون العمل.
الوجه الثاني: السند القانوني لغالبية الشركات والمؤسسات التي إضافت جزاءات أخرى إلى الجزاءات المقررة في قانون العمل:
ذكرنا في الوجه الاول أن المادة (94) من قانون العمل قد حصرت الجزاءات التي يجوز لصاحب العمل توقيعها على العامل في الجزاءات أو العقوبات الأربع المحددة في النص المشار اليه.
ومع ذلك فأن غالبية الشركات والمؤسسات والمحلات التجارية في اليمن قد أضافت في لوائح المخالفات والجزاءات جزاءات أخرى غير الأربعة الجزاءات الواردة في قانون العمل.
والسند القانوني للمستشارين القانونيين لهذه الشركات والمؤسسات في إضافة جزاءات أخرى هو المادة (11) من لائحة المخالفات والجزاءات المالية والإدارية لموظفي الدولة التي يتم توقيعها على المخالفين من العاملين في الدولة التي تضمنت الجزاءات التي يجوز توقيعها على الموظفين المخالفين وتضمنت جزاءات أخرى غير تلك الواردة في قانون العمل مثل : تأجيل موعد إستحقاق العلاوات السنوية لمدة لا تتجاوز ستة أشهر أو الحرمان من العلاوة السنوية المستحقة عن عام واحد وتأجيل موعد إستحقاق الترقية أو الترفيع بما لا يقل ستة اشهر ولا يزيد عن سنتين وإسترداد الخسائر الناجمة عن المخالفات، وتخفيض الراتب بما لا يتجاوز ثلاث علاوات من علاوات درجة الموظف المخالف.
وبناء على ذلك فقد تضمنت لوائح المخالفات والجزاءات في القطاع الخاص الجزاءات ذاتها المقررة في المادة (11) من لائحة المخالفات والجزاءات المالية والإدارية لموظفي الدولة ، فلا تكاد لوائح القطاع الخاص تخالف الجزاءات المقررة في المادة (11) المشار إليها.
وكذا استند المستشارون القانونيين في تلك الشركات إلى أن الدولة ذاتها قد قررت الجزاءات عن المخالفات بموجب لائحة وليس قانون ،حسبما ظاهر في المادة (١١) من لائحة المخالفات والجزاءات المالية والإدارية لموظفي الدولة، ولذلك يجوز للشركات الخاصة ان تقرر في لوائحها الجزاءات المناسبة التي تكفل تنفيذ وإحترام النظم التي تضعها الشركات الخاصة.
سيما أن لائحة المخالفات والجزاءات الإدارية للعاملين في الدولة قد نصت في الفقرة (ج) من المادة (3) على أن (تعتبر أحكام هذه اللائحة الأساس فيما لم يرد بشأنه في القوانين واللوائح الخاصة)، إضافة الى ان مبدأ المساواة ومبادى العدالة تستلزم أن تكون الجزاءات في مجال العمل والوظيفة واحدة للتشابه الكبير بين العامل والموظف. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في المسائل العمالية الجزء الثالث، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء، طبعة 2025م صنعاء، ص142).
الوجه الثالث: توسع بعض الشركات والمؤسسات في الجزاءات المقررة في لوائحها الخاصة بالمخالفات والجزاءات:
لم تكتف بعض الشركات والمؤسسات بإضافة الجزاءات المنصوص عليها في المادة (١١) من لائحة المخالفات والجزاءات الخاصة بالعاملين في الدولة.
بل قامت بعض الشركات بتضمين لوائح المخالفات والجزاءات جزاءات أخرى لم يرد ذكرها في قانون العمل او في لائحة المخالفات والجزاءات الخاصة بموظفي الدولة ، وحجة المستشارين القانونيين في تلك الشركات أن لائحة المخالفات والجزاءات في الشركات والمؤسسات الخاصة عبارة عن لائحة تنظيمية خاصة بالشركة والمنشأة لضبط العمل في المنشأة، والعمل في المؤسسات والشركات التجارية يختلف عن العمل في أجهزة الدولة ،وهذا الإختلاف يستدعي ان تكون في القطاع الخاص جزاءات أخرى تكفل مواجهة المخالفات المختلفة في الأعمال المختلفة في الشركة أو المنشأة.
الوجه الرابع: مبدأ شرعية المخالفات والجزاءات وإضافة عقوبات غير تلك المنصوص عليها في قانون العمل:
مبدا شرعية الجرائم والعقوبات مفاده : أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص سابق على وقوع الجريمة، وهذا المبدأ يسري أيضاً على المخالفات ، لأن المخالفة نوع من انواع الجريمة بحسب التقسيم الإيطالي: (جريمة جسيمة/جريمة غير جسيمة/ مخالفة) أو بحسب التقسيم الفرنسي : (جناية/ جنحة/ مخالفة) ، ولذلك فان الجزاء الإداري على المخالفة بمثابة عقوبة على مرتكب المخالفة، ولذلك فقد أستند عدد من المستشارين القانونين في بعض الشركات الى هذا المبدأ في قولهم بعدم جواز الإضافة الى العقوبات المقررة في قانون العمل.
في حين يذهب المستشارون القانونيون المدافعون على إضافة الجزاءات الى أن هذه الجزاءات خاصة بالشركة ، والنص الذي يحددها نص خاص وهو الذي يتم النص عليه في لائحة المخالفات والجزاءات في الشركة التي تتضمن النص على المخالفة والجزاء المناسب لها وفقاً للاعتبارات والضوابط الواردة في قانون العمل، كما أن هذه الجزاءات ليست عقوبات عامة على أفراد المجتمع حتى يتم ذكرها في القانون، كما أن الدولة ذاتها قد قررت الجزاءات عن المخالفات بموجب لائحة وليس قانون ،حسبما هو ظاهر في المادة (١١) من لائحة المخالفات والجزاءات المالية والإدارية لموظفي الدولة، (محاضرات في الإشكاليات العملية لتطبيق قانون العمل، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص ١٢٣) ، والله أعلم.