![]() |
تعويض البنك عند عدم الوفاء بعقد المرابحة |
هذه المسألة من المسائل الخلافية في الفقه الاسلامي، واساس الخلاف مدى جواز المواعدة في عقد المرابحة كما سنرى .
ومن المعروف ان قانون المصارف الاسلامية اليمني لم يتعرض لهذه المسالة ، لان هذا القانون لم ينظم الصيغ المصرفية الاسلامية لكثرتها وقابليتها للتطور بإستمرار إضافة إلى ان تنظيم الصيغ المصرفية الإسلامية تخضع لقرارات المجامع الفقهية وهيئة المعايير الشرعية.
أما القانون المدني اليمني فقد نظم عقد المرابحة العادية اي المرابحة غير المصرفية وليس كصيغة مصرفية إسلامية ، وفي سياق تنظيم القانون المدني لعقد المرابحة فقد المح الى جواز إلزام العامل في المرابحة بتعويض صاحب راس المال إذا خان صاحب رأس المال.
وقد ذهب الى جواز إلزام عميل البنك في عقد المرابحة المصرفية بتعويض البنك إذا لم يقم بسداد الأقساط في وقتها الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 8-2-2010م في الطعن رقم (38490)، المسبوق بالحكم الابتدائي الذي قضى بتعويض البنك لعدم قيام عميل البنك بسداد الاقساط في مواعيدها ، ولأنه مازالت بذمته اقساط لم يقم بسدادها، فقد ورد ضمن أسباب الحكم الابتدائي: (فقد وجدت المحكمة من خلال عقد المرابحة بين المدعي والمدعى عليه أن إجمالي الأقساط أربعة وعشرون قسطاً سدد منها المدعى عليه ثمانية اقساط قيمة كل قسط مبلغ...... ريالاً ، وتبقى في ذمته ستة عشر قسطاً لم يسددها في مواعيد إستحقاقها، مما يعني عدم وفائه بإلتزاماته بموجب عقد المرابحة وإخلاله بذلك، الأمر الذي يترتب عليه إلحاق الضرر بالمدعي ، مما يلزم معه دفع التعويض اللازم للمدعي عما اصابه من ضرر وفقاً لنص المادتين (347 و 351) من القانون المدني ، وهو ما سنقدره في منطوق الحكم)، وقد قضى الحكم الاستئنافي بتأييد الحكم الابتدائي، وقد ورد ضمن أسباب الحكم الاستئنافي: (لثبوت أن المدعى به عقد مرابحة محدد وثبوت عدم إلتزام المستأنف بالوفاء بما نص عليه ذلك العقد)، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي، أقرت الدائرة التجارية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: (فلم تستند الشعبة إلى إقرار محامي الطاعن بل الزمت المدعي بإثبات الدعوى فقدم عقد المرابحة المبرم بين المدعي والمدعى عليه وكذا الشيكات التي تحدد الأقساط الواجب على المدين الوفاء بها)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: الحكم الفقهي لتعويض البنك إذا لم يقم العميل بالوفاء بالأقساط في عقد المرابحة في الأوقات التي تم الإتفاق عليها مسبقاً
يتعلق الحكم الفقهي في هذه المسألة بمدى لزوم الوعد، لأن العميل في عقد المرابحة يكون قد وعد البنك بسداد الأقساط في الأوقات المحددة في عقد المرابحة، وبشأن الوعد الملزم فقد اختلف العلماء المعاصرون في جواز الوعد الملزم في عقد المرابحة، فمنهم من أجاز ذلك إذا كان الإلزام لطرف واحد وهو العميل ومنهم من منع ذلك مطلقاً وهو قول الجمهور.
ووفقاً لقول من قال: يلزم الوعد من طرف واحد كالعميل في عقد المرابحة، فيحق للبنك أن يحمله الضرر الفعلي الناتج عن رجوعه عن الشراء أو عدم سداد الأقساط في أوقاتها المحددة مسبقاً، وقد أخذ بهذا القول مجمع الفقه الإسلامي وهيئة المعايير الشرعية، فقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن الوعد في المرابحة (الوعد – وهو الذي يصدر من الآمر أو المأمور على وجه الإنفراد يكون ملزماً للواعد ديانة إلا لعذر، وهو ملزم قضاءً إذا كان معلقاً عن سبب، ودخل الموعود في كلفة نتيجة الوعد، ويتحدد أثر الإلتزام في هذه الحالة إما بتنفيذ الوعد وإما بالتعويض عن الضرر الواقع فعلاً بسبب عدم الوفاء بالوعد بلا عذر. (مجلة مجمع الفقه الإسلامي، ع 5، 2/753 و 965).
وجاء في المعايير الشرعية ص109: (لا يجوز أن تشمل وثيقة الوعد أو ما في حكمها على مواعدة ملزمة للطرفين – المؤسسة والعميل)، وجاء في ملحق المعيار ص122: (ويمكن إلزام العميل بوعده إستناداً إلى عموم الأدلة من القرآن والسنة بوجوب الوفاء بالعهد والوعد، وقد ورد بشأن الإلتزام بالوعد من طرف واحد قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي، وفتوى بيت التمويل الكويتي ومصرف قطر الإسلامي وغيرها).
وبناءً على ذلك فلا حرج على البنك أن يأخذ برأي القائلين بالإلزام بالوعد للعميل وتحميله الضرر الفعلي الناتج عن نكوله عن تنفيذ إلتزاماته المقررة في عقد المرابحة بما فيها عدم سداده للأقساط في الأوقات التي إلتزم بسدادها فيها.
فيجوز شرعاً إلزام المدين المماطل بأداء الأقساط التي بذمته وهو قادر على الوفاء بها دون عذر مشروع، لأن العميل في هذه الحالة ظالم عملاً بقوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم (مطل الغني ظلم) ، فيكون حاله كحال المغتصب، وقد قرر الفقهاء تضمين الغاصب منافع الأعيان المغصوبة علاوة على رد الأصل وهو رأي غالبية الفقه الإسلامي، ويشترط أن يتم تقدير هذا التعويض بمقدار ما فات على الدائن من كسب معتاد كان يمكن أن يحققه لو استلم الأقساط في الوقت المحدد أو بحسب ما لحقه من ضرر بسبب عدم سداد الأقساط في وقتها، ويتم تقدير التعويض في هذه الحالة من قبل المحكمة إذا كان الخلاف مرفوعاً امامها، بيد أنه لا يجوز الإتفاق المسبق بين البنك والعميل على تقدير هذا التعويض مسبقاً كي لا يكون ذلك ذريعة إلى الربا. (النظرية العامة المصرفية الإسلامية، أ.د.عبدالمؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء، طبعة 2019م صنعاء، ص381).
الوجه الثاني: موقف القانون اليمني من تعويض البنك لعدم قيام العميل بسداد أقساط المرابحة في الوقت المحدد
سبق القول ان قانون المصارف الاسلامية اليمني لم يتعرض لهذه المسالة ، لانه لم ينظم الصيغ المصرفية الإسلامية لكثرتها وقابليتها للتطور بإستمرار إضافة إلى ان تنظيم الصيغ المصرفية الإسلامية يخضع لقرارات المجامع الفقهية وهيئة المعايير الشرعية .
اما القانون المدني اليمني فقد نظم عقد المرابحة العادية اي المرابحة غير المصرفية ، وفي سياق تنظيم القانون المدني لعقد المرابحة العادية اي غير المصرفية ألمح القانون إلى أنه إذا خان العامل المرابح جاز لصاحب راس المال فسخ العقد والمطالبة بالتعويض عما لحقه من ضرر بسبب خيانة العامل المرابح ، وفي هذا الشان نصت المادة (571) مدني على أنه (إذا ظهرت خيانة في المرابحة كان المشتري بالخيار بين إمضاء العقد بجميع الثمن أو فسخه إن كان المبيع قائماً ولم يتعيب بعيب جديد وله المطالبة بما تضرر به بسبب الخيانة).
اما الحكم محل تعليقنا فقد استند في قضائه بإلزام العميل بتعويض البنك لعدم سداده لأقساط المرابحة في وقتها استند إلى القواعد العامة للتعويض المقررة في المادة (347) مدني التي نصت على أنه (إذا استحال على الملتزم تنفيذ الحق عيناً بعد أن كان ممكناً حكم عليه القاضي بالتعويض مالم يثبت أن إستحالة التنفيذ قد نشأت عن سبب أجنبي لا يد له فيه ويحكم أيضاً بالتعويض إذا تأخر الملتزم عن تنفيذ إلتزامه وأصاب صاحب الحق ضرر من ذلك.).
كما أستند الحكم محل تعليقنا في قضائه بالحكم بالتعويض فقط وعدم الحكم بإلزام العميل بغرامة التأخير عن سداد الأقساط المنصوص عليها في عقد المرابحة استند الحكم إلى المادة (356) مدني التي ذهبت إلى أنه يجوز للقاضي أن ينقص غرامة التأخير في سداد الأقساط إلى قدر الضرر الفعلي الذي لحق بالبنك، فقد نصت المادة (356) مدني في نهايتها على أنه (وإذا تبين للقاضي أن ينقص بنسبة ما تبين أنه نقص من الإتفاق الحقيقي عن النسبة المتفق عليها مع مراعاة العرف التجاري فيما لا يخالف شرعاً). (النظرية العامة المصرفية الإسلامية، أ.د. عبدالمؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء، طبعة 2019م صنعاء،٣٧٩)، والله اعلم.