تقدير أسباب تنحي القاضي للحرج

تقدير أسباب تنحي القاضي للحرج

تقدير أسباب تنحي القاضي للحرج

أجاز قانون المرافعات اليمني للقاضي أن يطلب من رئيس المحكمة التي يعمل فيها تنحيه عن نظر القضية إذا استشعر القاضي الحرج عند نظره في القضية، بيد أن تقدير الأسباب التي جعلت القاضي يستشعر الحرج عند نظره للقضية ، تخضع هذه الأسباب لتقدير رئيس المحكمة الابتدائية أو رئيس الاستئناف التي يعمل فيها القاضي ، فرئيس المحكمة هو الذي يملك السلطة التقديرية في تقدير أسباب تنحي القاضي للحرج، وذلك في ضوء دراسة رئيس المحكمة لطلب التنحي والأسباب الواردة في الطلب ، فلرئيس المحكمة ان يقبل طلب التنحي وله ان يرفضه ويامر القاضي بالإستمرار في نظر القضية ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 22-3-2010م في الطعن رقم (39529)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (لذلك وبرجوع هذه الدائرة إلى المادة (134) مرافعات تبين أنها تجيز للقاضي إذا استشعر الحرج في نظر الدعوى لأي سبب آخر غير ما ورد في أحكام المادة (128) مرافعات أن يعرض الأمر على رئيس المحكمة الابتدائية أو رئيس محكمة الإستئناف على حسب الأحوال لإقراره على التنحي عن نظرها إذا كان السبب واضحاً ومعقولاً أو أمره بالإستمرار في نظرها...إلخ، مما يعني أن القاضي لا ينفرد بتقدير الظروف التي يقدر معها تنحيه عن نظر القضية المنظورة امامه، وإنما يجب أن يقره على التنحي رئيس المحكمة الابتدائية أو رئيس محكمة الإستئناف، فإذا رفضت المحكمة الإذن للقاضي بالتنحي كان عليه المضي في نظر القضية، ولا يملك الخصوم الطعن فيه، لأن تنحي القاضي أمر يتعلق بشخصه ولا مصلحة للخصوم فيه)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: تنحي القاضي للحرج في قانون المرافعات اليمني

حددت المادة (132) مرافعات حالات الإمتناع الجوازي (الرد) التي يجوز فيها للخصوم طلب رد القاضي أو عضو النيابة العامة عن نظر الدعوى، فقد نصت المادة (132) مرافعات على أنه (يجوز للخصوم طلب رد القاضي أو عضو النيابة العامة من نظر الدعوى للأسباب التالية: -1- إذا حدث له أو لزوجته خصومة مع أحد الخصوم في الدعـوى أو زوجته بعد قيام الدعوى المطروحة على القاضي ما لم تكن قد أقيمت بقصد منعه من نظر الدعوى -2- إذا كان لمطلقته التي له منها ولدٌ أو لأحد أصهاره على عمود النسب خصومة قائمة بعد قيام الدعـوى المطروحـة على القاضـي ما لم تكن هذه الخصومــة قد أقيمت بقصد منعه من نظرها -3- إذا كان أحد الخصوم خادماً له -4- إذا كان قد تلقى من أحد الخصوم هدية -5- إذا كان بينه وبين أحد الخصوم عداوة أو مـودة يرجــح معها عدم إستطاعته الحكم بغير ميل) ومن خلال مطالعة النص القانوني السابق يظهر أن حالات الرد المقررة في النص السابق هي حالات جوازية ،وهي مقررة لمصلحة الخصوم ، حسبما ورد في النص السابق، ومع ذلك فأنه يجوز للقاضي من تلقاء نفسه إذا تحققت أية من حالات الرد الجوازي المذكورة في النص القانوني السابق أن يطلب الإذن له بالتنحي ، حسبما هو مقرر في المادة (133) مرافعات التي نصت على أنه (للقاضي من تلقاء نفسه في الأحوال المبينة في المادة السابقة أن يخبر المحكمة في غرفة المداولة أو رئيس محكمة الإستئناف بالنسبة لقضاة المحاكم الإبتدائية بالسبب للإذن له بالتنحي، وعلى المحكمة أو رئيس محكمة الإستئناف الإذن للقاضي بالتنحي وإثبات ذلك في محضر يوقعه رئيس المحكمة مع القاضي ، ويقوم أقدم أعضاء الشعبة مقام رئيس المحكمة إذا كان الأمر متعلقاً به) ، وهذا هو المقصود بالتنحي الجوازي للقاضي إذا تحقق أي سبب من أسباب الإمتناع الجوازي المقررة في المادة (132) مرافعات السابق ذكرها.

اما تنحي القاضي للحرج فيقع في غير حالات الإمتناع الوجوبي المذكورة في المادة (١٢٨) مرافعات وفي غير حالات الإمتناع الجوازي المحددة في المادة (132) مرافعات السابق ذكرها، وهذا هو المفهوم مما ورد في المادة (134) مرافعات التي نصت على أنه (يجوز للقاضي إذا استشعر الحرج في نظر الدعوى لأي سبب آخر أن يعرض الأمر على رئيس المحكمة الإبتدائية أو رئيس محكمة الإستئناف على حسب الأحوال لإقـراره على التنحي عن نظرها إذا كان السبب واضحاً ومعقولاً أو أمره بالإستمرار في نظرها ويثبت ذلك في محضر الجلسة على النحو المبين في المادة السابقة)، ومعنى ذلك أن أسباب التنحي للحرج ليست محددة أو محصورة في القانون ، ومن الأسباب التي قد تجعل القاضي يستشعر بالحرج : الزمالة بين القاضي والخصم أو الجوار فيما بين القاضي والخصم أو وجود ثأر بين قبيلة القاضي والخصم أو وجود معرفة سابقة بين القاضي والخصم أو إذا كان بين القاضي واقارب الخصم عداوة أو مودة أو صداقة...إلخ.

والأسباب التي قد تجعل القاضي يشعر بالحرج من نظره في القضية كثيرة ومختلفة ويتفاوت تأثيرها بتفاوت هذه الأسباب ويختلف تأثيرها بإختلاف شخصيات القضاة ونفسياتهم، ولذلك فإن تسببها في حرج القاضي يختلف من قاضي إلى آخر، فأسباب التنحي للحرج المعيار فيها شخصي وليس موضوعياً، فتأثير هذه الأسباب يختلف بإختلاف شخصيات القضاة ونفسياتهم. (دعاوى تنحي ورد القضاة، نزيه نعيم شلالا، منشورات الحلبي الحقوقية ٢٠٣١ بيروت، ص٦٩) .

الوجه الثاني: إجراءات تقديم طلب تنحي القاضي للحرج

وفقاً للمادة (134) مرافعات السابق ذكرها التي نظمت تنحي القاضي للحرج، فإن القاضي إذا استشعر بالحرج عند نظره في الدعوى فأنه يقوم بعرض الأمر أي كتابة عريضة تتضمن رغبته بالتنحي عن نظر القضية للحرج، ويتم تقديم هذا الطلب امام رئيس المحكمة التي يعمل فيها القاضي ، وينبغي أن يتضمن طلب القاضي التنحي السبب أو الأسباب التي جعلت القاضي يستشعر الحرج، ويتولى رئيس المحكمة دراسة طلب القاضي للتنحي للحرج ، وكذا يتولى رئيس المحكمة مناقشة القاضي طالب في الأسباب التي جعلته يشعر بالحرج توطئة للتقرير بشأنه.

الوجه الثالث: السلطة التقديرية لرئيس المحكمة بالنسبة لطلب التنحي للحرج

اشارت المادة (134) مرافعات الى السلطة التقديرية لرئيس المحكمة في قبول طلب تنحي القاضي للحرج أو رفضه ، إذ نصت المادة (١٣٤) على أنه (يجوز للقاضي إذا استشعر الحرج في نظر الدعوى لأي سبب آخر أن يعرض الأمر على رئيس المحكمة الإبتدائية أو رئيس محكمة الإستئناف على حسب الأحوال لإقـراره على التنحي عن نظرها إذا كان السبب واضحاً ومعقولاً أو أمره بالإستمرار في نظرها ويثبت ذلك في محضر الجلسة على النحو المبين في المادة السابقة).

فمن خلال إستقراء النص القانوني السابق يظهر أن لرئيس المحكمة السلطة التقديرية في قبول طلب القاضي التنحي للحرج أو رفض هذا الطلب وتوجيه القاضي بالإستمرار في نظر القضية.

 ويتوصل رئيس المحكمة إلى القرار المناسب بشأن طلب القاضي التنحي للحرج من خلال دراسة رئيس المحكمة للأسباب التي ساقها القاضي في طلبه التنحي ، ومن خلال مناقشة هذه الأسباب مع القاضي طالب التنحي للحرج، وصفوة القول: أن لرئيس المحكمة السلطة التقديرية في قبول طلب التنحي أو رفضه في ضوء دراسته لتلك الأسباب ومناقشتها مع القاضي طالب التنحي،(التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل القضاء والقضاة الجزء الأول، ا.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء ، طبعة ٢٠٢٣ م صنعاء، ص١٤٣).

الوجه الرابع: لا صفة ولا مصلحة للخصوم في الطعن في قرار قبول او رفض طلب تنحي القاضي للحرج

 سبق القول أن أسباب تنحي القاضي للحرج غير محددة أو محصورة في قانون المرافعات ،كما انها تختلف عن حالات الإمتناع الوجوبي أو حالات الإمتناع الجوازي التي تكو ن فيها مصلحة للخصوم ، اما الأسباب التي تجعل القاضي يشعر بالحرج فهي أسباب شخصية تخص القاضي الذي ينظر القضية،وقد سبق القول انها أسباب شخصية تختلف بإختلاف نفسيات وشخصيات القضاة ، فاسباب التنحي للحرج تختلف عن حالات الامتناع الوجوبي أو الجوازي ، ولذلك فقد صرحت المادة (١٣٤) مرافعات على أن أسباب التنحي للحرج أسباب أخرى ، حسبما هو ظاهر في المادة (١٣٤) مرافعات التي نصت على أنه (يجوز للقاضي إذا استشعر الحرج في نظر الدعوى لأي سبب آخر أن يعرض الأمر على رئيس المحكمة الإبتدائية أو رئيس محكمة الإستئناف على حسب الأحوال لإقـراره على التنحي عن نظرها إذا كان السبب واضحاً ومعقولاً أو أمره بالإستمرار في نظرها ويثبت ذلك في محضر الجلسة على النحو المبين في المادة السابقة).

 وعلى هذا الأساس فليس للخصوم صفة اومصلحة في التنحي للحرج ، (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل القضاء والقضاة الجزء الأول، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء ، طبعة ٢٠٢٣ م صنعاء،ص١٤١ ) . والله اعلم.