![]() |
قرينة تسليم مفاتيح العين المؤجرة |
عقد الإيجار هو تمليك المستأجر منفعة العين للإنتفاع بها خلال مدة الإيجار التي اتفق عليها الطرفان المؤجر والمستأجر، فإذا قام المؤجر بتسليم المستأجر مفاتيح فان ذلك قرينة على تسليم المؤجر للعين الى المستاجر والتخلية بينه وبين الإنتفاع بالعين ، وذلك من تاريخ تسليم المفاتيح ، كما ان ذلك قرينة على صلاحية العين للإنتفاع بها الا إذا قام المستاجر بعد فتح العين بإبلاغ المؤجر بالعيوب الموجودة بالعين ، أو إذا تم تسليم العين بعد فتحها بمحضر تسليم تضمن العيوب الموجودة في العين حين تسليمها إلى المستاجر.
كما أن قيام المستأجر بتسليم مفاتيح العين الى المؤجر قرينة على ان المستأجر قد قام بإغلاق العين وإعادة مفاتيحها إلى المؤجر، وأنه لم يعد ينتفع بالعين، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 23-1-2010م في الطعن رقم (36855)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (وهذا يؤكد أن المفاتيح الخاصة بالمحلات بقيت في حوزة المؤجر ولم يثبت إستلام الطاعنين للمفاتيح أو المحلات ذاتها في تاريخ..... كما جاء في الحكم المطعون فيه، وحيث أن وكيل الطاعنين قد أكد إستلام المفاتيح في تاريخ.... أثناء مرحلة التنفيذ كما جاء في الحكم المطعون فيه، ولم يرد من الطرف الآخر ما ينفي ذلك كما اسلفنا، ومع ذلك فعلى وكيل المالكين اليمين على أنه تم الإخلاء في تاريخ.... وليس كما يدعيه المستأجر)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: معنى القرينة
القرينة مفرد جمعها قرائن، والقرائن: هي العلامات والدلائل المصاحبة للواقعة التي تدل على نوع الواقعة وتفسيرها، كما يمكن تعريف القرينة بأنها: أمر يدل على أمر آخر بشكل غير مباشر أو علامة تدل على شيء خفي، والقرينة في اللغة القانونية: هي العلامة المصاحبة أو المقارنة للشيء التي تدل عليه ظاهراً أو خافياً.
وفي هذا المعنى نصت المادة (154) من قانون الإثبات اليمني على أن (القرينة: هي الأمارات التي تدل على إثبات ما خفي من الوقائع ودلائل الحال المصاحبة للواقعة المراد إثباتها وهي على ثلاثة أنواع).
والقرائن عدة أنواع: قرينة شرعية وقرينة قضائية وقرينة بسيطة وقرينة قانونية وقرينة قاطعة حسبما هو مقرر في المادتين (155 و 156) إثبات، وتختلف القرائن من حيث قوتها في الدلالة.
الوجه الثاني: قرينة تسليم المؤجر لمفاتيح العين المؤجرة إلى المستأجر
من المعروف أن من شروط عقد الإيجار أن يقوم المؤجر بتسليم العين المؤجرة إلى المستأجر صالحة للإنتفاع بها بحسب شروط العقد المبرم فيما بين المؤجر والمستأجر، وإذا كان محل عقد الإيجار عقاراً فإن تسليم العين المؤجرة إلى المستأجر يتم عن طريق التخلية الشرعية كأن يقول المؤجر للمستأجر: دونك الإنتفاع بالعين، أو صدور الإذن من المؤجر للمستأجر للإنتفاع بالعين، بيد أنه عندما يكون العقار بناء تكون أبوابه مغلقة بأقفال لها مفاتيح، ولذلك فإن قيام المؤجر بتسليم المفاتيح إلى المستأجر قرينة على أن المؤجر قد اذن للمستأجر بالإنتفاع بالعين المؤجرة وسلمه العين للإنتفاع بها.
كما ان تسليم المؤجر لمفاتيح العين المؤجرة إلى المستاجر قرينة على صلاحية العين للإنتفاع إلا إذا قام قام المستاجر بإبلاغ المؤجر بالعيوب الموجودة بالعين عند فتحه للعين ، أو إذا تم تسليم العين بعد فتحها بمحضر تسليم تضمن العيوب الموجودة في العين حين تسليمها إلى المستاجر.
وقد يقوم المؤجر بتسليم المفاتيح بنفسه إلى المستأجر ، وقد يسند هذه المهمة إلى وكيله أو إلى المستأجر السابق للبناء، غير أن هذا لا يغير من دلالة تسليم المفاتيح إلى المستأجر على رضاء المؤجر وتسليمه للعين المؤجرة إلى المستأجر.
ونخلص من هذا الوجه إلى القول: بأن قيام المؤجر بتسليم مفاتيح العين إلى المستأجر علامة تدل على رضاء وتسليم المؤجر للعين المؤجرة إلى المستأجر وأذنه له بالإنتفاع بالعين. (التعليق على احكام المحكمة العليا في مسائل الإيجار الجزء الأول ، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء ، طبعة ٢٠٢٤م صنعاء، ص ١٧٣).
الوجه الثالث: قرينة قيام المستأجر بتسليم مفاتيح العين المؤجرة إلى المؤجر
ينص قانون تنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين على أن المستأجر ملزم پإصلاح العين وترميمها وإعادتها الى الحالة التي كانت عليها عند إستلام المستأجر لها كما ان المستأجر ملزم بعد ذلك بإخلاء العين المؤجرة وتسليمها إلى المؤجر عند إنتهاء مدة الإيجار المحددة في عقد الإيجار، كذلك يتضمن عقد الإيجار في الغالب بنداً ينص على ذلك، وعندما تكون العين المؤجرة عقاراً مبنياً فأنه يتعذر على المستأجر أن يقوم بتسليمها عينها إلى المؤجر، ولذلك فأنه يقوم بإغلاق العين بعد ترميمها وإصلاحها وإعادتها إلى الحالة التي كانت عليها عند إستلامه لها وبعد ذلك يقوم المستأجر بتسليم مفاتيح العين إلى المؤجر عملاً بأحكام القانون وعقد الإيجار والعرف الجاري، وبناءً على ذلك فأن تسليم المستأجر للمفاتيح إلى المؤجر علامة أو قرينة تدل على إنتهاء عقد الإيجار وقيام المستأجر بالوفاء بإلتزامه القانوني والعقدي بتسليم العين وإعادتها إلى المؤجر وقرينة على أن المستأجر لا يرغب في تجديد عقد الإيجار والإستمرار في الإنتفاع بالعين ، وعلى هذا الأساس فإن إستلام المؤجر للمفاتيح من المستأجر يدل على إنتهاء إنتفاع المستأجر بالعين وعدم إستحقاق العين المؤجرة للإجرة ، لأن عقد الإيجار من عقود المعاوضة فأجرة العين عوض عن الإنتفاع بالعين، فلا يستحق المؤجر الإجرة بعد تسليم المستأجر للمفاتيح إلا إذا كانت إيجارات متأخرة، كما أن تسليم المستأجر للمفاتيح لا يعني سقوط حق المؤجر في مطالبة المستأجر بإصلاح العين وترميمها وإعادتها إلى الحالة التي كانت عليها عند إستلام المستأجر لها إذا لم يكن المستأجر قد قام بإصلاحها قبل تسليمه للمفاتيح إلى المؤجر.
ومن جهة أخرى فإن تسليم المستأجر للمفاتيح إلى المؤجر قبل إنتهاء مدة الإيجار المحددة في العقد قرينة على قيام المستأجر بإنهاء عقد الإيجار قبل إنتهاء مدته. (فقه المعاملات المالية وتطبيقاتها المعاصرة، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء، طبعة 2022م، ص256).
الوجه الرابع: نوع قرينة تسليم مفاتيح العين المؤجرة
أشرنا في الوجه الأول من هذا التعليق إلى أنواع القرائن وذكرنا أنها تتنوع إلى أنواع عدة كالقرينة الشرعية التي يكون مصدرها الشرع كقرينة الولد للفراش والقرينة القانونية التي ينص عليها القانون والقرينة القضائية التي يستنبطها القاضي من وقائع الحال، ومن خلال عرض أنواع القرائن يظهر أن قرينة تسليم مفاتيح العين قرينة قضائية، بيد أن هذه القرينة قابلة لإثبات العكس، فقد يقوم المؤجر بتسليم المفاتيح إلى المستأجر لمشاهدتها والتحقق من مناسبتها ، وقد يثبت أن المؤجر بعد تسليمه المفاتيح الى المستاجر قد حال بين المستأجر والإنتفاع بالعين، وكذا قد يقوم المستأجر بتسليم المؤجر المفاتيح ولكنه قد يستمر في الإنتفاع بالعين، ولان تسليم مفاتيح العين قرينة تتفاوت حجيتها ، فانه عند الخلاف بشان هذه القرينة يتم تكليف المتمسك بقرينة تسليم المفاتيح بان يحلف اليمين ، حسبما قضى الحكم محل تعليقنا. (أحكام الإيجار في القانون المدني وقانون إيجار الاماكن ، د. محمد حسين منصور ،دار النهضة العربية القاهرة ٢٠٠٦م ، ص١١٨). والله أعلم.