قرينة الوفاء أساس تقادم الشيك

قرينة الوفاء أساس تقادم الشيك

قرينة الوفاء أساس تقادم الشيك

تتأسس فكرة التقادم في الفقه الإسلامي والقانون على أسس عدة أهمها قرينة الوفاء بالحق أو الدين المتقادم، فالدائن لم يسكت عن المطالبة الودية والقضائية بحقه خلال المواعيد المقررة إلا وهو قد أقتضى دينه، وهذا المفهوم ينطبق على تقادم الشيك، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 30-12-2009م في الطعن رقم (35935)، المسبوق بالحكم الاستئنافي الذي ورد ضمن أسبابه: (والمعلوم ان التقادم المنصوص في المادة سند الدفع يقوم على قرينة قانونية قابلة لإثبات العكس، وهي أن المدين أوفى بقيمة الشيك، ولذلك أوجبت تلك المادة على المتمسك بالتقادم المضي في اليمين على براءة ذمته من الدين إذا طلبها الدائن)، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا أنه من: (اللازم في مثل هذه الحالة الإستظهار بأخذ اليمين من المدعي قطعاً للخلاف وحسماً للنزاع على أن المبلغ المحدد في الشيكات هو بقية قيمة الأرض المباعة ، وأن المبلغ المدعى به لا زال بذمة الطاعن)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: التقادم في الفقه الإسلامي

المعاملات المالية في الفقه الإسلامي تتسم بالطابع الديني، وهذا ما يميزها عن المعاملات في القوانين الوضعية، ومن مظاهر الطابع الديني للمعاملات المالية في الفقه الإسلامي، موقف الفقه الإسلامي من نظرية تقادم الحقوق والديون، فالمعاملات المالية في الفقه الإسلامي لها حكمان شرعيان:

الحكم الاول: حكم شرعي عند الله سبحانه وتعالى وهو ما يطلق عليه الفقه الإسلامي الحكم (ديانة)، إذ يسأل الله تعالى عبده يوم السؤال والحساب ويحاسب عبده عما في ذمته من حقوق واموال الغير دون نظر أو إعتبار لأحكام التقادم فالحقوق لا تتقادم في ميزان العدل الإلهي .

والحكم الشرعي الثاني: حكم قضائي يتولى تطبيقه القاضي الذي ينظر النزاع بين عباد الله، ويطلق الفقه الإسلامي على هذا الحكم (قضاء)، وحكم القضاء هو وحده الذي يكون فيه التقادم معتبر.

 فحقوق العباد يتلازم فيها الحكمان الشرعيان (ديانة وقضاء).

وبناءً على هذه التفرقة الفقهية بين الحق ديانة والحق قضاء أجاز بعض الفقهاء تقادم الحقوق والديون قضاء أما ديانة فأن الفقه الاسلامي متفق على ان حقوق العباد عند الله تعالى لا تتقادم، فيكون المدين آثماً ومسئولا أمام الله إذا لم يقم بالوفاء بما عليه من دين أو حق للأفراد حتى لو تقادم الحق في نظر القضاء.

وعلى هذا الأساس فإن التقادم في القضاء يكون قرينة على الوفاء بالحق أو الدين، أما ديانة فلا عمل لهذه القرينة عند الله تعالى عالم الغيب والشهادة الذي يعلم السر وأخفى، وهذا الموقف الشرعي المهيب هو الذي يظهر عظمة التشريع الرباني وتفوقه على القوانين الوضعية ، كما أن هذا الموقف الشرعي المهيب من حقوق الناس هو الذي يدفع غالبية المسلمين إلى الوفاء بحقوق الغير حتى لو تقادمت، ونلاحظ هذا مشاهدة ومعاينة في الوصايا التي يحررها الناس قبل وفاتهم ، التي تتضمن الوفاء بما في ذممهم من أموال وحقوق للغير قد تقادمت ومضت عليها سنوات طويلة. (فقه المعاملات المالية وتطبيقاتها المعاصرة، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة، صنعاء، طبعة 2022م، ص42).

الوجه الثاني: قرينة الوفاء وتقادم الشيك

قضى الحكم محل تعليقنا بأن أساس تقادم الشيك هو قرينة الوفاء بقيمة الشيك المتقادم ، ومؤدى ذلك أن المستفيد من الشيك لم يقم بتقديم الشيك إلى البنك المسحوب عليه وصرفه خلال المدة المقررة في القانون إلا وقد اقتضى قيمة الشيك نقداً من المدين الساحب أو حصل على مقابل الشيك عيناً من المدين، ولذلك فإن الدائن المستفيد من الشيك لم يقدم الشيك إلى البنك لصرفه.

وقرينة الوفاء بالشيك في هذه الحالة مجرد قرينة قابلة لإثبات العكس ، إذ يحق للمستفيد أن يثبت بكافة الطرق أنه لم يقم بإستلام قيمة الشيك من المدين، وأن الشيك قد تقادم من غير ان يقوم المدين الساحب بالوفاء بقيمة الشيك المتقادم، كما يحق للمستفيد من الشيك أن يطلب اليمين من المدين الساحب للشيك المتقادم ويحق للقاضي أيضا ان يوجه يمين الإستظهار الى المدين ساحب الشيك المتقادم.

فتقادم الشيك لا يعني في كل الأحوال أن المستفيد من الشيك قد أقتضى قيمة الشيك ، فتقادم الشيك مجرد قرينة قابلة لإثبات عكسها .

الوجه الثالث: ماهية تقادم الشيك ومدته والأشخاص الذين يسري التقادم في مواجهتهم

تقادم الشيك بالنسبة للمسحوب عليه والساحب والمظهر وغيرهم من الملتزمين يعني إنقضاء مدة ستة شهور من تاريخ ميعاد تقديم الشيك لصرفه لدى البنك المسحوب وبالنسبة للملتزمين بوفاء الشيك بعضهم تجاه بعض فان التزامهم تجاه بعضهم يتقادم بمضي ستة شهور من اليوم الذي قام فيه الملتزمون بالوفاء أو من يوم المطالبة لهم عن طريق القضاء، وفي هذا المعنى نصت المادة (566) تجاري على ان (تتقادم دعاوى رجوع حامل الشيك على المسحوب عليه والساحب والمظهر وغيرهم من الملتزمين بمضي ستة شهور من تاريخ إنقضاء ميعاد تقديم الشيك، وتتقادم دعاوى رجوع مختلف الملتزمين بوفاء الشيك بعضهم تجاه بعض بمضي ستة شهور من اليوم الذي وفى فيه الملتزمون أو من يوم مطالبته قضائياً، ويجب على المدعى عليهم رغماً من إنقضاء مدة التقادم أن يزيدوا باليمين براءة ذمتهم من الدين إذا طلب منهم حلفها ، وعلى ورثتهم أو خلفائهم الآخرين أن يحلفوا اليمين على أنهم لا يعلمون أن مورثهم مات وذمته مشغولة بالدين) .

من خلال إستقراء النص القانوني السابق يظهر أن الوفاء بقيمة الشيك يتقادم في القانون التجاري اليمني بمضي ستة أشهر من التاريخ المحدد لتقديم الشيك إلى البنك المسحوب عليه لصرفه، وبالنسبة لدعاوى الرجوع على الملتزمين بالوفاء بقيمة الشيك فأنها تتقادم بمضي ستة أشهر من تاريخ إنقضاء مدة التقادم السابق ذكرها – والتقادم كما هو معلوم يقوم على مضنة الوفاء بالحق أو الإعفاء منه والحرصعلى إستقرار المراكز القانونية للأشخاص.

 الوجه الرابع: تقادم دعاوى رجوع حامل الشيك على الملتزمين بالوفاء بقيمة الشيك

صرحت المادة (566) من القانون التجاري في بدايتها على أن تتقادم دعاوى رجوع حامل الشيك على الملتزمين بالوفاء بقيمة الشيك كالساحب للشيك والمظهر له والبنك المسحوب عليه وذلك بمضي ستة أشهر من التاريخ المحدد في الشيك لتقديمه لصرفه ، حسبما هو مقرر في بداية المادة (566) تجاري التي نصت على أن (تتقادم دعاوى رجوع حامل الشيك على المسحوب عليه والساحب والمظهر وغيرهم من الملتزمين بمضي ستة شهور من تاريخ إنقضاء ميعاد تقديم الشيك).

ومؤدى ذلك أنه لا يحق لحامل الشيك مطالبة الساحب للشيك أو البنك المسحوب عليه أو الشخص الذي ظهر له الشيك وغيرهم من الملتزمين قانوناً بالوفاء بقيمة الشيك ، فلا يحق لحامل الشيك مطالبتهم جميعاً بالوفاء بقيمة الشيك الذي يحمله بعد مضي الستة الأشهر المشار إليها ، وخلاصة ذلك: أنه لا يحق لحامل الشيك بعد مضي مدة الستة الأشهر المحددة في النص القانوني السابق المطالبة بقيمة الشيك الذي يحمله. (سقوط وتقادم الشيك، د. سلمان بن مروي الشمري، المجلة الدولية لنشر البحوث والدراسات ،المجلد الثالث ، ٢٠٢٢م ، ص ٢٣)٠

الوجه الخامس: تقادم دعاوى رجوع الملتزمين بالوفاء بقيمة الشيك على بعضهم البعض

الملتزمون بالوفاء بقيمة الشيك هم: الساحب للشيك والبنك المسحوب عليه والشخص الذي قام بتظهير الشيك وغيرهم، حسبما ورد في المادة (566) تجاري التي نصت في منتصفها على أنه (تتقادم دعاوى رجوع مختلف الملتزمين بالوفاء بالشيك بعضهم تجاه بعض بمضي ستة أشهر من اليوم الذي وفى فيه الملتزمون أو من يوم مطالبته قضائياً).

 الوجه السادس: إحتساب بداية مدة التقادم عند رفع الدعوى وبيان الحالات التي لايسري فيها تقادم الوفاء بالشيك

 بينت المادة (567) تجاري بينت كيفية إحتساب بداية مدة التقادم عند رفع الدعوى كما بينت الحالات التي لايسري فيها تقادم الوفاء بالشيك، فقد نصت المادة (567): عل انه (لا تسرى مدة التقادم المنصوص عليها في المادة السابقة في حالة رفع الدعوى إلا من تاريخ آخر إجراء فيها ولا يسري التقادم المذكور إذا صدر حكم بالدين أو اقر به المدين بصك مستقل إقرار يترتب عليه تجديد الدين) .

الوجه السابع: آثار إنقطاع تقادم الوفاء بقيمة الشيك

 اشارت المادة (568) تجاري إلى اثار إنقطاع تقادم الوفاء بقيمة الشيك فقد نصت المادة(568) على أنه (:لا يكون لإنقطاع التقادم من اثر إلا بالنسبة إلى من أتخذ قبله الإجراء القاطع لسريانه).

الوجه الثامن: عدم تقادم الوفاء بقيمة الشيك بالنسبة لمن يسحب الشيك بدون رصيد أو يسترد الرصيد قبل صرف الشيك

تناولت المادة (569) تجاري حالات عدم تقادم الوفاء بقيمة الشيك، وذلك بالنسبة لمن يسحب الشيك بدون رصيد أو يسترد الرصيد قبل صرف الشيك، فقد نصت المادة(569): على أنه (لا يحول تقادم دعوى المطالبة بقيمة الشيك دون حامل الشيك في مطالبة الساحب الذي لم يقدم مقابل الوفاء أو قدمه واسترده كله أو بعضه برد ما أثرى به دون حق ويسرى هذا الحكم على الساحب إذا رجع عليه الملتزمون بوفاء قيمة الشيك).

الوجه التاسع: يمين الإستظهار أو يمين الاستيثاق بعد إنقضاء مدة تقادم الشيك

في الأوجه السابقة عرضنا بإيجاز حالتي تقادم الشيك بالنسبة لحامل الشيك وكذا تقادم الشيك بالنسبة للملتزمين بالوفاء بقيمة الشيك بعضهم على بعض ، ومع ذلك وبراءة لذمة المدعى عليه حين مطالبته بالوفاء بالشيك فأنه يتحتم عليه أداء يمين الإستظهار إذا قام المدعي بالرجوع عليه ورفع دعوى عليه وطلب من المدعى عليه حلف اليمين أو قرر القاضي ان يحلف الساحب يمين الإستظهار، حسبما هو مقرر في نهاية المادة (566) تجاري التي نصت على أنه (ويجب على المدعى عليهم رغماً من إنقضاء مدة التقادم أن يزيدوا باليمين براءة ذمتهم من الدين إذا طلب منهم حلفها وعلى ورثتهم أو خلفائهم الآخرين أن يحلفوا اليمين على أنهم لا يعلمون أن مورثهم مات وذمته مشغولة بالدين)، والله أعلم.