![]() |
الصورية في التصرفات بين الأقارب |
اجاز القانون المدني اليمني عقد البيع بين الأقارب شريطة أن لاينطوي البيع على حيلة على الأقارب الاخرين ، وعند تعريف القانون ذاته للصورية في العقود يظهر أن الصورية قد تنطوي على حيلة على الغير ، ومن خلال هذا تظهر العلاقة الوثيقة بين الصورية والحيلة.
ومن المعلوم أن الصورية في العقود هي اتفاق بين طرفين لإخفاء حقيقة العلاقة القانونية بينهما ، ويتم ذلك من خلال إنشاء أو إبرام عقد ظاهر يختلف عن العقد الحقيقي .
غالباً ما يكون الهدف من الصورية في العقود هو التحايل أو تحقيق مصلحة معينة لا يمكن تحقيقها من خلال العقد الحقيقي، ولذلك يكون في الصورية عقدان، الأول: العقد الظاهر : وهو العقد الذي يظهر للعلن ويراه الغير، وقد يكون هذا العقد بيعاً أو غيره والعقد الثاني هو العقد أو التصرف المستتر : وهو العقد أو التصرف الحقيقي الذي يخفيه العقد الظاهر، فالعقد أو التصرف المستتر هو العقد الحقيقي ، فهو الذي يمثل العلاقة الحقيقية بين المتعاقدين.
والصورية في العقود بين الأقارب تعني أن العقد الذي يتم إبرامه بين قريبين يهدف إلى إخفاء عقد أخر أو تصرف حقيقي ،فالعقد الصوري بين الأقارب يهدف غالباً إلى إخفاء الحيلة على اقارب اخرين، والمثل المشهور في هذا الشان التحايل على أحكام الميراث وغيره ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 28/12/2009م في الطعن رقم (36447) ، المسبوق بالحكم الابتدائي الذي ورد ضمن أسبابه ( أن العقد المحتج به من المدعي تستطيع المحكمة أن تؤكد صورية المحرر، فالهدف من تحريره هو التحايل لتحقيق ضمان للدين الذي بذمة المدين المدعى عليه ، فمن المعلوم أن غالب العقود بين الأقارب تكون صورية غير حقيقية) ، وقد قضت الشعبة الإستئنافية فيه بتأييد الحكم الإبتدائي ، وعند الطعن بالنقض في الحكم الإستئنافي أقرت الدائرة التجارية الحكم الإستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: (أن الطاعن اعاد في عريضة الطعن بالنقض الأسباب التي سبق له إثارتها أمام الشعبة التجارية التي ناقشت تلك الأسباب وتوصلت إلى انه لم يتوفر في المحرر الذي تمسك به الطاعن الشروط القانونية لعقد الرهن المقرر في القانون المدني)، وسيكون تعليقنا علي هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: الصورية في القانون اليمني:
نصت المادة (183) من القانون المدني اليمني على أنه (كل عقد قصد به الحيلة لإخفاء عقد حقيقي فالعبرة بالعقد الحقيقي صحة وبطلاناً).
ومن خلال إستقراء هذا النص يظهر أن القانون اليمني قد قرن الصورية في العقد بقصد الحيلة، فضلاً عن ان النص المشار اليه قد صرح بأن الصورية لا تبطل العقد الحقيقي إذا كان التصرف أو العقد الحقيقي قد توفرت فيه الأركان والشروط القانونية للعقد اوالتصرف، فقد صرح النص القانوني السابق إلى أنه عند الصورية ينبغي النظر الى العقد أو التصرف الخفي فهو المعتبر الذي ينبغي النظر إلى اركانه وشروطه ، فإذا توفرت الأركان والشروط للعقد في العقد الحقيقي فأنه صحيح.
إضافة إلى أن النص القانوني السابق لم يفرق في حكم الصورية بين الأقارب وبين غيرهم ، فقد ورد النص مطلقاً من غير تقييد.
الوجه الثاني: موقف القانون المدني اليمني من البيع والشراء بين الأقارب وعلاقته بالصورية في التصرفات بين الأقارب:
اجاز القانون المدني اليمني إجراء التصرفات بين الأقارب بما في ذلك البيع شريطة أن لا ينطوي البيع على حيلة، وفي هذا المعنى نصت المادة (464) مدني على أنه (يصح بيع الوالد ماله لولده المشمول بولايته وبيعه مال أحد الولدين للأخر بشرط القبول من منصوب القاضي الذي يقبل البيع عن الصغير ويقبض الثمن ثم يسلمه بعد ذلك لوالده كي يحفظه لولده، ويشترط ان لا يكون البيع منطوياً على حيلة وحكم الوصي المختار حكم من أختاره).
وبما أن هذا النص قد اجاز بيع الوالد وشراؤه لأموال ولده القاصر فانه يجوز البيع والشراء فيما بين الوالد وأولاده البالغين شريطة أن يكون البيع حقيقياً غير منطوياً على حيلة ، ومن جهة أخرى ليس هناك نصوص في القانون تمنع التصرف فيما بين بقية الأقارب غير الوالد وأولاده كالإخوة والأعمام.
وقد سبق أن ذكرنا في الوجه الأول أن المادة (183) مدني قد قرنت الصورية في العقود بالحيلة ، حسبما سبق بيانه، في حين اشترط نص المادة (464) مدني المشار إليه في هذا الوجه أن لا ينطوي البيع والشراء بين الأقارب على حيلة.
الوجه الثالث: الحيلة في التصرفات بين الأقارب وعلاقتها بالصورية:
في الوجهين السابقين ذكرنا ان القانون المدني قد قرن الصورية المبطلة للتصرفات بالحيلة ،وكذا أشترط القانون ذاته أن لا ينطوي التصرف بين الأقارب على حيلة.
وهذا الأمر يستدعي الإشارة بإيجاز إلى معنى الحيلة المبطلة للتصرفات بين الأقارب ، فالحيلة في القانون في هذه المسألة هي وجه من وجوه الصورية الممنوعة المبطلة للتصرفات سواء أكانت بين الأجانب (الغير) وفقاً للمادة (183) مدني السابق ذكرها أو كانت الصورية بين الأقارب وفقاً للمادة (464) السابق ذكرها.
فالحيلة تعني أن التصرف الصوري الظاهر يخفي تصرف مستتر مخالف للشرع والقانون يمس حقوق ومصالح الغير.
ومن أمثلة الصورية في العقود بين الأقارب أن يقوم الوالد ببيع ماله بعقد صوري الى زوجته أو أحد الورثة إضرارا بالورثة الآخرين
وبعد إجراء البيع الصوري يرد الزوج الثمن إلى زوجته أو يقوم الزوج ببيع ماله لزوجته بثمن تافه أو يقوم الزوج ببيع ماله لزوجته ويكون الثمن من مال الزوج وليس من مال الزوجة، فالبيع الظاهر هنا يخفي هبة مستترة بدون مقابل.
والصورية قد تكون في تصرف غير العقد كأن يوصي المورث بقسم من ماله لأحد الورثة مقابل نفقة للمورث أو علاج أو خدمة، ولم يثبت أن الوارث قدم النفقة أو قام بها لحساب مورثه، فالحيلة هنا مخالفة لأحكام الميراث في الشريعة الاسلامية وتخالف أحكام الميراث المقررة للورثة الاقارب ببموجب قانون الأحوال الشخصية.
وعلى هذا الأساس فأن الحيلة في التصرفات بين الأقارب تكون نوعاً من أنواع الصورية للتصرفات حسبما سبق بيانه .
الوجه الرابع: إثبات الحيلة في التصرفات بين الأقارب:
من المعروف أن القاعدة تقضي بأن : الأصل في العقود والتصرفات الصحة، ولذلك يذهب فريق من الفقه العربي إلى أن الصورية هي الأصل في العقود التي تقع فيما بين الأقارب ،لأن الشكوك والظنون تحيط بالتصرفات التي يتم إبرامها بين الأقارب، ومؤدي ذلك أنه على من يتمسك بالعقد الظاهر أن يثبت انه حقيقي ، وأنه لا يخفى تصرفا مستتراً أو ينطوي على حيلة . (الصورية في ضوء الفقه والقضاء، عز الدين الدناصوري وعبد الحميد الشواربي، دار الكتب والدراسات العربية القاهرة ، الطبعة الأولى 2020م، ص221). والله اعلم.