![]() |
التمسك بأسباب الإستئناف أمام المحكمة العليا |
المحكمة العليا محكمة طعن وكذلك محكمة الإستئناف ، بيد أن وظيفة المحكمة العليا تختلف عن وظيفة محكمة الإستئناف، فالمحكمة العليا محكمة قانون ومحكمة الإستئناف محكمة موضوع، إذ يجب على محكمة الإستئناف عند الطعن أمامها أن تنظر وتدرس وتحقق كل أسباب الإستئناف من الناحية الموضوعية بإعتبارها محكمة موضوع ، ولأن الإستئناف يعيد طرح القضية موضوعاً أمام محكمة الإستئناف في حدود ما فصل فيه الحكم الابتدائي.
في حين أن الوظيفة الرئيسة للمحكمة العليا هي الرقابة القانونية على أحكام محاكم الموضوع للتحقق من إلتزامها في قضائها بنصوص الشرع والدستور والقانون، فلا تمتد رقابة المحكمة العليا إلى المسائل الموضوعية التي تخضع للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع.
ولكن المادة (231) مرافعات أوجبت على القاضي مناقشة وسائل وأوجه دفاع الخصوم وأدلتهم ويندرج ضمن ذلك اسباب الإستئناف، وكذا اوجبت المادة (288) مرافعات على محكمة الإستئناف الفصل في موضوع القضية من جديد في الواقع والقانون في ضوء أسباب الإستئناف وعلى أساس ما تم تقديمه أمامها من أدلة جديدة وما سبق تقديمه أمام محكمة أول درجة، وبناءً على ذلك فأن المحكمة العليا ملزمة بالتحقق من قيام محكمة الإستئناف بواجبها القانوني في مناقشة ودراسة اسباب الإستئناف بإعتبار هذه المسألة مسألة قانونية وليست موضوعية.
وعلى هذا الأساس فأن تصريح الطاعن بالنقض في عريضة الطعن بالنقض بتمسكه بأسباب الحكم الإستئنافي لا يعني مطالبته المحكمة العليا بالفصل في تلك الأسباب التي تحتاج إلى تحقيق موضوعي وأنما تذكير للمحكمة العليا بواجبها القانوني بالتحقق من قيام محكمة الإستئناف بواجبها القانوني المقرر في المادتين (٢٣١و٢٨٨) مرافعات، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 7/9/2015م في الطعن رقم (57061)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: ( فقد وجدت الدائرة أن الطاعن قد ذكر في أسباب طعنه بالنقض أنه متمسك بكامل ما ورد في عريضة إستئنافه التي سبق أن قدمها أمام محكمة الإستئناف ، وذكر الطاعن بأن ما ورد في عريضة الإستئناف جزء لا يتجزأ من طعنه بالنقض، لأن الشعبة التي اصدرت الحكم المطعون فيه لم تفصل فيما ورد في عريضة الإستئناف ، ومن خلال دراسة الدائرة لأوراق القضية فقد تبين أن محكمة الإستئناف قد حققت تحقيقاً وافياً في وقائع القضية على أساس ما رفع عنه الإستئناف من أسباب ووجوه وما طرح أمامها وبنت حكمها على أساس صحيح من الواقع والقانون)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: الطعن بالنقض وسيلة تمكين المحكمة العليا من بسط رقابتها القانونية على أحكام محاكم الموضوع:
للمحكمة العليا في اليمن وضعية خاصة ، لأن إتصالها بأحكام محاكم الموضوع لا يتم إلا عن طريق الطعن بالنقض في احكام محاكم الموضوع عدا العرض الوجوبي في الأحكام الصادرة في القصاص والحدود، في حين أن محاكم التمييز والتعقيب والنقض في دول كثيرة تتصل بأحكام محاكم الموضوع بوسائل عدة من أهمها ما يسمى (التمييز التلقائي) في قضايا عدة ترى قوانين تلك الدول أن لها اهميتها الخاصة أو لخطورة الآثار المترتبة عليها أو لضعف حال المحكوم عليه، ومن ذلك على سبيل المثال الأحكام الصادرة في فسخ الزواج وغيرها.
ومن هذا المنطلق فأن الطعن بالنقض في اليمن وسيلة إتصال المحكمة العليا بأحكام محاكم الموضوع ، فعن طريقه تتمكن المحكمة العليا من بسط رقابتها على مدى إلتزام محاكم الموضوع بنصوص الدستور و القانون ، ومقتضى ذلك أن المحكمة العليا بمجرد إ تصالها بالطعن بالنقض تقوم بدراسة اوراق القضية كاملة للتحقق من إلتزام محاكم الموضوع بالنصوص القانونية الآمرة حتى لو لم يتناولها الخصم ضمن أسباب الطعن بالنقض، فعمل المحكمة العليا لا يقتصر على دراسة ما ورد في عريضة الطعن بالنقض، ولذلك فأن أحكام المحكمة العليا ومحاكم النقض والتمييز والتعقيب في الدول المختلفة تستهل بعبارة (بعد الدراسة لأوراق القضية أو للأوراق مشتملات الملف ...)، للتاكيد على أن محكمة النقض قد قامت بدراسة أوراق القضية كاملة ورقة ورقة. (الطعن بالنقض، استاذنا الأستاذ الدكتور نبيل اسماعيل عمر، منشأة المعارف الاسكندرية 1988م، ص 92).
الوجه الثاني: التمسك بأسباب الاستئناف في الطعن بالنقض أمام المحكمة العليا للتدليل على مخالفة الحكم الإستئنافي للقانون أو الخطأ في تطبيقه:
وفقاً للمادة (292) من قانون المرافعات اليمني فأن أهم حالة من حالات الطعن بالنقض في أحكام محاكم الموضوع هي الحالة الأولى وهي حالة : (-1- إذا كان الحكم المطعون فيه مبنياً على مخالفة الشرع والقانون أو خطأ في تطبيق أي منها أو تأويله أو لم يبين الأساس الذي بني عليه ).
ولذلك فان الطاعن بالنقض يتمسك في عريضة طعنه بالنقض بأسباب الإستئناف إذا كان الحكم الإستئنافي قد رفض إستئناف الطاعن ، إذ يقوم الطاعن ضمن أسباب الطعن بالنقض بإستعراض الأخطاء والمخالفات القانونية التي قد تقع في الحكم الإستئنافي عند مناقشته وفصله في اسباب إستئنافه، كما لو ذكر الطاعن بالنقض أن الجكم الإستئنافي اغفل أسباب إستئنافه أو لم يناقش الحكم الإستئنافي ما ورد في سبب أو اسباب الإستئناف أو للتدليل على الأخطاء القانونية والمخالفات التي قد تقع في الحكم الإستئنافي عند مناقشته لأسباب الإستئناف، كما لو قال الطاعن بالنقض : أن الحكم الإستئنافي لم بطبق القانون تطبيقاً صحيحاً عند مناقشته لأسباب الاستئناف الواردة في عريضة إستئنافه.
سيما أن أسباب الإستئناف هي محددات نطاق عمل محكمة الإستئناف، فمحكمة الإستئناف متقيدة بأسباب الإستئناف.
ولذلك من الإعتيادي أن يعيد الطاعن بالنقض أسباب الإستئناف في عريضة الطعن بالنقض أو يشير إليها للتدليل على الأخطاء والمخالفات القانونية التي اعترت حكم الإستئناف . ( الطعن بالإستئناف وتطبيقاته القضائية ، د. لفتة هامل العجيلي، منشورات الحلبي الحقوقية بيروت 2013م ، ص 171).
الوجه الثالث: التمسك بأسباب الإستئناف في الطعن بالنقض امام المحكمة العليا تذكير بواجبها القانوني:
واظب كثير من المحامين على تضمين عريضة الطعن بالنقض عبارة (التمسك بأسباب الإستئناف في عريضة الطعن)، إذ يصرح هؤلاء أن ذلك بمثابة تذكير لمحكمة النقض كي تراعي ذلك عند دراستها وتمحيصها لعريضة الإستئناف السابق تقديمها أمام الإستئناف وكيفية التعامل القانوني للحكم الإستئنافي مع أسباب الإستئناف .
مع أن محكمة النقض معنية اصلا بدراسة أسباب الإستئناف الواردة في عريضة الإستئناف لأن محكمة النقص ملزمة بدراسة كل المذكرات واوراق القضية المرفقة بعريضة الطعن بالنقض ،(من حصاد المحاماة – من أرشيف الطعون بالنقض ، الأستاذ رجائي عطية المحامي، المعرض المصري للكتاب، مجلد ٢٦ ص 304).
الوجه الرابع: الإحالة في عريضة الطعن بالنقض إلى أسباب الإستئناف الواردة في عريضة الإستئناف:
مع أنه من غير المحمود الإحالة الإجمالية في عريضة الطعن بالنقض إلى أوراق القضية حسبما سبق بيانه في تعليق سابق، بإعتبار الإحالة الإجمالية تخل بمبدأ إستقلال ووحدة عريضة الطعن بالنقض ، وان الإحالة الإجمالية عبارة عن تفويض للمحكمة العليا بإستخلاص مايريده الطاعن من اوراق القضية المرفقة بالطعن ، وذلك مخل بحياد المحكمة العليا.
إلا أنه يجوز للطاعن بالنقض أن يحيل محكمة النقض في عريضة الطعن بالنقض الى أسباب معينة أو صفحات معينة أو أسطر معينة على سبيل الإستدال على مخالفات الحكم الطعين للقانون أو الخطأ في تطبيقه حسبما سبق بيانه في تعليق سابق . (التعليق على احكام المحكمة العليا في مسائل الطعون الجزء الثاني، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء ،طبعة ٢٠٢٥ صنعاء، ص ١٨٠). والله اعلم.