![]() |
عدم إستقرار سبب الشفعة |
من اهم شروط الشفعة أن يكون سبب الشفعة قائما عند طلب الشفعة ، ومعنى ذلك انه يجب أن يكون الشفيع شريكا مخالطا في أصل المال أو طرقه ومساقيه وقت طلبه الشفعة ، فإذا كانت ملكيته في العين المشفوعة محل نزاع جدي يدل على انه قد يتم الحكم بملكية الشفيع وقد لايتم ذلك ،فمعنى ذلك أن سبب الشفعة لم يحسم بعد وأن سبب الشفعة غير مستقر.
اما الشفعة أثناء إجراء قسمة التركة وقبل تمامها فان سبب الشفعة يكون موجودا حتى قبل تحديد أنصبة الورثة تحديدا أولياً غير نهائياً، فاذا استعجل بعض الورثة في بيع نصيبه قبل تمام القسمة، فيقوم الوارث ببيع نصيبه المعين في مال معين من أموال التركة فيقوم المقاسم الوارث الآخر الخليط له في المال بحسب التحديد الأولي بطلب الشفعة، ومع أن نصيب الوارث في هذه الحالة لم يتحدد تحديدا دقيقا إلا ان سبب الشفعة بالنسبة للشفيع الوارث يكون متحققا ، لأن الوارث مالك شريك خليط على الشيوع في كل أموال التركة ، ومؤدى ذلك انه يجوز له طلب الشفعة قبل القسمة أو بعدها أو اثناء القسمة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 15/9/2015م في الطعن رقم (57041) المسبوق بالحكم الإستئنافي الذي ورد ضمن أسبابه (بان الشفعة غير مقبولة لان الفصول التي تم البيع بموجبها قد تم تعديلها والتناقل بين الورثة حيث لم يعد الفصل الذي اشترى بموجبه المدعى عليه لم يعد له أي وجود ، حيث تم التأشير بنقل الأموال من الفصول، ومن ثم يكون ما تمسك به المستأنف من عدم التراخي في طلب الشفعة وحصول العذر المنصوص عليه قانوناً له وجاهته)، ولكن عند الطعن بالنقض في الحكم الإستئنافي نقضت الدائرة المدنية الحكم الإستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (إذ لم ينازع المطعون ضده أو غيره من الورثة في صحة عقد البيع المشار اليه، فلم يدع أحد من الورثة ببطلان عقد البيع ، وما جرى من نزاع بشان صحة القسمة لا يؤثر في صحة عقد البيع ونفاذه وترتيبه لأثاره الشرعية والقانونية ، ومن ذلك إنتقال الملكية محل الشفعة الى المشتري وحق أي شريك أو مخالط في طلب الشفعة وفقاً لأحكام الشرع والقانون ، كما أنه من المقرر شرعاً وقانوناً أنه يجب على الشفيع المسارعة في طلب الشفعة طوعاً، فأن تعذر ذلك فله رفع دعوى الشفعة خلال ثلاثين يوماً من وقت طلبه الشفعة ، وإلا فيعتبر متراخياً يسقط حقه في الشفعة مالم يكن له عذر مقبول، فمن وقت زوال العذر، ومن المعلوم أن العذر المعتبر والمقبول شرعاً وقضاء هو العذر الذي يحول دون طلب الشفيع الشفعة ومخاصمة المشفوع منه كالمرض أو الحبس الذي لايتمكن الشفيع فيه من توكيل من يقوم بذلك أو كان يخشى من ضرر محقق من قبل المشفوع منه لظلمه وتجبره وعدم وجود من يحميه وينصفه ،وكذا عند وجود ظروف استثنائية لا يتمكن من خلالها الشفيع من طلب الشفعة أو مخاصمة المشفوع منه، ومن ثم فأن النزاع بين المطعون ضده وأخيه البائع الى الطاعن حول صحة القسمة وحصول الصلح بينهما ليس عذراً مقبولاً ، لأنه لا يحول دون طلب الشفيع الشفعة عقب علمه بالبيع لثبوت ملكه للسبب عند حصول البيع وعلمه به وهو الخلطة بغض النظر عن قدر ما يملكه في الموضع المشفوع منه مما يجعل قضاء الحكم الإستئنافي مجانباً للصواب) ، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول: جواز بيع الوارث لنصيبه قبل تمام القسمة:
من المعروف أن الوارث له نصيب شائع في كل أموال التركة بحسب قدر نصيبه الشرعي، وعلى هذه الحال فأن الوارث مخالط لغيره من الورثة في كل أموال التركة.
وقد أجاز القانون للوارث أن يبيع نصيبه شائعا قبل القسمة وأثناء القسمة وفي أي مرحلة من مراحل القسمة، لأن بيع المال الشائع أو النصيب الشائع جائز في الفقه والقانون، وبناءً على ذلك فأن تصرف الوارث في نصيبه في أموال التركة كلها أو في مال أو أموال معينة من أموال التركة جائز، وعقد البيع في هذه الحالة صحيح ، حسبما اشار إليه الحكم محل تعليقنا، مع أن أغلب حالات بيع الوارث نصيبه في التركة لغير الورثة يكون الهدف منه الإنتقام من بقية الورثة عن طريق البيع لأرباب الشر والطمع الذي يرهق الورثة الاخرين، سيما إذا دبت الخلافات بين الوارث البائع وبقية الورثة.
الوجه الثاني: تحقق سبب الشفعة للورثة المخالطين للوارث البائع في أصل المال:
طالما أن الوارث البائع يملك على الشيوع نصيبه شائعاً في كل أموال التركة ، وبما أن الورثة الاخرين يخالطوا الوارث البائع في كل أموال التركة فقد تحقق سبب الشفعة في الشرع والقانون، وعندئذ يجوز للورثة الاخرين أن يطلبوا الشفعة من المشتري ويتم تقسيم المال المشفوع بينهم بحسب الرؤوس أي بحسب عدد الورثة حسبما هو مقرر في القانون المدني ، فيجوز لأحدهم أو بعضهم طلب الشفعة لوجود سبب الشفعة وهو الخلطة في أصل المال ، إذ يتضرر الوارث من تملك الغير لجزء من المال المخلوط لقوله تعالى : ((إن كثيراً من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض))، وبناءً على ذلك فأنه يجب على الوارث أو الورثة أن اراد طلب الشفعة أن يطلبها من المشتري خلال ثلاثة أيام من وقت علمه بالشراء فأن رفض المشتري التسليم بالشفعة فللوارث الشافع أن يرفع دعوى الشفعة خلال ثلاثين يوماً من تاريخ إنتهاء الثلاثة الأيام الخاصة بطلب الشفعة بطريقة ودية.
الوجه الثالث: تأثير وجود نزاع بشأن المال محل الشفعة:
كان جانب من النقاش في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا يدور بشأن أن الأرض محل الشفعة كانت محل النزاع بين الورثة المتقاسمين وأن حق البائع فيها لم يثبت إلا بعد الشراء بمدة ، ولذلك فقد تأخر الوارث الشافع في طلب الشفعة.
إلا أن الحكم محل تعليقنا قد قضي بأن وجود النزاع بين الورثة بشأن نصيب أحدهم في مال معين من أموال التركة لا يعني عدم أحقية الوارث في التصرف في نصيبه، فعقد بيع الوارث صحيح في هذه الحالة ، ولذلك فأنه يترتب على هذا البيع أحقية الورثة الاخرين في طلب الشفعة لتحقق سببها حسبما قضي الحكم محل تعليقنا.
أما في النزاعات الأخرى التي تنشأ بين الورثة وغيرهم بشأن ملكية مورثهم لمال من أموال التركة، أو قيام شخص ببيع مال متنازع على ملكيته مع غيره فأنه يشترط أن يكون المال مملوكاً للوارث على الشيوع عند قيامه بالتصرف ، فلا يجوز بيع المال حتى تثبت ملكية الوارث أو الورثة، كما لا يحق للورثة أن يشفعوا المشتري ، لأن ملكيتهم في المال المتنازع عليه لم تثبت بعد، ومن المعروف أن من شروط الشفعة أن يكون عقد البيع صحيحاً وأن تكون ملكية الشفيع في المال المختلط ثابتة .
الوجه الرابع: معنى العذر المقبول لتاخر الشفيع في طلب الشفعة:
قضى الحكم محل تعليقنا بأنه من المقرر شرعاً وقانوناً أنه يجب على الشفيع المسارعة في طلب الشفعة طوعاً، فأن تعذر ذلك فله رفع دعوى الشفعة خلال ثلاثين يوماً من وقت طلبه الشفعة ، وإلا فيعتبر متراخياً يسقط حقه في الشفعة مالم يكن له عذر مقبول، فمن وقت زوال العذر، ومن المعلوم أن العذر المعتبر والمقبول شرعاً وقضاء هو العذر الذي يحول دون طلب الشفيع الشفعة ومخاصمة المشفوع منه كالمرض أو الحبس الذي لايتمكن الشفيع خلاله من توكيل من يقوم بذلك أو كان يخشى من ضرر محقق من قبل المشفوع منه لظلمه وتجبره وعدم وجود من يحميه وينصفه ،وكذا عند وجود ظروف استثنائية لا يتمكن من خلالها الشفيع من طلب الشفعة أو مخاصمة المشفوع منه أو توكيل من يتولى ذلك، والله اعلم.