الواجب عند إنكار الخصم المحرر العرفي

الواجب عند إنكار الخصم المحرر العرفي

الواجب عند إنكار الخصم المحرر العرفي

وفقاً للمادة (100) من قانون الإثبات اليمني فأن المحررات الرسمية هي التي يقوم بتحريرها الموظف العام في حدود مهمته الرسمية أو تلك المحررات التي يتم توقيعها من قبل أطراف المحرر بحضور الموظف الرسمي أو تلك التي يقوم الموظف الرسمي بالمصادقة على توقيعات أطرافها في حضورهم، بالإضافة إلى المحررات الرسمية الصادرة من الجهات الرسمية المختصة متى ما كانت هذه المحررات من إختصاص هذه الجهات وفي حدود صلاحياتها، وبخلاف هذه المحررات فأن المحرر يكون عرفياً.

 ولحداثة نظام التوثيق ونظام السجل العقاري في اليمن فأن أغلب المحررات في اليمن محررات عرفية، وقد حدد قانون الاثبات اليمني أقسام المحررات العرفية في المادة (١٠٣) التي نصت على أن (المحررات العرفية أقسام ثلاثة :-أ- محررات مكتوبة بخط الخصم وموقع عليها منه. -ب- محررات مكتوبة بخط الغير وموقع عليها من الخصم.-جـ- محررات مكتوبة بخط الغير وليس عليها توقيع الخصم ويكون التوقيع على المحرر أما بالخط أو بالختم أو بصمة الإصبع).

وقد حدد قانون الاثبات كيفية التعامل مع الخصم عند إنكاره للمحرر العرفي ، حسبما هو مقرر في المادة (104) اثبات التي نصت على أن (يعتبر المحرر العرفي الموقع من الخصم حجة عليه وعلى وارثه أو خلفه مالم ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة، فإذا لم يقدم المدعي البرهان على الخط حلف المدعي عليه البت والقطع أما الوارث أو خلفه فأنه يحلف على نفي العلم).

 وبناءً على هذا النص فأنه يجب عند إنكار الخصم للمحرر العرفي إتباع الإجراءات المحددة في النص القانوني السابق ذكره، حسبما قضي الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 7/12/2015م في الطعن رقم (57040)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه ( والدائرة تجد أن قضاء الحكم الاستئنافي مخالف للمادة (106) إثبات التي تنص على أنه إذا كان المحرر العرفي مكتوباً بخط الغير وغير موقع عليه من الخصم فيجب الاشهاد عليه للأخذ بما جاء فيه، بما أنه من الثابت أن المدعي عليه قد أنكر صحة وقوع محرر النذرية فقد كان الواجب على المحكمة الإبتدائية قبل الأخذ بما جاء في محرر النذرية إلزام المتمسك بالمحرر بإحضار الكاتب والشهود على صحته وعلى وقوعه، أما القول بأن المدعى عليه لم يستطع دحض تلك البينة فهو قول مخالف للقانون)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: إنكار الخصم المحرر العرفي ووقت الإنكار:

إذا احتج الخصم بمحرر مكتوب بخط خصمه أو بمحرر عليه توقيع خصمه أو بصمته ، فانكر الخصم المنسوب له المحرر العرفي انكر خطه أو توقيعه أو بصمته ، فعندئذ يجب أن يقع الإنكار بلفظ صريح أو بلفظ يفهم منه أن الخصم يجحد صدور المحرر منه أو أن الخط الثابت في المحرر خطه أو أن التوقيع أو الإمضاء منسوب له.

أما إذا كان المحرر مكتوبا بخط غير الخصم وليس عليه توقيع الخصم أو بصمته فأن إنكار هذا المحرر من قبل الخصم يقع بأن يجحد الخصم صدور القول أو التصرف المكتوب في المحرر منه أو ينكر موافقته أو قبوله بما ورد في المحرر .

أما إذا كان مضمون المحرر حجة على الخصم غير أنه كم يكن طرفاً في المحرر الذي تم الاحتجاج به عليه كأن يكون المحرر صادراً من سلف الخصم أو مورثه فأن الإنكار يكون برفض الإستدال بالمحرر وإنكار نسبة التوقيع أو البصمة أو الخط إلى سلفه أو مورثة.

أما بشأن وقت إنكار الخصم للمحرر العرفي الذي تم الإحتجاج به عليه فأن الوقت اللازم لذلك هو وقت الإستدلال بالمحرر عليه أو بعد إستلام الخصم للمحرر وقيامه بالرجوع أو إستشارة أهل الخبرة والإختصاص، وعلى كل حال فأن تراخي الخصم عن إنكار المحرر وقت إبرازه بأكثر من المدة المقبولة يحمل على أنه رضاء من الخصم وموافقة وقبول بالمحرر ، لأن السكوت في معرض البيان قبول، فالمقام عند التقاضي مقام بيان وإستدلال ، ولذلك فأن سكوت الخصم على المحرر العرفي المحتج به عليه يعد قبولاً.

كما يجب على الخصم أن يبدي إنكاره للمحرر قبل مناقشته لما ورد في المحرر ، وعلى ذلك إذا قام الخصم بمناقشة محتوى أو مضمون المحرر العرفي سقط حقه في إنكاره ، فلا يحق له بعد ذلك أن ينكر المحرر.

الوجه الثاني: إنكار الخصم للمحرر العرفي الصادر عنه أو المنسوب إليه:

فرق قانون الإثبات اليمني بين أثر إنكار الخصم المحرر العرفي المنسوب له أي المحرر المكتوب بخط الخصم أو عليه توقيع الخصم وبصمته ، وبين المحرر العرفي الذي ليس بخط الخصم وليس عليه توقيع الخصم .

فإذا كان المحرر العرفي بخط الخصم أو عليه توقيع الخصم ، فقد نصت المادة (104) إثبات على أنه (يعتبر المحرر العرفي الموقع من الخصم حجة عليه وعلى وارثه أو خلفه مالم ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة، فإذا لم يقم المدعي البرهان على الخط حلف المدعي عليه البت والقطع أما الوارث أو خلفه فأنه يحلف على نفي العلم).

ووفقاً لهذا النص فأن الخصم إذا انكر المحرر العرفي المكتوب بخطه او عليه توقيعه أو ختمه أو بصمته ففي هذه الحالة يحق للمدعي الذي احتج بالمحرر يحق له أولاً أن يقدم الأدلة والبراهين التي تدل على أن الخط أو التوقيع أو البصمة أو الختم صحيح النسبة إلى خصمه المنكر، وللمدعي إثبات ذلك بأية طريقة من طرق الإثبات المقررة في قانون الإثبات كالإقرار السابق أو الشهادة أو القرائن أو الخبرة (الأدلة الجنائية ومضاهاة الخطوط) وغير ذلك.

والغالب في اليمن أن الخصم في حالة إنكار خصمه للمحرر الذي احتج به يلجأ إلى طلب إحالة المحرر العرفي الذي أنكره خصمه إلى المعمل الجنائي ، ويحق للخصم في هذه الحالة إثبات نسبة الخط أو التوقيع أو البصمة بوسائل الإثبات الاخرى ، لأن النص القانوني السابق ذكره لم يقيد المدعي بوسيلة إثبات محددة.

 إضافة إلى أن حق المدعي في إثبات نسبة الخط و التوقيع للخصم المنكر متقدم على يمين النفي والعلم التي تصدر من المدعي عليه، حسبما ورد في النص القانوني السابق ، لأن مركز الخصم الذي استدل بالمحرر هو مركز المدعي بصحة المحرر فهو الذي يحق له إثبات صحة المحرر الذي استدل به، لانه المدعي بصحته.

الوجه الثالث: إنكار الخصم للمحرر العرفي المكتوب بخط الغير والذي لم يقم بالتوقيع عليه:

نصت المادة (106) من قانون الإثبات على أنه ( اذا كان المحرر العرفي مكتوب بخط الغير وغير موقع من الخصم فيجب الاشهاد عليه للأخذ بما جاء فيه غير أنه اذا كان كاتب المحرر معروفاً بالعدالة والإمانة وحسن السيرة وكان خطه معروفاً للقاضي لشهرته أو كان أقر امامه أنه كاتب المحرر وشهد أنه بصحة ما جاء فيه فإنه يجوز الأخذ بما جاء منه في المحرر كشاهد بصحته مع التتميم).

وهذا النص أكثر عمومية من نص المادة (104) إثبات السابق ذكره في الوجه السابق ، لأن ذلك النص خاص بالمحرر المنسوب خطه الى الخصم أو المنسوب له التوقيع او الختم أو البصمة عليه، في حين نص المادة (406) عام يشمل المحررات العرفية التي قد يكون الخصم قد أملى على كاتبها كتابة ماورد فيها أو كان الخصم قد طلب من الكاتب كتابتها أو كان الخصم قابلاً أو موافقاً لما ورد فيها، بل أن العمومية في هذا النص تشمل المحررات التي قد تكون صادرة من أسلاف خصمه أو غيرهم

فإذا أنكر الخصم هذا النوع من المحررات وكان كاتب المحرر لازال على قيد الحياة فأنه ينبغي إحضار كاتب المحرر، فأذا أقر كاتب المحرر بصحة المحرر الذي انكره الخصم فيحق المدعي الذي ابرز المحرر إتمام شهادة كاتب المحرر بشاهد أخر، أما اذا كان كاتب المحرر وشهوده قد ماتوا فيتم التعريف بالخط والتوقيع الوارد في المحرر عن طريق الشهود العارفين بالخطوط والتوقيعات الشائعة في المنطقة الذين يقوموا بالتعريف بالخط والتوقيع الوارد بالمحرر، وكذا يمكن الإستعانة بالخبرة الفنية لتحديد عمر الخط والورق التي كتب عليها المحرر، والله اعلم.