أثر الإختلاف في تسمية موضوع التحكيم

أثر الإختلاف في تسمية موضوع التحكيم

أثر الإختلاف في تسمية موضوع التحكيم

عندما يتفق الخصوم على التحكيم، فانهم يحددوا موضوع التحكيم أي الشئ محل النزاع بينهم ،وذلك في وثيقة أو إتفاق التحكيم، وعندئذ قد يختلف الخصوم المحتكمون في تسمية محل النزاع بسبب إختلافهم على الشئ المتنازع عليه ، فمثلاً قد يذكر احد الخصوم في إتفاق التحكيم أن محل النزاع هو الأرض التي اسمها (ص) ، فيذكر الخصم الآخر أن محل النزاع هي الارض المسماة (س)، فمحل النزاع واحد ولكن الخصوم اختلفوا في تسميته في إتفاق التحكيم ، وقد يختلف الخصوم في تسمية نوع العلاقة بينهم ،فقد يذكر احدهم في إتفاق التحكيم انه شريك في حين يذكر الخصم الآخر في إتفاق التحكيم أن خصمه عامل وليس شريك ، وقد يذكر أحد الخصوم في إتفاق التحكيم أن مساحة الارض محل النزاع (10) لبن في حين يذكر الخصم الآخر في إتفاق التحكيم أن مساحة الأرض محل النزاع ( ٥) لبن أو (15) لبنة ، وقد يذكر الخصم في إتفاق التحكيم أن الأرض محل النزاع يحدها من جهة الشرق(ع) في حين يذكر الخصم الآخر في اتفاق التحكيم أنه يحدها من جهة الشرق (ق)...الخ.

 فالإختلاف في مسميات او مقادير محل النزاع موضوع التحكيم في إتفاق التحكيم لا يدل على أن المحكم قد جاوز صلاحياته المحددة في موضوع التحكيم المحدد في إتفاق التحكيم ، طالما أن موضوع النزاع بين المحتكمين محدد ومعلوم للمحكم والمحتكمين وأن اختلفت مسمياته في إتفاق التحكيم ، فستظهر تفاصيل موضوع التحكيم محل النزاع ومحل إتفاق التحكيم بدقة من خلال مذكرات الخصوم ومرافعاتهم المتبادلة أثناء سير الخصومة التحكيمية وقبولهم بها وترافعهم بموجبها.

  بيد أن إختلاف الخصوم في تسمية محل النزاع موضوع التحكيم في إتفاق التحكيم قد يدل على إختلافهم ليس في مسمى محل النزاع وانما خلافهم في تحديد محل النزاع ذاته ، كما لو ذكر احد الخصوم في إتفاق التحكيم أن موضوع التحكيم من جهته هو المحل الذي اسمه (الاخوة) ، ويكون هذا المحل محلا بالفعل للخلاف بين المحتكمين ، ومن جهته يذكر الخصم الآخر ان محل الخلاف هو محل (الصداقة)، ويكون هذا المحل أيضا محل خلاف بين الطرفين المحتكمين، ففي هذه الحالة إذا كان إتفاق التحكيم وثيقة واحدة وقام الخصوم المحتكمون بالتوقيع عليها ففي هذه الحالة يكون موضوع التحكيم هو محل الأخوة ومحل الصداقة ، لان توقيع الخصوم المحتكمين على إتفاق التحكيم يدل على قبولهم الفصل في المحلين محل الخلاف المذكورين في إتفاق التحكيم .

 واذا كان إتفاق التحكيم عبارة عن مذكرات مرسلة من الخصوم أي ان إتفاق التحكيم ليس في وثيقة واحدة، ومع ذلك فقد تطابقت مسميات النزاع موضوع التحكيم ، فعندئذ فأن إتفاق التحكيم يكون صحيحا ، لأن قانون التحكيم اليمني اجاز ان يكون إتفاق التحكيم على هيئة مكاتبات أو مراسلات، وكذا إذا اختلفت مسميات محل النزاع موضوع التحكيم ، ولكن إختلاف التسميات يدل على ان المسمى واحد ، ففي هذه الحالة يكون إتفاق التحكيم صحيحا حسبما سبق بيانه ، وكذلك إذا كان إختلاف تسميات محل النزاع في مذكرات الخصوم يدل على أن كل طرف قد ذكر في مذكرته أسم آخر لمحل خلاف فعلي بينه وبين خصمه أي أن هناك تعدد في محال النزاع بين الطرفين ، ففي هذه الحالة يكون إتفاق التحكيم صحيحا إذا اطلع كل طرف على مذكرة الطرف الاخر وقبل بها ، فعندئذ يكون موضوع التحكيم هو كل الأشياء محل الخلاف المذكورة في مذكرات الخصوم المحتكمين ، وكذلك إذا قام الخصوم المحتكمون برفع دعاويهم وردودهم وترافع الخصوم امام هيئة التحكيم على اساس الأشياء المذكورة في مذكراتهم المكونة لإتفاق التحكيم فان ذلك يكون قبولا للتحكيم في الأشياء الواردة في مذكرات التحكيم الصادرة عن كل واحد منهم. (التحكيم الإختياري والإجباري، استاذنا المرحوم الأستاذ الدكتور احمد ابو الوفاء، منشأة المعارف الإسكندرية ١٩٩٠، ص٨٤).

أما إذا أختلفت الأشياء المذكورة في مذكرات الخصوم المكونة لإتفاق ورفض كل خصم الأشياء التي ذكرها خصمه أو دفع كل خصم امام المحكم بأن ماذكره خصمه في مذكرته لايدخل ضمن موضوع التحكيم ، فلاينعقد إتفاق التحكيم ،فإذا قام المحكم رغم ذلك بالفصل بالنزاع فأن المحكم يكون قد تجاوز موضوع التحكيم المحدد في اتفاق التحكيم ، حسبما قضى الحكم الصادر من الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ ٣١/٨/٢٠١٥م فيالطعن رقم (57077)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه (فقد وجدت الدائرة ان نعي الطاعن سديد، فالشعبة لم تناقش ما أثير في دعوى بطلان حكم التحكيم بشأن مخالفة حكم التحكيم للقانون لتجاوز المحكم في فصله موضع النزاع المسمى (من....) المنصوص عليه في وثيقة التحكيم إلى محل آخر اسمه (... ) ، وقد كلفت الشعبة نفسها بأسلوب غير مقنع بالقول أن المحل الآخر هو المحل المحدد في إتفاق التحكيم) ، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ما هو مبين في الأوجه الأتية:

 الوجه الأول: إختلاف الخصوم في تحديد موضوع التحكيم في إتفاق التحكيم الذي لا يبطل الحكم:

هو أن يتفق الخصوم في تعيين محل النزاع القائم بينهم ،ولكنهم يختلفوا في تسمية محل النزاع المعين كأن يطلق عليه خصم اسماً معيناً ، في حين يطلق عليه الخصم الآخر اسماً مغايرا، او أن يدعي احدهما أن حد الأرض المدعى عليها السائلة في حين يدعي الخصم الآخر أن حدها الأرض المملوكة له أو أن يدعي ان مساحة الأرض المتنازع عليها تشتمل على ثلاثة مواضع لها اسماء معينة، فيدعي الطرف الآخر بأن الأسماء ليست كذلك، فإذا كان موضوع النزاع بين الخصوم معلوما فلا يكون الإختلاف في تسميته أو تعيين حدوده أو مساحته أو كونه رهق ام بدن أو أصل فلا يبطل هذا الإختلاف إتفاق التحكيم ، وتبعاً لذلك لا يبطل هذا الإتفاق حكم التحكيم المستند إليه ، فطالما أن موضوع النزاع بين الخصوم معلوم فلا يهم الإختلاف في مسميات محل النزاع.

فقد يكون الإختلاف في المسميات والمساحات والحدود والاوصاف هو جوهر النزاع بين الخصوم ، فلا يعقل أن يتفق الخصوم في هذا الشأن وإلا لما احتاجوا إلى التحكيم.

 ويرجع سبب إختلاف الخصوم في مسميات واوصاف موضوع النزاع إلى إختلاف مواقفهم من موضوع النزاع ، فكل واحد منهم يطلق على موضع النزاع ما يكون لصالحه من اسماء او اوصاف، إضافة إلى أن سبب إختلاف الخصوم في اسماء واوصاف محل النزاع موضوع التحكيم قد يرجع هذا الإختلاف إلى أن قانون التحكيم لم يشترط أن يكون إتفاق التحكيم في وثيقة واحدة ، فيجوز أن يكون التحكيم في (برقيات أو خطابات أو غيرها من وسائل الاتصال الحديثة ذات الطابع التوثيقي) ، حسبما ورد في المادة (15) من قانون التحكيم اليمني، فالإختلاف لا يبطل اتفاق التحكيم إذا كان موضوع الخلاف واحد غير متعدد، أو إذا تعددت محال الخلاف وقبل الخصوم بها صراحة أو ضمنا .

  فإختلاف الخصوم في تسمية محل النزاع موضوع التحكيم في إتفاق التحكيم قد يدل على أن إختلافهم ليس في مسمى محل النزاع وانما خلافهم في تحديد محل النزاع ذاته ، كما لو ذكر احد الخصوم في إتفاق التحكيم أن موضوع التحكيم من جهته هو المحل الذي اسمه (الاخوة ) ،ويكون هذا المحل محلا بالفعل للخلاف بين المحتكمين ، ومن جهته يذكر الخصم الآخر ان محل الخلاف هو محل (الصداقة)، ويكون هذا المحل أيضا محل خلاف بين الطرفين المحتكمين، ففي هذه الحالة إذا كان إتفاق التحكيم وثيقة واحدة وقام الخصوم المحتكمون بالتوقيع عليها ففي هذه الحالة يكون موضوع التحكيم هو محل الأخوة ومحل الصداقة ، لان توقيع الخصوم المحتكمين على إتفاق التحكيم يدل على قبولهم الفصل في المحلين محل الخلاف المذكورين في إتفاق التحكيم .

 واذا كان إتفاق التحكيم عبارة عن مذكرات مرسلة من الخصوم أي ان إتفاق التحكيم ليس في وثيقة واحدة، ومع ذلك فقد تطابقت مسميات النزاع موضوع التحكيم ،فعندئذ فأن إتفاق التحكيم يكون صحيحا ، لأن قانون التحكيم اليمني اجاز ان يكون إتفاق التحكيم على هيئة مكاتبات أو مراسلات، وكذا إذا اختلفت مسميات محل النزاع موضوع التحكيم ، ولكن إختلاف التسميات يدل على ان المسمى واحد ، ففي هذه الحالة يكون إتفاق التحكيم صحيحا حسبما سبق بيانه .

 وكذلك إذا كان إختلاف تسميات محل النزاع في مذكرات الخصوم يدل على أن كل طرف قد ذكر في مذكرته أسم آخر لمحل خلاف فعلي بينه وبين خصمه أي أن هناك تعدد في محال النزاع بين الطرفين ، ففي هذه الحالة يكون إتفاق التحكيم صحيحا إذا اطلع كل طرف على مذكرة الطرف الاخر وقبل بها ، فعندئذ يكون موضوع التحكيم هو كل الأشياء محل الخلاف المذكورة في مذكرات الخصوم المحتكمين ، كذلك إذا قام الخصوم المحتكمون برفع دعاويهم وردودهم وترافع الخصوم امام هيئة التحكيم على اساس الأشياء المذكورة في مذكراتهم المكونة لإتفاق التحكيم ، فان ذلك يكون قبولا للتحكيم في الأشياء الواردة في مذكرات التحكيم الصادرة عن كل واحد المكونة لإتفاق التحكيم. (التحكيم الإختياري والإجباري، استاذنا المرحوم الأستاذ الدكتور احمد ابو الوفاء، منشأة المعارف الإسكندرية ١٩٩٠،ص٨٤).

الوجه الثاني: الإختلاف المبطل لاتفاق التحكيم وحكم التحكيم:

اشترطت المادة (15) من قانون التحكيم أن يكون موضوع التحكيم محدداً ومكتوباً، ومعنى أن يكون موضوع التحكيم أو موضوع النزاع بين الخصوم محدداً معنى ذلك أن يتم تحديد موضوع النزاع بالإسم والحد والقدر والوصف، بيد ان موضوع النزاع يكون محدداً اذا كان محل الخلاف بين الخصوم واحداً فقط ، فعندئذ لا يهم قدره او اسمه بل تكفي الإشارة إليه في إتفاق التحكيم كالقول : للفصل في الخلاف القائم بين الطرفين بشأن الطريق أو الأرض أو الجدار أو الدين.... الخ، فلا يشترط عندئذ ان يذكر أسم أو وصف أو قدر محل النزاع عليه فيما بين الخصوم.

وقد قضت المحكمة العليا بصحة تحديد موضوع التحكيم إذا اكتفى الخصوم بذكر عبارة (الخلاف القائم بينهما) في إتفاق التحكيم، إذا كان الخلاف بينهما واحدا ومعروفا بين الطرفين ، لو لم تتم كتابته في إتفاق التحكيم .

أما إذا أختلفت الأشياء المذكورة في مذكرات الخصوم المكونة لإتفاق التحكيم ورفض كل خصم الأشياء التي ذكرها خصمه أو دفع كل خصم امام المحكم بأن ماذكره خصمه في مذكرته لايدخل ضمن موضوع التحكيم ، فلاينعقد إتفاق التحكيم ،فإذا قام المحكم رغم ذلك بالفصل بالنزاع فأن المحكم يكون قد تجاوز موضوع التحكيم المحدد في اتفاق التحكيم ، (التعليق على احكام المحكمة العليا في مسائل التحكيم- الجزء الثالث، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء، طبعة 2024م صنعاء، ص٢٧٤).

الوجه الثالث: تجاوز المحكم موضوع التحكيم المحدد في وثيقة التحكيم والإختلاف في تحديد موضوع التحكيم:

وثيقة التحكيم أو إتفاق التحكيم هو مصدر ولاية المحكم، لذلك يجب على المحكم التقيد الصارم بموضوع التحكيم المحدد في وثيقة التحكيم وإلا كان حكم المحكم باطلاً بإعتبار تجاوز المحكم لموضوع التحكيم حالة من حالات بطلان التحكيم المقررة في المادة (53) تحكيم، وبناءً على ذلك فإذا كان موضوع التحكيم هو الشيء الوحيد المتنازع عليه فيما بين الخصوم فلا يضر إختلاف الخصوم المحتكمين في مسمياته او اوصافه لأنه معلوم، أما إذا كانت هناك أموال عدة أو قضايا عدة قائمة بين الخصوم واختلف الخصوم في تحديد محل التحكيم في اتفاق التحكيم فإن هذا الاختلاف يجعل موضوع التحكيم غير محدداً إلا إذا كان الخصوم قد قبلوا ذلك صراحة أو ضمنا على النحو السابق بيانه في الوجهين السابقين، والله اعلم.