![]() |
الإجازة بدون أجر في قانون العمل اليمني |
معنى الإجازة في اللغة والشرع الإذن ، وقد اجاز قانون العمل اليمني لصاحب العمل أن يمنح العامل إجازة بدون أجر، وفي بعض الحالات جعل القانون ذاته الإجازة بدون أجر حق للعامل أي أنها تكون واجبة على صاحب العمل إذا قرر العامل طلب الإجازة بدون أجر.
وصرح قانون العمل اليمني أن الإجازة بدون أجر تدخل ضمن الخدمة الفعلية للعامل.
ولا ريب انه عند التطبيق العملي لنصوص قانون العمل بشان الإجازة بدون أجر تقع بعض الإشكاليات العملية وتثور بعض التساؤلات في هذا الشأن: من أهمها مسألة الوضع القانوني للعامل أثناء حصوله على إجازة بدون مرتب فضلاً عن كيفية معالجة الإشتراكات التأمينية لدى المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية.
وكل هذه المسائل تحتاج الى الإشارة اليها بإيجاز في هذه المقالة بحسب الترتيب الاتي:
الوجه الأول: ماهية الإجازة بدون أجر:
من المعروف في اللغة والشرع والقانون أن معنى الإجازة هو الإذن ، وعلى ذلك فان الإجازة بدون أجر: هي إذن صاحب العمل للعامل بترك العمل لديه لفترة معلومة أو غير معلومة من غير أن يحصل العامل على الأجر المعتاد خلال فترة هذه الإجازة .
والقاعدة : أن الأجر مقابل عمل العامل، وأن العمل ينبغي أن يسبق الأجر حتى يستحق العامل الاجر، فإذا قام العامل بأداء عمله فأنه يستحق مقابل ذلك العوض المقابل لعمله وهو الأجر، اما إذا لم يقم العامل بأداء العمل فانه لايستحق الأجر.
لأن عقد العمل من عقود المعاوضة في الشريعة الاسلامية ، فإذا لم يقم العامل بالعمل من غير عذر فأنه لا يستحق الأجر لأنه لم يقم بالعمل، فالأجر عوض العمل. (فقه المعاملات المالية وتطبيقاتها المعاصرة، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء، طبعة 2021م صنعاء، ص272).
الوجه الثاني: الإجازة بدون أجر من قبل صاحب العمل:
سبق القول أن معنى الإجازة في اللغة والشرع والقانون هو الإذن، وبتطبيق هذا المفهوم على إجازة العامل بدون أجر فأن معناها هو إذن صاحب العمل للعامل الذي يعمل لديه بالإنقطاع عن العمل لمدة معلومة أو غير معلومة من غير أن يحصل العامل على الأجر الذي كان يتقاضاه قبل الإذن له أو الإجازة.
وبحسب هذا المفهوم فأن إجازة العامل بدون أجر حينما تصدر من صاحب العمل بناء على طلب العامل فانها تكون جوازية تخضع للسلطة التقديرية لصاحب العمل، فلا يجوز حمله أو إلزامه على الإذن للعامل بالإجازة بدون أجر، وفي هذا الشأن نصت المادة (86) من قانون العمل اليمني على أنه (يجوز لصاحب العمل أن يمنح العامل بناء على طلبه إجازة بدون أجر للأسباب والظروف التي يقدرها).
ومن خلال إستقراء هذا النص يظهر الآتي:
1- أن الإجازة في هذه الحالة جوازية بالنسبة لصاحب العمل فله أن ياذن للعامل وله أن لا يأذن.
2- مع أن الإجازة بدون أجر في هذه الحالة جوازية بالنسبة لصاحب العمل حسبما ورد في النص القانوني السابق إلا أنه يجب على صاحب العمل أن لايقرر منح العامل إجازة بدون أجر إلا إذا قام العامل بالفعل بتقديم طلب الحصول على الإجازة إلى صاحب العمل، حتى لا تكون الإجازة بدون أجر من غير طلب العامل ذريعة للفصل التعسفي، فالإجازة بدون أجر من قبل صاحب العمل بدون طلب من العامل تكون صورة من صور الفصل التعسفي اذا كانت مطلقة المدة وتكون حيلة على العامل اذا كانت لمدة معلومة، وبناءً على ذلك لا يجوز إجبار العامل على أخذ إجازة بدون أجر.
3- السلطة التقديرية المطلقة لصاحب العمل في تقدير الأسباب والظروف التي دفعت العامل إلى تقديم طلب الإجازة بدون أجر المذكورة في طلب العامل ،فلصاحب العمل سلطة تقدير الظروف والأسباب التي دفعت العامل لتقديم طلب الحصول على الإجازة بدون أجر، فالنص القانوني السابق صريح في أن ظروف وأسباب طلب العامل للإجازة تخضع للسلطة التقديرية المطلقة لصاحب العمل في هذه الحالة.
وبموجب ذلك فأن صاحب العمل هو الذي يتولى دراسة وبحث تلك الأسباب والظروف ،والتحقق من وجاهتها وصحتها، ومقتضى ذلك انه يجوز لصاحب العمل أن يقبل طلب العامل أو لايقبله.
٤- الأسباب والظروف التي تدفع العامل لطلب الإجازة بدون أجر كثيرة يتعذر حصرها في هذه المقالة ،ولذلك تكفي الإشارة الى أهم الأسباب الشائعة في الشركات والمؤسسات التجارية لطلب الإجازة مثل الإلتحاق بدورة أو برنامج دراسي داخل البلاد أو خارجها من غير أن يتم ترشيح العامل من صاحب العمل، ومن الامثلة الشائعة لأسباب طلب الإجازة بدون أجر مرافقة مريض أو الخوف من الإعتقال أو الاعتداء على العامل أو وجود مشاكل خاصة لدى العامل تستدعي انقطاعه عن العمل مثل القضايا المرفوعة أمام المحاكم أو أمام هيئات حكم أو قضايا قسمة التركات....الخ، ومن الأمثلة الشائعة أيضا قيام العامل بطلب إجازة بدون أجر بغرض التفرغ للعمل لدى صاحب عمل أخر داخل البلاد أو خارجها للحصول على اجر اكبر سيما أن الحظر على عمل العامل أثناء تمتعه بالإجازات قاصر على الإجازات المدفوعة الأجر، وهذا الحظر لا ينطبق على الإجازة بدون أجر ، حسبما هو مقرر في المادة (88) من قانون العمل التي نصت على أنه (يحظر على العامل ممارسة أي عمل بأجر أثناء تمتعه بأي إجازة من الإجازات المدفوعة الأجر المنصوص عليها في هذا القانون ولصاحب العمل في حالة ثبوت إشتغال العامل أثناء الإجازة أن يسترد ما أداه من أجر شريطة أن لا يؤدي ذلك إلى إنهاء خدمة العامل).
الوجه الثالث: الإجازة بدون أجر الجوازية من قبل العاملة لتكملة عدة وفاة زوجها:
نصت المادة (87) من قانون العمل على أن (تستحق المرأة العاملة إجازة مدفوعة الأجر لمدة أربعين يوماً في حالة وفاة الزوج يبدأ احتسابها من تاريخ الوفاة، ويجوز لها الحصول على إجازة بدون أجر لمدة لا تزيد على تسعين يوماً لتكملة فترة العدة إذا رغبت في ذلك).
فقد أجاز هذا النص في نهايته للعاملة التي توفى زوجها أن تطلب من صاحب العمل الحصول على إجازة بدون أجر لمدة تسعين يوماً حتى تكمل عدة وفاة الزوج وهي اربعة أشهر وعشرة أيام، وقد قدرها النص القانوني السابق بـ(130) يوماً، وعلى هذا الأساس يجوز للعاملة التي توفي زوجها الحصول على إجازة بدون أجر لمدة (90) يوماً، وطلب هذه الإجازة جوازي بالنسبة للعاملة فلها أن تطلب ذلك ولها أن لاتطلب ذلك، فاذا لم تطلب العاملة ذلك فلا يحق لصاحب العمل أن يمنحها إجازة بدون أجر حتى لا يكون ذلك ذريعة لصاحب العمل للتخلص من أجر العاملة لثلاثة أشهر قادمة.
بيد أنه إذا كان طلب الإجازة في هذه الحالة جوازياً بالنسبة للعاملة غير أن قبول هذا الطلب وجوبي بالنسبة لصاحب العمل، لأن طلب الإجازة في هذه الحالة حق للعاملة لها أن تستعمله أو لا تستعمله غير أنه إذا استعملته العاملة فأنه يكون واجباً على صاحب العمل الذي يجب عليه أن يقبل طلبها ، فليس لصاحب العمل في هذه الحالة رفض طلب العاملة، (التعليق على أحكام المحكمة العليا في المسائل العمالية الجزء الثالث، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء، طبعة 2025م صنعاء، ص87).
الوجه الرابع: الإجازة بدون أجر للعامل المريض الذي أستنفذ كل إجازاته المرضية والسنوية:
نصت الفقرة (2) من المادة (80) من قانون العمل على أنه ( -2- للعامل أن يستفيد من رصيد الإجازات السنوية إلى جانب ما يستحقه من إجازات مرضية فإذا أستنفذت جميعها منح العامل إجازة بدون أجر حتى يتماثل للشفاء أو تثبت عدم لياقته الصحية من قبل الجهات المختصة).
ومن خلال إستقراء النص القانوني السابق يظهر أن الإجازة بدون أجر المقررة في هذا النص مقررة على سبيل الوجوب وليس الجواز، وهذا الأمر ظاهر من خلال صيغة النص وتحديدأً جملة (مُنح العامل) ، فهذه الجملة تفيد الوجوب، فيجب على صاحب العمل في هذه الحالة أن يمنح العامل إجازة بدون أجر حتى يتماثل العامل للشفاء أو تثبيت عدم لياقته الصحية لإستئناف عمله . (محاضرات في الإشكاليات العملية لتطبيق قانون العمل اليمني، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص112).
الوجه الخامس: الوضع القانوني للعامل أثناء الإجازة بدون أجر:
لاشك أن للعامل أثناء الإجازة بدون أجر وضعية خاصة تختلف عن وضعية العامل الذي يباشر عمله بالفعل لدى صاحب العمل.
ومن مظاهر خصوصية العامل الذي حصل على إجازة يدون أجر أنه لا يستحق الأجر، لأنه لا يعمل ، وتبعاً لذلك فأن العامل في هذه الحالة لا يستحق الحقوق التبعية الأخرى كالإجازات المختلفة .
ومع ذلك يظل عقد العمل قائماً ولكن أثاره موقوفة خلال فترة الإجازة بدون أجر، ومقتضى ذلك أنه يحق للعامل العودة لإستئناف عمله والتمتع بكافة الحقوق المقررة في عقد العمل وقانون العمل والأدلة واللوائح النافذة لدى صاحب العمل.
الوجه السادس: الوضع التأميني للعامل أثناء الإجازة بدون أجر:
سبق القول أن عقد العمل أثناء الإجازة بدون أجر يبقى قائماً لكن أثاره تكون موقوفة أثناء فترة الإجازة بسبب عدم قيام العامل بالعمل، ومقتضى ذلك أن العامل يتمتع بكافة الحقوق التأمينية المقررة بموجب قانون التأمينات الإجتماعية.
وبالنسبة لسداد الإشتراكات التأمينية أثناء فترة الإجازة بدون أجر فقد بنيت المعالجة اللازمة لذلك الفقرة (2) من المادة (20) من قانون التأمينات الاجتماعية التي نصت على أنه (-2- يؤدي صاحب العمل الإشتراكات كاملة إذا كان عقد العمل موقوفاً أو إذا كانت أجور المؤمن عليه لا تكفي لأداء الإشتراكات ، وتعتبر المبالغ التي يؤديها صاحب العمل عن المؤمن عليه في حكم القرض ويكون الوفاء بها طبقاً للأحكام التي تحددها اللائحة مع مراعاة أحكام قانون العمل).
ومن المعلوم أن العقد الموقوف هو العقد الذي لا يكون نافذاً ولا تنتج أثاره أثناء سريانه حتى زوال سبب الوقف، وبحسب هذا المفهوم فتنطبق على عقد العمل أثناء الإجازة بدون أجر أحكام العقد الموقوف. (مهارات الصياغة القانونية - مهارات صياغة العقود، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء، طبعة 2021م صنعاء، ص37).
الوجه السابع: فترة الإجازة بدون أجر يتم احتسابها ضمن مدة الخدمة الفعلية للعامل:
نصت الفقرة (3) من المادة (29) من قانون العمل على أنه ( تعتبر خدمة العامل مستمرة أثناء سريان عقد العمل دون أن يقطع تواصلها ما يتخللها من إجازات قانونية بأجر أو بدونه أو أي ظرف عارض أخر منصوص عليه في هذا القانون).
فقد صرح النص القانوني السابق بأن مدة الإجازة بدون أجر تدخل ضمن مدة الخدمة الفعلية للعامل. (التعليق على احكام المحكمة العليا في المسائل العمالية الجزء الثالث، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء، طبعة 2025م صنعاء، ص88). والله أعلم.