ضوابط توقيع الجزاء على العامل

ضوابط توقيع الجزاء على العامل

ضوابط توقيع الجزاء على العامل

من مظاهر المرونة والعدالة في توقيع الجزاء على العامل أن قانون العمل قد اوجب على صاحب العمل قبل توقيع الجزاء على العامل دراسة الظروف المحيطة بالعامل المخالف ومدى إنتاجيته وسلوكه ومدة خدمته وحالته الإجتماعية والتدابير والجزاءات التي سبق أن اتخذها صاحب العمل ضد العامل المخالف ومدى تكرار إرتكابه مخالفات سابقة ، وهذه هي الضوابط القانونية لتقدير الجزاء المناسب وتوقيعه على العامل المخالف ، فهذه الضوابط فرضها القانون واوجب على صاحب العمل مراعاتها والإلتزام بها عند تقدير وتوقيع الجزاء على العامل المخالف.

وهذه الضوابط هي محل دراستنا في هذه المقالة الموجزة.

 وهذه الضوابط مقررة في قانون العمل اليمني حسبما هو ورد في الفقرة (2) من المادة (94) من قانون العمل التي نصت على أنه (-2- على صاحب العمل قبل توقيع أي عقوبة أن يراعي الاتي:-أ- تناسب العقوبة مع حجم المخالفة -ب- الظروف المحيطة بالعامل ومدى إنتاجية وسلوكه ومدة خدمته وحالته الإجتماعية والتدابير التي سبق أن اتخذت ضده ومدى تكرار إرتكابه مخالفات في العمل).

فكل ماورد في النص السابق مؤثر في تقديرالجزاء وتوقيعه على العامل المخالف.

وورود هذه الضوابط في النص القانوني السابق يدل على أن هذه الضوابط تعد محددات للسلطة التقديرية لصاحب العمل في تقدير وتوقيع الجزاء على العامل المخالف، ويدل أيضا على ان السلطة التقديرية لصاحب العمل في هذا الشأن مقيدة بتلك الضوابط.

والظاهر من مطالعة النص القانوني السابق أنه نص ٱمر يفيد الوجوب ، إذ ان النص بدأ بجملة (على صاحب العمل) ومعنى ذلك أنه يجب على صاحب العمل أو يتحتم عليه أن يراعي هذه الضوابط عند تقديره وتوقيعه للجزاء على العامل المخالف.

والضوابط الواردة في النص السابق عبارة عن خليط من الظروف المشددة أو المخففة للجزاء، لذلك يجب على صاحب العمل مراعاة هذه الضوابط كلها مجتمعة، فلاينبغي النظر إلى ضابط بعينه بمعزل عن الضوابط الأخرى ، وفي ضوء النظرة العامة للضوابط كلها مجتمعة يتم تقدير وتوقيع الجزاء على العامل المخالف.

ولأن الضوابط المشار إليها قد وردت في النص القانوني السابق بصيغة عامة مجردة فإنها تحتاج الى شرح وبيان، ولهذه الغاية فسوف نشير إلى هذه الضوابط بإيجاز في هذه المقالة، ونخصص لكل ضابط منها عنوانا مستقلاً، وحسب ما هو مبين فيما يأتي:

الضابط الأول: التناسب بين المخالفة المسندة للعامل والجزاء:

نصت الفقرة (2) من المادة (94) من قانون العمل على أنه على صاحب العمل أن يراعي (تناسب العقوبة مع حجم المخالفة)، حسبما ورد في النص القانوني السابق، والتناسب بين المخالفة والجزاء من خصائص العقوبة الرشيدة، ومعنى ذلك أن الجزاء حتى يكون رادعا وزاجرا فإنه يجب أن يكون الجزاء أكبر من المنفعة أو الفائدة غير المشروعة التي حققها المخالف من إتيان فعله المخالف لنظم العمل، ولذلك ينبغي أن يكون الجزاء المقرر على المخالفة أكبر من الفائدة التي حققها المخالف من مخالفته حتى يكون الجزاء مؤلما ورادعا ، فالتناسب بين المخالفة والجزاء المقرر عليها لا يعني بأي حال من الأحوال أن يكون الجزاء مساويا تماما للمخالفة. (التشريع الجنائي، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء، طبعة 2018م صنعاء، ص82).

الضابط الثاني: الظروف المحيطة بالعامل:

نصت الفقرة (٢) من المادة (94) من قانون العمل على أنه (على صاحب العمل قبل توقيع أي عقوبة أن يراعي الظروف المحيطة بالعامل)، حسبما ورد في النص المشار عليه، والظروف المحيطة بالعامل تختلف عن الظروف المحيطة بالمخالفة أو الظروف المحيطة بالعمل، فقد أختار النص القانوني السابق أن تكون الظروف المحيطة بالعامل وحدها محل تقدير عند صاحب العمل قبل تقدير وتوقيع الجزاء على العامل المخالف.

ومفهوم الظروف المحيطة بالعامل مفهوم واسع، لأن لفظ (الظروف) جمع (ظرف) والظرف هو الناحية أو الجهة ، وعلى هذا الاساس فأن المقصود بالظروف المحيطة بالعامل النواحي المختلفة التي تحيط بالعامل كالناحية الاقتصادية والمالية والظرف الاجتماعي من حيث مكانة العامل الإجتماعية أو منزلته الإجتماعية والظرف الثقافي من حيث مدى فهمه للمهام المسندة له وإحاطته بالمعلومات والبيانات وكذا الظرف التعليمي أو مؤهله العلمي وكذا الظرف المحيط بالعامل في مكان أو مقر العمل وكذا الظروف المحيطة بالعامل في مكان اقامته.

فهذه الظروف مجتمعة ينبغي أن تكون محل تقدير عند صاحب العمل عند تقدير وتوقيع الجزاء على العامل المخالف. (مهارات الصياغة القانونية - مهارات التحقيق الإداري-، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء، طبعة ٢٠٢٢م صنعاء، ص١٧٥).

الضابط الثالث: مدى إنتاجية العامل المخالف:

نصت الفقرة (٢) من المادة (94) من قانون العمل على أنه (على صاحب العمل قبل توقيع أي عقوبة أن يراعي مدى إنتاجية العامل)، حسبما ورد في النص ، فمقدار إنتاجية العامل خلال عمله لدى صاحب العمل يدل على مدى إخلاص وحرص العامل على أداء عمله وإنجاز المهام والأعمال المسندة إليه، فهدف صاحب العمل باعتباره تاجر هدفه تحقيق معدلات عالية من الأرباح، لذلك يجب على صاحب العمل أن يراعي عند تقديره وتوقيعه للجزاء على العامل المخالف مدى إنتاجية العامل المخالف، فزيادة إنتاج العامل وجودة إنتاجه يدل على أن العامل ناجح في عمله ، فيكون ذلك سببا في تخفيف الجزاء، أما إذا كان إنتاج العامل المخالف قليلا ورديئا فإن ذلك يدل على أن العامل فاشل.

فمدى إنتاجية العامل ظرف يخفف الجزاء إذا كان إنتاج العامل وفيرا وجيدا ، وفي الوقت ذاته قد يكون هذا الضابط ظرفا مشددا للجزاء على العامل إذا كان إنتاج العامل قليلا ورديئا.

 وبما أن النص القانوني السابق لم يحدد الفترة التي على أساسها يتم قياس مدى إنتاجية العامل، فمعنى ذلك أن النص في هذا الشان قد جاء مطلقا، وبناء على ذلك يتم قياس مدى إنتاجية العامل المخالف، على أساس كامل فترة عمل العامل المخالف لدى صاحب العمل ، بيد انه من المناسب أن يتم قياس مدى الإنتاجية خلال الفترة السابقة والمصاحبة لإرتكاب العامل المخالفة. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في المسائل العمالية الجزء الثالث، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء، طبعة ٢٠٢٥م صنعاء، ص١٧٣).

الضابط الرابع: سلوك العامل المخالف:

نصت الفقرة (٢) من المادة (٩٤) من قانون العمل اليمني على أنه على صاحب العمل عند توقيع العقوبة على العامل المخالف أن يراعي صاحب العمل ( سلوك العامل) ،وهذا الضابط أيضا قد يكون ظرفاً مخففاً للجزاء كما لو كان العامل المخالف يتمتع بسلوك قويم خلال فترة عمله لدى صاحب العمل أو خلال الفترة السابقة أو المصاحبة لإرتكاب العامل المخالفة، وبالمقابل قد يكون سلوك العامل غير القويم طرفاً مشدداً يحتم على صاحب العمل التشدد في الجزاء الذي يقوم بتوقيعه على العامل المخالف.

 والمقصود بسلوك العامل في هذا النص هو الإستقامة في أفعاله وتصرفاته واقواله وعلاقاته مع رؤسائه وزملائه في العمل، فلا يقصد بسلوك العامل في هذا النص سلوكه العامل خارج نطاق مقرعمله. (محاضرات في الإشكاليات العملية لتطبيق قانون العمل، أ.د عبد المؤمن شجاع الدين، ص١٢١).

الضابط الخامس: مدة خدمة العامل المخالف:

 وهذا الضابط مؤثر في تشديد الجزاء على العامل أو تخفيفه ، فإذا كانت مدة خدمة العامل قصيرة جداً فأن ذلك قد يكون ظرفاً أو عاملاً مخففاً للجزاء المقرر توقيعه على العامل المخالف، فطالما أن العامل حديث عهد بالعمل فربما أنه لم ينل التدريب الكافي ولم تتوفر لديه الخبرة اللازمة، بيد أنه قد يكون طول مدة خدمة العامل سببا لتخفيف الجزاء على العامل المخالف ،لأن الخطأ أو الوقوع في المخالفة لا يعصم منه أحد من البشرفمن المتوقع أن تقع من العامل مخالفة أو مخالفتين يشفع له طول خدمته وندرة مخالفاته خلال مدة خدمته الطويلة، ومن جانب أخر قد تكون طول خدمة العامل قرينة على سوء نية العامل الذي حصل طوال خدمته الطويلة على التدريب والخبرة المناسبة التي تحد من وقوع المخالفات منه، فارتكاب العامل للمخالفة بعد خدمته وخبرتة الطويلة قرينة على سوء نيته سيما إذا المخالفة جسيمة.

 فمن خلال دراسة صاحب العمل للضوابط كلها المؤثرة في توقيع الجزاء فان صاحب العمل يستطيع أن يقدر التقدير الصحيح ما إذا كانت مدة خدمة مؤثرة في تشديد الجزاء أو تخفيفه وكذلك الحال بالنسبة لقصر مدة الخدمة.

الضابط السادس: الحالة الإجتماعية للعامل المخالف وأثرها في تقدير جزاء مخالفته:

من المعلوم أن المقصود في القانون بالحالة الاجتماعية للشخص هي: زواجه وعدد زوجاته واولاده، وما إذا كان متزوجاً أو مطلقاً أو توفت عنه زوجته وعدد أولاده وما إذا كان عازباً..الخ.

والحالة الاجتماعية للعامل المخالف مؤثرة في تقدير وتوقيع الجزاء المناسب للمخالفة التي ارتكبها العامل، فإذا كانت الحالة الإجتماعية للعامل المخالف مستقرة وطبيعية فقد يكون ذلك مؤثراً في تخفيف العقوبة أو تشديدها بحسب الضوابط المؤثرة الأخرى المشار إليها في هذه المقالة، فقد يكون إستقرار الحالة الاجتماعية للعامل المخالف قرينة على أنه قد أرتكب المخالفة كزلة وقعت منه فيكون ذاك سبباً في تخفيف الجزاء ، وفي الوقت ذاته قد يكون إستقرار الحالة الاجتماعية للعامل المخالف قرينة على سوء نية العامل المخالف الذي أرتكب المخالفة الجسيمة بعيداً عن أية ضغوط أو مؤثرات إجتماعية، فعامل الحالة الإجتماعية للعامل وحده لا يكفي في تقرير الجزاء المناسب للعامل المخالف، كما ان كثرة اولاد العامل المخالف أو كثرة زوجاته يحتم على صاحب العمل أن يخفف الجزاء المالي كالخصم من الأجر .

الضابط السابع: التدابير التي سبق لصاحب العمل أن أتخذها في مواجهة العامل المخالف:

فهذا الضابط مؤثر يؤدي الى تشديد الجزاء على العامل المخالف ، لأن ارتكاب العامل المخالفة مع انه قد سبق لصاحب العمل أن قام بتوقيع جزاءات أو تدابير ضده العامل لكثرة مخالفاته، فقيام العامل بإرتكاب المخالفة مع أنه قد سبق توقيع جزاءات عليه يدل على ان الجزاءات السابقة لم تردع العامل ممايستدعي تشديد الجزاء عن مخالفته الجديدة.

فعودة العامل إلى إرتكاب المخالفات دليل على إستهتاره وعدم تأثير التدابير والجزاءات السابقة عليه، ومن المعلوم أن التدابير هي عبارة عن جزاءات إحترازية يقوم صاحب العمل باتخاذها مثل نقل العامل إلى عمل أخر أو مكان أخر أو إلحاق العامل بدورة تدربية إجبارية لمعالجة أوجه القصور في عمله ،اما الجزاءات فهي معروفة.

الضابط الثامن: تكرار إرتكاب العامل مخالفات في العمل:

فتكرار إرتكاب العامل لمخالفات سابقة أثناء مدة عمله قبل إرتكابه المخالفة الجديدة ،ذلك يعد قرينة على إستهتار العامل المخالف بتعليمات وأنظمة العمل وأنه لا يهتم بالجزاءات التي سبق إتخاذها بشأنه، ويدل ذلك أن تلك الجزاءات لم تردعه فقام بارتكاب المخالفة الجديدة.

ولم يشترط النص السابق أن تكون المخالفة الجديدة مماثلة للمخالفات التي سبق للعامل إرتكابها.

وقد وردت في النص القانوني السابق عبارة (تكرار إرتكابه للمخالفات) والتكرار يفيد أنه قد سبق للعامل قبل ارتكابه للمخالفة الجديدة أن قام بارتكاب مخالفات مماثلة أو غير مماثلة لأكثر من مرة واحدة، فأقل التكرار في اللغة مرتان. (محاضرات في الإشكاليات العملية لتطبيق قانون العمل، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص١٢٣). والله أعلم.