![]() |
فسخ العقد لعدم الوفاء بالالتزام |
من أهم آثار العقد أن يرتب على طرفيه إلتزامات متقابلة يجب على كل متعاقد تنفيذها والوفاء بها، فإذا امتنع متعاقد عن الوفاء بالتزاماته العقدية فإنه يحق للمتعاقد الآخر أن يطلب فسخ العقد.
وعندما يطلب المتعاقد من القضاء فسخ العقد فإنه يجب على القضاء أن يتحقق من أن المتعاقد طالب الفسخ قد قام بالفعل بالوفاء بإلتزاماته العقدية وانه قام قبل رفع الدعوى پإعذار المتعاقد الأخر، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 26/4/2010م في الطعن رقم (36224)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (وحيث أن النزاع المنظور أمام المحكمة هو مطالبة بفسخ عقد ، وهو من عقود المعاوضة، فقد كان لزاماً على الشعبة وهي بصدد الفصل في دعوى الفسخ التحقق من الوفاء من عدمه من قبل المتعاقدين بالإلتزامات التي انشأها العقد، ذلك أنه يشترط للحكم بفسخ العقد ان لا يقوم أحد المتعاقدين بتنفيذ إلتزامه ، وأن يكون المتعاقد الذي يطلب الفسخ قد نفذ إلتزاماته عملاً بحكم المادة (221) مدني)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم ، حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: السند القانوني للحكم بوجوب تحقق المحكمة من وفاء المتعاقدين بإلتزاماتهم قبل فسخ العقد
مثلما تترتب على إبرام العقد إلتزامات واثار على أطرافه فإنه تترتب على فسخ العقد اثار بالغة الخطورة ، لذلك يجب على محكمة الموضوع عند نظرها لطلب فسخ العقد ان تتحقق من قيام طالب الفسخ بالوفاء بإلتزاماته العقدية حتى يكون له الحق في المطالبة بفسخ العقد لعدم وفاء المتعاقد الآخر بإلتزاماته العقدية، لأن سبب الفسخ في هذه الحالة هو عدم وفاء المتعاقد الآخر بإلتزاماته، فلا يعقل أن يطالب المتعاقد بفسخ العقد لعدم وفاء خصمه بإلتزاماته في حين أن طالب الفسخ نفسه لم يقم بالوفاء بإلتزاماته، ومقتضى ذلك أنه يجب على المحكمة أن تتثبت عند طلب فسخ العقد لعدم الوفاء بإلتزامات المتعاقد يجب عليها أن تتحقق من مدى تنفيذ أطراف العقد لإلتزاماتهم ،وسبب عدم وفائهم، وقد استند الحكم محل تعليقنا في قضائه الى المادة (221) من القانون المدني التي نصت على أن (عقود المعاوضة الملزمة للعاقدين إذا لم يف أحدهما بإلتزامه جاز للأخر بعد إعذاره ان يطالب بتنفيذ العقد أو فسخه مع تعويضه عما غرم في الحالتين، ويجوز للقاضي أن يمنح الملتزم اجلاً للتنفيذ إذا اقتضت الظروف ذلك، كما يجوز أن يرفض الفسخ إذا كان ما لم يف به الملتزم قليل الأهمية بالنسبة للإلتزام في جملته).
الوجه الثاني: الأصل عدم جواز إنفراد المتعاقد بفسخ العقد
نصت المادة (211) من القانون المدني على أن (العقد ملزم للمتعاقدين فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقررها القانون...الخ) ، فقد صرح هذا النص بأنه يجب على المتعاقدين الوفاء بإلتزاماتهم العقدية، ولا يجوز نقض العقد أي فسخه إلا إذا تراضى الطرفان على ذلك، ومؤدى ذلك أنه لا يجوز أن ينفرد متعاقد بنقض العقد أو فسخه حسبما ورد في النص القانوني السابق، إلا إذا تحقق السبب القانوني للفسخ، ومن الأسباب القانونية التي تجيز للمتعاقد أن يفسخ العقد بمفرده هو عدم وفاء المتعاقد الآخر بإلتزاماته حسبما سبق بيانه في الوجه السابق.
الوجه الثالث: وجوب إعذار المتعاقد قبل قيام المتعاقد الآخر بفسخ العقد
نصت لمادة (211) مدني في بدايتها على أن (عقود المعاوضة الملزمة للعاقدين إذا لم يف أحدهما بإلتزامه جاز للأخر بعد إعذاره ان يطالب بتنفيذ العقد أو فسخه مع تعويضه عما غرم في الحالتين) ، فمن خلال مطالعة هذا النص يظهر أن طلب المتعاقد فسخ العقد جوازي غير أن الإعذار للمتعاقد الاخر وجوبي، ولم يحدد النص القانوني السابق ذكره لم يحدد اجلاً معينا للإعذار ، غير أنه ينبغي أن تكون هناك مدة معقولة يمهل فيها من تم إعذاره للوفاء بالتزاماته أو توفيق وضعه قبل فسخ المتعاقد الأخر للعقد، فالغرض من الإعذار هو تمكين المتعاقد الذي يتم إعذاره تمكينه من توفيق وضعه العقدي عند حلول الميعاد المحدد للفسخ المذكور في الإعذار.
إضافة إلى أن النص القانوني السابق لم يحدد وسيلة معينة للإعذار، وبناءً على ذلك فانه يتم إعذار المتعاقد بأية وسيلة، والغالب في الواقع العملي أن يتم الإعذار عن طريق كتاب بعلم الوصول أو بحسب طريقة الإعذار المحددة في العقد ذاته ، فغالبية العقود تتضمن بندا ينص على أن اية إعذارات أو إخطارات أو تكليفات موجهة من المتعاقدين ينبغي أن يتم توجيهها عن طريق رقم الهاتف أو الإيميل المحدد في ديباجة العقد مقابل أسم كل متعاقد. (مهارات الصياغة القانونية، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء، طبعة ٢٠١٩ صنعاء، ص٤٦).
ولم يحدد النص القانوني السابق البيانات التي ينبغي أن يشتمل عليها الإعذار المشار إليه ، غير أنه ينبغي أن يشتمل الإعذار على تاريخ صدور الإعذار والتاريخ المحدد لفسخ العقد بعد مضي مدة الإعذار ، والاشارة إلى موضوع العقد المطلوب فسخه وتاريخ إبرام ذلك العقد بالإضافة الى وجوب ذكر السبب الذي دفع المتعاقد للمطالبة بفسخ العقد أي تحديد الإلتزام الذي لم يقم المتعاقد بالوفاء به.
الوجه الرابع: كيفية فسخ العقد وتكييفه
للفسخ في الشريعة واللغة والقانون عدة معاني : منها النقض والحل والإزالة والإنهاء ، ومع ذلك فلا يستعمل مصطلح النقض والحل إلا إذا كان العقد قد انعقد باطلاً كما لو لم تتوفر اركانه وشروطه فعندئذ يتم نقضه أو حل عراه منذ تاريخ إنعقاده، مما يترتب عليه رد المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل إبرام العقد.
كما أن من معاني الفسخ الانهاء والرفع والإزالة ، ويتم إستعمال هذه المصطلحات إذا كان العقد قد انعقد صحيحاً لتوفر اركانه وشروطه إلا أنه قد حدثت بعد تمام العقد عوارض اثناء سريان العقد جعلت المتعاقد يتوقف عن الوفاء بإلتزاماته، ففي هذه الحالة يكون أثر فسخ العقد من تاريخ فسخ العقد وليس من تاريخ إبرام العقد، وبناء على ذلك فان المصطلح المناسب للفسخ عند عدم وفاء المتعاقد بإلتزماته هو إنهاء العقد الذي انعقد صحيحا إلا أنه بعد إبرام العقد تخلف المتعاقد عن الوفاء بإلتزاماته.
الوجه الخامس: وقت فسخ العقد
نصت المادة (221) مدني على أن (عقود المعاوضة الملزمة للعاقدين إذا لم يف أحدهما بإلتزامه جاز للأخر بعد إعذاره ان يطالب بتنفيذ العقد أو فسخه مع تعويضه عما غرم في الحالتين، ويجوز للقاضي أن يمنح الملتزم اجلاً للتنفيذ إذا اقتضت الظروف ذلك، كما يجوز أن يرفض الفسخ إذا كان ما لم يف به الملتزم قليل الأهمية بالنسبة للإلتزام في جملته).
فمن دلالة الإقتضاء في النص القانوني السابق أن وقت قيام العاقد بفسخ العقد يكون بعد إنقضاء مدة الإعذار وإلا لما كان للإعذار جدوى وقد صرح نص المادة (211) بأن الفسخ لا يكون إلا بعد الإعذار.
ويقع فسخ العقد بتوقف المتعاقد الذي قام بتوجيه الإعذار عن تنفيذ إلتزاماته العقدية، ولا يلزم عندئذ أن يقوم المتعاقد بإعلان المتعاقد الآخر بأنه قد قام بالفعل بفسخ العقد والتوقف عن تنفيذ إلتزاماته العقدية، والله اعلم.