المصادر المكملة و المفسرة لعقد العمل

المصادر المكملة و المفسرة لعقد العمل

المصادر المكملة و المفسرة لعقد العمل

من المستحيل أن يتضمن أي عقد تنظيم كافة جوانب العلاقة العقدية تنظيما شاملا أو تفصيليا، ولذلك لايخلو أي عقد من الإحالة الى المصادر المكملة للعقد، إذ يتضمن العقد بندا ينص على أنه:في كل مالم يرد به بند أو نص في هذا العقد فيتم الرجوع في ذلك إلى القانون ذي الصلة او لائحة كذا أو دليل كذا...الخ.

إضافة إلى أن بنود العقد بصفة عامة تتضمن إلتزامات وواجبات وحقوق المتعاقدين بصيغة عامة ومجملة تحتاج إلى تفسير عند تطبيقها ، ولذلك نلاحظ أن بعض العقود الجيدة تتضمن في احد بنودها بيان مصادر تفسير بنود العقد ، مثل أن يتضمن العقد بندا ينص على أنه: عند حدوث أي خلاف بين المتعاقدين بشان تفسير أو تطبيق أي بند من بنود هذا العقد فيتم الرجوع إلى اللائحة التنفيذية لقانون كذا أو دليل كذا...الخ

وهذا المفهوم ينطبق تماماً على عقد العمل، فليس خافياً أن أغلب الخلافات التي تقع بين العامل وصاحب العمل سببها يرجع إلى عدم وجود أية إشارة في عقد العمل الى المصادر المكملة التي تكمل نقص العقد أو تفسر البنود والعبارات الغامضة أو المجملة الواردة في عقد العمل ، ففي هذه الحالة يحاول كل طرف إكمال العقد أو تفسير بنود عقد العمل وعباراته بالطريقة التي يرى انها في صالحه ، فتتسع هوة الخلاف بين العامل وصاحب العمل، فلا يتم حسم الخلاف والنزاع فيما بين العامل وصاحب العمل بسرعة مما يؤدي إلى خروج النزاع من الطرفين إلى أروقة القضاء، ولذلك فان الإشارة إلى المصادر التكميلية والتفسيرية في عقد العمل يحد من الخلاف بين صاحب العمل والعمال ، ويحقق في المستقبل علاقة عمل ٱمنة ومستقرة.

ولا ريب انه ذا لم يتضمن عقد العمل بنداً يبين المصادر المكملة أو المفسرة للعقد فهناك قواعد قانونية تبين المعالجة القانونية المناسبة للنقص في بنود العقد أو تفسر المجمل أو الغامض من عبارات العقد والفاظه. (مهارات الصياغة القانونية- مهارات صياغة العقود-، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة صنعاء، طبعة 2022م صنعاء، ص38).

وهذا الموضوع من الإشكاليات العملية التي تظهر عند تطبيق وتنفيذ عقد العمل، فضلاً عن أن هذا الموضوع من أهم وسائل ترشيد وتنظيم العلاقة بين العامل وصاحب العمل التي تحد من النزاعات فيما بين العمال وصاحب العمل.

ولذلك سوف نشير إلى هذا الموضوع المهم في هذه المقالة بحسب التبويب الأتي:

الوجه الأول: بنود عقد العمل وفقاً لقانون العمل اليمني:

نصت المادة(٣٠) من قانون العمل على ان (-١- يعد عقد العمل الفردي المكتوب من ثلاث نسخ وتكون النسخة الأصلية للعامل ونسخة لصاحب العمل ونسخة لمكتب وزارة العمل، وتكون النسخ موقعة من طرفي العقد، وفي حالة عدم وجود عقد مكتوب على العامل أن يثبت حقوقه بجميع طرق الإثبات. -2- يجب أن يحتوي عقد العمل بصورة أساسية على مقدار الأجر ونوع العمل ومكانه وتاريخ الإلتحاق بالعمل ومدته).

والظاهر من مطالعة الفقرة (2) من النص السابق أنها قد حددت البيانات الأساسية أو البنود الأساسية التي يجب أن يتضمنها عقد العمل، ومفهوم هذه الفقرة أن يجوز لصاحب العمل والعامل أن يتفقا على بنود أخرى إضافة الى البنود الأساسية أو البيانات المحددة في الفقرة السابق ذكرها.

 كما يلاحظ من خلال الواقع العملي أنه من المستحيل أن يتضمن عقد العمل كافة المسائل التنظيمية و التفصيلية والاجرائية التي تنظم علاقة العامل بصاحب العمل، وبناءً على ذلك تظهر أهمية التفكير الجدي والسليم المستقبلي عند صياغة عقد العمل لتضمين عقد العمل مرجعية معالجة اوجه النقص أو القصور في العقد وكيفية تطبيق وتفسير بنود عقد العمل في مستقبل العلاقة بين الطرفين.(محاضرات في الإشكاليات العملية لتطبيق قانون العمل اليمني، ا.د.عبد المؤمن شجاع الدين، ص١٠٩)٠

الوجه الثاني: المصادر التكميلية لعقد العمل:

ذكرنا فيما سبق انه من المستحيل أن يتضمن عقد العمل كل البنود التي تنظم العلاقة الحالية والمستقبلية فيما بين العامل وصاحب العمل ، كما انه من المستحيل ايضا أن يخلو عقد العمل من اوحه القصور والنقص ، فلابد أن يعتري عقد العمل النقص والقصور .

ومن المعروف أن من أهم مصادر الإلتزام العقد والقانون، فالعقد يتضمن البنود التي تراضى عليها المتعاقدان، ولكن سبق القول أن العقد حتما عرضة للنقص والقصور، ولذلك سوف نكتفي بالإشارة إلى المصادر التكميلية لعقد العمل التي يتم اللجوء اليها لتكميل النقص في قانون العمل، وذلك كما ياتي :

1- القانون: فالقانون يحدد التزامات كل الأفراد بصفة عامة (كل اصحاب العمل وكل العمال بصفة عامة) ، وبعض نصوص القانون تكون آمرة يجب على الافراد تطبيقها والعمل بمقتضاها وعدم مخالفتها، واغلب نصوص قانون العمل ٱمرة ، ويقرر القانون الجزاء المناسب على مخالفتها، وإذا تضمن عقد العمل بندا يخالف ماورد في قانون العمل فان العقد لايبطل كله وانما يقتصر البطلان على البند المخالف وتصح بقية بنود العقد عملا بالقاعدة (يصح العقد ويلغو الشرط) أي يتم إلغاء البند المخالف في عقد العمل ويظل العقد صحيحا.

 ويتم اللجوء إلى النصوص الٱمرة في القانون لتطبيقها بين المتعاقدين إذا أغفل عقد العمل بعض البنود الأساسية التي كان يجب عليه النص عليها في عقد العمل مثل البنود المنصوص عليها في الفقرة(٢)من المادة(٣٠) من قانون العمل التي نصت على انه( 2 - يجب أن يحتوي عقد العمل بصورة أساسية على مقدار الأجر ونوع العمل ومكانه وتاريخ الإلتحاق بالعمل ومدته)، كذلك يتم اللجوء الى القواعد الٱمرة في القانون لإحلالها محل بنود العقد المخالفة للنصوص الٱمرة في القانون.

وبالإضافة الى النصوص الٱمرة فان القانون يتضمن ايضا نصوصا مكملة لإرادة المتعاقدين يتم اللجوء إليها لتطبيقها بين المتعاقدين إذا أغفل عقد العمل بعض البنود غير الأساسية فلم ينص العقد عليها ، فالنصوص القانونية المكملة يتم تطبيقها إذا اشتمل عقد العمل على البيانات الأساسية ولكنه أغفل البنود الأخرى ،فالنصوص التكميلية المنصوص عليها في القانون تكمل العقد او النقص في العقد بالنسبة للبيانات غير الاساسية.

كذلك يكون القانون بنصوصه الٱمرة والمكملة هو الواجب التطبيق بين العامل وصاحب العمل إذا لم يكن هناك عقد عمل شفهي أو كتابي بين العامل وصاحب العمل ، فالقانون عقد من لا عقد له . ( مهارات الصياغة القانونية - مهارات صياغة العقود-، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة صنعاء، طبعة2022م صنعاء، ص٤٢).

2- بطاقة التوصيف الخاصة بالعمل : من ضمن المصادر المكملة لعقد العمل بطاقة التوصيف الخاصة بالعمل المناط بالعامل بموجب عقد العمل والمذكور في عقد العمل ، لأن بطاقة التوصيف تشتمل على تفاصيل تنظيمية كثيرة.

3- الأدلة واللوائح والتعليمات المنظمة لنشاط صاحب العمل: من المصادر المكملة لعقد العمل نظم العمل وتعليماته الواردة في الأدلة واللوائح المنظمة لنشاط صاحب العمل الذي التحق العامل به.

4- العادات التي سار عليها العمل: من المصادر المكملة لعقد العمل عادات العمل التي استقر العمل مدة مناسبة من قبل صاحب العمل.

5- المعاملة بالمثل: من المصادر المكملة لعقد العمل المعاملة بالمثل أي معاملة العامل المتعاقد معه مع العمال المماثلين له في العمل أو الوظيفة والمؤهل والخبرة ومكان العمل الذي يقوم به.

ويتم اللجوء إلى النصوص المكملة وتطبيقها عند عدم وجود عقد عمل كتابي أو شفهي فيما بين العامل وصاحب العمل أو عند وجود نقص في بنود عقد العمل ، فعندئذ يتم اللجوء الى المصادر التكميلية لإكمال التنظيم الوارد في عقد العمل .(محاضرات في الإشكاليات العلمية لتطبيق قانون العمل، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين،ص43).

الوجه الثالث: المصادر التفسيرية لعقد العمل:

الغرض من عقد العمل هو تنظيم العلاقة العقدية التي نشأت فيما بين صاحب العمل والعامل ، ولذلك فأن عقد العمل يتضمن عدة بنود تتضمن الواجبات والالتزامات والحقوق المتبادلة فيما بين العامل وصاحب العمل ،وتتم صياغتها بعبارات مجملة وعامة تحتاج إلى بيان وتفسير للمقصود بها عند تطبيقها وتنفيذها، ولذلك إذا وردت في عقد العمل عبارات أو جمل أو بنود غامضة فأنه يتم اللجوء في تفسيرها الى المصادر التفسيرية ، وهي النصوص القانونية ، وان كانت هذه النصوص عامة ومجردة الا أن صياغة النصوص القانونية أفضل واوضح بكثير من صياغة بنود عقد العمل، كما يتم الرجوع عند تفسير الإجمال أو الغموض في أي عبارة أو بند من بنود عقد العمل يتم الرجوع الى اللوائح والأدلة المنظمة للعمل التي تتضمن البيان والتوضيح والتفاصيل والاجراءات اللازمة التي تزيل الغموض والإجمال في إلتزامات وحقوق طرفي عقد العمل، كما يتم اللجوء الى عادات العمل والحالات الماثلة لتفسير بنود عقد العمل.

 وفي هذا المعنى نصت المادة (212) من القانون المدني اليمني على أنه ( يجب تنفيذ العقد طبقاً لما أشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما توجبه الأمانة والثقة بين المتعاقدين إذا كان في العقد إجمال، ولا يقتصر العقد على إلزام المتعاقد بما ورد صريحاً فيه فحسب بل يتناول ايضاً ما هو من مستلزماته وفقاً للشرع والعرف والعدالة بحسب طبيعة الإلتزام، و إذا كانت عبارات العقد واضحة فلا يجوز العدول عنها عن طريق تفسيرها بحجة التعرف على إرادة المتعاقدين).كما يتم اللجوء في تفسير بعض عبارات والفاظ العقد الى اللغة الدارج إستعمالها في المنشاة ،(التعليق على أحكام المحكمة العليا في المسائل المدنية الجزء الثاني، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة، طبعة 2024م صنعاء، ص156).

الوجه الرابع: الشك في بنود عقد العمل يتم تفسيره لصالح العامل:

من المعلوم أن العامل هو الطرف الضعيف في عقد العمل، فهو الأولى بالرعاية عند وجود شك في تفسير أي من بنود أو عبارات أو جمل أو الفاظ عقد العمل ، فعند وجود الشك فأن الشك يتم تفسير لمصلحه العامل بإعتباره الطرف الضعيف أو المدين وفقاً للمادة(213) من القانون المدني التي نصت على أنه ( إذا حصل شك في عبارات العقد يفسر الشك في مصلحة المدين ، لأنه الطرف الملتزم إلا في عقود الإذعان وهي التي وضع شروطها القوى على الضعيف فلا يجوز أن يكون التفسير فيها ضاراً بمصلحه الطرف المذعن (الضعيف).)

الوجه الخامس: أهمية ذكر الإحالة إلى المصادر التكميلية والتفسيرية في متن عقد العمل:

طالما أنه من المسلم به ان عقد العمل لا يتسع لذكر كل الإجراءات والتنظيمات لعلاقة صاحب العمل بالعامل، لتشعب هذه العلاقة ، وإستحداث تنظيمات واجراءات جديدة تتضمنها الأدلة واللوائح والتعليمات الصادرة عن صاحب العمل ، وكذا إجراء التعديلات المناسبة دورياً في بطاقة التوصيف والأدلة واللوائح، ولذلك فأنه من المهم أن يتم تضمين عقد العمل بنود تتضمن الإحالة الصريحة إلى المصادر التكميلية والتفسيرية لعقد العمل مثل أن يتضمن عقد العمل بندا ينص صراحة على أنه: (فيما لم يرد به نص في هذا العقد فيتم العمل بالنصوص الواردة في قانون العمل والتامينات أو دليل سياسات وإجراءات الموارد البشرية....الخ) ، بالإضافة إلى بند آخر يتم النص عليه في عقد العمل ، وهو بند ينص على أنه : ( عند الإختلاف بشأن تفسير أو تطبيق أي بند من بنود هذا العقد فأن المرجع في ذلك هو القواعد والمبادئ القضائية التي استقر عليها قضاء المحكمة العليا أو شرح قانون العمل اليمني للدكتور...أو الشروح والإجراءات الواردة في دليل سياسات وإجراءات الموارد البشرية...الخ)، والله أعلم.