![]() |
عدول التروية في القانون اليمني |
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الاستاذ بكلية الشريعة والقانون - جامعة صنعاء
لاريب ان الخبير العدل يختلف عن (عدل التروية) وأن كان القاسم المشترك بينهما هو (العدل)، فعمل الخبير العدل عمل فني دقيق يدق على القاضي الإحاطة به كمسائل الطب والهندسة والحساب ،حسبما هو مقرر في المادة (165) من قانون الإثبات اليمني.
اما عدول التروية في اليمن فهم : عبارة عن شهود على وقائع مادية حدثت في الارض محل النزاع أو مسرح الجريمة قبل تاريخ المحاكمة او وقائع وقعت في الارض أو المكان اثناء المحاكمة، وغالباً ما تستعين المحكمة بعدول التروية عندما تقوم المحكمة بمعاينة محل النزاع أو مسرح الجريمة ، وذلك في بيان وايضاح وشرح تلك الوقائع التي وقعت في مكان النزاع أو مسرح الجريمة ونسبة تلك الوقائع الى الاشخاص وادوارهم فيها، وعلاقة هذه الوقائع بأطراف النزاع المنظور أمام المحكمة
وتستعين المحكمة بعدول التروية عند نزول القاضي أو هيئة الحكم لمعاينة محل النزاع أو مسرح وقوع الجريمة ،وتكثر الاستعانة بعدول التروية في اليمن بالنسبة للنزاعات بشان حدود الاراضي لعدم الاعتماد على الصور الجوية وعدم الاخذ بالوسائل التقنية في الاثبات كالمعاينة الإلكترونية وعدم الاخذ بنظام السجل العيني للعقارات.
ولاشك أن عدول التروية وأن كانت تشترط فيهم العدالة (عدول) الا أنهم ليسوا من قبيل (الخبراء العدول) وانما يقتصر دورهم على البيان والايضاح للوقائع التي تقوم المحكمة بمعاينتها في الارض محل النزاع أو مسرح الجريمة، حسبما قضي الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 19/10/2015م في الطعن رقم (56930) ، وقد ورد ضمن اسباب الحكم المشار اليه (فقد وجدت الدائرة : أن نعي الطاعن في محله ، لان الشعبة الاستئنافية لم تقم بتعيين خبيرفني للقيام بمساحة الموضع المتنازع عليه وفقا للمادة (165) إثبات ، واكتفت الشعبة باقوال عدول التروية، فبرجوع الدائرة الى مدونة الحكم الاستئنافي فقد تبين للدائرة أن الشعبة الاستئنافية قد اعتمدت في حكمها على قرار عدول التروية ولم تقم الشعبة بتعيين مهندسً أو خبير في المساحة للقيام بمساحة الارض محل النزاع ، مع أن عدول التروية ليس من شأنهم اجراء عملية المساحة وإنما الشرح والايضاح والبيان للمحكمة) ، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الاوجه الاتية :-
الوجه الاول : الحالات التي يستعين فيها القضاء اليمني بعدول التروية:
يستعين القضاء اليمني بعدول التروية عند انتقال هيئة المحكمة أو القاضي لمعاينة محل الخلاف المدني أو مسرح الجريمة في القضايا الجنائية ، ويمكن تلخيص أهم الحالات التي يلجاء اليها القاضي الى عدول التروية على النحو الاتي :
الحالة الاولى: استعانة القضاء بعدول التروية في المسائل المدنية : يستعين القضاء بعدول التروية في المسائل المدنية عند نزاع الخصوم بشأن الحدود الفاصلة من الاراضي والعقارات محل الخلاف عندما يتغير معالم الاراضي قيام اطراف النزاع مثل تغيرها من اراضي زراعية الى اراضي بناء أو عند زوال أو ازالة المعالم التي تحدد حدود الاراضي نتيجة قيام اطراف النزاع أو أحدهم بناء أو خلط ارض بغيرها أو خلط الارض الزراعية برهقها عن طريق اصلاح الرهق ، أو قيام المحكمة ذاتها بتطبيق مستندات الخصوم على الارض وتطبيق مسمياتها وحدودها المذكورة في المستندات على الارض محل النزاع، أو بيان كيفية أو وضعية محل النزاع قبل رفع النزاع امام المحكمة .... الخ ، أو شرح وإيضاح كيفية حدوث بعض الوقائع المدنية في محل النزاع كالحفر في الارض أو البناء عليها أو مد أنبوب مجاري ....الخ.
الحالة الثانية : إستعانة القضاء بعدول التروية في القضايا الجنائية : يستعين القضاء بعدول التروية في هذه الحالة لشرح كيفية وقوع الجريمة وتحديد مكان المجني عليه والجاني عند وقوع الجريمة والطرق التي سلكوها قبل ارتكاب الجريمة وبعدها واتجاهات الرماية.... الخ .
الوجه الثاني : من هم عدول التروية:
هم عبارة عن اشخاص تتوفر لديهم معرفة واقعية بشأن وقائع مادية حدثت في الاماكن محل النزاع أو عبارة عن اشخاص وقفوا على الوقائع محل الخلاف عند وقوعها أو بعد ذلك ، فوقفوا على تفاصيل حدوث تلك الوقائع وكيفية وقوعها ، فعدول التروية ليسوا من أهل الخبرة في المسائل الفنية الدقيقة كالطب والهندسة والحساب... الخ المشار اليها في المادة (165) من قانون الاثبات اليمني .
فعدول التروية عبارة عن اشخاص مشهورين بالعدالة أي المحافظة على الشعائر الاسلامية وهذا معنى (العدل أو العدالة ) في التروية ، أما كلمة (التروية) فهي تعني أن مهمة أو عمل هذا (العدل) هو القيام بتروية المحكمة أي الاشارة الى المحكمة الى الاماكن او المواضع من الارض التي حدثت فيها الوقائع محل الخلاف المنظور أمام المحكمة .
الوجه الثالث: مهام عدول التروية :
اشار الحكم محل تعليقنا الى أن مهام عدول التروية قاصرة على الإبانة والايضاح والشرح للمحكمة - اي بيان وايضاح وشرح كيفية حدوث الوقائع ووقت حدوثها وادوار الخصوم في حدوث تلك الوقائع ومواقفهم منها وغير ذلك من تفاصيل الوقائع وعلاقتها بمسرح الجريمة أو محل النزاع .
ويقدم عدول التروية للقاضي المعلومات المفيدة بشان الوقائع محل النزاع وتفسير وقوعها في محل النزاع ، ومن هذا المنطلق فان عمل عدول التروية مصدر من مصادر إحاطة القاضي بوقائع النزاع .
الوجه الرابع : الخبراء العدول وعدول التروية:
من خلال مطالعة الاوجه السابقة من هذا التعليق يظهر لنا من هم عدول التروية والمهام المسندة لهم وحالات استعانة القضاء بهم ، ومن خلال ذلك يظهر لها ايضاً ان عدول التروية وان كان عملهم له اهميته في بيان بعض جوانب النزاع إلا أنه لا ينطبق عليهم وصف (الخبراء العدول) المذكورين في المادة (165) من قانون الاثبات اليمني التي نصت على انه ( على المحكمة في المسائل الفنية كمسائل الطب والهندسة والحساب وغيرها مما يدق فهمه أن تعين خبيراً (عدلاً) أو أكثر من المؤهلين علمياً وفنياً او ممن لهم خبرة خاصة المشهورين بذلك لتستعين بهم في كشف الغامض من هذه المسائل مما يفيد في اثبات الواقعة المراد اثباتها).
ومن خلال إستقراء هذا النص القانوني يظهر ان الخبراء العدول يختلفوا عن ( عدول التروية )، لان الخبراء العدول هم أهل الخبرة والاختصاص ولديهم المؤهلات العلمية أو الخبرة الفنية الفنية التي تمكنهم من كشف المسائل الغامضة التي يدق على القاضي فهمها ، وعلى هذا الاساس فأن طبيعة عمل عدول التروية تختلف عن طبيعة عمل الخبراء العدول. (المعاينة كوسيلة لتقدير ادلة الإثبات في الدعوى المدنية ، د. احمد عبد الحميد امين ، ص33).
الوجه الخامس : مقارنة بين مهام عدول التروية وأقوال الشهود:
سبق أن ذكرنا في الاوجه السابقة من هذا التعليق من هم عدول التروية وطبيعة مهامهم واحوال الاستعانة بهم عند معاينة المكان محل النزاع أو مسرح الجريمة ، ومعنى ذلك ان عمل عدول التروية يعتمد على مشاهداتهم السابقة لمسرح الجريمة أو مكان النزاع ، وبناء على ذلك فأن عدول التروية بمثابة شهود التروية لوقائع سبق حدوثها في مكان معين يحتاج الى أن يدلي عدول التروية بالشرح والايضاح اللازم للمحكمة بحسب الاسئلة التي تقوم المحكمة بتوجيهها الى عدول التروية ،حيث تكون الايضاحات التي يدلي بها عدول التروية عبارة عن مشاهدات أو شهادات سابقة لهم على الوقائع التي تمت في مكان المعاينة وكيفية وقوعها .
الوجه السادس : طبيعة عمل عدول تطبيق مستندات الملكية والفرق بينهم وبين عدول التروية:
نتيجة تخلف قانون الإثبات اليمني وقانون السجل العقاري اليمني وعدم أخذهما بالصور الجوية والمعاينة الالكترونية وعدم الأخذ بنظام السجل العيني للعقارات نتيجة لذلك يتم اللجوء في اليمن إلى تعيين عدول لتطبيق مستندات الملكية على الأرض محل الخلاف كبصائر الشراء أو حجة الشراء او وثيقة الوصية أو الوقف أو الوهبيات وغيرها من مستندات الملكية العقارية، حيث تقوم المحكمة بتكليف الخصوم بإختيار عدول من كل طرف لتطبيق مستندات الملكية على الأرض محل النزاع لمعرفة مساحة أرض كل خصم والحدود الفاصلة بينها، وبناء على ذلك يقوم هولاء العدول برفع تقريرهم المحكمة الذي يتضمن نتائج عملهم.
ومن خلال ما تقدم في هذا الوجه يظهر ان عمل عدول تطبيق مستندات الملكية الذي يقوموا بمهامهم من غير حضور القاضي معهم إلى الارض محل النزاع يظهر أن عدول تطبيق مستندات الملكية يقوموا بمهمتهم خارج نطاق المعاينة ومن غير حضور القاضي الى الارض التي يتم تطبيق المستندات فيها، لذلك فان عمل عدول تطبيق مستندات الملكية ليس فيه تروية للقاضي ، ولذلك فان عمل عدول تطبيق مستندات الملكية يختلف عن مهمة عدول التروية، والله أعلم.