منفعة العقار بين العارية والصلح

منفعة العقار بين العارية والصلح

منفعة العقار بين العارية والصلح

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.

الصلح عقد يتم بموجبه حسم نزاع قائم أو توقي نزاع محتمل وقوعه ، ومقابل الصلح يصح ان يكون منفعة عقار أو غيره ،فاذا كان الغرض من الإنتفاع هو حسم نزاع قائم أو توقي نزاع من المحتمل وقوعه في المستقبل ، ففي هذه الحالة يكون الإنتفاع هو مقابل الصلح أو المتصالح عليه ، ومن المعروف أن عقد الصلح ملزم لطرفيه ، فلايجوز لاحد المتصالحين التراجع عنه أو الرجوع عن إذنه بالانتفاع ،فعندئذ تسري أحكام الصلح من حيث لزومه ونفاذه وعدم الرجوع عنه.

 وقد يكون الإنتفاع بالمنزل أو غيره من قبل مالكه من قبيل العارية إذا سمح مالك المنزل لغيره بالإنتفاع بمنزله من غير أن يكون بينه وبين المنتفع نزاعاً قائماً أو محتملاً.

حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 15-9-2015م في الطعن رقم (56958)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (والدائرة : بعد رجوعها إلى أوليات القضية وجدت : أن مناعي الطاعن في غير محلها، لأن الحكم المطعون فيه قد استند إلى محرر الإتفاق بين الطاعن ومطلقته الذي نص على أن تظل المطلقة المطعون ضدها في الطابق الثاني من منزله مع أولادها منه حتى يتوفاها الله أو تخرج من المنزل من تلقاء نفسها، وقد قضى الحكم المطعون فيه بوجوب توقف الطرفين على ما ورد في ذلك الإتفاق، فما قضى به الحكم المطعون فيه هو عين الصواب ، لأن القضية بين الطرفين قد حسمت بذلك الإتفاق المذيل بإمضاء الطرفين ، وإنه لا مجال لتنصل الطاعن عن هذا الإتفاق الذي تم تحريره برضاء الطاعن وإختياره)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: الإنتفاع بالمنزل أو العقار أو غيره في عقد الصلح:

نظم القانون المدني اليمني عقد الصلح في المواد من المادة (668) حتى المادة (680) ، وخلاصة ذلك أن ( الصلح عقد يمنع النزاع ويقطع الخصومة يحسم به الطرفان نزاعاً قائماً أو يتوقيا به نزاعاً محتملاً، وذلك بأن يتنازل كلٍ منهما عن جزء من إدعائه) ، حسبما هو مقرر في المادة (668).

 ووفقاً لأحكام الصلح المشار إليها فأنه يجوز أن يكون مقابل الصلح منفعة أي تنازل المصالح عن منفعة العقار المملوك له للخصم الذي يتنازع معه، لأن الصلح يتضمن معنى التنازل أو الإسقاط، وبناءً على أحكام الصلح المقررة في القانون المدني فأنه يجوز الصلح على أن يسمح مالك العقار لخصمه بالإنتفاع بالعقار لمدة معينة.

وعلى هذا الأساس فقد قضى الحكم الاستئنافي بأن إنتفاع المطلقة بالطابق الثاني من منزل مطلقها وبقاءها في الطابق الثاني مع أولادها من مطلقها كان من قبيل عقد الصلح، لأن إتفاق المطلق مع مطلقته على هذا الأمر قد كان بناءً على تدخل أحد المشايخ لحسم النزاع بين الرجل المطلق ومطلقته، ومعنى ذلك ان الإتفاق الذي تم بين المطلق ومطلقته عقد صلح لايجوز التراجع عنه، مع أنه يرد في ذلك الإتفاق نص يصرح بأنه عقد صلح ، إلا إنه مضمون ذلك الإتفاق وقرائن الحال قد دلت على انه عقد صلح.

وعلى هذا الاساس فقد توصل الحكم الاستئنافي الذي أقره حكم المحكمة العليا محل تعليقنا إلى أن المحرر الذي تم توقيعه من قبل الطرفين عقد صلح ملزم ونافذ يجب على الطرفين الإلتزام به وتنفيذه ولا يجوز لأيٍ من الطرفين الرجوع عنه، لأنه عقد صلح ملزم وليس عارية يجوز للمعير الرجوع فيها.

الوجه الثاني: الإنتفاع بالمنزل أو العقار على سبيل العارية:

كان الحكم الابتدائي في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا كان قد قضى بصحة دعوى الرجل المطلق التي طلب فيها خروج مطلقته من الطابق الثاني من منزله بإعتبار ان سماح الرجل لمطلقته في الإنتفاع بالمنزل كان من قبيل العارية، لأن دعوى الرجل ومطالبته بخروج مطلقته من الطابق الثاني كان بمثابة رجوع عن العارية التي سمح فيها لمطلقته بالإقامة مع أولادها من منه، والإنتفاع بذلك الطابق مدة حياتها أو حتى ترغب من نفسها بالخروج من المنزل، والتراجع عن العارية من قبل المالك المعير جائز وفقاً للمادة (972) من القانون المدني اليمني التي نصت على إنه (للمعير أن يرجع في العارية متى شاء ولو كانت مؤقتة أو كان في الرجوع ضرر على المستعير)، غير أن الحكم الاستئنافي الذي أقره الحكم محل تعليقنا كان قد قضى بأن المحرر الموقع من الطرفين هو عقد صلح ملزم للطرفين لا يجوز للرجل الرجوع فيه.

الوجه الثالث: العُمري والعارية:

العُمري: هو سماح مالك العقار لغيره بالإنتفاع بالعقار طوال عمر المنتفع، ولذلك فقد جاءت تسمية (العمري) من العُمر أي الإنتفاع طوال عمر المنتفع، وقد تضمنت القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا أن الرجل المطلق كان قد سمح لمطلقته بالإقامة طوال عمرها في الطابق الثاني من منزله، وهذا الإتفاق لو لم يتم تكييف على انه صلح لو لم يكن الأمر كذلك لكان هذا التصرف من قبيل (العُمري) الذي عرفته المادة (220) من قانون الأحوال الشخصية اليمني بان (العمري: تمليك عين أو إباحة منفعة لشخص بغير عوض)، وإذا كان محل التصرف تمليك منفعة العين لأقل من العمر فإن العمرى يكون من قبيل العارية وتسري عليه أحكام العارية، وفي هذا المعنى نصت المادة (223) أحوال شخصية على أن (العمرى المؤقتة بمدة غير العمر تكون عارية) ، أما إذا كانت طوال عمر الشخص فتكون عُمرى، وقد لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا كان قد قضى بأن التصرف الذي تم بين الطرفين المتنازعين كان من قبيل الصلح وليس من قبيل العُمرى أو العارية حسبما سبق بيانه، والله اعلم.