نقل العامل إلى عمل آخر

نقل العامل إلى عمل آخر

نقل العامل إلى عمل آخر

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.

اجاز قانون العمل للعامل أن ينهي عقد العمل من جانبه بدون أن يقوم بالإشعار الكتابي لصاحب العمل وذلك في إحدى الحالات الآتية: -و- إذا غير صاحب العمل مهنة العامل تغييراً جوهرياً دون موافقته)، وهذا النص يصرح بانه لايجوز لصاحب العمل ان يغير مهنة العامل التي تم التعاقد معه على اساسها غير انه يجوز لصاحب العمل نقل العامل من عمله الى عمل اخر بحسب إحتياجات العمل ، ومع ذلك يتم تأويل هذا النص عندما يقوم صاحب العمل بنقل العامل أو تدويره من عمل إلى آخر.

ففي حالات كثيرة يحتاج صاحب العمل إلى نقل العامل من عمل إلى آخر ومن مكان إلى آخر ومن مدينة إلى أخرى بحسب مقتضيات العمل وإحتياجاته، بيد انه في بعض الحالات يكون صاحب العمل متعسفاً في نقله للعامل من عمله، وقد اشارت إلى هذا المادة (797) من القانون المدني اليمني التي نصت على إنه (إذا دفع رب العمل بتصرفاته العامل إلى فسخ عقد العمل وعلى الأخص بمعاملته معاملة غير جائزة أو بمخالفته شروط العقد يكون في الظاهر هو الذي انهى العقد تعسفياً، ولا يعتبر نقل العامل إلى مركز أقل ميزة أو ملائمة من المركز الذي كان يشغله إذا ما اقتضته مصلحة العمل ولكنه يعتبر كذلك إذا كان الغرض منه الإساءة إلى العامل).

وبناءً على ذلك فإن نقل العامل من عمله قد تقتضيه مصلحة العمل وإحتياجاته، وقد تقتضيه مقتضيات الرقابة الإدارية والتطوير الإداري وإكتساب العامل مهارات جديدة والإستفادة من مزايا التدوير الوظيفي، بيد أنه في بعض الحالات يكون الغرض من نقل العامل هو معاقبة العامل ومضايقته وهو ما يطلق عليه (النقل التعسفي).

وبإعتبار هذه المسألة من الإشكاليات العملية التي تظهر في الواقع العملي عند تطبيق قانون العمل، لذلك سنتناول هذه المسألة بحسب ما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: نقل العامل والتغيير الجوهري في عمل العامل:

وفقاً لما ورد في الفقرة (ثانياً) من البند (و) من المادة (35) من قانون العمل اليمني فأنه يجوز للعامل أن يفسخ عقد العمل من غير أن يقوم بإشعار صاحب العمل وذلك إذا قام صاحب العمل بتغيير مهنة العامل تغييراً جوهرياً، وهذا النص عام ومجمل ومجرد، وفي حالات كثيرة يتم تأويله وتطبيقه على نقل العامل من عمل إلى آخر، ولذلك فأنه من اللازم بيان المقصود بالتغيير الجوهري لمهنة العامل المذكورة في النص السارق ومدى علاقتها بنقل العامل من عمل إلى آخر، وذلك على النحو الآتي:

1- معنى التغيير الجوهري لمهنة العامل: ورد في النص السابق مصطلح(المهنة ) وليس العمل ،. والمهنة :هي الحرفة أو الصنعة التي يتقنها العامل التي على أساسها قام العامل بالتعاقد مع صاحب العمل للقيام بها لحساب صاحب العمل مثل أن يقوم العامل (القانوني) بالتعاقد مع صاحب العمل للعمل لديه بوظيفة قانونية في الإدارة القانونية فيقوم صاحب العمل بنقل هذا العامل بعد ذلك إلى الإدارة الهندسية والعكس صحيح أي إذا تعاقد المهندس مع صاحب العمل للعمل بوظيفة هندسية في الإدارة الهندسية فقام صاحب العمل بنقله للعمل في الإدارة القانونية، ومثل أن يقوم العامل المحاسب بالتعاقد مع صاحب العمل للعمل بوظيفة محاسب في الإدارة المالية فيقوم صاحب العمل بنقله إلى إدارة الارشيف وهكذا، فالتغيير الجوهري المذكور في النص القانوني السابق هو التغييرالجوهري الذي يتعلق بجوهر المهنة أي تغيير مهنة العامل من محاسب إلى قانوني ، فالتغيير يكون في المهنة وليس في العمل.

 كما لايكفي ان يكون التغيير في المهنة فحسب وانما ينبغي أن يكون تغيير المهنة جوهريا أي التغيير في طبيعة المهنة أو جوهرها ، وذلك بأن تكون المهنة التي تم تغيير العامل إليها لاتمت بصلة أو علاقة بالمهنة التي تم التعاقد مع العامل على اساسها ، كما لو تم التعاقد مع العامل للقيام بعمل نجار وبعد ذلك تم نقله للعمل بوظيفة قانونية والعكس صحيح ، فطبيعة وجوهر العمل القانوني يختلف كلية عن مهنة النجارة وهكذا في بقية المهن.

وبناء على ذلك فنقل العامل المهندس من صنعاء إلى عدن للعمل بوظيفة هندسية لا يكون تغييراً جوهرياً ،فلم يتضمن هذا النقل تغييراً جوهرياً في مهنة العامل المهندس فالعمل الذي تم نقله إليه مماثل للعمل الذي تم التعاقد عليه فيما بينه وبين صاحب العمل، فالتغيير الجوهري يتعلق بالأعمال الفنية.

2- معنى التغيير غير الجوهري في مهنة العامل: في الفقرة السابقة اشرنا إلى المقصود بالتغيير الجوهري لمهنة العامل، وذكرنا أنه ذلك التغيير هو الذي يتعلق بجوهر المهنة ، والذي يعني نقل العامل من حرفة أو مهنة يتقنها وتم التعاقد معه على أساسها نقله إلى مهنة أخرى لا يتقنها ،لأنها لا صلة لها أو علاقة بمهنته التي تم التعاقد معه على أساسها، وعلى هذا الأساس فإن التغيير غير الجوهري في مهنة العامل جائز مثل نقل العامل القانوني من الإدارة القانونية إلى إدارة الموارد البشرية أو نقل القانوني من إدارة الموارد البشرية إلى الإدارة القانونية أو نقل القانوني من إدارة الموارد البشرية إلى إدارة الإمتثال أو إدارة الرقابة والعكس صحيح، لأن هناك مهن وتخصصات متقاربة، فنقل العامل في نطاق هذه المهن والتخصصات لا يكون تغييرا جوهرياً.

الوجه الثاني: التدوير الوظيفي ونقل العامل من مكان إلى آخر:

التدوير يعني نقل موظفي وعمال الشركة من وظائفهم أو أعمالهم السابقة إلى أعمال أخرى دوريا أي فترة من الوقت، والتدوير الوظيفي من أهم أساليب الإدارة الحديثة، ويستهدف التدوير تحقيق أهداف عدة من أهمها:

1- إكتساب العمال مهارات وخبرات جديدة ومتنوعة بحسب تنوع وتعدد الأعمال والتخصصات الموجودة في الشركة، فتنقل العمال بين الأعمال المختلفة في الشركة أو المؤسسة يكسبهم مهارات وخبرات وحرف متنوعة.

2- يحقق التدوير لعمال الشركة الإنسجام والتفاهم فيما بينهم ، لأن كل عامل تتوفر لديه البيانات والمعلومات عن الاعمال الاخرى في الشركة، فيقدر أعمال الاخرين ويفهمها ، لانه قد عمل أثناء تدويره في أعمال الشركة المختلفة.

3- تدوير العمال في الشركة من أهم أساليب مكافحة الفساد والتلاعب في الشركة ، فإنتقال العامل من عمله يمكن العامل البديل له من الوقوف على المخالفات والتجاوزات التي كان يقوم بها سلفه، كما أن تدوير العمال يقطع سلاسل شبكة العلاقات والمصالح غير المشروعة في الشركة، علاوة على أن تدوير العمال يحد من تكوين التنظيمات غير الرسمية داخل الشركة التي تعيق أعمال الشركة ، وتعيق توجهات وتوجيهات التنظيم الرسمي داخل الشركة.

4- تدوير العمال في الأعمال المختلفة في الشركة يحقق العدالة بين العمال ويوجد الرضاء الوظيفي ويحقق مبدأ تكافوا الفرص. (محاضرات في الإشكاليات العملية لتطبيق قانون العمل، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص35).

الوجه الثالث: النقل المشروع للعامل:

هو النقل الذي تقتضيه إحتياجات العمل ومتطلباته المتغيرة، فبعد التعاقد مع العامل تظهر حتما مستجدات واحتياجات تحتم نقل العامل من عمله إلى عمل اخرغير العمل أو الوظيفة التي كان يشغلها عند التحاقه بالعمل، كما قد يجد صاحب العمل أن إمكانيات العامل وخبراته تستدعي نقله إلى عمل آخر يتناسب مع إمكانياته وخبراته.

 كما قد تتطلب ضرورة التدوير الوظيفي الدوري للعمال نقل العامل من عمله إلى عمل آخر، فإذا تم نقل العامل من عمله إلى عمل آخر في هذه الاحوال فإن هذا النقل يكون مشروعاً. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في المسائل العمالية الجزء الثاني، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة، طبعة 2025م صنعاء، ص241).

الوجه الرابع: النقل غير المشروع للعامل:

هو النقل الذي يكون الباعث عليه هو التضييق على العامل ومحاربته حتى يترك العمل مطلقاً ، حسبما ورد في المادة (797) من القانون المدني اليمني التي نصت على إنه (إذا دفع رب العمل بتصرفاته العامل إلى فسخ عقد العمل وعلى الأخص بمعاملته معاملة غير جائزة أو بمخالفته شروط العقد يكون هو في الظاهر الذي انهى العقد تعسفياً، ولا يعتبر نقل العامل إلى مركز أقل ميزة أو ملائمة من المركز الذي كان يشغله إذا ما اقتضته مصلحة العمل ولكنه يعتبر كذلك إذا كان الغرض منه الإساءة إلى العامل).

 كما يكون النقل غير مشروع إذا قام صاحب العمل بنقل العامل وترتب على ذلك النقل التغيير الجوهري في مهنة العامل المنقول، ويكون النقل تعسفياً أو غير مشروع إذا تم نقل العامل بعد فترة وجيزة من تعيينه في العمل.

الوجه الخامس: ضرورة تضمين دليل سياسات وإجراءات الموارد البشرية معايير وضوابط وإجراءات نقل العمال وتدوير الوظائف:

من الإشكاليات العملية الخطيرة التي تظهر في الواقع العملي هي إشكالية نقل العمال في الشركات والمؤسسات والخلط بين التغيير الجوهري والنقل المشروع والنقل غير المشروع.

 ولتجنب هذه الإشكاليات فأنه يتحتم على الشركات والمؤسسات النظامية أن تنظم ضمن دليل سياسات وإجراءات الموارد البشرية معايير وإجراءات نقل العمال وتدويرهم ، وان يتم النص على ذلك بطريقة واضحة وشفافة ، إضافة إلى انه ينبغي أن يتضمن عقد العمل بنداً ينص صراحة على انه يحق للشركة نقل الموظف إلى أي عمل آخر أو منطقة أخرى بحسب مقتضيات العمل وإحتياجاته. (محاضرات في الإشكاليات العملية لتطبيق قانون العمل، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص37). والله اعلم.