عقد العمل مع الطفل

عقد العمل مع الطفل

عقد العمل مع الطفل

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.

اجاز قانون العمل اليمني تشغيل الأحداث (الأطفال) غير البالغين ، ووضع القانون لذلك الضوابط والضمانات اللازمة لعدم إستغلال الأطفال عند التعاقد معهم أو تشغيلهم أو الإضرار بهم ،واوجب القانون على وزارة العمل بسط رقابتها واشرافها على تشغيل الاطفال لضمان إلتزام أصحاب العمل بضوابط واجراءات تشغيل الأحداث، حسبما هو مقرر في المواد (2 و 49 و 50 و 51 و 52 و 53) في قانون العمل اليمني.

ولاشك ان التعاقد مع الطفل يثير إشكاليات قانونية وعملية عدة بسبب نقصان أهلية الطفل أو الحدث،والمقصود بالحدث أو الطفل الذي يجوز تشغيله وفقا لقانون العمل هو الطفل المميز الذي قد بلغ سن التمييز فيكون عندها قادرا على العمل ، والغالب في هذا الشان ان يكون الطفل في هذه الحالة قد العاشرة من عمره أي أن يكون عمره مابين العاشرة والخامسة عشرة.

وسوف نستعرض هذا الموضوع بحسب التبويب الآتي:

الوجه الأول: عمر الخط التعاقد في الشريعة والقانون:

إذا كان العقد يتضمن عملاً مدنياً كعقد العمل فيشترط أن يكون المتعاقد بالغاً راشداً ويكون الشخص بالغاً راشداً إذا بلغ عمره (15) سنة، وفي هذا الشأن نصت المادة (50) من القانون المدني اليمني على أن (سن الرشد خمس عشرة سنة كاملة إذا بلغها الشخص متمتعاً بقواه العقلية رشيداً في تصرفاته يكون كاملاً الأهلية لمباشرة حقوقه المدنية والتصرف فيها)، وبموجب هذا النص لا يجوز للشخص إبرام العقود والتصرفات المدنية مثل عقد العمل إلا إذا كان الشخص قد بلغ (15) سنة.

غير أن قانون العمل قد استثنى من هذا النص (الأحداث) أو الأطفال حيث اجاز التعاقد معهم وتشغيلهم مع أن الطفل لم يبلغ الخمس عشرة سنة.

الوجه الثاني: إشتراط قانون العمل موافقة ولي الطفل وإشعار مكتب العمل:

نصت المادة (49) من قانون العمل اليمني على إنه (لا يجوز تشغيل الحدث إلا بموافقة ولي أمره وإشعار مكتب الوزارة المختص بذلك)، وبناءً على هذا النص فإنه يجوز تشغيل الحدث إذا كانت موافقة ولي أمر الطفل الخطية قد صدرت، ووفقا لذلك فان صاحب العمل يقوم بالتعاقد مع الحدث أو الطفل وهو الذي لم يبلغ (15) سنة ، ويتم هذا التعاقد بعد حصول صاحب العمل على الموافقة الخطية من ولي أمر الطفل، ثم يقوم صاحب العمل بعد ذلك بإشعار مكتب العمل بتعاقده مع العامل الطفل، فموافقة ولي الطفل سابقة على إبرام العقد اما إشعار مكتب العمل فيكون لاحقاً لإبرام العقد حتى يباشر المكتب إشرافه ورقابته على تشغيل الحدث أو الطفل وفقاً للقانون. (محاضرات في الإشكاليات العملية لتطبيق قانون العمل ، أ.د . عبد المؤمن شجاع الدين ، ص 39).

الوجه الثالث: ضوابط تعاقد صاحب العمل مع الطفل العامل وضمانات هذا التعاقد:

لأن التعاقد مع الطفل الذي لم يبلغ الأهلية القانونية للتعاقد أو التصرف أمر استثنائي لذلك فقد احاط قانون العمل هذا النوع من التعاقد بضوابط وضمانات من شأنها المحافظة على حقوق العامل الصغير أو الطفل، وقد وردت أغلب ضوابط وضمانات هذا التعاقد في المادة (49) من قانون العمل التي نصت على إنه (-1- لا يجوز تشغيل الحدث إلا بموافقة ولي أمره وإشعار مكتب الوزارة المختص بذلك -2- لا يجوز تشغيل الأحداث في المناطق النائية والبعيدة عن العمران -3- على أصحاب العمل توفير بيئة عمل صحية وأمنية للأحداث وفقاً للشروط والأوضاع التي يحددها الوزير -4- يحظر تشغيل الأحداث في الأعمال الشاقة والصناعات الضارة والأعمال ذات الخطورة الإجتماعية ، وللوزير تحديد تلك الأعمال والصناعات بقرار منه).

الوجه الرابع: عدم الإلتزام بقواعد تشغيل (الحدث) الطفل إذا كان عمله في الوسط العائلي:

قد يقوم صاحب العمل بتشغيل العمال الأطفال من أفراد عائلته ، وذلك في مشروعه التجاري، وقد افترض قانون العمل أن صاحب العمل في هذه الحالة يكون حريصاً على صحة الطفل من أفراد عائلته وحريصاً على مصلحة الطفل وحقوقه وعلى تشغيل الطفل من أفراد عائلته في بيئة صحية آمنة، ولذلك فقد صرح قانون العمل اليمني استثناء صاحب العمل من الإلتزام بقواعد تشغيل الأحداث المقررة في قانون العمل وذلك حينما يقوم صاحب العمل بتشغيل الأطفال من أفراد عائلته في مشروعه أو نشاطه التجاري، وفي هذا المعنى نصت المادة (53) من قانون العمل على إنه (يستثنى من أحكام هذا الفصل الأحداث الذين يعملون في وسط عائلاتهم تحت إشراف رب الأسرة وعلى أن يتم العمل في هذه الأحوال وفق شروط صحية وإجتماعية ملائمة)، وقد ورد ضمن هذا النص مصطلح العائلة ورب الأسرة، والواقع أن مفهوم العائلة والأسرة في هذا النص أوسع نطاقاً ، فالعائلة تعني الأشخاص الذين يعولهم صاحب العمل في حين أن مفهوم الأسرة يعني صاحب العمل وزوجته وأولاده، ولذلك فإن الأحداث الذين يجوز لصاحب العمل تشغيلهم استثناء من قواعد تشغيل الأحداث مقصور على أولاد صاحب العمل أو الأولاد من اقاربه الذين يعولهم. (التعليق على احكام المحكمة العليا في المسائل العمالية الجزء الثاني، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة، طبعة 2025، ص 174).

الوجه الخامس: جواز تشغيل الطفل وفقاً لقانون العمل وعدم جواز توظيفه وفقاً لقانون الخدمة المدنية:

فيما سبق ذكرنا أن قانون العمل اليمني قد اجاز التعاقد مع الطفل وتشغيله في الأعمال التجارية، بيد أن قانون الخدمة المدنية اليمني اشترط في المادة (22) لتعيين الموظف في الدولة أن يكون عمره 18 سنة، وهذه المسألة من أهم الفروق بين قانون العمل وقانون الخدمة المدنية، ويذهب شراح القانون الإداري إلى تبرير إشتراط الأهلية القانونية المناسبة عند التعيين في الوظيفة العامة لأهمية الوظيفة العامة وإتصالها بعموم المواطنين.

الوجه السادس: جواز عمل الأطفال وتشغيلهم في الشريعة الإسلامية:

قال تعالى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ}.

فالمقصود باليتامي في الاية الكريمة هم الاطفال الذين لم يبلغوا سن الرشد ، والمقصود بالابتلاء المذكور في هذه الآية هو التدريب العملي المهني للطفل في الأعمال والمهن المختلفة حتى يكون الطفل عند بلوغه قد اكتسب حرفة أو مهنة نافعة له ولمجتمعه. (تفسير آيات وأحاديث الأحكام، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق، جولة جامعة صنعاء، طبعة 2015م ، ص92).

وبناءً على ما تقدم يجوز تشغيل الطفل سواءً في وسط عائلته أو غيرها لإكسابه المهن والحرف النافعة، والله أعلم.