قيام الحائز بتأجير الأرض كمظهر لحيازته


قيام الحائز بتأجير الأرض كمظهر لحيازته

قيام الحائز بتأجير الأرض كمظهر لحيازته

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

من شروط حيازة الملك الصحيحة أن يظهر الحائز على العقار بمظهر المالك وأن يتصرف به تصرف المالك، ومن ذلك: قيام الحائز بتأجير العقار للغير والتوقيع على عقد الإيجار وقبض مبالغ الإيجار ، ولكن مجرد التأجير للأرض أو العقار لا يكفي وحده لتطبيق أحكام الحيازة (الثبوت) ، بل يجب أن تتحقق الشروط الأخرى للحيازة مثل: أن تكون الحيازة مشروعة ،وان لايكون سبب الحيازة قيام الحائز بغصب الارض ، وكذا يشترط ان تمضي على الحيازة المدة القانونية (30) سنة من تاريخ وضع الحائز ليده على العقار ،ويشترط أن تكون الحيازة هادئة ومستقرة ، وأن لا يكون الحائز في حالة نزاع مع مالك الأرض، وأن لا تكون هناك ظروف غير عادية أو فوضى جعلت مالك الارض لايستطيع الحصول على حقه أو إستعادته ،ويشترط ان لاتكون هناك قرابة أو مصاهرة أو شراكة بين الحائز ومالك العقار ، وان لاتكون الأرض محل الحيازة من اراضي وعقارات الدولة أو الاوقاف حسبما هو مقرر في شروط الحيازة واحكامها المنصوص عليها في القانون المدني اليمني ، وحسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 29-7-2015م في الطعن رقم (56809)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (ومن ثم فإن ما استند إليه حكم محكمة الاستئناف للتقرير بأن المتنازع عليه في حيازة المطعون ضدهما وقيامهما بالتأجير : فتعليل غير سديد وغير مطابق لأحكام الحيازة المقررة في المادتين (1103 و 1104) مدني ) ، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: شروط حيازة العقار في القانون المدني اليمني:

نظم القانون المدني اليمني أحكام الحيازة (الثبوت) وشروطها وذلك في المواد من المادة (1103) حتى نهاية المادة (1118) ، وخلاصة شروط الحيازة الشرعية أن يكون العقار تحت يد الحائز وأن يكون الحائز قد وضع يده على العقار بطريقة أو سبب شرعي وليس الغصب، وأن تكون حيازته للعقار ظاهرة غير خفية إذ يقوم الحائز بالظهور وهو يحوز العقار بمظهر المالك للعقار المتصرف فيه، كما يشترط أن تكون حيازة الحائز ثابتة مستمرة مستقرة هادئة لا ينازعه فيها المالك أو خلفه ، وأن لا تقترن الحيازة بإكراه المالك (الغصب) ، وأن لا تكون هناك قرابة أو مصاهرة بين المالك والحائز ، وأن لا يكون الحائز مستأجراً للعقار من المالك ، وأن لا يكون الحائز وارثاً مع المالك ، وأن لا يكون العقار وقفاً أو من أراضي وعقارات الدولة، ويشترط أن تستمر حيازة الحائز مدة (30) سنة متصلة مستمرة هادئة مستقرة ، وأن لا تتخللها هذه المدة فوضى أو ظروف غير عادية من شانها ان تجعل المالك لا يستطيع المطالبة بحقه أو الوصول إليه، ويشترط أيضا أن يكون المالك أو خلفه حاضراً في المنطقة التي يوجد فيها العقار الذي يحوزه الحائز، فإذا توفرت هذه الشروط مجتمعة فإن الحيازة تكون شرعية يتملك الحائز بموجبها العقار الذي يحوزه ويتمسك بالحيازة في مواجهة المالك وخلفه والغير، اما إذا تخلف أي شرط من الشروط المشار إليها فتبطل الحيازة، وعندئذ لايحق للحائز ان يتمسك بالحيازة ولو كان قد ظهر في حيازنه بمظهر المالك وقام بتاجير الارض التي يحوزها مثلما قضى الحكم محل تعليقنا.

الوجه الثاني: مشكلة الخلط بين الحيازة والغصب:

من ضمن مظاهر ثقافة الظلم والفساد السائدة في المجتمع اليمني وجود ممارسات كثيرة لتكريس الخلط بين الحيازة التي اشرنا إلى شروطها في الوجه الأول وبين غصب أراضي وعقارات الأفراد بل عقارات الدولة والوقف.

فالحيازة الشرعية تكون بموجب إذن أو موافقة أو رضاء من المالك أو عدم معارضته للحائز حسبما سبق بيانه في الوجه الأول، اما الغصب فقد عرفته المادة (1119) من القانون المدني بأن (الغصب: هو الإستيلاء على مال الغير أو حقه عدواناً بدون سبب شرعي).

الوجه الثالث: الحيازة المصطنعة:

يحاول الغاصبون والفسدة إصطناع مظاهر الحيازة وإفتعالها عن طريق القيام بمظاهر مزيفة للحيازة، فبعضهم يقوم بالحفر في الأرض أو وضع الحجارة أو النيس أو التراب فيها أو السيارات العاطلة أو زرع أشجار فيها بل أن أحدهم قام بقلع أشجار من مزرعة أعمارها تصل إلى خمس سنوات وقام بغرسها في الأرض التي غصبها منذ أيام.

وبعض الغاصبين يقوم بتأجير الأرض المغصوبة لعدة أشخاص شخص بعد آخر للتدليل على إنه الحائز للأرض المتصرف فيها مثلما وقع في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، وهذه التصرفات المصطنعة لا تدل على الحيازة الحقيقية طالما أنه لم تتوفر الشروط الأخرى للحيازة المشار إليها في الوجه الأول.

الوجه الرابع: دعوى حماية الوضع الظاهر ودعوى إسترداد الحيازة:

تضمنت المادة (240) من قانون المرافعات اليمني وضمن القضاء المستعجل تضمنت المادة المشار إليها دعوى إسترداد الحيازة التي يتوسل بها المالك لإسترداد حيازته للعقار المملوك له ، وبالتوازي مع ذلك جعلت المادة ذاتها للحائز الفعلي وسيلة قضائية مستعجلة لحماية حيازته الظاهرة عن طريق دعوى حماية الوضع الظاهر، والله أعلم.