إثبات الدعوى العمالية

إثبات الدعوى العمالية

إثبات الدعوى العمالية

نصت الفقرة (5) من المادة (30) من قانون العمل اليمني على أنه (يجب أن تكون الإجراءات التي يقوم بها صاحب العمل لتنفيذ نصوص عقد العمل ثابتة بالكتابة وتسلم نسخة منها للعامل).

إضافة إلى أن صاحب العمل هو الملزم وفقا للقانون والنظام الإداري بتنظيم أو إدارة العمل التابع له او المشروع التجاري الذي يديره ، ومن مقتضيات التنظيم والإدارة قيام صاحب العمل بتدوين أعماله الإدارية وحفظ المستندات والوثائق والبيانات والمعلومات وترتيبها وتبويبها بما في ذلك تدوين الإجراءات وكتابتها والإحتفاظ بالمستندات.

فالأصل أن كافة المستندات والبيانات والمعلومات المتعلقة بالعلاقة فيما بين العامل وصاحب العمل محفوظة وموجودة لدى صاحب العمل، علاوة على أن المستندات المتعلقة بالعلاقة العمالية فيما بين العامل وصاحب العمل تعد مستندات مشتركة فيما بين طرفي العلاقة وهما العامل وصاحب العمل، ولذلك يحق للعامل المدعي أن يطالب من القاضي الذي ينظر دعواه ان يلزم خصمه صاحب العمل بتقديم المستند المشترك عملاً بالمادة (112) من قانون الإثبات اليمني التي نصت على أنه (يجوز للخصم أن يطلب إلزام خصمه بتقديم أي محرر منتج في الدعوى يكون تحت يده وذلك في الحالات الأتية: -ب- إذا كان مشتركاً بينه وبين خصمه ، ويعتبر المحرر مشتركاً على الأخص إذا كان المحرر لمصلحة الخصمين أو كان مثبتاً لإلتزاماتهما وحقوقهما المتبادلة).

ولذلك فأن العامل عندما يدعي على صاحب العمل يستطيع بكل سهولة أن يطلب من القضاء إلزام صاحب العمل بإثبات صحة دعواه اي دعوى العامل أو عدم صحتها، خلافا للقواعد العامة في الإثبات التي تقتضي أن يكون المدعي هو الملزم بإثبات دعواه ، وفي غالب الحالات يقوم العامل بمطالبة القاضي بإلزام صاحب العمل بتقديم المستندات والبيانات والمعلومات التي من شانها إثبات دعوى العامل، ووفقا للقانون فان القضاء يلبي طلب العامل في هذا الشان.

ولأهمية هذا الموضوع ، فسوف نعرضه في هذه المقالة ، على النحو الاتي:

الوجه الأول: حرية العامل في إثبات دعواه على صاحب العمل:

سبق أن ذكرنا في مقالات سابقة أن قانون العمل في اليمن وغيرها رعى حقوق ومصالح العامل أكثر من رعايته لحقوق ومصالح صاحب العمل، مع أن القانون قد حرص على تنظيم العلاقة بين الطرفين بعدالة وإنصاف.

وقد رعى قانون العمل حقوق العامل ، لأن العامل المدعي ليس تاجراً كما أنه ليس المعني بالإحتفاظ بالمستندات والبيانات والمعلومات الخاصة بعلاقته بصاحب العمل.

 وبإعتبار العامل هو المدعي فأنه حر في إثبات دعواه بأي من طرق الإثبات المقررة في قانون الإثبات كالإقرار الصادر من صاحب العمل أو شهادات الشهود أو المعاينة أو أعمال الخبرة أو إستجواب صاحب العمل....الخ.

الوجه الثاني: مقتضيات قيام صاحب العمل بتنظيم وإدارة نشاطه التجاري أو مشروعه التجاري:

صاحب العمل قد يكون شركة أو مؤسسة تجارية أو محلاً تجارياً، وفي كل الأحوال فأن نشاط صاحب العمل يستدعي منه أن يقوم بإدارة وتنظيم نشاطه التجاري ، ومن ذلك حفظ البيانات والمعلومات والمستندات ذات العلاقة بعقود العاملين في مشروعه التجاري ، ومن مستلزمات قيام صاحب العمل بتنظيم وإدارة نشاطه التجاري أن تكون لديه إدارة موارد البشرية فاعلة تقوم بحفظ وترتيب وتصنيف المستندات والبيانات والمعلومات ذات الصلة بعقود العاملين في المؤسسة أو الشركة.

 إذ تقوم إدارة الموارد البشرية بحفظ وفهرست وترتيب البيانات والمعلومات والمستندات يدوياً والكترونياً حتى يسهل الرجوع عليها وإستخراجها بيسر وسهولة عند الإحتياج لها. (محاضرات في الإشكاليات العملية لتطبيق قانون العمل، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص107).

وعلى هذا الأساس فأن صاحب العمل هو الملزم قانوناً بالإحتفاظ بالمستندات والبيانات والمعلومات عن العلاقة فيما بين العامل وصاحب العمل، وللتأكيد على ما سبق فقد نصت الفقرة (5) من المادة (30) من قانون العمل، على أنه (يجب أن تكون الإجراءات التي يقوم بها صاحب العمل لتنفيذ نصوص عقد العمل ثابتة بالكتابة وتسلم نسخة منها للعامل).

الوجه الثالث: مطالبة العامل للقضاء بإلزام صاحب العمل بتقديم المستندات ذات الصلة بحقوق ومصالح العامل لدى صاحب العمل:

نصت المادة (112) من قانون الإثبات على أنه (يجوز للخصم أن يطلب إلزام خصمه بتقديم أي محرر منتج في الدعوى يكون تحت يده في الحالات الأتية: -ب- إذا كان مشتركاً بينه وبين خصمه ، ويعتبر المحرر مشتركاً على الأخص إذا كان المحرر لمصلحة الخصمين أو كان مثبتاً لإلتزاماتهما وحقوقهما المتبادلة).

ومن خلال إستقراء النص القانوني السابق ذكره يظهر أن العامل يستطيع بموجب هذا النص أن يطلب من القضاء الذي ينظر دعوي العامل ان يلزم صاحب العمل بتقديم كافة المستندات المتعلقة بإثبات الحقوق المتبادلة فيما بين العامل وصاحب العمل.

 ومؤدي ذلك أن العامل إذا كان متعسفاً وعنيداً فأنه يستطيع أن يطلب من القاضي إلزام صاحب العمل بتقديم كافة المستندات المتعلقة بالموارد البشرية للمنشاة ، وقد حدث هذا بالفعل في دعاوى عمالية عدة، ومن الطريف في هذا الشان أنه في إحدى القضايا كان العامل يدعي بان صاحب العمل كان ينتقص حقوقه كلها منذ إلتحاقه بالعمل قياسا بحقوق العمال المماثلين له في المنشاة ، وبناء على ذلك فقد طلب العامل المدعي إلزام صاحب العمل بتقديم كافة المستندات المثبتة لحقوقه منذ إلتحاقه بالعمل ومقارنتها بالوثائق المثبتة لحقوق العمال المماثلين له في الشركة ،فقرر القاضي إلزام الشركة بتقديم كشوفات المرتبات والترقيات والعلاوات والمكافئات والأجور الإضافية ...الخ، خلال مدة عمل العامل لدى الشركة التي كانت تزيد على (14) سنة، فرد محامي الشركة: بأن الشركة سوف تجهز قاطرة لنقل المستندات إلى المحكمة. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في المسائل العمالية الجزء الثالث، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء، طبعة 2025م، ص169).

ومن هذا المنطلق تظهر اهمية المخالصة السنوية الورقية لحقوق العامل في نهاية كل سنة عمل التي يقر فيها العامل بانه قد استلم واستوفى كل حقوقه عن سنة العمل المنصرمة ، وتقوم بعض الشركات اليمنية بإتباع هذه الطريقة منذ عام ٢٠١٣م كرد فعل على الدعاوى والطلبات الكيدية لبعض العمال.

الوجه الرابع: موقف القضاء اليمني من إلزام صاحب العمل بتقديم المستندات المؤيدة لدعوى العامل:

استقر القضاء في اليمن وغيرها على إلزام صاحب العمل في القضايا العمالية بتقديم كافة المستندات والبيانات والمعلومات ذات الصلة بالعامل المدعى إستناداً إلى النصوص القانونية والإعتبارات السابق ذكرها.

كذلك الحال بالنسبة لدعاوي الموظفين ضد جهات الإدارة فقد استقر القضاء في اليمن وغيرها على إلزام جهة الإدارة بتقديم كافة المستندات والبيانات والمعلومات الخاصة بالدعوي الإدارية المرفوعة من الموظف على جهة الإدارة. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في المسائل العمالية الجزء الثالث، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء، طبعة 2025م صنعاء، ص169)، والله أعلم.