![]() |
ضوابط تخفيض صاحب العمل للعمال |
اجاز قانون العمل اليمني لصاحب العمل تخفيض العمال لديه إذا توقف عمله كلياً او جزئياً، وقد اشار القانون ذاته الى ضوابط قانونية لضمان عدم تجاوز هذا الحق القانوني او تعسف صاحب العمل في إستعمال هذا الحق.
وعندما نظم قانون العمل حق صاحب العمل في تخفيض العمال عند التوقف عن العمل كلياً او جزئياً لم يتعرض القانون لأسباب التوقف والاجراءات الإدارية الواجب على صاحب العمل اتخاذها قبل إخطار وزارة العمل بالتوقف الكلي أو الجزئي عن العمل.
ولكثرة التوقف الكلي والجزئي لبعض الأعمال والانشطة التجارية وشيوع هذه الظاهرة في اليمن منذ خمسة عشرة سنة، ولأهمية هذه المسالة بإعتبارها من الإشكاليات العملية التي تظهر عند تطبيق قانون العمل، لذلك فسوف نتناول هذا الموضوع في هذه المقالة بحسب ما هو مبين في الأوجه الاتية:
الوجه الاول: جواز قيام صاحب العمل بوقف عمله كلياً او جزئياً وإن ترتب على ذلك تخفيض العمال:
حرية التجارة والنشاط التجاري مكفولة في الشرع و الدستور والقانون، فلصاحب ان يباشر عمله التجاري وفقاً للضوابط و الاجراءات القانونية، وبالمقابل يحق لصاحب العمل ان يقوم بوقف نشاطه التجاري او عمله كلياً او جزئياً حتى بدون سبب شريطة ان يقوم بإ بلاغ وزارة العمل او مكتبها ، وفي هذا الشأن نصت المادة (100) من قانون العمل على انه (يجوز لصاحب العمل ان يوقف العمل كلياُ او جزئياً او ان يعدل في حجم المنشأة او نشاطها بعد إبلاغ الوزارة او مكتبها المختص عندما يترتب على ذلك تخفيض عدد العمال لديه او الإستغناء عنهم).
وعند التأمل في هذا النص يظهر انه لم يشترط على صاحب العمل ان يبين الأسباب التي دفعته لوقف عمله او نشاطه ، على أساس أن مباشرة النشاط التجاري او العمل او وقفه من حق صاحب العمل ، ومن مقتضيات حرية ممارسة العمل التجاري أو عدم م مارسته ، فذلك حق مكفول لصاحب العمل وفقاً لأحكام الشرع والدستور والقانون، فلا يجوز إجبار التاجر او صاحب العمل على الإستمرار في مواصلة نشاطه التجاري أو الإفصاح عن سبب توقف نشاطه كليا أو جزئيا ، لأن ذلك يصادر حق صاحب العمل وحريته في مباشرة العمل التجاري أو عدم مباشرته.
الوجه الثاني: وجوب قيام صاحب العمل بإبلاغ وزارة العمل بوقف العمل قبل الوقف الفعلي اذا كان يترتب على التوقف الإستغناء عن العمال او تخفيضهم:
اذا كان من الجائز لصاحب العمل وقف عمله كلياً او جزئياً إلا انه يجب عليه إبلاغ وزارة العمل حسبما ورد في المادة (100) من قانون العمل السابق ذكرها، وفي هذا المعنى نصت المادة المشار إليها على أنه (يجوز لصاحب العمل ان يوقف العمل كلياُ او جزئياً او ان يعدل في حجم المنشأة او نشاطها بعد إبلاغ الوزارة او مكتبها المختص عندما يترتب على ذلك تخفيض عدد العمال لديه او الإستغناء عنهم).
فقد صرح النص القانوني السابق أن وقف العمل يكون (بعد إبلاغ الوزارة )، ومع أن هذا الإبلاغ وحوبي ،إلا أنه لاتشترط موافقة وزارة العمل على وقف العمل ، فالإبلاغ في هذه الحالة إجراء تنظيمي الغرض منه تنظيم حق صاحب العمل في الاستمرار في العمل او وقفه كلياً او جزئياً ، فقد اشترط النص القانوني السابق على صاحب العمل ان يقوم بإبلاغ وزارة العمل وهي الجهة المختصة قانوناً وذلك بوقف عمله او نشاطه كلياً او جزئيا إذا كان يترتب على التوقف الإستغناء عن العمال او تخفيضهم .
ولذلك فان هذا الابلاغ يجب أن يتم قبل الوقف الفعلي للعمل بمدة كافية، لأن النص قد اشترط أن يكون الوقف (بعد) الإبلاغ حتى تراقب وزارة العمل جدية قرار صاحب العمل وقف العمل ،والتاكد من ان ذلك ليس من قبيل الحيلة للتخلص من العمال وإستبدالهم بغيرهم، وحتى تتمكن الوزارة من الرقابة على حصول العمال على حقوقهم القانونية، وحتى تتمكن الوزارة من التأشير في سجلاتها بما يفيد توقف عمل الشركة كلياً او جزئياً.
الوجه الثالث: وجوب إبلاغ وزارة العمل بوقف العمل حتى ولو لم يترتب على وقف العمل الإستغناء عن العمال او تخفيضهم:
ذكرنا في الوجه السابق أن المادة (100) من قانون العمل قد نصت بأنه يجوز لصاحب العمل وقف عمله بعد إبلاغ وزارة العمل ، اذ يفهم من إشتراط الابلإغ أن الإبلاغ واجب على الرغم من أن قيام صاحب العمل بوقف العمل جوازي.
وفي هذا الشان نصت الفقرة (1) من المادة (101) من قانون العمل على ان (على صاحب العمل تبليغ الوزارة او مكتبها المختص او اي جهة معنية اخرى في حالة التوقف كلياً او جزئياً عن العمل او عند مزاولة النشاط المتوقف).
ومن خلال مطالعة النص القانوني السابق يظهر أنه يفيد الوجوب ، لأن النص قد بدأ بعبارة (على صاحب العمل تبليغ الوزارة) ،فمن المعلوم ان وزارة العمل هي الجهة المعنية قانونا بالإشراف و الرقابة على صاحب العمل فيما يتعلق بتشغيل العمال والتأكد من إلتزام صاحب العمل باحكام قوانين العمل وتمكين العمال من حقوقهم وفقاً لما هو مقرر في قانون العمل وعقد العمل، وبموجب ذلك تقوم وزارة العمل بقيد النشاط التجاري لصاحب العمل في سجلات الوزارة وقيد البيانات اللازمة التفصيلية عن المشروع أو النشاط التجاري لصاحب العمل ونوع نشاطه وعنوانه ، ووفقا لقانون العمل تقوم الوزارة بتحديث تلك البيانات بإنتظام في سجلات الوزارة حتى تكون سجلات الوزارة مطابقة للواقع حتى تتمكن الوزارة من مباشرة صلاحيتها الإشرافية والرقابية على صاحب العمل ، ولذلك فأن اي تعديل في نشاط او عمل صاحب العمل ينبغي التأشير عليه في سجلات الوزارة مثل وقف الشركة عن العمل سواء ترتب على ذلك حفض العمال ام لا، حسبما ورد في الفقرة (1) من المادة (101) من قانون العمل السابق ذكرها.
الوجه الرابع: وجوب قيام صاحب العمل بإبلاغ الضرائب والزكاة والتأمينات الاجتماعية بوقف عمله:
لم ينص قانون العمل على ذلك ، لكن قوانين الضرائب والزكاة والتامينات الاجتماعية قد نصت صراحة على انه يجب على المكلف (صاحب العمل) إبلاغ هذه الجهات عندما يقوم صاحب العمل بوقف نشاطه،لتعلق عمل هذه الجهات بعمل أو نشاط صاحب العمل وبأجور وحقوق العمال لديه.
الوجه الخامس: جواز تخفيض العمال او الإستغناء عنهم عند توقف عمل صاحب العمل جزئياً او كلياً:
ذكرنا في الوجه الأول من هذا التعليق ان قانون العمل اليمني قد اجاز لصاحب العمل ان يقوم بتوقيف عمله او نشاطه كلياً او جزئياً لسبب او لغير سبب، لان النشاط التجاري يقوم على حرية النشاط ،فلصاحب العمل ان يستمر في عمله او نشاطه او يتوقف عن العمل، حسبما سبق بيانه، فاذا قرر صاحب العمل وقف عمله كلياً فمن حقه عندئذ وفقا لقانون العمل الإستغناء عن جميع العمال لديه، لان المشروع أو النشاط قد تم وقفه كلياً، اما اذا قرر صاحب العمل الوقف الجزئي لعمله فمن حقه في هذه الحالة تخفيض عدد العمال الى الحد المناسب لعمله الذي توقف جزئيا ، وفي هذا الشأن نصت الفقرة (2) من المادة (101) من قانون العمل على انه (يجوز لصاحب العمل تخفيض عدد العمال لديه او الإستغناء عنهم بسبب التوقف عن العمل كلياً او جزئياً).
وبموجب هذا النص اذا قرر صاحب العمل تخفيض العمال بسبب التوقف الجزئي فله ان يحدد العمال الذي يرغب في الابقاء عليهم وكذا العمال الذين يرغب في الإستغناء عنهم، فليس هناك اي إلزام قانوني على صاحب العمل بالإفصاح عن اسباب تخفيضه لبعض العمال او الابقاء على بعضهم الاخر ، طالما ان عمل صاحب العمل قد توقف بالفعل جزئياً.
واذا قرر صاحب العمل الإستغناء على جميع عماله بسبب توقف عمله كلياً او قرر تخفيض عماله بسبب التوقف الجزئي فان قراره في الحالتين لا يكون فصلاً تعسفياً للعامل ، لان القانون ذاته قد اجاز لصاحب العمل الاستغناء عن جميع العمال او تخفيضهم حسبما سبق بيانه.
الوجه السادس : اولوية العمال الذين شملهم التخفيض او الإستغناء اذا أعاد صاحب العمل تشغيل نشاطه:
اذا قام صاحب العمل پإعادة تشغيل مشروعه او نشاطه التجاري الذي سبق له وقفه كليا أو جزئيا ،ففي هذه الحالة تكون الاولوية في العمل لدي صاحب العمل بعد إعادة تشغيله تكون الاولوية للعمال الذين سبق ان شملهم الاستغناء او التخفيض .
والاولوية في هذه الحالة تكون عند تساوي العمال الذين سبق ان شملهم الإستغناء او التخفيض مع غيرهم من العمال الاخرين من حيث شروط التشغيل والخبرات والمؤهلات المطلوبة اللازمة للعمل ، فهذا هو معنى الاولوية في الشرع واللغة والقانون ، وبناء على ذلك تختلف الاولوية عن الأحقية ، فالحق يثبت للشخص من غير أفضلية أو أولوية.
وعلى هذا الاساس فان الأولوية تكون عند التساوي في الشروط والخبرات و المؤهلات، فهذا هو معنى المساواة التي يقتضيها القول بالأولوية، لان عقود عمل العمال الذين سبق ان شملهم الإستغناء او التخفيض قد انتهت حين الإستغناء عنهم او تخفيضهم، فإعادة تشغيل العمل المتوقف والتعاقد مع العمال في هذه الحالة يعد تعاقداً جديداً، فأولوية العمال الذين سبق ان شملهم الإستغناء او تخفيض العدد تكون عند تساويهم مع العمال غيرهم حسبما سبق بيانه، وفي هذا المعنى نصت الفقرة (3) من المادة (101) من قانون العمل على ان (-3- يلتزم صاحب العمل في حالة إعادة نشاطه الموقف إعطاء الاولوية للعمال الذين شملهم التخفيض او الإستغناء بشرط تقديمهم طلب التشغيل لديه خلال فترة اقصاها شهر من تاريخ إعلان إعادة مزاولة النشاط مع إبلاغ الوزارة او مكتبها المختص بذلك). (محاضرات في الإشكاليات العملية لتطبيق قانون العمل اليمني، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص83).
الوجه السابع: حق العمال الذين شملهم التخفيض او الإستغناء في اللجوء الى القضاء إذا كان غرض صاحب العمل من التخفيض او الإستغناء جلب عمال اخرين بدلا عنهم:
سبق القول في الأوجه السابقة انه يحق لصاحب العمل ان يقوم بتوقيف نشاطه او عمله كلياً او جزئياً لأي سبب او بدون سبب، وانه يجوز له تبعاً لذلك ان يستغني عن جميع عماله اذا قام بتوقيف عمله او نشاطه كليا ، ويحق له تخفيض عماله اذا كان التوقيف جزئياً، وذكرنا ان ذلك حق قانوني مكفول لصاحب العمل بموجب المادتين (100 و 101) من قانون العمل، غير ان لا يجوز لصاحب العمل ان يقوم بالإستغناء عن العمال او تخفيضهم ونشاطه لم يتوقف بالفعل كليا أو جزئيا، لان سبب الاستغناء او التخفيض في هذه الحالة لا يرجع الى وقف النشاط كلياً او جزئياً وانما سبب الاستغناء او التخفيض في هذه الحالة هو إحلال عمال اخرين بدلاً عن العمال الذين استغنى عنهم او خفضهم، ففي هذه الحالة يكون الإستغناء او التخفيض مجحفاً او تعسفياً ، حسبما ورد في المادة (102) عمل التي نصت على انه (يحق للعمال الذين شملهم التخفيض او الإستغناء التظلم امام اللجنة المختصة اذا تبين لهم ان إجراءات صاحب العمل كان مجحفاً ويهدف الى إحلال عمال اخرين بدلاً عنهم). (التعليق على احكام المحكمة العليا في المسائل العمالية الجزء الثالث، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة صنعاء، طبعة 2025م ص 85).
الوجه الثامن : التوقف المؤقت لنشاط صاحب العمل لأسباب ترجع لصاحب العمل:
نصت المادة (103) عمل على انه (اذا توقف العمل لفترة مؤقتة لأسباب تعود الى صاحب العمل فان عقد العمل يبقى سارياً مدة لا تقل عن شهرين من بداية التوقف، ويترتب عليه إستحقاق العامل اجراً كاملاً خلال تلك الفترة).
ومن خلال مطالعة النص القانوني السابق ومقارنته بالنصوص القانونية المذكورة في الأوجه السابقة من هذا التعليق يظهر ان التوقف المؤقت المذكور في هذا النص يختلف على التوقف الكلى او الجزئي المشار اليه في الأوجه السابقة ، لأن التوقف الكلي والجزئي المشار اليه فيما سبق هو التوقف الكلي او الجزئي الذي يدفع صاحب العمل الى الإستغناء عن جميع العمال او تخفيض بعضهم، اما التوقف المؤقت المنصوص في المادة (103) عمل السابق ذكرها فهو: عبارة عن توقف مؤقت لأسباب ترجع الى صاحب العمل كسفر صاحب العمل أو موته او مرضه او زواجه او رفض صاحب العمل الوفاء بالحقوق القانونية المقررة عليه كالضرائب او الزكاة او النفقة ويترتب على ذلك إغلاق مكان العمل .
قد صرحت المادة (103) السابق ذكرها بان العمال يستحقون في هذه الحالة أجر شهرين رغم توقف العمل لأسباب ترجع لصاحب العمل ،اما اذا كانت الوقف المؤقت لا يرجع لصاحب العمل كالظروف الطارئة مثل الحروب والصراعات المسلحة والكوارث فلا يستحق العمال اجر الشهرين المشار اليه في هذا النص.
علماً بان نص المادة (103) عمل السابق ذكره لم يتعرض للتوقف الذي يزيد على الشهرين، ومفهوم المخالفة يدل على ان العامل لا يستحق بعد الشهرين شيئاً في حالة التوقف المؤقت الذي يرجع سببه لصاحب العمل إذا زاد التوقف على الشهرين (التعليق على احكام المحكمة العليا في المسائل العمالية الجزء الثالث، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة صنعاء، طبعة 2025م ص 85). والله أعلم.