مفهوم النظام العام في قانون العمل

 

مفهوم النظام العام في قانون العمل

مفهوم النظام العام في قانون العمل

نصت المادة (6) من قانون العمل اليمني على ان (تمثل الاحكام الواردة في هذا القانون الحد الأدنى لحقوق العمال وشروط العمل وحيثما وجد نظام خاص لعلاقات العمل بشروط وضمانات افضل تطيق على العمال افضل الأحكام الواردة في هذا القانون او في النظام الخاص) .

كما نصت المادة (7) من القانون ذاته (على ان تكيف علاقات العمل وفق أحكام هذا القانون بموجب الاسس الاتية :

1- عدم جواز تنازل او إبراء اي حقوق مترتبة للعمال عن عقد العمل إذا كان ذلك مخالفاً لأحكام هذا القانون.

2- سريان شروط العمل وحقوقه المحددة بهذا القانون على العمال ما لم تكن قد وردت في العقد بشروط أفضل.

3- سريان جميع عقود العمل القائمة وقت صدور هذا القانون إذا كانت أصلح للعمال ، ولا يترتب على تجديدها الإنقاص من شروط العمل وحقوقه ، وحتى ان كانت لا تقل عن الحد الأدنى لشروط العمل الواردة بهذا القانون).

وتتجسد فكرة النظام العام في قانون العمل اليمني من خلال إستقراء ما ورد في النصين السابقين اللذين صرحا بان ما ورد في قانون العمل من أحكام وشروط العمل وحقوق للعمال تمثل الحد الادنى لحقوق العامل وشروط العمل ، ومعنى ذلك انه لا يجوز إبرام عقود عمل أو تضمين الادلة واللوائح اقل من حقوق العامل او اقل من شروط العمل المقررة في قانون العمل لمصلحة العامل.

 كما ان المادة (7) عمل السابق ذكرها صرحت بانه لا يجوز للعامل التنازل علي اي من حقوقه الواردة في عقد العمل او ابراء صاحب العمل منها إذا كان ذلك مخالفا للاحكام الواردة في قانون العمل، وكذا صرحت هذه المادة انه اذا كانت هناك حقوق او شروط عمل افضل مما ورد في قانون العمل فان تكون ملزمة لصاحب العمل ولا يجوز إنقاصها ولو حتى كان إنقاصها لا يمس الحد الادنى للحقوق و الشروط المقررة في قانون العمل.

ومن المعلوم ان النظام العام مقرر حفظاً للمصالح العامة للمجتمع عامة أو لأفراد المجتمع ككل ، وان كانت المستفيد منها في وقت معين مجموعة من الافراد.

 وبما ان النظام العام مقرر لمصلحة افراد المجتمع عامة فانه لا يجوز لبعض الافراد الإتفاق على مخالفة النظام العام او التنازل عما هو مقرر بموجب النظام العام ، كما لايجوز الإبراء منه، لان النظام العام ليس مقررا لمصلحة الفرد المتنازل ، وانما تم تقريره لمصلحة افراد المجتمع بأسره . (الدفوع المتعلقة بالنظام العام، أ.د. عبد المومن شجاع الدين، ص9)

ومفهوم النظام العام في قانون العمل يثير عدة مسائل منها : ماهي شروط وحقوق العامل المقررة في قانون العمل التي لا يجوز التنازل عنها او الابراء منها او الاتفاق على مخالفتها، وكذا بيان كيفية الموائمة بين ماورد في عقود العمل والادلة و اللوائح والتعليمات الصادرة عن صاحب و بين ماورد في القواعد الآمرة المقررة في قانون العمل، .......الخ.

وسوف نستعرض هذه المسالة في هذه المقالة ، وعلى النحو الاتي:

الوجه الاول: معنى النظام العام في قانون العمل:

فكرة النظام العام ليست فكرة قانونية محضة وإنما تمتد إلى كافة المجالات القانونية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية ، ولذلك فقد تعددت تعاريف النظام العام بحسب المجالات المختلفة ، بيد ان الباحثين اتفقوا على ان فكرة النظام العام عصية على التعريف لامتدادها في النواحي القانونية والاقتصادية والاجتماعية ....الخ ، وذهب الباحثون الى ان فكرة النظام العام فكرة سامية كونها عصية على التعريف.

 ولكن مع هذا وذاك فانه من الممكن تعريف النظام العام من الناحية القانونية بانه : القواعد القانونية الامرة التي تنظم حقوق و مصالح افراد المجتمع ككل وليس فردا بعينه، وبتطبيق هذا المفهوم على صعيد قانون العمل فان النظام العام في قانون العمل هو: القواعد القانونية الٱمرة التي تنظم حقوق العامل وشروط عمل العمال ككل، وهذه القواعد الٱمرة تفيد الوجوب لا يجوز للعمال التنازل عنها او إبراء صاحب العمل منها ، ولا يجوز للعامل الاتفاق مع صاحب العمل على خلافها.

فحيثما ورد في قانون العمل نصاً واجباً يقرر حقاً من حقوق العمال او يقرر شرطاً من شروط العمل من شانه ان يحقق مصلحة او منفعة للعامل ، فان ذلك النص يكون من النظام العام. (الدفوع المتعلقة بالنظام العام، أ.د. عبد المومن شجاع الدين، ص9)

الوجه الثاني: ماهية حقوق العمال وشروط العمل المقررة في قانون العمل التي تمثل الحد الادنى الذي يعد من النظام العام:

صرحت المادة (6) من قانون العمل ان حقوق العمال وشروط العمل المذكورة في قانون العمل تمثل الحد الادنى ولا يجوز لصاحب العمل الإنتقاص منها ، ولكن يحق له الزيادة فيها، اذ نصت المادة (6) من قانون العمل اليمني على ان (تمثل الأحكام الواردة في هذا القانون الحد الأدنى لحقوق العمال وشروط العمل وحيثما وجد نظام خاص لعلاقات العمل بشروط وضمانات أفضل تطيق على العمال أفضل الأحكام الواردة في هذا القانون او في النظام الخاص).

والمقصود بحقوق العمال وشروط العمل الواردة في النص القانوني السابق هي كافة الحقوق و الشروط المذكورة في قانون العمل، وعند مطالعة كل نصوص قانون العمل يظهر انها : عبارة عن حقوق للعامل او شروط عمل او تشغيل العمال حسب الاصطلاح الوارد في القانون، حتى أن واجبات العامل وصاحب العمل هي عبارة عن حقوق للعمال او شروط وضوابط لعملهم لدى صاحب العمل، ومن خلال ذلك نخلص إلى ان : كل نص في قانون العمل يتعلق بحقوق العامل او بشروط عمله فان ذلك النص من النظام العام.

الوجه الثالث: كيفية معرفة النصوص الٱمرة المتعلقة بحقوق العامل وبشروط التشغيل الواردة في قانون العمل:

من إستعراض نصوص قانون العمل يظهر أن هناك نصوص قد تضمنت الفاظا تدل على ان النص آمر او مكمل، ومن هذه الالفاظ الفاظ الوجوب : مثل ان يتضمن النص لفظ (يجب) الذي يدل على ان مارد بعده واجب ، وتبعاً لذلك فان النص في هذه الحالة يكون ٱمراً من النظام العام .

كذلك الحال اذا بدأ النص بحرف على مثل : (على صاحب العمل) او (على ان يتم) او (على ان يشترط) ، وكذا العبارة الواردة بعد كلمة (يشترط او شريطة)، فأن النصوص التي تشتمل على تلك الالفاظ أو العبارات تكون ٱمرة من النظام العام.

وكذا يكون النص ٱمرا إذا وردت فيه جمل مثل جملة : (تسري احكام) او (يستحق العامل) او (تحدد ساعات العمل) او (تُدفع الاجور) او (يقوم صاحب العمل..) او (تحسب ساعات العمل..) او (تُدفع الاجور..) او (يؤدى الاجر..) او (يكون للعمل أو للعامل...).

كذلك يكون النص ٱمرا إذا تضمن أي لفظ من الفاظ النهي أو المنع أو الحظر او عدم الجواز ، مثل كلمة (لا يجوز) او جملة (يُمنع العامل) او عبارة (يحظر على صاحب العمل).

 فاذا وردت مثل هذه الالفاظ او الجمل في نصوص قانون العمل فانها تفيد الوجوب، ومعنى ذلك ان ذلك النص من النصوص الٱمرة المتعلقة بالنظام العام. (محاضرات في الإشكاليات العملية لتطبيق قانون العمل اليمني ، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين ، ص56).

الوجه الرابع: معنى النظام العام في قانون العمل وكيفية التعامل معه:

ذكرناً ان النصوص المتعلقة بالنظام العام لا يجوز للأفراد مخالفتها ، كما لا يجوز للأفراد التنازل عنها ، وكذا لا يجوز للأفراد الاتفاق او التعاقد على خلافها ،فضلاً عن انه يجوز لأي شخص التمسك بها ،لا نها مقررة حفظا لمصالح عامة الاشخاص.

 ومن هذا المنطق فان يجب على صاحب العمل على وجه الخصوص ان يراعي النصوص المتعلقة بالنظام العام الواردة في قانون العمل وقانون التأمينات الاجتماعية او غيرهما وذلك عند صياغة عقود العمل او اللوائح و الادلة وتعليمات العمل والتحقق من انها لا تخالف النصوص او القواعد المتعلقة بالنظام العام الواردة في قانون العمل او التأمينات وغيرها.

الوجه الخامس: جواز ان يتضمن عقد العمل او أدلة ولوائح صاحب العمل شروط عمل او حقوق او احكام لم يرد ذكرها في قانون العمل او غيره:

معنى النظام العام في قانون العمل أنه لايجوز لصاحب العمل أو العمال تضمين عقود العمل أو ادلة العمل ولوائحه وتعليماته مايخالف النصوص الٱمرة المقررة في قانون العمل.

بيد انه يجوز لصاحب العمل ان يقوم بتضمين نماذج عقود العمل و بطاقات التوظيف والأدلة واللوائح وتعليمات العمل النافذة شروط ونصوص وحقوق واحكام وتنظيمات لم يرد ذكرها في قانون العمل، لان سكوت قانون العمل عن ذلك يدل على أنه يباح لصاحب العمل والعامل ان يتفقا على شروط او احكام او نصوص او حقوق لم يرد ذكرها في قانون العمل وغيره.

فمن حق صاحب العمل ان يقوم بتضمين الادلة واللوائح النافذة في نشاطه من النصوص والحقوق والشروط التنظيمية ما يرى انه يكفل نجاح مشروعه التجاري وتطويره وضبط العمل وتنظيمه، لأن ما تتضمنه القوانين عبارة عن قواعد عامة ومجردة. (التعليق على احكام المحكمة العليا في المسائل العمالية الجزء الثالث ، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة صنعاء ، طبعة 2025م، ص110).

الوجه الخامس: جزاء مخالفة النظام العام في قانون العمل:

سبق القول بانه لا يجوز مخالفة النظام العام في اي عقد او لائحة، ولا يجوز الاتفاق على خلاف النظام العام المقرر في قانون العمل وغيره ، ولا يجوز التنازل عن الحقوق والشروط المقررة في قانون العمل كما لايجوز إبراء صاحب العمل منها.

اما في هذا الوجه فسنذكر فيه: انه اذا وقعت مخالفة للنظام العام او اي وقع إتفاق على خلاف النظام العام او حدث اي تنازل او إبراء يمس النظام العام فانه يكون باطلاً ولا يتحصن بمضي المدة، ولا يكسب حقاً ، ولا يحق التمسك به او الإحتجاج به امام اية جهة او شخص، بل ان المخالف للنظام العام يكون عرضة للجزاء المقرر في قانون العمل وغيره، وعلى هذا الأساس فقد تضمن قانون العمل بعض العقوبات المقررة لمن يخالف النظام العام الوارد في هذا القانون ، كما ورد في المادتين (154 و 156) من قانون العمل ، (محاضرات في الإشكاليات العملية لتطبيق قانون العمل اليمني ، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين ، ص56). والله أعلم.