هدف التحقيق الإداري في الشركات والمؤسسات التجارية

هدف التحقيق الإداري في الشركات والمؤسسات التجارية

هدف التحقيق الإداري في الشركات والمؤسسات التجارية

أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين

الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء

الشركات والمؤسسات التجارية تستهدف زيادة ارباحها وتوسيع نشاطها وتطوير لوائحها وانظمتها وتفعيل الرقابة الإدارية ومعالجة الاختلالات والاعتلالات الإدارية وسد الذرائع التي قد يستغلها بعض العاملين المتفلتين المخالفين.

ولذلك فان غالب الشركات والمؤسسات النظامية في اليمن تسعى بقوة لتكريس قيم النزاهة واحترام القوانين واللوائح والادلة والانظمة النافذة، ووسيلة هذه الشركات والمؤسسات لتطوير اعمالها وتعظيم ارباحها هو تطوير ادلتها ولوائحها والاكتشاف المبكر لأوجه القصور والأخطاء فيها، فضلا عن تطوير وسائل الانتاج وتدريب العاملين والاهتمام بهم وتلمس همومهم.

وعلى هذا الاساس فان غرض وهدف الشركات والمؤسسات التجارية يختلف عن الجهات الحكومية والادارية، ومن هذا المنطلق فان هدف التحقيق الاداري في الشركات والمؤسسات التجارية عند حدوث المخالفات المالية والادارية والمسلكية من قبل العاملين فيها يختلف عن التحقيق الجنائي الذي تباشره النيابة العامة او التحقيق النهائي الذي يقوم به القاضي الجزائي المختص الذي يهدف إلى توقيع العقوبة على المتهم حماية للمجتمع، وكذلك الحال في التحقيق الاداري الذي تجريه الجهات الادارية الحكومية.

أما الهدف الرئيسي من التحقيق الاداري في الشركات والمؤسسات التجارية الخاصة فهو إكتشاف مواطن الخلل والقصور والأخطاء في الادلة واللوائح والنظم والتعليمات والعقود النافذة في الشركة والمؤسسة، وكذا تلافي الثغرات التي تتسبب في حدوث المخالفات ، والحيلولة دون وقوعها مستقبلاً ، وتطوير اللوائح والادلة والنظم.

 وبناء على ذلك فانه يجب على لجنة التحقيق الاداري في الموسسات والشركات تقديم التوصيات اللازمة والمناسبة لإدارة الشركة للحيلولة دون تكرار المخالفات مستقبلاً وتجاوز الأسباب التي ادت إلى وقوع المخالفات.

فلا يستهدف التحقيق الاداري في المؤسسات والشركات المسائلة القانونية للعامل المخالف وتوقيع الجزاء الإداري عليه الا بصفة ثانوية، على خلاف التحقيق الجنائي والتحقيق الإداري في جهات الادارة العامة الذي يستهدف التحقق من وقوع الجريمة او المخالفة ومدى نسبتها الى المتهم ومدى كفاية الادلة على ذلك لغرض توقيع العقوبة المقررة قانوناً على التهمة المسندة للمتهم، فهذا هو هدف المحقق الجنائي ، وكذا المحقق في جهات الادارة الذي يستهدف في الاساس التحقق من وقوع المخالفة ومدى نسبتها للموظف المخالف وكفاية الادلة على ذلك بغرض توقيع الجزاء الاداري إن توفرت الادلة، بخلاف المحقق الإداري في الشركات والموسسات التجارية الذي يستهدف أصلاً تقديم التوصيات والاقتراحات لتطوير اللوائح والقوانين إضافة إلى توقيع الجزاء الاداري المناسب على العامل المخالف لزجره عن العود إلى المخالفة وردع بقية العمال من إتيان المخالفات. (مهارات الصياغة القانونية - مهارات التحقيق الإداري- ، أ.د/عبد المومن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة ، طبعة 2019م صنعاء ، ص172).

ولأهمية هذا الموضوع فسوف نستعرضه في هذه المقالة بحسب التبويب الاتي :

الوجه الاول: ماهية التحقيق بصف عامة:

التحقيق بصفة عامة هو: التحقق من وقوع الفعل ومعرفة الفاعل وجمع الادلة على وقوع الفعل ونسبتها الى الفاعل، وتبدا اجراءات التحقيق من وقت وقوع الفعل حتى التصرف في التحقيق او انتهاء لجنة التحقيق من اعمالها.

 والتحقيق في المفهوم القانوني بشمل اجراءات جمع الادلة وضبط المتهمين والتفتيش والمعاينة وسماع اقوال الشهود والمتهمين واوجه دفاعهم، وهذا المفهوم الموجز للتحقيق يشمل التحقيق الاداري ، اما في غير ما سبق فان التحقيق الجنائي يختلف عن التحقيق الاداري كما سنرى.

الوجه الثاني: اهمية التحقيق الاداري في الشركات والمؤسسات التجارية:

التحقيق الإداري في الشركات والمؤسسات هو: الدراسة والبحث والتحقق من وقوع المخالفات المدعي بوقوعها ومدى توفر ادلتها ومدى كفاية الادلة على نسبتها للعمال المتهمين بالمخالفة ، وبحث اسباب وقوع المخالفة ومعرفة الطرق والاساليب والادوات التي سلكها العامل المخالف عند ارتكابه للمخالفة وإقتراح التوصيات المناسبة لتلافي الأسباب التي ادت الى إرتكاب المخالفات.

 وبناء على ذلك فان مفهوم التحقيق الاداري في الشركات والمؤسسات التجارية اوسع نطاقا من مفهوم التحقيق الجنائي او التحقيق الاداري في الجهات الادارية العامة.

الوجه الثالث: طرق التحقيق الاداري واساليبه في الشركات والمؤسسات التجارية:

يستعمل المحقق الإداري في الشركات والمؤسسات التجارية غالبية طرق التحقيق التي يتبعها المحقق الجنائي عدا القبض ، وكذا يستعمل المحقق الإداري في الشركات والموسسات التجارية كافة طرق التحقيق التي يستعملها المحقق الاداري في جهات الادارة العامة مثل الاستماع الى اقوال العمال المخالفين والشهود وجمع الادلة وتحريزها وإقتراح توقيف المخالفين عن العمل إذا اقتضت مصلحة العمل ذلك ، وكذا التفتيش والمعاينة وتحرير المحاضر اللازمة لتلك الاجراءات

الوجه الرابع: نتائج التحقيق الإداري في الشركات والمؤسسات التجارية:

ذكرنا في الاوجه السابقة ان المحقق الإداري في الشركات والمؤسسات التجارية يكون بمثابة باحث يبحث عن الاسباب المختلفة لوقوع المخالفة وارتكاب العامل للمخالفة بغرض تقديم الاقتراحات المناسبة كي تقوم إدارة الشركة بتقرير المعالجات الادارية والقانونية والفنية اللازمة التي تكفل عدم تكرار وقوع المخالفة في المستقبل ، وعلى هذا الاساس فان مهمة المحقق الاداري في الشركة ان يتوصل من خلال اجراءات التحقيق والدراسة بعد انتهاء مهمته في التحقيق الي تقديم نتائج التحقيق التي لا تكتفي ببيان وقوع المخالفة وبيان نسبتها الى العامل المخالف ومدى توفر الادلة وكفايتها ، وانما يجب أن يذكر المحقق الاداري ضمن نتائج تحقيقه المثبتة في التقرير النهائي الأسباب الادارية التي ادت إلى وقوع المخالفة مثل قصور الاشراف على العامل او عدم تدريبه التدريب الكافي، وكذا يتضمن تقرير المحقق الاسباب المالية التي ادت إلى وقوع المخالفة وارتكاب المحالف لها مثل عدم فاعلية النظام المالي أو عدم كفاية اجر العامل او عدم تحفيزه ، وكذا يقوم المحقق بذكر الاسباب الفنية لإرتكاب العامل للمخالفة او لوقوع المخالفة مثل عدم توفر الوسائل والتجهيزات الفنية، اضافة الى ان المحقق يقوم بتضمين تقريره اسباب وقوع المخالفة التي ترجع الى الخلل و القصور في العقود واللوائح والادلة والنظم النافذة في الشركة، فضلا على ان المحقق يقوم بتضمين تقريره الأسباب الشخصية لوقوع المخالفة اي الاسباب التي ترجع الى شخص العامل المخالف مثل سوء سلوكه وضعف الوازع الديني ، علاوة على انه يجب أن يتضمن التقرير النهائي للتحقيق الإداري اسباب وقوع المخالفة التي ترجع إلى ضعف اليات الرقابة والتفتيش والمتابعة في الشركة.

الوجه الخامس: توصيات المحقق الإداري في الشركات والمؤسسات التجارية:

 إضافة إلى نتائج التحقيق الاداري المشار إليها في الوجه السابق فانه يجب أن يقوم المحقق الإداري بتضمين تقريره النهائي باباً مستقلاً يذكر فيه تفصيلاً التوصيات والمقترحات التي توصل اليها من خلال اجراءات التحقيق وبحثه للمخالفة المرتكبة في الشركة والعامل المخالف ، وتكون هذه التوصيات والمقترحات هي بيت القصيد في التحقيق الاداري في الشركة الذي يفيد الشركة في تجاوز الأخطاء واوجه القصور ويمنع أو يحد من وقوع المخالفة مستقبلا.

  فالشركة لن تستفيد كثيراً من توقيع الجزاء على العامل سوى زجر العامل المخالف وردع بقية العمال عن ارتكاب المخالفات مستقبلا.

ولذلك يأتي تقرير المحقق الاداري في الشركات والموسسات التجارية زاخراً بالاقتراحات والتصورات التي يقدمها المحقق للادارة العليا في الشركة ، وتتضمن هذه التوصيات التدابير والوسائل الكافية لمنع وقوع المخالفة في المستقبل.

كما تتضمن هذه المقترحات تطوير الادلة والنظم واللوائح وإستيفاء اوجه الخلل والقصور فيها ، وتفعيل الرقابة والتفتيش والمتابعة وتوفير التدريب الملائم، وتنمية قدرات العمال وتوفير الحوافز المناسبة ونقل العمال الى الاعمال التي تتناسب مع إمكانياتهم وقدراتهم ، وتنمية الوازع الديني والالتزام بقيم النزاهة والاخلاص في اوساط العاملين بالشركة ....الخ . (محاضرات في الاشكاليات العملية لتطبيق قانون العمل ، أ.د/عبد المومن شجاع الدين ،ص 16).

الوجه السادس: هدف التحقيق الاداري في الشركة التجارية :

من خلال إستعراض الأوجه السابقة في هذا التعليق يظهر أن هدف التحقيق الإداري في الشركات والمؤسسات التجارية لا يقتصر فقط على تحقيق غرض توقيع الجزاء على العامل المخالف لزجره عن العود الى إرتكاب المخالفة مستقبلا وردع العمال الاخرين من إرتكاب المخالفات ، وانما يستهدف التحقيق الإداري في الشركة بصفة اساسية الحيلولة دون إرتكاب المخالفات في الشركة مستقبلاً عن طريق تحديد أوجه الخلل والقصور في النظم واللوائح والادلة والعقود النافذة في الشركة وتطويرها والارتقاء بها ، وكذا تفعيل نظم الادارة والرقابة والتفتيش في الشركة ومعالجة مظاهر الاهمال والتقصير والعبث . (التعليق عن احكام المحكمة العليا في المسائل العمالية الجزء الثالث ، أ.د/عبد المومن شجاع الدين مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة،طبعة 2025م صنعاء، ص139). والله أعلم.