![]() |
إشكالية الضمانة التجارية على العامل في القانون اليمني |
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
تشترط شركات ومؤسسات تجارية كثيرة في اليمن تشترط حين التعاقد مع العامل أن يقدم العامل ضمانة تجارية تكون من ضمن مسوغات عقد عمل العامل .
والضمانة التجارية يسميها القانون التجاري اليمني والقانون المدني اليمني (الكفالة) وليس الضمانة .
والكفالة التجارية أو الضمانة التجارية المنصوص عليها في القانون التجاري لا تكون إلا إذا كان المكفول عليه مديناً بالفعل بدين تجاري حال أو مؤجل يطالب المكفول له الدائن يطالب المدين بالدين بتقديم كفيل يضم ذمته المالية الى ذمة المدين للوفاء بالدين حسب احكام الضمانة او الكفالة المقررن في القانون التجاري.
ومعنى ذلك أن الضمانة التجارية (الكفالة التجارية) المنصوص عليها في القانون التجاري لا تصلح لأن تكون ضمانة على العامل ، لأن محل الكفالة التجارية هو الدين التجاري القائم بالفعل الحال أو المؤجل بذمة المدين المكفول عليه للدائن المكفول له، وذلك حين صدور الكفالة ، في حين أن العامل حين التحاقه بالعمل لدى صاحب العمل ليس مديناً لصاحب العمل بدين حال أو مؤجل.
اما القانون المدني اليمني فهو الذي قرر الكفالة المستقبلية أو الضمانة المستقبلية ، ومضمون هذه الضمانة : جواز أن يكفل الإنسان ما سيترتب بذمة الشخص المكفول عليه في المستقبل، وهذه الكفالة أو الضمانة هي التي تصح أن تكون ضمانة بالنسبة للعامل وليس الضمانة المقررة في القانون التجاري أو ما يسمى بالضمانة التجارية.
علماً بأن قانون العمل اليمني والقانون المدني اليمني لم يشترطا تقديم العامل أو الموظف الضمانة التجارية كمسوغ للتعاقد معه أو تعيينه، ولكن غالبية الشركات في اليمن تشترط ان يقدم العامل مايسمى بالضمانة التجارية حين التعاقد معه بل ان بعضها تشترط ان يقوم العامل بتجديدها سنويا.
والضمانة التجارية تثير جدلاً واسعاً في اليمن في أوساط الفقه والقانون والقضاء والإدارة، ولذلك فهي من الإشكاليات العملية التي تحتاج إلى الإشارة إليها في هذه المقالة، وبحسب التبويب الآتي:
الوجه الأول: معنى الضمانة (الكفالة):
الاسم الشرعي والقانوني للضمانة هو الكفالة وليس الضمانة، ولكن شاع في اليمن استخدام مصطلح (الضمانة التجارية)، ومعنى الكفالة أو الضمانة في الفقه الإسلامي والقانون المدني اليمني والقانون التجاري اليمني: هو ضم الذمة المالية للكفيل (الضامن) إلى الذمة المالية للمكفول عليه (العامل) لصالح المكفول له (صاحب العمل).
وبموجب هذه الكفالة أو الضمانة يحق لصاحب العمل مطالبة العامل أو الكفيل (الضمين او الضامن) منفردين أو مجتمعين بأية مبالغ قد تترتب في المستقبل بذمة العامل لصاحب العمل اثناء فترة عمله لدى صاحب العمل. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في المسائل العمالية الجزء الأول، أ.د. عبدالمؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة، طبعة 2023م صنعاء، ص143).
الوجه الثاني: الكفالة التجارية المقررة في القانون التجاري اليمني:
عرّف القانون التجاري اليمني الضمانة التجارية أو الكفالة التجارية في المادة (230) التي نصت على أن (الكفالة التجارية: ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة بتنفيذ إلتزام وتنعقد بإيجاب وقبول من الكفيل والدائن) ،، وتصرح المادة (231) تجاري بأن الضمانة أو الكفالة لاتكون تجارية إلا إذا محلها دينا تجارياً ، وفي هذا المعنى نصت المادة (231) تجاري على أن : (تكون الكفالة تجارية إذا كان الكفيل يضمن دنياً تجارياً بالنسبة إلى المدين).
وكل مواد القانون التجاري المنظمة للكفالة التجارية تتحدث عن أن محل الكفالة التجارية ديناً تجاريا بذمة المدين حالاً أو مؤجلاً ، فلا تتناول هذه الضمانة العامل الذي ليس مديناً بدين حال أو مؤجل عند التعاقد معه.
وعندما يسأل السائل في الشركات التي تشترط الضمانة التجارية والتي تمتلك خبرات قانونية عالية عن سبب تسمية الضمانة تجارية يكون رد المختصين في تلك الشركات بأن الضمانة المقررة لديهم في النموذج الخاص بالضمانة هي في الاصل ضمانة مدنية مستقبلية ويطلق عليها مسمى الضمانة التجارية، لان الضامن أو الكفيل فيها تاجر .
وبناء على ماسبق فان الضمانة على العامل ليست تجارية، لأنها لاتتعلق بدين تجاري حال أو مؤجل. (الإشكاليات العملية عند تطبيق قانون العمل، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص15).
وعلى هذا الأساس فإن الكفالة التجارية المقررة في قانون العمل لا تصلح لأن تكون كفالة أو ضمانة على العامل إلا إذا تمت صياغنها على اساس الكفالة المستقبلية المقررة في القانون المدني، ولاضير في تسميتها تجارية على اساس أن الكفيل أو الضامن تاجر.
الوجه الثالث: الكفالة المقررة في القانون المدني اليمني (الكفالة المستقبلية):
نصت المادة (1039) من القانون المدني على إنه (تصح الكفالة بما سيثبت مستقبلاً وللكفيل الرجوع فيما سيثبت بالمعاملة قبل ثبوته وإذا ثبت قبل الرجوع لزمت الكفالة).
ومن مطالعة هذا النص يظهر انه اجاز الكفالة على أفعال أو ديون قد تحصل من المكفول عليه في المستقبل، وهذا النص هو الأساس الذي يتم الإعتماد عليه في الضمانة التجارية التي يطلبها صاحب العمل من العامل ومفادها: أن الكفيل أو الضامن يقر بأنه قد ضمن وكفل العامل ، وأنه ملتزم بدفع أي ديون قد تترتب في المستقبل بذمة العامل أثناء عمله لدى صاحب العمل (المكفول له) وان الضامن أو الكفيل ملتزم بسداد صاحب العمل بأية مبالغ قد يختلسها العامل أو يستولي عليها ، وان الضامن ملتزم بتعويض صاحب العمل عن قيمة الأموال أو الأشياء التي قد يتلفها العامل، فكل هذه الأشياء محل الضمانة على العامل لا وجود لها عند إبرام العامل وصاحب العمل لعقد العمل وإنما قد تتحقق الأشياء محل الكفالة في المستقبل وقد لا تتحقق، فضلا عن الاشياء المكفول عليها لاينطبق عليها وصف الدين التجاري الحال او المؤجل الذي ينطبق عليه محل الضمانة التجارية المقررة في القانون التجاري.
وللتأكيد على شرعية الكفالة المستقبلية المذكورة في النص القانوني السابق وعدم وجودها في القانون التجاري (الضمانة التجارية) فإن بعض الشركات والبنوك في اليمن تشير إلى المادة (1039) مدني السابق ذكرها في متن (الضمانة التجارية) حتى تستطيع الرجوع على الكفيل بموجب المادة (1039) ،لأن الكفالة التجارية السابق ذكرها في الوجه السابق محلها هو الدين التجاري الحال أو المؤجل ، حسبما سبق ذكره. (محاضرات في الإشكاليات العملية لتطبيق قانون العمل ، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص 12).
الوجه الرابع: طلب الضمانة او الكفالة من العامل أو الموظف وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية:
عدا عقد السلم فإن الشريعة الإسلامية تشترط أن يكون محل العقد موجوداً وقت التعاقد بما في ذلك عقد الكفالة، فالكفالة في الشريعة الإسلامية لا تكون صحيحة إلا إذا كان محل الكفالة دينا ثابتا معين المقدار بذمة المدين فيكفله غيره في الوفاء بذلك الدين ، اما الضمانة المستقبلية فيذهب جمهور الفقهاء إلى عدم جوازها للغرر الفاحش الذي يعتريها، لأن الكفيل والمكفول عليه والمكفول له لا يعلموا عند عقد الكفالة بما سيقع في المستقبل، فقد تقع الأشياء محل الكفالة وقد لا تقع، والغالب أنها لا تقع والتشريع للغالب. (فقه المعاملات المالية وتطبيقاتها المعاصرة، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة، طبعة 2021م صنعاء، ص253).
الوجه الخامس: طلب الضمانة التجارية من العامل بين القبول والرفض:
يذهب بعض المهتمين في اليمن إلى أن طلب صاحب العمل للضمانة التجارية من العامل عند التعاقد معه يوحي أن صاحب العمل ليست لديه النظم واللوائح والإدارة الفاعلة والتفتيش والرقابة المستمرة على أعمال عماله ووالقدرة على منع أي تجاوزات أو إختراقات قبل وقوعها، ولذلك يلجأ صاحب العمل إلى طلب الضمانة بدلا من إيجاد إدارة فاعلة ونظم ولوائح وادلة تمنع أصلاً وقوع المخالفات والتجاوزات في الشركة من غير حاجة الى مطالبة العامل بتوفير الضمانة، وان الشركات والمؤسسات التي تمتلك النظم واللوائح والوسائل والإدارة والرقابة المصاحبة الفاعلة فأنها تعتمد على منع وقوع المخالفات في المستقبل بدلا من مطالبة العامل بتقديم ضمانة تجارية.
وبالمقابل هناك من يذهب إلى أن الضمانة التجارية وسيلة فاعلة لمنع العامل من مجرد التفكير بإرتكاب الأفعال محل الضمانة، كما أن الضمانة تكفل لصاحب العمل إستقرار وضعه المالي في حالة حدوث أية تجاوزات مالية لأن الحقوق المالية لصاحب العمل مضمونة عن طريق الضمانة.
ومن وجهة نظرنا فإن طلب الضمانة ينبغي أن يقتصر على أصحاب العهد وهم المعهود إليهم أو الذين تقع بين ايديهم أثناء عملهم أموال المؤسسة أو الشركة كأمين الصندوق ومسئول المخازن وعمال التوزيع والتحصيل اما غيرهم فلا.
الوجه السادس: آثار الكفالة عن العامل:
إذا تمت الكفالة على العامل على أساس الكفالة المستقبلية فإن صاحب العمل يستطيع بموجب الكفالة الرجوع على الكفيل أو الضامن منفرداً دون الرجوع على العامل ، كما يحق له الرجوع على الكفيل والعامل معاً ، ومقتضى ذلك أن صاحب العمل يطلب ودياً من الكفيل والعامل أو من اي منهما دفع المبالغ والديون فإن رفضا ذلك فعندئذٍ يقوم صاحب العمل برفع دعواه أمام القضاء.
الوجه السابع: الضمين المسلم والضمين العادي:
في كل الأحوال يكون التزام الضمين أو الكفيل في مواجهة صاحب العمل مستقلاً عن إلتزام العامل ، فلا يجوز للكفيل أن يطالب من صاحب العمل الرجوع أولاً على العامل.
غير أن الكفيل في الكفالة العادية يستطيع مناقشة مدى توفر الإهمال والتقصير وعدم الرقابة والمتابعة من جانب صاحب العمل على العامل مما أدى إلى وقوع الأفعال محل الكفالة .
اما الكفيل أو الضمين المسلم الذي ينص في ضمانته بأنه ملتزم بدفع الأشياء أو الأموال محل الكفالة دون قيد أو شرط وعند أول مطالبة، فإذا ثبت وقوع الشيء محل الكفالة فيحق له فقط مناقشة مدى وقوع الشيء محل الكفالة أو عدم وقوعه فقط غير أنه لا يستطيع المناقشة في مدى وجود إهمال أو تقصير من صاحب العمل تسبب في وقوع الأفعال أو المخالفات محل الكفالة.
الوجه الثامن: ضرورة إختصام الضمين للحكم عليه بدفع ما ضمنه:
إذا أراد صاحب العمل الرجوع على الكفيل أو الضمين والحصول على حكم قضائي يلزم الكفيل بسداد ما كفله أو ضمنه فأنه يجب على صاحب العمل إختصام الكفيل أو إدخاله حتى يتمكن الكفيل من إبداء أوجه دفاعه والإستماع إلى أقواله ، فيصدر الحكم في مواجهته فيكون حجة عليه.
الوجه التاسع: تجديد الكفالة على العامل:
من ضمن الإشكاليات العملية للكفالة حدوث مستجدات ومتغيرات بعد صدور الكفالة ، فيما يتعلق بالعامل المكفول عليه أو فيما يتعلق بالكفيل، فبعد صدور الكفالة أو الضمانة تتغير الوظيفة المسندة للعامل، فقد تكون وظيفة العامل المذكورة في الضمانة موظف في الموارد البشرية وبعد ذلك يتم نقله إلى التوزيع والعكس صحيح وهكذا في بقية الوظائف، وعندئذٍ لا يستطيع صاحب العمل مطالبة الضامن ، لأن ضمانته كانت على أساس الوظيفة أو العمل المذكور في الضمانة، وعندئذٍ لا يتم الحكم لصاحب العمل وقد حدث هذا بالفعل كثيراً، وبالمقابل قد تتغير الأحوال والظروف المالية للكفيل خلال مدة سريان الكفالة، فقد يقوم الكفيل بالهجرة وتصفية نشاطه كما قد تتدهور أحواله المالية فيصير غير قادراً على الوفاء بما ضمنه، ولذلك تقوم بعض الشركات والبنوك بتجديد الضمانات عن طريق إثبات تمديدها خلف الضمانة السابقة بما يفيد تمديد العمل بالضمانة، والأمانة العلمية تقتضي القول بأن غالبية الشركات تعجز عن تمديد أو تجديد الضمانات، ففي أفضل الأحوال فإن تمديد أو تجديد الضمانات يقتصر على تمديد ضمانات (أصحاب العهد) كأمناء المخازن والصناديق والموزعين والمحصلين، (التعليق على أحكام المحكمة العليا في المسائل العمالية الجزء الأول، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة، طبعة 2023م صنعاء، ص143). والله اعلم.