![]() |
التوفيق بين عقد العمل ونظم صاحب العمل |
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
صحيح أن عقد العمل الفردي ينظم العلاقة بين العامل وصاحب العمل، لأنه يتضمن حقوق وإلتزامات وواجبات الطرفين المتعاقدين، إلا أنه من المستحيل أن يتضمن عقد العمل كل الإلتزامات والحقوق وكيفية الوفاء بها أو تنفيذها واجراءات القيام بها ، سيما ان هناك قوانين عدة قد نظمت بعض جوانب العلاقة بين العامل وصاحب العمل مثل قانون العمل وقانون التأمينات وقانون تنظيم النقابات العمالية، كما أن صاحب العمل في الغالب يقوم بإصدار أدلة ونظم وتعليمات ولوائح تنظم العمل في الشركة أو المؤسسة أو غيرها، إضافة إلى أن صاحب العمل يقوم بإعداد بطاقات التوصيف الوظيفي لكل وظيفة من الوظائف الموجودة في الشركة أو غيرها ، وقد تكون هذه البطاقات والأدلة واللوائح صادرة قبل إبرام عقد العمل مع العامل، كما قد تصدر لاحقة على التعاقد مع العامل.
فضلاً عن أن التزامات العمال تختلف بإختلاف الأعمال والوظائف في الشركة ، ولذلك تحتاج كل مجموعة من الوظائف إلى نموذج عقد عمل خاص بها، علاوة على أن صاحب العمل قد يقوم بنقل العامل إلى وظيفة أخرى بعد التعاقد معه حيث تختلف الالتزامات الخاصة بهذه الوظيفة عن الالتزامات الخاصة بالوظيفة المذكورة في عقد العمل عند التعاقد مع العامل، وكذا تتغير بعد ابرام عقد العمل حتماً البيانات الواردة في عقد العمل بمضي مدة على إبرام العقد.
كل هذه الإشكاليات العملية يجب أن تكون حاضرة في ذهن مسئول الموارد البشرية قبل صياغة عقد العمل وقبل التوقيع عليه ،حتى يتمكن من التفكير السليم في معالجة هذه الإشكاليات عند إعداد نموذج عقد العمل. (محاضرات في الإشكاليات العملية لتطبيق قانون العمل، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص46).
ولا ريب أن المعالجة الصائبة لهذه الإشكاليات تكمن في وجوب إحاطة مسئول الموارد البشرية قبل إعداد نموذج عقد العمل في كيفية التوفيق بين عقد العمل والقوانين النافذة واللوائح والادلة وبطاقة التوصيف والأدلة الموجودة عند التوقيع على عقد العمل أو تلك التي سيتم صدورها بعد التوقيع على عقد العمل.
ولأهمية هذا الموضوع فسوف نعرضه في هذه المقالة على النحو الآتي:
الوجه الأول: البيانات العامة والبيانات الخاصة في عقد العمل:
يتضمن عقد العمل بيانات عامة لا تختلف ما بين عامل وآخر مثل اسم العامل وعنوانه وبياناته الشخصية والإلتزامات العامة مثل الإلتزام بالأوقات المحددة للحضور والإنصراف من العمل والمحافظة على أدوات العمل واسرار العمل...إلخ، فهذه الإلتزامات لا تختلف من عامل إلى آخر أو من عمل الى اخر،ومثل ذلك البيانات العامة لصاحب العمل مثل اسم صاحب العمل وعنوانه والتزاماته العامة إزاء العامل مثل التزاماته بشان حقوق العامل.
وبمقابل الالتزامات العامة السابق ذكرها فهناك بيانات خاصة في عقد العمل تختلف من عامل إلى آخر ومن عمل إلى آخر، فمثلاً واجبات والتزامات العامل المهندس تختلف عن واجبات والتزامات العامل القانوني أو المحاسب وهكذا، وتقوم كثير من الشركات والبنوك والمؤسسات بإعداد عدة نماذج لعقود العمل لكل مجموعة نموذج عقد عمل خاص بها ، حتى يتم إستيعاب المتغيرات أو البيانات الخاصة التي تختلف من عامل إلى آخر ومن عمل إلى آخر ومن مهنة إلى اخرى (عقد عمل: نموذج بالمهندسين/ نموذج خاص بالمحاسبين...إلخ).
الوجه الثاني: التوفيق بين الإلتزامات والحقوق الواردة في عقد العمل والإلتزامات الواردة في بطاقات التوصيف والأدلة والتعليمات الموجودة والتي سوف تصدر في المستقبل:
لهذه الغاية يجب التصريح في نموذج عقد العمل في بندين مستقلين:
البند الأول: أن العامل ملتزم بأداء أعماله وفقاً لما ورد في عقد العمل وفي بطاقة التوصيف الخاصة بالوظيفة المحددة له في عقد العمل وأن العامل موافق على أية تعديلات تجري عليها في المستقبل وأنه موافق على إنتقاله إلى أي عمل آخر وملتزم بالعمل بموجب بطاقة التوصيف لذلك العمل ، وأن العامل ملتزم بأداء عمله بحسب الإجراءات المبينة في دليل... ودليل... وأية أدلة أو نظم أو تعليمات قد يصدرها صاحب العمل بعد التوقيع على عقد العمل، وان العامل قد اطلع بالفعل على الأدلة واللوائح والتعليمات الخاصة بعمله وأنه قد فهمها وفهم الآثار والمسئوليات والتبعات المترتبة على مخالفتها – بإعتبار بطاقة التوصيف والأدلة جزءاً لا يتجزأ من عقد العمل.
البند الثاني: ينص على أن : العامل يتمتع بالحقوق المذكورة في العقد وتلك المقررة في أدلة ونظم ولوائح صاحب العمل سواءً الموجودة عند التعاقد أو تلك التي سيتم إصدارها لاحقاً بعد إبرام العقد – بإعتبار الأدلة واللوائح والنظم جزءا لا يتجزأ من عقد العمل. (مهارات الصياغة القانونية، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة، طبعة 2018م صنعاء ، ص38).
الوجه الثالث: حرية العامل وصاحب العمل في تضمين عقد العمل البنود المناسبة بما لا يتعارض مع قانون العمل:
تقوم العقود كافة بما فيها عقد العمل تقوم على مبدأ سلطان الإرادة أي سلطان إرادة المتعاقدين أطراف العقد ، فلهم أن يقوموا بتدوين ما يشاؤوا من بنود في العقد شريطة أن لا تكون تلك البنود مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية أو قانون العمل، وعلى هذ الاساس فانه يحق للعامل وصاحب العلم أن يقوما بتضمين عقد العمل البنود التي يقدرا انها تحقق مصلحتيهما، فالعامل وصاحب العمل غير متقيدا بأي نموذج عقد سواءً تم إعداده من قبل صاحب العمل أو من قبل مكتب العمل، فنموذج عقد العمل الذي يعده مكتب العمل نموذج إرشادي للعامل وصاحب العمل بغرض الاسترشاد به . (التعليق على احكام المحكمة العليا في المسائل العمالية الجزء الأول، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة صنعاء، طبعة 2024م صنعاء ، ص134) ، والله أعلم.