![]() |
كتابة صاحب العمل لإجراءات تنفيذ عقد العمل |
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
نصت الفقرة (5) من المادة (30) من قانون العمل اليمني على أنه (يجب أن تكون الإجراءات التي يقوم بها صاحب العمل تنفيذاً لنصوص عقد العمل ثابتة بالكتابة وتسلم نسخة منها للعامل).
ولاريب أن قصد المقنن اليمني من هذا النص هو ضمانة إحترام صاحب العمل لبنود عقد العمل الذي سبق إبرامه فيما بينه وبين العامل، حتى تكون الإجراءات التنفيذية لبنود عقد العمل مطابقة لما ورد في العقد, وكي يقوم صاحب العمل بتنظيم وتنفيذا العلاقة العقدية التي نشأت فيما بينه وبين العامل تنظيما منسجما مع عقد العمل ، لان تنفيذ كل بنود عقد العمل يتم في مكان العمل التابع لصاحب العمل، وكي تتمكن الجهة المختصة وهي وزارة العمل من بسط رقابتها واشرافها على مدى إلتزام صاحب العمل بعقد العمل فيما بينه وبين العامل وعدم مخالفته.
وقد اشترط القانون كتابة صاحب العمل للإجراءات التنفيذية التي يتخذها لبنود عقد العمل ولم يشترط القانون ذلك بالنسبة للعامل، لان تنفيذ كل بنود عقد العمل يتم في مكان العمل التابع لصاحب العمل فتنفيذ كل التزامات وبنود عقد العمل تتم في مكان العمل التابع لصاحب العمل ،كما أن القانون راعى المصلحة الأولى بالرعاية وهي مصلحة العامل بإعتباره الطرف الضعيف في قانون العمل، ولأن صاحب العمل بإعتباره هو الطرف الذي يدير المشروع الذي يعمل فيها العامل بما ذلك إدارة الموارد البشرية، لذلك فان صاحب العمل هو الطرف المناسب الذي يجب عليه أن يقوم بكتابة الإجراءات التنفيذية لعقد العمل مثل التعليمات الأنظمة والأدلة واللوائح والوثائق والسجلات وكشوفات إستحقاقات العامل المختلفة وكل الإجراءات التي تتصل ببنود عقد العمل
وقد جاء النص القانوني السابق بصيغة الوجوب ، فقد بدأ النص بكلمة (يجب) التي تفيد الوجوب ، للدلالة على ان كتابة صاحب العمل لإجراءات تنفيذ بنود عقد العمل المتضمنة حقوق وواجبات العامل وصاحب العمل إلتزام قانوني وجوبي أي من النظام العام، ويقع هذا الإلتزام على عاتق صاحب ، وبما ان هذا الإلتزام متعلق بالنظام العام فلا يجوز لصاحب العمل مخالفته أو الإتفاق مع العامل على خلافه.
ومقتضى الوجوب في كتابة صاحب العمل لإجراءات تنفيذ بنود عقد العمل تستلزم أن تكون كافة الأنظمة والأدلة واللوائح التي تتصل بكافة بنود العمل مكتوبة، علماً بأن عقد العمل يتضمن كافة حقوق وواجبات الطرفين المتعاقدين وهما العامل وصاحب العمل.
بالإضافة إلى ما سبق فقد أوجب النص القانوني السابق على صاحب العمل أن يسلم العامل نسخة من الوثائق والمستندات المكتوبة المتضمنة الإجراءات التنفيذية لبنود عقد العمل، كي يسهل للعامل الإحتجاج بها.
ولأهمية هذه المسألة، فسوف نتناولها في هذه المقالة ، بحسب ما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: المقصود بنصوص عقد العمل التي يجب على صاحب العمل كتابة إجراءات تنفيذها:
وردت كلمة (نصوص عقد العمل) في الفقرة (5) من المادة (30) من قانون العمل اليمني ، التي نصت على أنه (يجب أن تكون الإجراءات التي يقوم بها صاحب العمل تنفيذاً لنصوص عقد العمل ثابتة بالكتابة وتسلم نسخه منها للعامل).
ومن المعلوم أن كلمة (النص) بالمفهوم الشرعي والقانوني تطلق في الاصل على النصوص العامة التي تنظم مسائل عامة كالنصوص الشرعية والنصوص الدستورية والنصوص القانونية والنصوص اللائحية ونصوص القرارات التنظيمية، لأن هذه النصوص تتضمن التزامات شرعية وقانونية ولائحية عامة تعني عامة المواطنين أو بعضهم في دولة معينة أو جهة معينة أو مهنة معينة، فالنصوص تعتنى بالإلتزامات الشر عية أو القانونية العامة التي مصدرها الشرع والقانون التي تهدف إلى تنظيم مسائل عامة تتعلق بحقوق ومصالح عامة الأفراد أو بعضهم .
اما الالتزامات العقدية التي تتضمنها العقود مثل عقد العمل فمصدرها العقد، فيقتصر التنظيم الوارد في العقد على اطراف العقد فقط ،ويسري هذا الأمر على عقد العمل الذي ينظم فقط العلاقة العقدية بين العامل وصاحب العمل.
ولذلك فانه يطلق على محتويات العقود (بنود) وليس نصوصاً. (مهارات الصياغة القانونية، أ.د. عبدالمؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة، طبعة 2019م صنعاء، ص62).
وبغض النظر عن تسمية مشتملات عقد العمل بالنصوص أو البنود فإن عقد العمل يشتمل على إلتزامات الطرفين (العامل وصاحب العمل) وحقوقهما وواجباتهما ومدة العقد وأسباب إنهاء عقد العمل ونسخ العقد وملحقاته...إلخ، ومعرفة وتحديد مكونات عقد العمل له أهمية بالغة فيما يتعلق بكتابة اجراءات تنفيذ عقد العمل ،لأن الإجراءات التنفيذية لعقد العمل من قبل صاحب العمل تشمل كل البنود الواردة في عقد العمل حسبما ورد في النص القانوني السابق ذكره.
الوجه الثاني: نطاق إلتزام صاحب العمل بكتابة إجراءات تنفيذ عقد العمل:
نصت الفقرة (5) من المادة (30) من قانون العمل اليمني على أنه (يجب أن تكون الإجراءات التي يقوم بها صاحب العمل تنفيذاً لنصوص عقد العمل ثابتة بالكتابة وتسلم نسخة منها للعامل).
عند إستقراء النص القانوني السابق يظهر أن نطاق إلتزام صاحب العمل بكتابة إجراءات تنفيذه لبنود قانون العمل نطاقه عام وشامل لكافة بنود عقد العمل، سواءً تلك التي تتضمن التزامات وحقوق وواجبات صاحب العمل وكذا تلك التي تخص العامل، فلم يقصر النص الإلتزام بكتابة الإجراءات على ما يخص صاحب العمل من حقوق وواجبات والتزامات، هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن النص عام يشمل كافة الإجراءات التي لها صلة أو علاقة بتطبيق أو تنفيذ أي بند من بنود عقد العمل ، ويندرج ضمن هذا الإلتزام أيضاً الإجراءات التي تتضمن تفسيراً لأي من بنود عقد العمل، وكذلك يندرج ضمن هذا العموم التزامات وحقوق وواجبات الطرفين التي قد تتم إضافتها لاحقاً بعد إبرام عقد العمل، ويشمل هذا الإلتزام أيضاً الإجراءات التفصيلية لبنود عقد العمل. (محاضرات في الإشكاليات العملية لتطبيق قانون العمل، أ.د. عبدالمؤمن شجاع الدين، ص42).
الوجه الثالث: مفهوم كتابة صاحب العمل للإجراءات التنفيذية لبنود عقد العمل:
أوجبت الفقرة (5) من المادة (30) من قانون العمل السابق ذكرها اوجبت على صاحب العمل كتابة كافة إجراءات تنفيذ بنود عقد العمل، وقد سبق أن ذكرنا أن هذا الإلتزام عام بالنسبة لكل بنود العمل ، وكذلك ذكرنا ان هذا النص عام ومطلق من حيث طريقة الكتابة ، فلم يحدد النص القانوني طريقة معينة للكتابة، وبناءً على ذلك يصح أن تكون الكتابة يدوية أو على ورق أو الكترونية.
الوجه الرابع: طبيعة إلتزام صاحب العمل بكتابة الإجراءات:
ورد نص الفقرة (5) من المادة (30) عمل بصيغة الوجوب، فقد بدأ النص بكلمة (يجب) ومفاد ذلك أن إلتزام صاحب العمل في هذا الشأن إلتزام وجوبي بموجب القانون ومتعلق بالنظام العام، فلا يجوز مخالفته أو الإتفاق على خلافه، كما لا يحق للعامل التنازل عن هذه الضمانة القانونية وإن كانت مقررة لمصلحة العامل.
وفي هذا المعنى نصت الفقرة (5) من المادة (30) من قانون العمل اليمني على أنه (يجب أن تكون الإجراءات التي يقوم بها صاحب العمل تنفيذاً لنصوص عقد العمل ثابتة بالكتابة وتسلم نسخة منها للعامل).
الوجه الخامس: الحكمة من إلزام صاحب العمل بكتابة إجراءات تنفيذ بنود عقد العمل:
الحكمة من ذلك ظاهرة وهي: ان تنفيذ عقد العمل يتم في مجمله لدى صاحب العمل، فالعامل يقوم بالعمل واداء واجباته والتزاماته في مقر العمل أو المكان التابع لصاحب العمل ،كما يقوم صاحب العمل بالوفاء بكافة حقوق العامل وذلك في مكان العمل التابع لصاحب العمل، بالاضافة إلى بسط الرقابة على الإجراءات التي يقوم بها صاحب العمل في سبيل تنفيذ عقد العمل، بإعتبار العامل هو الطرف الضعيف في عقد العمل، فالعامل هو الأولى بالرعاية، وكذا فان من الحكمة من ذلك الإلتزام تمكين العامل من إثبات مخالفة وصاحب العمل لأحكام وبنود عقد العمل، إضافة إلى أن صاحب العمل يمتلك الإمكانيات المالية والفنية والادارية اللازمة لكتابة إجراءات تنفيذ عقد العمل، فالموارد البشرية تتبع صاحب العمل كما توفر لدى صاحب العمل البيانات والمعلومات والمستندات اللازمة عن العامل وعلاقته بصاحب العمل.
الوجه السادس: إلتزام صاحب العمل بتسليم العامل نسخة من الوثائق والمستندات التي تتضمن الإجراءات التنفيذية لعقد العمل :
نصت الفقرة (5) من المادة (30) عمل على أنه يجب على صاحب العمل (تسليم نسخة منها للعامل) والمراد بذلك نسخة من الوثائق والمستندات المتضمنة للإجراءات التنفيذية التي أتخذها صاحب العمل في سبيل تنفيذ بنود عقد العمل المبرم فيما بينه وبين العامل.
والنص القانوني السابق ذكر (نسخة) ولم يقل (صورة) ، وتبعاً لذلك فأنه يجب على صاحب العمل تسليم (نسخة) من تلك المستندات والوثائق أو صورة (طبق الأصل)، وقد اشترط القانون ذلك حتى يتمكن العامل من الإحتجاج (بالنسخة) ، لأن قانون الإثبات اليمني صرح أن الحجية تكون لأصول المحررات ، ومعنى ذلك أن (صورة المحرر) لا تكون لها الحجية الكاملة، لأن قانون الإثبات قد صرح بأن الحجية تكون لأصول المحررات، والله اعلم.