عقد العمل مع العامل الأمي
![]() |
في القانون اليمني |
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.
مع أن قانون العمل اليمني قد صرح في المادة (2) بأن الشخص يعتبر عاملا اذا قام بعمله لدى صاحب العمل لقاء اجر عيني أو نقدي سواء قام بعمله هذا بموجب عقد مكتوب أو غير مكتوب.
غير أن غالبية الشركات والمؤسسات التجارية اليمنية تحرص على كتابة عقد العمل أي طباعته حماية لحقوقها وحقوق العامل، وحتى التزامات وحقوق الطرفين واضحة ومحددة وثابتة كتابة كي لايحدث في المستقبل أي نزاع في هذا الشان.
ولان هناك أعمال لا تحتاج أن يكون العامل فيها مجيداً للقراءة والكتابة، فضلاً عن أن قانون العمل اليمني لم يشترط أن يجيد العامل القراءة والكتابة، ولذلك يتم تشغيل الأميين في اليمن في عدة أعمال، سيما وأن نسبة الأمية في اليمن تصل إلى 85% بين النساء اليمنيات و 65% بين الرجال اليمنيين.
ومن الشروط الواجب توفرها في المتعاقد حين إبرام العقد بصفة عامة أن يكون المتعاقد حين إبرام العقد عالماً علماً نافياً للجهالة بكافة حقوقه وواجباته والتزاماته حتى لا يشتمل العقد على الغرر المهني عنه شرعاً، لان الغرر يعني عدم معرفة المتعاقد لالتزامه وحقوقه بدقة.
ومن المؤكد أن هناك إشكالية عملية تظهر عند التعاقد مع العامل الأمي، لأنه لن يتمكن من قراءة ومطالعة عقد العمل ، كما إنه لن يتمكن من قراءة ومطالعة بطاقة التوصيف الوظيفي والأدلة واللوائح الناظمة لعمله التي تعد مكملة لعقد العمل.
ولأن هذه المسألة من الإشكاليات العملية التي تظهر عند تطبيق قانون العمل لذلك فإننا سنتناول هذا الموضوع في هذه المقالة بحسب التبويب الآتي:
الوجه الأول: الكتابة وأثرها في بيان حقوق وواجبات العامل:
صحيح أن قانون العمل اليمني قد اجاز أن يكون عقد العمل غير مكتوباً حسبما هو مقرر في المادة (2) التي عرفت العامل بانه الذي يعمل لدى صاحب العمل لقاء اجر عيني أو نقدي بموجب عقد مكتوب أو غير مكتوب.
غير أن الشركات والمؤسسات التجارية اليمنية كافة تقوم بكتابة وتنظيم عقودها وأدلتها ولوائحها ومراجعتها كتابة دوريا، وتكون هذه العقود واللوائح والادلة مكتوبة أي مطبوعة حتى تكون حقوق وواجبات العامل وإلتزاماته واضحة ومحددة تحديداً دقيقاً مما يجعلها معلومة علماً نافياً للجهالة، حتى يكون العامل والعمال على بينة من حقوقهم والتزاماتهم أثناء قيامهم بالعمل ، وحتى يقوموا بالعمل بحسب ما هو مقرر في عقد العمل وملحقاته كبطاقة الوصف الوظيفي والادلة واللوائح المنظمة للعمل، ونخلص من هذا الوجه إلى القول: أن حقوق العامل والتزاماته باتت مكتوبة في عقد العمل وملحقاته وأدلة ولوائح صاحب العمل، لأن الكتابة من أفضل وسائل إثبات الحقوق والإلتزامات وتعليمات صاحب العمل. (محاضرات في الإشكاليات العملية لتطبيق قانون العمل، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص32).
الوجه الثاني: وجوب علم العامل عند التعاقد معه بحقوقه والتزاماته علماً نافياً للجهالة:
اشترطت المادة (185) من القانون المدني اليمني أن يكون محل العقد معلوماً، فقد نصت هذه المادة على إنه (يشترط في محل العقد (المعقود عليه) ما يأتي: -3- أن يكون معلوماً)، ومن المؤكد أن محل عقد العمل هو حقوق العامل وواجباته والتزاماته، وتطبيقاً لذلك فأنه يجب أن يطلع العامل على بنود عقد العمل وملحقاته كبطاقة الوصف الوظيفي وكذا الإلتزامات التي يجب عليه القيام بها المحددة في لوائح وأدلة صاحب العمل وتعليماته التي تكون مكتوبة، حتى يكون العامل مسئولاً عن مخالفة تلك الإلتزامات والواجبات المكتوبة في عقد العمل وملحقاته.
الوجه الثالث: إبرام عقد العمل مع العامل الأمي:
المتبع لدى الشركات والموسسات التجارية اليمنية ان يكون عقد العمل مكتوبا وكذا تعليمات صاحب العمل وأدلته ولوائحه ونظمه جميعاً تكون مكتوبة ورقياً والكترونيا ، في حين ان العامل الأمي لا يجيد القراءة والكتابة – فكيف يتحقق علم العامل الأمي بحقوقه والتزاماته المكتوبة؟!!.
لاريب ان القانون قد قرر المعالجات القانونية المناسبة لهذه الاشكالية ، فمن حسنات قانون التوثيق اليمني انه صرح بأنه يجب قبل التوقيع على العقد إملاء العقد على المتعاقدين أي قيام كاتب العقد بقراءة العقد أو تلاوته بصوت مسموع ، وذلك قبل قيام المتعاقدين بالتوقيع على العقد حتى يكون المتعاقدان على دراية تامة بحقوقهما وواجباتهما المكتوبة في العقد قبل التوقيع عليه حسبما هو مقرر في المادة (18) من قانون التوثيق التي نصت على أنه (يحب على الامين عند قيامه بمهامه الالتزام بمايلي: -ج- قراءة المحرر الذي حرره على ذوي العلاقة والشهود مع ذكر ذلك في المحرر ثم التوقيع معهم في ذيل المحرر) ، ومعنى ذلك انه يجب أن يكتب كاتب العقد في نهاية المحرر انه قد تم إملاء العقد على المتعاقدين فوافقا على ذلك.
اما في الدول الأجنبية فإن الموثق او كاتب العقود يقوم بشرح الآثار والمسئوليات المترتبة على التوقيع على العقد ، وذلك على المتعاقدين، ثم يقوم الموثق أو الكاتب المختص بتدوين عبارة (تم إملاء بنود العقد على طرفيه وتم إفهامهما بالآثار والمسئوليات المترتبة على التوقيع على هذا العقد). (مهارات الصياغة القانونية، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء طبعة 2019م صنعاء، ص56).
ولذلك ينبغي عند التعاقد مع العامل الأمي أن يتم إملاء العقد عليه بحضور شاهدين أو يتم توثيق عقد العمل لدى قلم التوثيق المختص، كما لا يفوتني القول بأنه ينبغي إملاء وواجبات العامل والتزاماته المذكورة في اللائحة أو الدليل. (التعليق على احكام المحكمة العليا الجزء الثاني ، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة، طبعة 2024 صنعاء). والله اعلم.