![]() |
مسئولية صاحب العمل عن فعل العامل |
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
لاريب أن العامل تابع لصاحب العمل، فمن أهم آثار عقد العمل أن العامل يكون تابعاً لصاحب العمل عند عمله لدى صاحب العمل، فيعمل العامل تحت إدارة صاحب العمل وإشرافه ومتابعته، ومن المعلوم شرعا وقانونا أن المتبوع يسأل عن أعمال تابعيه، ومؤدى ذلك أن صاحب العمل يكون مسئولاً عن عما يقوم به العامل التابع له، وهذا هو الأصل.
ومع ذلك فهناك استثناءات ترد على هذا الأصل منها: أن صاحب العمل لا يسأل عن اخطاء العامل التي تقع منه خارج مقر العمل ولا تتصل بعمل العامل لدى صاحب العمل، وقد نظم القانون المدني اليمني مسئولية صاحب العمل عن خطأ العامل وأفعاله في المواد (312 و 313 و 314) ، فقد نصت المادة (312) على أن (كل قائم يعمل مسئول عن إختيار العامل الذي اوكل إليه القيام بهذا العمل ومسئول عن الإشراف عليه ورقابته وتوجيهه في تنفيذ هذا العمل، ويعتبر العامل تابعاً له في ذلك وتقوم رابطة التبعية بين القائم بالعمل ولو لم يكن المتبوع حراً في إختيار تابعيه متى كانت له عليه سلطة فعلية في مراقبته وتوجيهه)، وفي السياق ذاته نصت المادة (313) مدني على أن (يكون المتبوع مسئولاً عن الضرر الذي يحدثه تابعه بعمل غير مشروع أمره به، فأن عمل التابع عملاً غير مشروع آخر بالغير ولم يأمره المتبوع كانت المسئولية على التابع، وعلى المتبوع أن يحضر العامل لتعويض الضرر الذي أحدثه)، وكذا نصت المادة (314) مدني على إنه (للمسئول عن عمل الغير حق الرجوع عليه في الحدود التي يكون فيها الغير مسئولاً عن تعويض الضرر).
والمقصود بالعمل غير المشروع المذكور في النصوص القانونية السابقة هي الأعمال التي تمنعها أحكام الشريعة الإسلامية والقوانين النافذة، والمقصود بالأوامر الصادرة من صاحب العمل إلى العامل هي كل التكاليف التي يجب على العامل القيام بها المذكورة في عقد العمل أو في ادلة ولوائح وتعليمات صاحب العمل، إضافة إلى التوجيهات والتعليمات الشفهية الصادرة إلى العامل من المختصين لدى صاحب العمل، ولذلك تتجه غالبية الشركات والمؤسسات التجارية إلى حوكمة أعمالها، ومن مظاهر هذه الحوكمة أن تكون كافة العقود واللوائح والأدلة والتعليمات مكتوبة وان تكون متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية والقوانين النافذة في الدولة وان لا تتضمن اشياء غير مشروعة تخالف النصوص الشرعية أو القانونية لأنها ستكون المسئولة عن قيام العمال بتنفيذها، وكذا من مقتضيات الحوكمة منع التوجيهات والتعليمات الشفهية. (محاضرات في الإشكاليات العملية لتطبيق قانون العمل اليمني ، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين ، ص33).
ومن المسائل المتعلقة بمسئولية صاحب العمل عن أفعال عماله مدى فاعلية نظام الرقابة والمراجعة والمتابعة والإدارة القانونية وإدارة الإمتثال لدى صاحب العمل وما إذا كانت هذه الإدارات تقوم بأعمالها على النحو المطلوب، إضافة إلى فاعلية تدريب العامل ومدى فهمه وإلمامه باللوائح والأدلة والنظم والتعليمات النافذة لدى صاحب العمل.
ولأهمية هذا الموضوع فسوف نستعرضه في هذه المقالة على النحو الآتي:
الوجه الأول: تبعية العامل لصاحب العمل وفقاً لقانون العمل اليمني:
من المؤكد أن العامل تابع لصاحب العمل، فهذا الأمر ظاهر في تعريف العامل المذكور في المادة (5) الذي عرّف العامل بأنه (كل شخص يعمل لدى صاحب العمل ويكون تحت إدارته ولو كان بعيداً عن نظارته...)، وتظهر تبعية العامل لصاحب العمل في تعريف القانون لعقد العمل في المادة (27) التي نصت على أن (عقد العمل هو اتفاق بين صاحب العمل والعامل يتضمن تحديد شروط العمل ويتعهد العامل بمقتضاه أن يعمل تحت إدارة صاحب العمل وإشرافه مقابل أجر).
ونخلص من هذا الوجه إلى القول: بأن العامل تابع لصاحب العمل الذي يحدد له الأعمال التي يجب عليه القيام بها سواءً في عقد العمل أو الأدلة أو اللوائح أو التعليمات التي يصدرها صاحب العمل، علاوة على أن العامل يؤدي عمله لحساب صاحب العمل.
الوجه الثاني: من هو صاحب العمل الذي يتبعه العامل:
عرّفت المادة (2) من قانون العمل اليمني صاحب العمل بأنه (كل شخص طبيعي أو إعتباري يستخدم عامل أو أكثر لقاء أجر في مختلف قطاعات العمل الخاضعة لأحكام هذا القانون)، وصاحب العمل قد يكون شخصاً طبيعياً كما لو كان مالكا للمحل التجاري كالبقالة والمطعم أو مالك المؤسسة التجارية الفردية، وقد يكون صاحب العمل شركة يساهم فيها عدة شركاء لها شخصيتها الإعتبارية المستقلة عن الشركاء فيها، وعندئذٍ تكون هذه الشركة ذات الشخصية الإعتبارية والذمة المالية المستقلة عن الشركاء تكون هي صاحب العمل ويكون لهذه الشركة ممثلاً قانونياً لها يمثلها في توقيع العقود مثل عقد العمل ويقوم بالتوقيع على الأدلة واللوائح والنظم نيابة عن الشركة، وهو الذي يقوم بإصدار التوجيهات إلى العمال والموظفين بالشركة، ويكون الممثل القانوني للشركة هو رئيس مجلس إدارتها أو المدير العام الذي يتبعه مجموعة من المدراء أو الرؤساء ويقوم الممثل القانوني بتوزيع أعمال الشركة عليهم بحسب اختصاصهم ، ويتبع كل واحد من المدراء او الرؤساء الفرعيين مجموعة من الموظفين والعمال، وتحدد اختصاصات وواجبات والأعمال التي يقوم بها كل العاملين في الشركة تحدد ذلك اللوائح والأدلة والتعليمات المقرة من الجمعية العامة للشركة المكونة من جميع الشركاء أو التي يصدرها الممثل القانوني تنفيذاً لقرارات الجمعية العامة.
وسواءً أكان صاحب العمل شخصاً طبيعياً أو إعتبارياً فإن العمال ملتزمون بالقيام بالأعمال المحددة لهم في عقود العمل واللوائح والأدلة والنظم والتعليمات التي يقوم صاحب العمل بالتوقيع عليها والأمر بتنفيذها والعمل بموجبها.
الوجه الثالث: التزام العامل بأداء الاعمال المحددة لحساب صاحب العمل:
من المؤكد أن العامل يقوم بالعمل لحساب صاحب العمل ، فصاحب العمل هو المستفيد من قيام العامل بالعمل، كما أن العامل أثناء عمله يلتزم بتنفيذ الأعمال المناطة به المذكورة في عقد عمله أو اللوائح والأدلة والنظم الصادرة باسم صاحب العمل، فالعامل يقوم بعمله على أساس أنه تابع لصاحب العمل يعمل لحسابه ويأتمر بأوامره وينفذ تعليماته، وينص عقد العمل واللوائح والأدلة الصادرة عن صاحب العمل على أنه يجب على العامل الالتزام والتقيد بالتزاماته وواجباته المقررة في لوائح وأدلة وتعليمات صاحب العمل، وان العامل يكون عرضة للمسائلة الإدارية إذا خالف ذلك.
ومن خلال ذلك تظهر تبعية العامل لصاحب العمل وأن صاحب العمل هو المتبوع وأن العامل هو التابع له. (محاضرات في الإشكاليات العملية لتطبيق قانون العمل اليمني ، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين ، ص36).
الوجه الرابع: مسئولية صاحب العمل عن أفعال العامل التابع له:
المقصود بالتابع هنا كل العمال الذين يعملوا لحساب صاحب العمل، وبإعتبار صاحب العمل متبوعاً والعامل يتبعه فإن صاحب العمل يكون مسئولاً عن أفعال وتصرفات العامل الذي يتبعه في حدود مسئولية المتبوع عن أعمال تابعيه المقررة في القانون المدني اليمني.
وفي هذا الشأن نصت المادة (312) مدني على أن (كل قائم يعمل مسئول عن إختيار العامل الذي اوكل إليه القيام بهذا العمل ومسئول عن الإشراف عليه ورقابته وتوجيهه في تنفيذ هذا العمل، ويعتبر العامل تابعاً له في ذلك وتقوم رابطة التبعية بين القائم بالعمل ولو لم يكن المتبوع حراً في إختيار تابعيه متى كانت له عليه سلطة فعلية في مراقبته وتوجيهه).
ومن خلال مطالعة النص السابق يظهر أن صاحب العمل لا يكون مسئولاً عن كل الأفعال والتصرفات الصادرة من العامل التابع له، وبناءً على ذلك فهناك أفعال وتصرفات صادرة عن العامل التابع لا يسأل عنها صاحب العمل، ومن ذلك ما يأتي:
1- الأعمال المشروعة الصادرة من العامل التابع: فإذا كان العمل أو التصرف الذي قام به العامل مشروعاً لا تمنعه أحكام الشريعة الإسلامية والقوانين واللوائح والنظم النافذة والأعراف السائدة، فإن العامل لا يكون مسئولاً عن فعله المباح ، وكذلك لا يكون صاحب العمل مسئولاً حسبما ورد في النص السابق.
2- الأعمال غير المشروعة التي يقوم بها العامل من تلقاء نفسه من غير أن يأمره صاحب العمل بالقيام بها: فإذا قام العامل بأعمال وتصرفات غير مشروعة من تلقاء نفسه من غير أن يأمره صاحب العمل بالقيام بها فإن العامل يكون في هذه الحالة هو المسئول وحده عن الأضرار التي تقع على الغير بسبب أعمال وتصرفات العامل غير المشروعة، لأن المسئولية في الشريعة والقانون شخصية قال تعالى {ولا تزر وازرة وزر أخرى)، فالعامل يكون وحده المسئول عن تعويض الأضرار التي حدثت بسبب فعله غير المشروع الذي قام به من تلقاء نفسه من غير أن يأمره صاحب العمل بالقيام به، ومع ذلك فإن صاحب العمل في هذه الحالة ملزم قانوناً بإحضار العامل امام الجهات المختصة لإنصاف المضرور من فعل العامل ، حسبما ورد في المادة (313) مدني التي نصت على أن (يكون المتبوع مسئولاً عن الضرر الذي يحدثه تابعه بعمل غير مشروع أمره به، فأن عمل التابع عملاً غير مشروع آخر بالغير ولم يأمره المتبوع كانت المسئولية على التابع، وعلى المتبوع أن يحضر العامل لتعويض الضرر الذي أحدثه).
الوجه الخامس: حق صاحب العمل في الرجوع على العامل إذا سبب ضررا بغيره بسبب صدر من العامل التابع لصاحب العمل:
في هذا الشأن نصت المادة (314) مدني على أن (للمسئول عن عمل الغير حق الرجوع عليه في الحدود التي يكون فيها الغير مسئولاً عن تعويض الضرر)، ومن خلال مطالعة هذا النص يظهر أنه صرح بأنه يحق لصاحب العمل الذي قام بتعويض الغير نتيجة فعل العامل، حق صاحب العمل في هذه الحالة في الرجوع على العامل إذا كان قد ثبت أنه شخصياً المتسبب في الضرر الذي لحق بالغير اذا كان صاحب العمل قد قام بتعويض المضرور. (التعليق على احكام المحكمة العليا في المسائل العمالية الجزء الثاني ، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة، طبعة 2025م صنعاء، ص132)، والله أعلم.