![]() |
إشكالية عقد العمل الجماعي |
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
نظم قانون العمل اليمني عقد العمل الجماعي في المواد (32 و 33 و 34) ، وخلاصة ذلك أن عقد العمل الجماعي يجب أن يكون مكتوباً، وبحسب النموذج المعد من قبل وزارة العمل ، واوجب القانون ان يتضمن هذا العقد وسائل العمل وتحديد الإلتزامات بتأدية الاجور وطريقة دفعها وأوقات العمل والراحة والحوافز المادية وشروط حماية العمل ومواصفات المهنة المشمولة بالعقد وأية شروط أخرى يتم الإتفاق عليها بين اللجنة النقابية وصاحب العمل ، حسبما ورد في المادة (32).
وتقوم اللجنة النقابية أو ممثلوا العمال بالتوقيع على عقد العمل الجماعي نيابة عن العمال بعد مناقشة اللجنة للعقد مع العمال بصورة جماعية وفي إجتماع عام، ويكون عقد العمل الجماعي سارياً على العمال الذين يلتحقوا بالعمل لاحقاً بعد التوقيع على العقد، وبعد التوقيع على عقد العمل الجماعي من قبل اللجنة النقابية وصاحب العمل يجوز تعديل عقد العمل الجماعي بعد قيام اللجنة النقابية بمشاورة العمال جماعيا مرة اخرى ، ويتم التوقيع على التعديلات بنفس الطريقة التي تم التوقيع فيها على العقد أول مرة، حسبما ورد في المادة (32).
واجازت المادة (33) لأصحاب الأعمال الاخرين واللجان النقابية الأخرى الانضمام إلى عقد العمل الجماعي المشترك.
وتحجم غالبية الشركات والبنوك والمؤسسات في اليمن وغيرها عن الأخذ بطريقة (عقد العمل الجماعي) نظرا للمخاطر والإشكاليات الكثيرة التي تظهر عند العمل به.
وسوف نستعرض هذا الموضوع بحسب التبويب الآتي:
الوجه الأول: ماهية عقد العمل الجماعي:
هو عبارة عن عقد يكون طرفيه صاحب العمل واللجنة النقابية أو ممثلوا العمال، فلا يتم توقيعه من قبل جميع العمال وإنما من قبل اللجنة النقابية او ممثلوا العمال نيابة عن العمال، واوجب القانون ان يتضمن عقد العمل الجماعي بيانات وتفاصيل أكثر مما يرد في عقد العمل الفردي ، حتى ان عقد العمل الجماعي يظهر كما لو انه لائحة تنظيمية للعمل في مشروع صاحب العمل.
ويتم التوقيع على هذا العقد بعد قيام اللجنة النقابية أو ممثلوا العمال بمناقشته بصورة جماعية مع جميع العمال مناقشة عامة في اجتماع عام، ويتم تعديل هذا العقد بالطريقة ذاتها التي يتم فيها التوقيع على العقد لأول مرة.
الوجه الثاني: التنظيم القانوني لعقد العمل الجماعي:
اشترطت المادة (32) من قانون العمل ان يكون عقد العمل الجماعي مكتوبا ، كما اشترطت هذه المادة ان يتضمن عقد العمل الجماعي بياناتا معينة كثيرة تجعله اشبه باللائحة التنظيمية للعمل في نشاط صاحب العمل ،واشترطت هذه المادة أيضا ان يكون عقد العمل الجماعي بحسب النموذج المعتمد من قبل وزارة العمل ، اذ نصت المادة (32) على أنه:
1- يجب أن يكون عقد العمل الجماعي مكتوبا وفقا للنموذج المعتمد من الوزارة ويتضمن المواد الرئيسية المتعلقة بوسائل العمل وتحديد الالتزامات بتأدية الاجور وطريقة دفعها وأوقات العمل والراحة والحوافز المادية وشروط حماية العمل ومواصفات المهنة المشمولة بالعقد وأية شروط يتفق عليها صاحب العمل واللجنة النقابية او ممثلي العمال طبقا للتشريعات المعمول بها.
2- تقوم اللجنة النقابية او ممثلي العمال بمناقشة جماعية لمشروع عقد العمل الجماعي والموافقة عليه وتوقيعه في اجتماع عام للعمال نيابة عنهم ويكون تعاقدها ملزما لجميع العمال ويكون باطلا أي عقد عمل جماعي لا تتم مناقشته جماعيا مع العمال.
3- تسري احكام عقد العمل الجماعي على العمال الملتحقين بخدمة صاحب العمل بعد سريان العقد.
4 أ. لا يجوز ابرام عقود عمل فردية بشروط مخلة بعقد العمل الجماعي وذلك بالنسبة للأعمال التي يتضمنها عقد العمل الجماعي.
ب. لا تؤثر احكام هذه المادة في ابرام عقود العمل الفردية أثناء سريان عقد العمل الجماعي شريطة ان لا تقل شروط العمل في العقد الفردي على الشروط المحددة في عقد العمل الجماعي وان لا تزيد مدته عن المدة المقررة لا نجاز العمل للأعمال المؤقتة التي لم يتضمنها عقد العمل الجماعي.
5- على اللجنة النقابية او ممثلي العمال عرض أي تعديلات او اضافات مقترحة من صاحب العمل في العقد على العمال في اجتماع عام.
6- يقع باطلا كل شرط يرد في عقد العمل الجماعي يكون من شأنه الاخلال بالامن او الاضرار بمصلحة البلاد الاقتصادية او يكون مخالفا للقوانين واللوائح النافذة المتعلقة بها او النظام العام او الآداب العامة).
اما المادة (33) عمل فقد نظمت عقد العمل الجماعي المشترك والانضمام إليه ، فقد نصت المادة (33) عمل على أنه:
1- يجوز لاصحاب الاعمال واللجان النقابية او النقابة العامة التي تمثل العمال في اكثر من موقع ابرام عقد عمل جماعي مشترك.
2- يجوز لغير المتعاقدين من اصحاب الاعمال واللجان النقابية الانضمام بصورة مستقلة إلى عقد العمل الجماعي المشترك بناء على اتفاق مكتوب بين الطرفين طالبي الانضمام دون حاجة إلى موافقة المتعاقدين الاصلين ويقدم طلب الانضمام إلى مكتب الوزارة المختص موقعا من الطرفين طالبي الانضمام.
3- لكل منظمة نقابية تكون طرفا في عقد عمل جماعي أن ترفع جميع الدعاوى الناشئة عن الاخلال بهذا العقد وذلك لمصلحة أي عضو من أعضائها دون حاجة إلى توكيل منه بذلك، ويجوز لهذا العضو التدخل في الدعوى المرفوعة لصالحه ، كما يجوز له رفع هذه الدعوى مستقلا عن منظمته النقابية).
في حين نظمت المادة (34) نسخ عقد العمل الجماعي وإجراءات مراجعته من قبل وزارة العمل واجراءات الاعتراض عليه ، فقد نصت المادة (34) على أنه:
1- يعد عقد العمل الجماعي من نسخ كافية تكون لكل طرف من المتعاقدين نسخة ونسخة للوزارة وللعمال ان يحصلوا على صورة منه ومن وثائق الانضمام اليه.
2- لا يكون عقد العمل الجماعي ملزما إلا بعد مراجعته وقيده لدى الوزارة او مكتبها المختص ويجب عليها في حالة الاعتراض تبليغ ذوي الشأن باسباب هذا الاعتراض وذلك خلال ثلاثين يوما من تاريخ تلقيها للعقد فإذا لم تعترض خلال هذه المدة اعتبر العقد نافذا ويجوز لأي من طرفي العقد الطعن في قرار الاعتراض أمام اللجنة التحكيمية المختصة وذلك خلال ثلاثين يوما من تاريخ الاعتراض.
3- تقوم الوزارة او مكتبها المختص بالتأشير في سجل قيد العقود الجماعية بما يطرأ على العقود الجماعية من تعديل او اتمام او تجديد او انتهاء او انقضاء.
4- لكل شخص الحق في ان يحصل من الوزارة او مكتبها المختص على صورة طبق الأصل من عقود العمل الجماعية ووثائق الانضمام اليها بعد سداد الرسم المقرر لذلك).
الوجه الثالث: إشكاليات عقد العمل الجماعي:
عند التطبيق العملي لهذا العقد تظهر إشكاليات كثيرة من أهمها ما يأتي:
الإشكالية الأولى: التوقيع على عقد العمل الجماعي يتم من قبل اللجنة النقابية أو ممثلوا العمال حسبما سبق بيانه، فلا يتم التوقيع على العقد من قبل جميع العمال، في حين ان اللجنة النقابية او ممثلوا العمال ليسوا وكلاء عن العمال للتوقيع على عقد العمل الذي يحتاج إلى توكيل خاص بالتوقيع على العقد.
فاللجنة النقابية وممثلوا العمال يقوموا بالتوقيع على عقد العمل الجماعي بصفتهم مختارين او منتخبين من العمال، في حين ان احصل إنتخاب اللجنة النقابية يكون الغرض منه عاماً وهو الدفاع عن حقوق العمال وتمثيلهم في المطالبة بحقوقهم لدى صاحب العمل، فالإنتخاب ليس توكيلا صريحا للجنة النقابية بالتوقيع على عقد العمل، وعلى إفتراض أن الإنتخاب توكيل من العمال للجنة النقابية فإن اللجنة يتم إنتخابها حسبما هو معروف عن طريق إعتماد أصوات الاغلبية المطلقة للعمال الحاضرين الانتخاب ، وهي أغلبية (51%) من العمال الحاضرين وليس جميع العمال ، ومعنى ذلك أن (49%) من العمال في غالب الاحيان لم يفوضوا اللجنة بالتوقيع على العقد، فكيف تقوم اللجنة النقابية بالتوقيع على العقد نيابة عن العمال الذين لم ينتخبوها او كانوا غائبين عند إنتخابها ، بل أن 49./. من الحاضرين قد عترضوا على إنتخابها.
إضافة إلى أنه من الصعب في الشرع اوالقانون أو المنطق القبول بفكرة أن العمال الذين يلتحقوا بالعمل بعد التوقيع على عقد العمل الجماعي يسري عليهم عقد العمل الجماعي السابق توقيعه من قبل غيرهم، فالعقد حجة على أطرافه حسبما هو مقرر في احكام الشريعة والقانون ،فلا يكون العقد حجة على من لم يكن طرفاً فيه.
الإشكالية الثانية: من الصعب جدا ان يتضمن عقد العمل الجماعي المتطلبات الفردية أو الخاصة لجميع العمال ، ولذلك فان عقد العمل الجماعي يصادر الفروق الفردية بين العمال والفروق بين الأعمال والوظائف المختلفة في الشركة التي تختلف شروط شغلها والتزامات العامل وواجباته في كل وظيفة ، كما تختلف حقوق العمال فيها. (محاضرات في الإشكاليات العملية لتطبيق قانون العمل، أ.د.عبد المؤمن شجاع الدين ، ص18).
الإشكالية الثالثة: تعديل عقد العمل الجماعي يتم بالطريقة ذاتها التي تتم عند التوقيع على العقد أول مرة، ومعنى ذلك أنه يجب أن يتم عقد إجتماع عام للعمال لعرض التعديلات عليهم ومناقشتها بصورة جماعية ثم تقوم اللجنة النقابية بالتوقيع على العقد نيابة عنهم، وهذه الطريقة معقدة سيما ان التعديلات كثيرة تتم بين فترة وأخرى لإستيعاب المتغيرات والمستجدات.
الإشكالية الرابعة: يسمح هذا النظام للجنة النقابية او ممثلي العمال بالتدخل في أعمال الموارد البشرية عن طريق تفسير بنود عقد العمل الجماعي، ومن ثم التأثير على أعمال الموارد البشرية في الشركة.
الإشكالية الخامسة: يتضمن عقد العمل الجماعي تفاصيل وإجراءات تفصيلية كثيرة، مما يقلص خيارات الموارد البشرية في تطوير أعمالها بحسب المتغيرات والمستجدات، لأن صدور أية مسئولية لوائح أو نظم أو أدلة ينبغي أن لا تخل بما ورد في عقد العمل الجماعي، وتبعاً لذلك فإن عقد العمل الجماعي يحل محل اللوائح والنظم التي قد تصدرها الموارد البشرية أو على الأقل فأنه يجب مراعاة ما ورد في عقد العمل الجماعي عند مجرد التفكير بإصدار أية تعليمات أو لوائح أو أدلة في الشركة، (التعليق على احكام المحكمة العليا في المسائل العمالية الجزء الثاني ، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ، طبعة 2052م). والله اعلم.