![]() |
الدفع بسبق الفصل في النزاع بالصلح |
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
الصلح عقد بين الخصوم يتم بموجبه حسم نزاع قائم أو توقي نزاع محتمل ، حسبما هو مقرر في المادة (668) من القانون المدني اليمني، كما صرحت المادة (677) مدني بان الصلح حاسم للنزاع ، اذ نصت هذه المادة على أن (يحسم الصلح المنازعات التي تناولها ويترتب عليه إنقضاء الحقوق والإدعاءات التي تنازل عنها أي من الطرفين) .
وبناءً على ذلك فإن الصلح وسيلة شرعية وقانونية للفصل في النزاعات وحسمها مثل الصلح في ذلك مثل حكم القضاء أو حكم التحكيم، بل أن الصلح إذا تم أمام المحكمة التي تنظر النزاع فأنه يصير سنداً تنفيذياً ، حسبما هو مقرر في المادة (165) من قانون المرافعات، وعندئذٍ يبرز النقاش بشأن طبيعة الحكم الصادر من المحكمة المتضمن المصادقة على الصلح الذي تم امامها.
بيد انه في كل الأحوال يجوز للخصم أن يدفع بسبق الفصل في النزاع بالصلح في مواجهة خصمه إذا قام بتقديم دعوى بشأن الموضوع الذي سبق أن حسمه الصلح، فالدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها المنصوص عليه في الفقرة (6) من المادة (186) مرافعات لم تحصره تلك الفقرة على الفصل في النزاع بحكمٍ قضائي أو بحكم تحكيم ، فقد جاءت صيغة الدفع مطلقة هكذا: (الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها) ، فلم يحصر هذا النص الفصل في النزاع على وسيلة بعينها ، ولذلك فإن النص المشار اليه يشمل كل الوسائل القانونية للفصل في الدعاوى بما فيها الصلح، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 12-8-2015م في الطعن رقم (56900)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (فما نعى به الطاعن مردود بما دفع به المدعى عليه بعدم جواز النظر في الدعوى لسبق الفصل فيها بالصلح المحرر في عام..... بين الطرفين)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: عقد الصلح وآثاره في القانون المدني اليمني:
عرّف القانون المدني الصلح في المادة (668) بأن (الصلح: عقد يرفع النزاع ويقطع الخصومة يحسم به الطرفان نزاعاً قائماً أو يتوقيا به نزاعاً محتملاً بأن يتنازل كلٍ منهما عن جزء من إدعائه)، وفي السياق ذاته اكدت المادة (677) مدني أنه يترتب على الصلح حسم النزاع ، فقد نصت هذه المادة على أن (يحسم الصلح المنازعات التي تناولها ويترتب عليه إنقضاء الحقوق والإدعاءات التي تنازل عنها أي من الطرفين).
ومن خلال مطالعة النصين السابقين يظهر أن الصلح وسيلة شرعية وقانونية للفصل في الدعاوى ، وانه يحسم الدعاوى والخصومات مثله في ذلك مثل حكم القاضي أو حكم المحكم، سيما أن القانون المدني هوالقانون الأساسي الذي نظم عقد الصلح ونظم الآثار المترتبة على عقد الصلح على النحو السابق بيانه.
الوجه الثاني: الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها المقرر في المادة (186) مرافعات:
نصت المادة (186) مرافعات على ان (تعتبر من النظام العام الدفوع الآتية: -6- الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها)، وهذا النص صريح وعام في عدم جواز نظر الدعوى إذا كان قد سبق أن تم الفصل فيها بأية وسيلة مقررة في القانون فلم يحصر النص وسيلة الفصل في الدعوى على حكم القاضي وحكم المحكم فقط .
الوجه الثالث: عدم جواز فتح نزاع سبق حسمه بحكم وتوصيتنا للمقنن اليمني:
نصت المادة (12) مرافعات على إنه (لا يجوز للقاضي أن يفتح نزاعاً حسم بحكم قائم صدر من ذي ولاية قضائية أو من محكم مالم ينص القانون على خلاف ذلك) وقد ورد هذا النص ضمن الفصل الخاص بولاية القاضي وحدودها، ويلاحظ أن النص لم يتضمن الصلح، وربما أن سبب عدم ذكر الصلح في هذا النص هو أن هذا هذا النص قد ورد ضمن نصوص ولاية القاضي في نظر القضايا والفصل فيها بالأحكام ، فالاحكام تختلف عن العقود ومنها عقد الصلح، فعقد الصلح لم يصدر من ذي ولاية وإنما انعقد الصلح بناء على تراضي الخصوم ، فلا علاقة لعقد الصلح بالولاية في إصدار الأحكام.
ومهما كانت المبررات فإن نص المادة (12) مرافعات السابق ذكرها قاصر، إذ كان من الواجب أن يتضمن هذا النص الصلح بإعتباره وسيلة قانونية للفصل في الدعاوى والنزاعات مثله في ذلك مثل حكم القاضي وحكم المحكم ،حسبما سبق بيانه ، سيما ان هناك توجه جاد لتبسيط إجراءات التقاضي وإيجاد البدائل الشرعية والقانونية المناسبة لحسم القضايا ، ومنع تراكم القضايا أمام القضاء ،ولضمان سرعة الفصل في القضايا ومنع تراكمها ومنع إعادة فتح النزاعات التي سبق حسمها، ولذلك فإن إدراج الصلح ضمن نص المادة (12) مرافعات يحقق هذه الغايات، ومن هذا المنطلق فإننا: نوصي المقنن اليمني بتضمين الصلح ضمن نص المادة (12) مرافعات السابق ذكرها.
الوجه الرابع: الحكم بالمصادقة على الصلح بين العقد والحكم:
نصت المادة (165) من قانون المرافعات اليمني على إنه (للمحكمة أن ترغب الخصوم بالصلح وتحثهم على ذلك لا أن تجبر أياً منهم عليه ، وذلك قبل البدء في نظر الدعوى ، فإذا تصالح الخصوم فعليهم أن يثبتوا ما تصالحوا عليه في محضر الجلسة ويحرروا به عقد صلح ويقدموه للمحكمة لإلحاقه بمحضر الجلسة والتصديق عليه ، ويكون له في جميع الأحوال قوة السند الواجب التنفيذ).
والواقع العملي يدل : أن المحكمة عندما يتصالح الخصوم امامها فإنها تقوم بإصدار حكم يتضمن إثبات تصالح الخصوم امامها وتصادقهم على ذلك وتوقيعهم على ذلك وإنتهاء القضية بالصلح وإعتباره سنداً تنفيذياً ويتم التوقيع على هذا الحكم من قبل القاضي الذي نظر القضية ويتم ختمه بختم المحكمة ويتضمن هذا الحكم غالبية البيانات الواجب توفرها في الحكم المقررة في المادة (229) مرافعات، كما يتم الطعن في الحكم في هذه الحالة أمام المحكمة الأعلى على أنه حكم وليس عقدا.
ومع ذلك فأن سبب الفصل في الدعوى في هذه الحالة ليس الحكم وانما عقد الصلح الذي تم بين الخصوم امام المحكمة، فمن أركان الحكم ان يفصل في النزاع ، في حين ان الحكم الذي تضمن عقد الصلح عبارة عن مصادقة على ما تم امام المحكمة وإعتبار القضية منتهية بالصلح ، وإعتبار الصلح سنداً تنفيذياً، والله أعلم.