حالات إستحقاق العامل لأجره مع عدم عمله
![]() |
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.
الأصل في الشريعة والقانون أن الأجر مقابل العمل، ومقتضى هذه القاعدة أن العامل لا يستحق اجره إلا إذا كان قد سبق له أن قام بعمله المتفق عليه أو المحدد له ، بيد ان هناك حالتان إستثنائيتان من هذه القاعدة: الأولى: إذا ثبت أن العامل قد حضر الى مقر عمله وكان على اتم الإستعداد للقيام بعمله غير أن صاحب العمل لم يمكنه من ذلك أو منعه من العمل فإن العامل في هذه الحالة يستحق اجره كاملاً حسبما هو مقرر في المادة (72) من قانون العمل التي نصت على إنه (إذا حضر العامل إلى مقر العمل في الوقت المحدد للعمل وكان مستعداً لمباشرة العمل وحالت دون ذلك أسباب ترجع إلى صاحب العمل أعتبر أنه قد أدى عملاً فعلياً).
والحالة الثانية: هي حالة العامل المحتجز أو الموقوف لدى الجهات المختصة بسبب قضايا متعلقة بعمله لدى صاحب العمل، ففي هذه الحالة يستحق العامل الموقوف الأجر الكامل أثناء فترة احتجازه أو وقفه عن العمل ، على أن يقوم صاحب العمل في هذه الحالة بدفع 50% من الأجر الأساسي للعامل فإذا تم الحكم ببراءة العامل بعد ذلك فأن العامل يستحق النصف الأخر من الأجر الكامل، حسبما هو مقرر في المادة (59) من قانون العمل التي نصت على إنه (مع مراعاة أحكام المادتين (99 و100) من هذا القانون يستحق العامل اجره الكامل خلال فترة توقيفه بسبب قضية تتعلق بالعمل شريطة أن لا يقل ما يدفع له في فترة التوقيف عن 50% من اجره الأساسي ويكون صرف الجزء المتبقي من الأجر الكامل حال التأكد من براءته ولصاحب العمل استرجاع ما تم صرفه خلال فترة التوقيف في حال إدانة العامل بحكمٍ باتٍ).
وسوف نتناول هذا الموضوع في هذه المقالة بحسب التبويب الآتي:
الوجه الأول: قاعدة الأجر مقابل العمل:
قاعدة الأجر مقابل العمل قاعدة شرعية وقانونية تعني انه يجب على العامل أن يقوم أولاً بأداء العمل المتفق عليه حتى يستحق الأجر، ولذلك فإن صاحب العمل يدفع أجر العامل بعد قيامه بالفعل بأداء العمل، وهذا المفهوم ظاهر من تعريف قانون العمل اليمني وغيره لأجر العامل، فقد عرّف القانون اليمني الأجر الأساسي والأجر الكامل للعامل في المادة (2) بأنه (ما يدفعه صاحب العمل للعامل لقاء عمله من مقابل نقدي وعيني)، أي أن عمل العامل يقع قبل الأجر.
وهذا المفهوم راسخ في فقه الشريعة الإسلامية ، فالفقه الإسلامي يعرف عقد الإجارة للأشخاص والأماكن ويشمل ذلك التعريف عقد العمل يعرفه الفقه الإسلامي بأنه (تمليك منفعة مقابل عوض وهو الأجرة) ، فالعمل يكون أولاً والأجرة تكون بعد القيام بالعمل، عملاً بقوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، ومن كنت خصمه خصمته، رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فأستوفى منه ولم يعطه أجره) ، اما حديث (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه) فهو حديث ضعيف. (نيل الأوطار للشوكاني، 1/58) ، فالأجر مقابل العمل قاعدة فقهية راسخة في الفقه الإسلامي. (فقه المعاملات المالية وتطبيقاتها المعاصرة، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين،مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة صنعاء ، طبعة 2021م صنعاء ، ص287).
ونخلص من هذا الوجه إلى القول: أن الأصل في الشريعة والقانون أن العامل لا يستحق الأجر إلا إذا سبق له أن قام بالعمل.
الوجه الثاني: إستحقاق العامل لأجره الكامل إذا حضر إلى مقر العمل فلم يتمكن من أداء العمل لأسباب ترجع لصاحب العمل:
سبق القول بأن إستحقاق العامل لاجره في هذه الحالة من قبيل الإستثناء من قاعدة الأجر مقابل العمل ، وبشان هذه الحالة الإستثنائية فقد نصت المادة (72) من قانون العمل اليمني على إنه (إذا حضر العامل إلى مقر العمل في الوقت المحدد للعمل وكان مستعداً لمباشرة العمل وحالت دون ذلك أسباب ترجع إلى صاحب العمل أعتبر أنه قد أدى عملاً فعلياً).
ومن مطالعة النص القانوني السابق فأنه يشترط لإستحقاق العامل للأجر في هذه الحالة ما يأتي:
1- حضور العامل بالفعل إلى مقر عمله المعتاد لأداء عمله: فلا يستحق العامل الأجر إلا إذا حضر بالفعل إلى مقر عمله المعتاد، اما إذا لم يحضر إلى مقر العمل فلا يستحق الأجر حتى لو كان يعلم أن صاحب العمل لن يمكنه من العمل إذا حضر.
2- حضور العامل إلى مقر عمله في الوقت المحدد لبدء العمل (بدء الدوام) فإذا حضر بعد ذلك الوقت ولم يمكنه صاحب العمل من العمل فلا يستحق العامل أجر ذلك اليوم.
3- إذا كانت الأسباب التي حالت دون قيام العامل بعمله ترجع إلى صاحب العمل : فقد ترجع هذه الأسباب ترجع إلى صاحب العمل بصورة مباشرة مثل قيام صاحب العمل بمنع العامل من العمل أو عدم قيام صاحب العمل بفتح مقر العمل، وقد ترجع الأسباب إلى صاحب العمل بصفة غير مباشرة مثل قيام الجهات المختصة بإغلاق المحل أو المؤسسة لعدم قيام صاحب العمل بتجديد الترخيص أو عدم الوفاء بإلتزاماته قبل الجهات المختصة...إلخ.
اما إذا كانت الأسباب التي حالت دون قيام العامل بعمله رغم حضوره إلى مقر العمل ترجع إلى غير صاحب العمل فلا يستحق العامل الأجر في هذه الحالة حتى لو حضر في الوقت المحدد ولو كان مستعداً لأداء عمله، ومن أمثلة الأسباب التي لا ترجع إلى صاحب العمل الأسباب الطارئة التي تجعل صاحب العمل يغلق محل العمل في وجوه عماله رغم حضورهم مثل إندلاع أعمال عنف وشغب ومظاهرات أو إندلاع قتال في محيط مقر العمل أو وقوع كوارث أو قصف جوي في محيط مقر العلم أو حدوث فيضانات أو زلزال وغير ذلك.
4- أن يكون العامل عند حضوره إلى مقر العمل مستعداً للقيام بالعمل، ومؤدى ذلك أنه ينبغي أن يعبر العامل صراحة عند حضوره إلى مقر عمله بأنه مستعد للقيام بعمله المعتاد المتفق عليه. (محاضرات في الإشكاليات العملية عند تطبيق قانون العمل، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص21).
الوجه الثالث: إستحقاق العامل المحتجز أو الموقوف لدى الجهات المختصة لأجره مع أنه لا يقوم بعمله:
ذكرنا في الوجه الأول أن الأصل أن الأجر مقابل العمل، ومقتضى ذلك أن العامل لا يستحق الأجر إلا إذا كان قد سبق له أن قام بالعمل، غير أن هناك استثناءً آخر يرد على هذه القاعدة، وهذا الاستثناء أن العامل يستحق أجره الكامل إذا كان محتجزاً أو معتقلاً أو موقوفاً لدى الجهات المختصة بسبب قضية متعلقة بعمله لدى صاحب العمل، ففي هذه الحالة يلتزم صاحب العمل بأن يدفع للعامل الموقوف 50% من الأجر الأساسي فإذا صدر الحكم ببراءة العامل مما نسب إليه فإنه يجب على صاحب العمل أن يصرف للعامل المبلغ المتبقي من أجره الكامل ، وفي هذا المعنى نصت المادة (59) من قانون العمل اليمني على إنه (مع مراعاة أحكام المادتين (99 و100) من هذا القانون يستحق العامل اجره الكامل خلال فترة توقيفه بسبب قضية تتعلق بالعمل شريطة أن لا يقل ما يدفع له في فترة التوقيف عن 50% من اجره الأساسي ويكون صرف الجزء المتبقي من الأجر الكامل حال التأكد من براءته ، ولصاحب العمل استرجاع ما تم صرفه خلال فترة التوقيف في حال إدانة العامل بحكمٍ باتٍ).
أما إذا كان إعتقال العامل بسبب قضية لا علاقة لها بعمله لدى صاحب العمل، كما لو قام العامل بقتل شخص في القرية بسبب نزاع على ارض أو قام العامل بضرب صهره بسبب خلاف بين العامل وزوجته ، أو تم القبض على العامل بسبب شربه الخمرة....الخ ،فالعامل المحتجز في هذه الاحوال لا يستحق الأجر الأساسي أو الأجر الكامل أو 50% منهما ، عملاً بالفقرة (4) من المادة (98) من قانون العمل التي نصت على إنه (-4- لا يعتبر في حكم التوقيف عن العمل تلك الفترة التي يحتجز فيها العامل لدى الجهات المختصة لأغراض التحقيق في القضايا التي لا تتعلق بالعمل، وفي هذه الحالة لا يستحق العامل اجره المقرر او جزء منه إلا بموافقة صاحب العمل ولا يجوز فصله من الخدمة)، والله أعلم.