مدى جواز الصلح بين العامل وصاحب العمل في القانون اليمني

مدى جواز الصلح بين العامل وصاحب العمل في القانون اليمني

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.

الصلح خير في الشريعة الإسلامية ومعناه في الشريعة : تنازل الخصوم المتنازعين عن بعض حقوقهم أو طلباتهم، وكذلك الحال في القانون اليمني إذ نصت المادة (668) من القانون المدني اليمني على ان (الصلح عقد يرفع النزاع ويقطع الخصومة يحسم به الطرفان نزاعاً قائماً أو يتوقيان به نزاعاً محتملاً وذلك بأن يتنازل كل منهما عن جزء من إدعائه)، وبناءً على تعريف الصلح في الشريعة والقانون فإن الصلح عقد يتضمن إسقاط الخصوم لبعض طلباتهم أو حقوقهم .

بيد أن قانون العمل اليمني صرح في المادة (7) بأنه لا يجوز للعامل أن يتنازل عن أي حقوق له مقررة بموجب عقد العمل المبرم فيما بين العامل وصاحب العمل، كما لا يجوز للعامل إبراء صاحب العمل من أي حقوق مقررة للعامل بموجب عقد العمل إذا كان التنازل أو الابراء قد وقع مخالفا لقانون العمل، فقد نصت المادة (7) من قانون العمل على ان (تكيف علاقات العمل وفق أحكام هذا القانون بموجب الأسس التالية: -1- عدم جواز تنازل أو إبراء أية حقوق مترتبة للعامل عن عقد العمل إذا كان ذلك مخالفاً لأحكام هذا القانون)، ولاريب أن قانون العمل قانون خاص فيتم تقديمه عند التطبيق على القانون المدني.

 ومؤدى ذلك انه لا يجوز للعامل أن يتنازل أو يبرئ صاحب العمل من بعض حقوقه المقررة بموجب عقد المبرم فيما بين العامل وصاحب العمل إذا كان التنازل او الإبراء مخالفاً لما ورد في قانون العمل حسبما ورد في المادة (7) من قانون العمل السابق ذكرها.

ولاشك أن هذه الإشكالية تحتاج إلى دراسة موجزة لبيان مدى جواز الصلح بين العامل وصاحب العمل بشان حقوق العامل المقررة بموجب عقد العمل المبرم فيما بين العامل وصاحب العمل ،ومدى جواز تنازل العامل بموجب الصلح عن بعض حقوقه أو مطالباته لصاحب العمل المقررة في عقد العمل، وسنشيرالى هذا الموضوع في هذه المقالة بحسب الترتيب الآتي:

الوجه الأول: حقوق العامل المترتبة على عقد العمل:

العقد شريعة المتعاقدين ،وهذه القاعدة تسري على عقد العمل ، فيكون عقد العمل ملزماً لطرفيه (العامل وصاحب العمل) ، وتتضمن بنود عقد العمل حقوق العامل التي اتفق عليها مع صاحب العمل مثل حق العامل في الأجر الشهري والاجور الإضافية والمكافآت والعلاوات وبدلات العمل والانتقال والسفر والإجازات السنوية والعارضة وأيام الراحة وساعات الراحة والتأمين الإجتماعي والصحي...إلخ، وبموجب عقد العمل يستحق العامل هذه الحقوق إستناداً إلى عقد العمل، ووفقاً للمادة (6) من قانون العمل اليمني يجوز أن تزيد حقوق العامل المقررة في عقد العمل عن الحقوق المقررة للعامل بموجب قانون العمل ، فقد نصت المادة (6) من قانون العمل على أن (تمثل الأحكام الواردة في هذا القانون الحد الأدنى لحقوق العمال وشروط العمل وحيثما وجد نظام خاص لعلاقات العمل بشروط وضمانات أفضل تطبق على العمال أفضل الأحكام الواردة في هذا القانون أو في النظام الخاص).

الوجه الثاني: حقوق العامل المقررة بموجب اللوائح والنظم والأدلة المعمول بها لدى صاحب العمل:

عندما يكون صاحب العمل شركة أو مؤسسة فأنه يقوم بتنظيم موارده البشرية (العمال والموظفين) عن طريق أدلة سياسات للموارد البشرية تتضمن كافة الحقوق والواجبات الملقاة على عاتق صاحب العمل للعاملين عامة لدى صاحب العمل، أي أن الحقوق الواردة في أدلة وسياسات الموارد البشرية في الشركات والمؤسسات تهتم بحقوق العاملين في الشركة أو المؤسسة بصفة عامة، في حين أن عقد العمل يهتم بحقوق العامل المتعاقد خاصة، وتتضمن أدلة وسياسات الموارد البشرية في الشركات والمؤسسات حقوق العاملين فيها بصفة عامة مثل حقوق العاملين في الأجور الشهرية والإضافية والبدلات والمكافآت والعلاوات والترقيات والإجازات السنوية والشهرية والمرضية والعارضة والتأمين الصحي والإجتماعي...إلخ.

وتستمد حقوق العمال المقررة في الأدلة واللوائح النافذة في الشركات إلزاميتها لصاحب العمل في أن هذه الأدلة واللوائح عبارة عن إقرار وإعتراف من صاحب العمل بحقوق العاملين لديه، ويفهم هذا الإقرار من قيام صاحب العمل بالتوقيع على دليل الموارد البشرية أو اللائحة وأمره بالعمل بموجبها.

اما إلزامية ما ورد في الدليل أو اللائحة بالنسبة للعامل فيفهم ذلك من قبول العامل عند التعاقد معه على الإلتزام بما ورد في أدلة ولوائح صاحب العمل بما فيها دليل الموارد البشرية، ولذلك تتضمن كل نماذج عقود العمل في اليمن بنداً ينص على أن (يلتزم العامل بكافة اللوائح والأدلة النافذة في الشركة ويقر بأنه قد اطلع عليها وعلم بمضمونها وآثارها). (محاضرات في الإشكاليات العملية لتطبيق قانون العمل ، أ.د عبد المؤمن شجاع الدين ،ص 15).

ويجوز أن تتضمن أدلة ولوائح صاحب العمل حقوق للعامل أكثر مما هو مقرر في قانون العمل عملاً بالمادة (6) من قانون العمل اليمني التي نصت على أن (تمثل الأحكام الواردة في هذا القانون الحد الأدنى لحقوق العمال وشروط العمل وحيثما وجد نظام خاص لعلاقات العمل بشروط وضمانات أفضل تطبق على العمال أفضل الأحكام الواردة في هذا القانون أو في النظام الخاص).

والنظام الخاص المشار إليه في النص السابق هو دليل وسياسات الموارد البشرية او لائحة الموارد البشرية المعمول بها في الشركة أو المؤسسة.

الوجه الثالث: حقوق العامل المقررة بموجب قانون العمل اليمني:

تضمن قانون العمل اليمني حقوق ومصالح العمال بصفة عامة، ومن هذه الحقوق: الأجور والبدلات والإجازات وأوقات العمل والسلامة والصحة المهنية والتأمينات وغيرها، ومع ذلك فقد نصت المادة (6) من قانون العمل اليمني على ان (تمثل الأحكام الواردة في هذا القانون الحد الأدنى لحقوق العمال).

وبناءً على ذلك لا يجوز الإنتقاص من حقوق العامل المقررة في قانون العمل بإعتبارها تمثل الحد الأدنى، وبإعتبار حقوق العامل المقررة في قانون العمل من النظام العام الذي لا يجوز الإتفاق على خلاف ما ورد في القانون، كما لا يجوز لدليل وسياسات الموارد البشرية أن يخالف ما ورد في قانون العمل.

بيد انه يجوز الإتفاق على زيادة حقوق العامل المقررة في قانون العمل كما يجوز لدليل الموارد البشرية أن يتضمن حقوقاً أكثر للعامل مما ورد في قانون العمل.

الوجه الرابع: إلزامية حقوق العامل بصرف النظر عن مصدرها:

سبق القول بأن مصدر إلتزام صاحب العمل بحقوق العامل قد يكون عقد العمل أو قانون العمل أو دليل سياسات الموارد البشرية أو أية لائحة من اللوائح التي يصدرها صاحب العمل، بيد أن حقوق العامل تكون ملزمة لصاحب العمل وللعامل معاً، وتكون من النظام العام المقرر في قانون العمل، ومقتضى النظام العام انه لا يجوز للعامل أن يتنازل عن أي من حقوقه المقررة بموجب عقد العمل المبرم فيما بين العامل وصاحب العمل أو يبرى صاحب العمل منها حسبما هو مقرر في المادة (7) من قانون العمل اليمني التي صرحت بعدم جواز التنازل أو الابراء من حقوق العامل المقررة في عقد العمل.

 اما اذا كانت حقوق العامل مقررة بموجب الادلة أو اللوائح الصادرة من قبل صاحب العمل فلم يرد في المادة (7) مايفيد منع العامل من التنازل أو الابراء منها، ولذلك يجوز التصالح بشانها فيما بين العامل وصاحب العمل.

الوجه الخامس: معنى التنازل أو الإبراء من حقوق العامل المقررة بموجب عقد العمل المبرم فيما بين العامل صاحب العمل:

نصت المادة (7) من قانون العمل على أن (تكيف علاقات العمل وفق أحكام هذا القانون بموجب الأسس التالية: -1- عدم جواز تنازل أو إبراء أية حقوق مترتبة للعامل عن عقد العمل إذا كان مخالفاً لأحكام هذا القانون)، ويمكن بيان التنازل والإبراء الوارد في النص السابق على النحو الآتي:

أولاً: معنى تنازل العامل عن حقوقه المقررة بموجب عقد العمل:

التنازل في اللغة: هو ترك الشخص لحقه والتخلي عنه ليتسلمه غيره، فالتنازل لا يكون إلا على حق موجود بالفعل وقت التنازل، ولذلك لا يجوز التنازل عن الحق قبل وجوده عند التنازل، فمثلاً لا يجوز للوارث أن يتنازل عن نصيبه في الميراث قبل وفاة مورثه، ولا يجوز للخصم أن يتنازل عن حقه في الطعن في الحكم قبل صدور الحكم ، لأن الحق في الطعن لا يتقرر إلا بعد صدور الحكم وليس قبله ، ولذلك يجب أن يكون محل التنازل حقاً موجوداً ومعلوماً علماً نافياً للجهالة.

وبتطبيق هذا المفهوم على تنازل العامل عن حقوقه فقد سبق أن ذكرنا أن المادة (7) من قانون العمل قد صرحت بأنه لا يجوز للعامل التنازل عن حقوقه المقررة بموجب عقد العمل المبرم فيما بين العامل وصاحب العمل.

ثانياً: معنى إبراء العامل لصاحب العمل من حقوقه المقررة بموجب عقد العمل:

تضمن نص المادة (7) من قانون العمل منع العامل من إبراء صاحب العمل من حقوقه المقررة بموجب عقد العمل المبرم فيما بين العامل وصاحب العمل، ومعنى الإبراء إسقاط العامل لكامل حقه أو حقوقه سواءً أكانت هذه الحقوق معلومة للعامل أم لا ، وسواءً أكانت حقوق العامل موجودة بالفعل وقت الإبراء أو سوف تترتب مستقبلاً بعد صدور الإبراء.

والإبراء بحسب هذا المفهوم أوسع نطاقاً من تنازل العامل عن حقوقه المعلومة والموجودة بالفعل، ومن أكثر صيغ الإبراء المشهورة في اليمن عبارة (فقد تنازل العامل عن أي حق أو دعوى أو طلب لدى صاحب العمل)، فمع أن هذه الصيغة قد تضمنت كلمة (التنازل) إلا أن مضمونها الإبراء، والإبراء أكثر خطورة ومساساً بحقوق العامل، ولذلك فقد منعه قانون العمل اليمني. (محاضرات في الإشكاليات العلمية لتطبيق بعض نصوص قانون العمل، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص9).

الوجه السادس: نطاق حظر تنازل العامل وإبرائه لصاحب العمل:

صرحت المادة (7) من قانون العمل بمنع تنازل العامل أو إبرائه لصاحب العمل من حقوقه المقررة بموجب عقد العمل المبرم فيما بين العامل وصاحب العمل إذا كان ذلك التنازل والابراء مخالفاً لأحكام قانون العمل ، حسبما ورد في النص السابق، ومعنى ذلك أن التنازل أو الإبراء يكون جائزاً إذا لم يكن مخالفاً لقانون العمل، بيد أن قانون العمل ذاته قد صرح في المادة (6) بأن حقوق العامل من النظام العام الذي لا يجوز المساس به أو الإتفاق على خلافه، ومؤدى ذلك وحصيلته إنه لا يجوز للعامل التنازل عن حقوقه المقررة بموجب عقد العمل المبرم فيما بين العامل وصاحب العمل أو إبراء صاحب العمل منها، اما إذا كانت حقوق العامل مقررة بموجب ادلة صاحب العمل فيجوز للعامل التنازل عنها ، وقد سبق لنا التعليق على حكم صادر عن المحكمة العليا باليمن قضى بإبطال الحكم الاستئنافي لقضائه بإعتماد الصلح الذي تم في جلسة الشعبة الاستئنافية فيما بين العامل وصاحب العمل الذي تضمن تنازل العامل عن بقية طلباته المتعلقة بحقوقه المترتبة عن عقد العمل فيما بيه وبين صاحب العمل. (التعليق على أحكام المحكمة العليا باليمن في المسائل العمالية، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص305).

الوجه السابع: عدم جواز الصلح فيما بين العامل وصاحب العمل إذا تضمن الصلح إبراء العامل أو تنازله عن حقوقه المقررة بموجب عقد العمل المبرم فيما بين العامل وصاحب العمل:

نصت المادة (668) من القانون المدني اليمني على ان (الصلح عقد يرفع النزاع ويقطع الخصومة يحسم به الطرفان نزاعاً قائماً أو يتوقيان به نزاعاً محتملاً وذلك بأن يتنازل كل منهما عن جزء من إدعائه)، فالصلح عبارة عن إسقاط أو تنازل من قبل الشخص عن بعض حقوقه، وبناءً على هذا النص لا يجوز لصاحب العمل الصلح مع العامل إذا تضمن الصلح تنازل العامل أو إبرائه لصاحب العمل من حقوقه المقررة بموجب عقد العمل المبرم فيما بين العامل وصاحب العمل تطبيقاً للمادة (7) من قانون العمل التي منعت العامل من التنازل عن حقوقه أو الإبراء منها إذا كانت مقررة بموجب عقد العمل ، حسبما سبق بيانه.

الوجه الثامن: الصيغة البديلة للصلح فيما بين العامل وصاحب العمل:

منذ منتصف 1995م والشركات والمؤسسات التجارية في اليمن التي تمتلك خبرات قانونية فنية عملية تستعمل هذه الشركات والمؤسسات صيغة بديلة للصلح فيما بين صاحب العمل والعامل ، وهذه الصيغة هي : عبارة عن إقرار ومخالصة نهائية أو سنوية يقر فيها العامل بأنه قد استوفى أو اقتضى كامل حقوقه عن السنة الماضية أو عن سنوات خدمته السابقة وانه لم يعد له أي حق أو طلب أو دعوى قبل صاحب العمل، ويتم تحرير هذا الإقرار بخط وتوقيع العامل. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في المسائل العمالية، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص254). والله أعلم.

مدى جواز الصلح بين العامل وصاحب العمل في القانون اليمني
مدى جواز الصلح بين العامل وصاحب العمل في القانون اليمني